تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

بروفيسور حسن مكي وقراءة تاريخ السودان بصوت الانقاذ بقلم سارة عيسي

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
9/21/2005 6:07 م

لوحظ في هذه الايام كثرة اطلالة البروفيسور حسن مكي علي شاشة التلفزيون السوداني لمناقشة أزمة الهوية السودانية ، ولم يأتي ذلك من قبيل الصدفة بل هو أمر مقصود عندما أكتشف رجال الانقاذ بعد خمسة عشر عاما من الحرب والاقتتال بأن هناك أزمة هوية سوادنية معلقة تحتاج الي الحل السريع ، ولم يتبقي من كوكبة مفكري الانقاذي سوي بروفيسور حسن مكي ليثبت لأهل السودان جميعا من نمولي الي دنقلا بأنهم عرب وليس أفارقة وان كل تاريخ كتب عن السودان يعتبر كذبة واسطورة اذا لم تمطره سحائب العروبة من متنها الهطول ، وفي خلال هذا الشهر تمت استضافة حسن مكي أكثر من خمس مرات من أجل تناول نفس الموضوع وهو هوية السودان العربية ، وكما قلت سابقا أن حسن مكي يعتبر رجلا سياسيا من الدرجة الاولي ولكنه يتخفي خلف القناع الاكاديمي من أجل تسويق نظرياته السياسية في الحكم والدولة والهوية ، و لم تكن الهوية السودانية محل جدل أو نزاع في أوساط النخب الحاكمة في السودان علي الرغم أن هذه الامر الشائك لم تحسمه كتب الجغرافيا والتاريخ ، ولكن حكومة الانقاذ أستطاعت أن تحسمه عن طريق البندقية والسلاح وقد قالها الغازي صلاح الدين في احدي جولات المفاوضات مع الحركة الشعبية حيث قال : (( ان الهوية السودانية في الشمال قد تحددت بالاسلام والعروبة ومن يري غير ذلك فليشرب من ماء البحر )) ، ولا أحد يمل من الجدل العلمي الدائر حول عروبة السودان من افريقيته لأن أرفف المكتبات ومصادر التاريخ تعج بالكثير من الحجج والروايات حول اصل الشعوب وتنقلها بين البلدان عبر قرون التاريخ ، ولكن الازمة تجد طريقها للتصاعد عندما تكشف الاطراف المدعية عن تصوراتها وأحلامها وتعمد الي حمل السلاح من أجل حسم قضايا حساسة مثل الدين والثقافة والانتماء العرقي ، والانتماء الي النسب العربي ليس عيبا في حد ذاته ولكن العيب أن ينكر الانسان أصله الحقيقي ويغالط لون بشرته ليزعم بأنه عربي يزاحم قريش في نسبها الشريف وفي مكانتها المرموقة بين قبائل العرب ، والمشروع العربي في السودان قام علي الادعاء الكاذب ولم يقم علي نظريات الاجتماع والطب والتي تستدعي عمل دراسة مستفيضة لاعضاء جسم الانسان السوداني مثل الانف وحجم الشفتين وتقاطيع الجمجمة ولون البشرة والشعر واجراء تدقيق في كروزومات الدم لنجزم بصورة قاطعة لأي جنس بشري نحن ننتمي ؟؟ .. هل نحن عرب أم أفارقة .. أم هجين مستحسن ، وما يقوله حسن مكي عن عروبة السودان واصراره علي ذلك هو دعوة عنصرية من أجل تمييز جنس محدد علي جنس آخر مضطهد بسبب لعنة اللون العرقي ، وهذه القضية لا تشكل هاجسا لانسان الشارع السوداني الحالي والذي تطحنه الان كل أزمات الحياة اليوميه ، فهو ليس في حاجة الي وسيلة تعيده الي عبادة وثن الذات الجماعية القومية وان نفخ فيها سامري الانقاذ حسن مكي بملء شدقيه ، ونحن نحاول الان أن نرقع ثوب العروبة المملوء بالثقوب حتي نواري سواءة انتمائنا الي وطننا الافريقي الام وقد قالها شكسبير مرة عندما تكون في روما فأفعل ما يفعله الرومان .
واذا أفترضنا جدلا بأن السودان بلد عربي الاصل وتنحدر قبائله الرصينة من جهينة وهوازن وتغلب وبكر وربيعة ، وان هذه السمرة التي أعتلت أجسادنا ليست ناتجة عن شئ سوي ضربات الشمس المحرقة وسوء التغذية والافراط في تناول الكلوركين وحبوب البندول ، وربما نجني بعض فوائد العروبة اذا أمسكنا بالحاسبة والقلم وسألنا هل سيخفض ادعائنا للعروبة نسبة الديون الاجنبية المتراكمة علي السودان ؟؟ وهل سيقلل من حالات الاصابة بمرض الايدز المهملة في مستشفيات الخرطوم ؟؟ وهل يحابي ميكروب الملاريا مرضاه بسبب اختلاف الوان بشرتهم ليترك العرب الشرفاء لينهال علي دم الافارقة تكسيرا وتقطيعا ؟؟ وهل من الممكن أن تحفظ العروبة في ثلاجة وتصبح حليبا بتناوله الرضيع قبل أن يغرق في النوم العميق ؟؟ لن توفر العروبة المكذوبة كل ذلك ولكنها قادرة علي تحويل السودان الي دويلات يحدها نوع الجنس البشري وليس خطوط العرض والطول ، السودان بلد مقبل علي التمزق والافتئات وفي اثناء تشكيل حكومة الوحدة الوطنية أندلعت الحرب في دارفور وسط أنباء عن سقوط بعض المدن في يد المتمردين ، كل الحروب القديمة والقادمة سببها تافه اذا تأملناه من حيث دعوات الحرب والتي في الغالب تأخذ أشكال حسم الهوية وسيادة عرق مالك لزمام الحكم علي عرق آخر مهمش لا نصيب له من السلطة والثروة ، ولكن هذا الهاجس والشر المحدق بالسودان لا يهم رجال الساسة والفكر فأبتدعوا قصة الهوية المجهولة ليدخلوا المجتمع من جديد في أتون جدل بيزنطي ممل ايهما خلق قبل الاخر .. البيضة أم الدجاجة ؟؟ ، أنهم بذلك يتخطون قضايا الشارع اليومية واحساس المواطن بعدم الامان ليجرونا الي بحر من الجدال لا يحده ساحل واحد بل امواج متلاطمة ومد وجذر لا نستبين فيه وجه الحقيقة ، فاذا كان السودان عربيا أو أفريقيا فما هو الفرق بالنسبة لطالب المدرسة الذي لا يجد وسيلة المواصلات أو ربة المنزل التي نفذ منها الغاز قبل أن ينضج الطعام أو المريض الملقي في رصيف المستشفي ولا يوجد من يدفع له ثمن الدواء ، وكل قضايا الفكر التي تتجاهل أزمات حياتنا اليومية تعتبر نوعا من الترف البغيض ولن يقبل عليها الناس وان تزينت بزينة قارون في يوم الخسف .
وهم العروبة المفقودة في السودان جعل التلفزيون القومي اذا صح التعبير يستضيف حسن مكي عدة مرات في الاسبوع وكأن بلادنا تواجه أعاصيرا مدمرة مثل كاترينا وريتا وتسونامي ، وهذه الحلقات أصبحت مثل المسلسل اليومي حيث يبث أرشيف التلفزيون السوداني حلقات قديمة لمفكرين تمت استضافتهم في السابق يحملون رايا مغايرا للبروفيسور حسن مكي ويطلب من الاخير بأن يرد علي حججهم ، وقد حدث ذلك يوم أمس حيث أقتطع التلفزيون محاور مختصرة بدأ فيها المفكر فرانسيس دينق وهو يشرح رؤيته حول بعض قضايا السودان وباسلوب مستهجن اتكأ البروفيسور حسن مكي علي مقعده الوثير وبدأ في قتل اراء الاستاذ/فرانسيس دينق والغائب اصلا عن لجة الحوار ، وأنا استغرب لماذا يقوم التلفزيون السوداني باستدارج المثقفين الجنوبيين ويحتفظ بالحلقات ليس بغرض التوثيق بل بغرض عرضها للمرة الثانية و اثناء غيابهم علي الذين يخالفونهم في الفكرة والرأي .. ولماذا لا يتصل التلفزيون السوداني هاتفيا بالسيد /فرانسيس دينق في مكتبه لجعله يتحاور مع حسن مكي علي الهواء بدلا من بث خياله علي شاشة التلفاز ؟؟ واين كان حسن مكي عندما تمت استضافة فرانسيس دينق ؟؟
والدكتور فرانسيس هو مؤلف كتاب ( صراع الرؤي ) حيث شرح في طياته وجهات نظره حول قضايا السودان الشائكة فلماذا لا يلجأ البروفيسور حسن مكي الي أسلوب التأليف ليدحض الحجة بالحجة بدلا من نقد كتابات الاخرين في الفضائيات ، و القلم والقرطاس أفضل بكثير من اجترار الذكريات علي شاشة التلفزيون ، وحسب معرفتي بحسن مكي بأنه لن يلجأ للكتابة والتأليف من أجل اثبات نظرياته حول العروبة ، وفي الفضائيات هناك مجال متسع لانكار الرؤي بتعييب المشاهد والقول بانني لم أقصد ذلك بل كنت أقصد العكس تماما .
ويقول حسن مكي في رؤيته الجديدة للتاريخ :
ان الصومال تعيش فيها قومية واحدة
ان اللغة الانجليزية عمرها مائة أو مائتي سنة
ان البدو قد أحرقوا مملكة علوة ، وان الامام المهدي أحرق الخرطوم ونقل الطوب الي امدرمان ، وأن أحداث يوم الاثنين (الاسود) هي جزء من مسلسل الحرق المتبادل في تاريخ السودان .
ومن خلال القاء نظرة سريعة علي هذه المغالطات نجد أن بروفيسور حسن مكي يواجه مشكلة كبيرة في المعلومات لا يعود السبب فيها الي عدم اطلاعه بالمراجع العلمية بل السبب هو تآكل موضوعيته العلمية بسبب الظلال السياسية الملقاة علي أرائه ، ولا أظن أن اللغة الانجليزية يعود عمرها الي مائة أو مائتي سنة كما زعم حسن مكي ولكنني سوف أترك الرد علي هذه المغالطة لأهل اللغويات ليطلعونا علي العمر الحقيقي لهذه اللغة ، أما قصة القومية الواحدة في الصومال فقد سمعت الرئيس البشير يقول نفس الكلام وهو يخاطب أهل دارفور ويبدو أنهما يتشاركان نفس المعلومة المغلوطة، وقد رجعت الي أطلس البشرية فوجدت أن هناك قوميتان مختلفتان تعيشان في الصومال وهما قومية (الصومال) والتي تشكل 85% وقومية البانتو والعرب والتي تشكل 15 % من عدد السكان الكلي ، ولا يوجد بلد في العالم تسكنه قومية واحدة ، فحتي قبيلة قريش في مكة كانت لها فروع وبطون وأفخاذ ولا أدري من اين أتي عالمنا حسن مكي بهذه المعلومة والتي تعكس عدم المامه بحقائق الجغرافية وشواهد القرن الافريقي والتي يعتبرها من صميم تخصصه .
اما قصة يوم الاثنين والذي وصفه بالاسود كما تزعم صحافة الانقاذ فهو ايضا يجاري العتباني في نظرياته عن خاصية هذا اليوم ، فهماسوية يعتبرانه امتدادا تاريخيا لصراع الحضارات وليس حادثا عرضيا سببه اخفاق الدولة في معالجة اعلان وفاة الراحل قرنق ، واتمني في المرة القادمة أن يبث التلفزيون السوداني حلقات د.مصطفي محمود عن عالم الحيوان بدلا من اضاعة الوقت في استضافة حسن مكي ليزور لنا التاريخ والاحداث لتتلاءم مع رؤيته وتوجهاته واتمني أن لا تترك مسألة الهوية لشخص واحد يحددها لنا وفق منظوره الخاص و علي طريقة فرعون حين خاطب قومه (( لا أريكم الا ما أري .. وما أريكم الا سبيل الرشاد )) ، وان كانت مسألة الهوية مقلقة وتمثل أوليات المرحلة الراهنة فيجب استدعاء كل المتخصصين في مؤتمر جامع حتي نبت فيها بصورة قاطعة ، ومن الممكن دعوة البروفيسور عبد الغفار محمد أحمد صاحب كتاب الوحدة في التنوع والبروفيسور محمد يوسف عباس والبروفيسور/بلقيس البدري وغيرهم من علماء الاجناس والاجتماع في السودان حتي ننقذ هوية السودان من اعتداءات حسن مكي السافرة
سارة عيسي
[email protected]

للمزيد من االمقالات
للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved