الميرغني لم يصم عن السياسة 16 عاماً لـ (توزير) الشيوعيين
كيف يتحدث من أمم الصحف عن الحريات والديمقراطية ؟
المؤتمر الوطني يحتاج إلى برامج موضوعية لا تظاهرات سياسية
.. هناك قوانين واجتهادات ومحاولات كثيرة لايجاد قانون لحركة
... لعل من واردات الأسابيع الماضية وكانت له دلالة إنعقاد مؤتمر القوى الجنوبية برمبيك لرسم خارطة دستور حكومة الجنوب ترجمة لمفردات إتفاقية السلام . ولعل أهمية هذا التجمع الجنوبي أنه ضم مكونات النخب الجنوبية كافة ولم يستثن من ذلك إلا من أبى.
والأمر الثاني يبدو أن الوعي الجنوبي بدأ يسير في طريق التكامل والتعاون ولم يستسلم لصدمة فقدان الدكتور جون قرنق وإنما أصبح ينحو منحى مؤسسياً .. وقد برز هذا في منهج كتابة دستور حكومة جنوب السودان الإنتقالي . والأمر الثالث في الأهمية يبدو في أن النخب الجنوبية تعارفت فيما بينها .. سواء كانت النخب المعارضة لطريقة إدارة د. جون قرنق أو النخب التي كانت مغيبة وهذا من ناحية الروح التي إنتظمت مؤتمر رمبيك لكتابة مسودة دستور حكومة الجنوب.
أما من ناحية القرارات التي توصل إليها المجتمعون فقد كانت إيجابية.. أولاً لأن مسودة الدستور جاءت خالية من أن اللغة الإنجليزية وحدها هي لغة أهل الجنوب الرسمية .. إذ وقفت النخب الجنوبية (وقفة) قوية ونادت بأهمية تثبيت اللغة العربية وحفظ مكانتها وإعطائها أولوية حتى على اللغة الإنجليزية لأنها لغة أهل السودان ولغة التواصل بين كل مكوناته ولأن معظم الجنوبيين يتحدثون باللغة العربية فهي لغة التعليم الآن على مستوييه العام والعالي . وأن (80%) من طلاب الجنوب الآن يتحدثون ويدرسون بالعربية .. ولا يفوتنا هنا سبق الاشادة بالدكتور (كولدا ماتير) أستاذ القانون في جامعة الخرطوم الذي قيل إنه أوضح لأهلنا الجنوبيين ذلك. وكذلك كان هناك عدد من أساتذة القانون الجنوبيين وهذا ما دعانا للقول بأن النخب الجنوبية أصبحت على قدر الموقف وعلى قدر المسئولية.. وما عادت تزاود وتزايد في القضايا المصيرية والأساسية. ثم جاء الأمر الثاني حينما تم التطرق لأمر تعريف (جنوب السودان) حيث كان قد ترك هذا الباب مفتوحاً وذلك إمتداداً للعقلية القديمة التي كانت ترى الجنوب في إطار المناطق الثلاث وفي إطار الأحلام والأماني والتمدد والتوسع .. ولكن النخب الجنوبية التي اجتمعت لاسابيع طويلة في رمبيك إنتبهت وذكرت بأنها لا تقبل بذلك وتم الانتهاء لتعريف وصيغة تواضع عليها الجميع وهي أن جنوب السودان جزء من جمهورية السودان وأنه يتكون من الاقاليم الثلاثة حسب ما حددها دستور الاستقلال في 1/1/1956م.
أما الأمر الثالث فهو إتفاق المؤتمرين على أن يعرض الدستور قبل أن يوقع عليه النائب الأول لرئيس الجمهورية رئيس حكومة الجنوب على النائب العام للحكومة السودانية لاعطائه شهادة البراءة بأنه لا يتعارض مع إتفاقية السلام ولا مع الدستور الانتقالي.
إذاً نحن نشيد بهذه الروح .. كما أن النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب الفريق سلفاكير ميارديت كان منتبهاً إلى أن منصب رئيس برلمان الجنوب سيكون للاستوائيين ومما بلغنا ربما يكون جيمس واني. وبمثل ما أفرحنا ذلك أفرحنا ما ورد إلينينا أنه ربما يتم اختيار اللواء جوزيف لاقو لمنصب رفيع وكل هذه إشارات تدل على حكمة قيادة حكومة الجنوب الجديدة في لملمة الصف الجنوبي وتوحيده وهذا من ناحية.
انعتاق وتحرر
ومن ناحية أخرى فإن هذا الموقف في المسألة الجنوبية يعني أن النخب الجنوبية ما عادت تقبل بالذين أرادوا توظيف قضية الجنوب توظيفاً سياسياً والذين أدرجوا (الجنوب) كأجندة في برنامجهم السياسي وبعدما تم توقيع إتفاقية السلام حاولوا توظيفها لنيل كسوبات شخصية ومادية بالاتفاق مع شركات توظيف الاموال وجلب سماسرة السوق العالمي وسماسرة الـ (Commision) وهكذا فإن الجنوب الآن بدأ ينعتق ويتحرر من قبضة اليسار.. ولعل هذه هي المرة الرابعة في تاريخ السودان تحدث فيها (إنتفاضة) على اليسار بصورة تقود وتؤدي إلى (دفنة) محترمة للعقل اليساري الذي يحاول ويريد أن يبعد السودان عن ميراث قلبه وضميره .. ويبعد السودانيين عن مفهوم الوطنية والقومية في صيرورتهما ومساريهما التاريخيين.
وهذا يدعونا إلى تنبيه معشر الإسلاميين وتنبيه الوطنيين إلى أن أول إنتفاضة برزت ضد العقل اليساري ومخططاته كانت قبل جلاء الإستعمار.. وكانت تحديداً وسط المتعلمين .. وأكثر تحديداً وسط جامعة الخرطوم في العام (1951م) حينما نهضت حركة التحرير الإسلامي بقيادة المرحوم بابكر كرار والاستاذ محمد يوسف محمد ضد (مؤتمر الطلبة) الذي كان يهيمن على إتحاد جامعة الخرطوم ومن خلال مظلة جامعة الخرطوم كان يرهب المتعلمين ويرهب الحركة السياسية .
ولكن حركة التحرير الاسلامي استطاعت أن تنتزع مقاعد الاتحاد العشرة من مؤتمر الطلبة الشيوعيين واليساريين. وأصبح المرحوم الرشيد الطاهر بكر أول رئيس إسلامي لاتحاد جامعة الخرطوم.
إذاً الثورة والانتفاضة ضد الشيوعية بدأت وسط المتعلمين . أما الإنتفاضة الثانية فكانت في إطار ثورة أكتوبر حينما إنتفض العقل الإسلامي وحاصر التمدد الشيوعي وكشف (الإلحاد) الشيوعي والديالكتيك الشيوعي مما أدى إلى حل الحزب الشيوعي كما هو معلوم.
أما إنتفاضة الشعب السوداني الثالثة كانت في (يوليو 1971م) ضد التآمر والاستبداد الشيوعي وضد محاولات الشيوعيين الانفراد بحكم السودان وفرض مناهجهم وأفكارهم ومؤسساتهم..
عهد جديد
أما ما يعبر عنه الكتاب والمفكرون والساسة الوطنيون هذه الايام فربما يمثل بداية مشروع لانتفاضة رابعة بعد اتفاقية السلام وإستشراف البلاد لعهد جديد.. وربما يمثل رداً طبيعياً للانتفاضة المحمية بعد سقوط طائرة الدكتور جون قرنق .. ولعل إشعاعات نور هذه الانتفاضة الرابعة التي جعلت أهل اليسار والشيوعيين ينكمشون ويولولون ويتصارخون وينوحون عندما يتصدى الكتاب الوطنيون بأفكارهم وتحليلاتهم التي فاجأت الشيوعيين بإستفزازها لهم وبكشفهم في رد فعل مثل (مقلوباً) للانتفاضة المحمية التي خططوا لها في يوم الاثنين الأسود.
ولعلنا نعتقد الآن أن دستور حكومة الجنوب وما برز في الجنوب هو تطويق للمد الشيوعي .. ورغم علمنا بأن الشيوعيين تمددوا باسم الحركة الشعبية ودخلوا مؤسسات الدولة وأنهم يحاولون الآن من خلال السيد محمد عثمان الميرغني ومن خلال ما يسمى بالتجمع الديمقراطي الدخول إلى البرلمان والى الوزارة من خلال هاتين القناتين إلا أننا نعتقد أن هناك موقفاً مشابهاً لموقف القيادة الجنوبية الجديدة برز لدى السيد محمد عثمان الميرغني مفاده أنه لم يصم عن السياسة لمدة ستة عشر عاماً ولم يذهب إلى متاهات أريتريا ولم يدخل في هذا النضال السياسي الطويل من أجل (توزير) الشيوعيين والتمكين لليساريين وستكشف الأيام ذلك .. وحتى ان دخلوا فإنهم سيدخلون بنصيب ضئيل ربما من خلال (القناتين) لأن هنالك حسابات خارجية وأخرى داخلية قد تؤدى إلى ذلك. وقد تتبدل أفكار هؤلاء بحكم ضغوط الواقع السوداني الجديد كما بدل كثير من قيادات الحركة الشيوعية قناعاتهم وارتموا في أحضان مؤسسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وهاجروا إلى أمريكا وأوروبا واستمسكوا بشعاراتها الليبرالية وأخذوا يتنادون بالديمقراطية والحريات فسبحان الله مبدل الحال إلى حال .. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فاننا نشير إلى قضية مهمة أخرى وهي السلوك الشيوعي (المتسمر في مكانه).. والمحاولات العديدة التي ينتهجها الشيوعيون لطعن صاحب هذا القلم على صفحات الجرائد وعلى مواقع الشبكة الدولية للمعلومات (الإنترنت) .. ولعل هذا منهج وسط الشيوعيين قديم برعوا فيه أو هكذا يظنون لاغتيال الشخصيات أو إرهاب خصومهم السياسيين .. لكنهم يتناسون أن هناك أجيالاً جديدة تمثل الجيل الثالث في الحركة السياسية السودانية فهمت هذه الألاعيب السياسية الرخيصة .. وأن البيت الزجاجي الشيوعي لا يمكن أن يأتيها بالمفيد .. خصوصاً وأن هذا البيت لم يصمد حتى ضد هجمات أهل البيت الشيوعي نفسه من شباب الجيل الجديد فتفرقت بهم السبل وأصبحت الفصائل الشيوعية نفسها مثل العشائر الصومالية كما ذكرنا في مقال سابق.
ولعل محاولات إلصاق تهم الجهل والقبح والإتهام بلي عنق الحقيقة على رؤوس الأشهاد لاتجدي نفعاً مع هذا الجيل الثالث في الشارع السياسي السوداني.. ولعلنا في ذلك نشير إلى ذلك الاستاذ والصحافي الكبير والعريق والقديم الذي بدأ مثل هذه الإفتراءات هذه الأيام وكنا قد أمسكنا القلم عن من يسودون صفحات الإنترنت بافتراءاتهم علينا لقناعتنا بان الرد عليهم سيعطيهم قيمة لا يستحقونها.
حسرة شريك
لكننا اليوم لن نمسك القلم عن من قذفنا في إصدارة سودانية نعتز بتاريخها وبزمالتها وباستقلالها وبريادتها وبتاريخ مؤسسها وأفضاله على الصحافة السودانية واستاذيته علينا.
وبداهة نتذكر جيداً المثل الشعبي (إذا كان بيتك من زجاج فلا تقذف الناس بالحجارة).. ولعل الأستاذ المحترم لا يتحمل رمى حجارتنا التي نغلفها بتاريخه الناصع في إتاحة الحريات للعباد وعدم تكميم الأفواه وعدم إتهامه للقوى الحديثة والمتعلمة بالرجعية والتخلف والجهالة!! ..
ولعل الأستاذ الكبير وهو يتحدث الآن عن الحريات وعن الديمقراطية وينصب من قلمه مدافعاً عن الديمقراطية .. ويرد على أحد مقالاتنا بإيراد جزء من نص مكتوب هو لأحد (الكتاب) ولا يذكر اسم الكاتب ربما مهابة أو توجساً ويصفه بالإبتلاء والعبث وبالمغالطة الأشد قبحاً. ونحن الآن عندما نرد عليه نساير منهجه في عدم ذكر اسمه لكن ليس مهابة ولكنها ربما عدم إعطاء قيمة لتاريخ هذا الاستاذ المحترم فتاريخه لم نجد فيه ما يشرف أهل القلم وأهل الصحافة. والاستاذ الكبير عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي ينسى أو يتناسى عمداً في رده علينا أنه عندما كان وزيراً في الحقبة المايوية اليسارية كان أول من كمم الأفواه وأمم الصحف ووصف أصحابها بالرجعية ووصفها بنقل الأفكار الهدامة .. ولكن إذا نسى الأستاذ الصحفي الكبير أو تناسى فإن ذاكرة الشعب لا تنسى ..خصوصاً وأن الاستاذ تنكر لأستاذه مؤسس صحيفة الأيام إذ رد إليه الجميل بأن أدرجها في قائمة التأميم .. حتى أن الاستاذ الكبير بشير محمد سعيد يرحمه الله وهو في السجن كان يتحدث وبحسرة عن أحد شركائه الذي خانه وقضى عليه بقضائه على صحيفة (الأيام) وتأميمها.. ولأن (الأيام) كانت هي حياة بشير محمد سعيد.. ولأن (الأيام) كانت سجل كفاحه .. فعندما تم تأميمها وبيعها مقايضة لنيل منصب وزاري كان هذا خنجراً سدد إلى قلب المرحوم بشير محمد سعيد .. ولعله إلى أن توفى لم يغفر لمن سدد إليه هذا الخنجر الأليم .. وبدلاً من أن يناصره ويكافئه على إدخاله كشريك بلا ثمن مدفوع حيث كان وقتها لايملك ثمن الشراكة إلا أنه خذله وإنقلب عليه . ولذلك عندما يشير الأستاذ إلى مقال كتبه الراحل العظيم الاستاذ بشير محمد سعيد بعنوان (صحافة - رعناء في أيد جاهلة) ليقذفه في وجهنا نتعجب كثيراً لسياسة لي عنق الحقيقة ويجعلنا نطمئن على أن ذاك القلم الأرعن تمسك به يد جاهلة لم تتعلم من التاريخ ولم تتطور ونحمد الله كثيراً على أن هذا الوصف لا ينطبق إلا على جزء محدود ومنبوذ من كتاب صحافتنا الذين (راح عليهم الدرب) وهم يتوجهون صوب المدافن.
ملفات مفتوحة
ولا ننسى الإشارة إلى تلك السفارة السودانية التي تقلدها شخص ما في جوارنا الجنوبي وكيف أن هذا الشخص (نهب) أموال السفارة كما نهب مبادرات وجهود رواد الصحافة السودانية الشرفاء بحجة توظيفها في العمل والحياة السياسية. ولا تزال أموال السفارة هذه وملفاتها مفتوحة لدى وزارة الخارجية .. ويوم تعرض آلاف الدولارات التي بددت وأكلت سيعلم الشعب السوداني حقيقة أولئك العجائز الذين يقتربون من حافة القبر بدون توبة وبدون أوبة وبدون مراجعات لا مع النفس ولا مع العقل.. وكيف يراجعون عقولهم وأنفسهم وقد توطنت على الظعينة المزدوجة وعلى حب الذات وعلى المتاجرة بالقيم فهاهم الديناصورات الذين وأدوا الديمقراطية وأمموا الصحف ونهبوا أموال السفارات يتحدثون اليوم عن الحريات وعن الأمانة ويريدون من الناس أن يذودوا عنهم .. وكيف يذود الشعب السوداني عن شجر إبتلى المرّ من ثمره. وعذراً سيدي ووالدي وأستاذي إسماعيل العتباني وعذراً أساتذتي الأجلاء المرحوم (أبو الصحف) احمد يوسف هاشم والمرحوم الاستاذ بشير محمد سعيد والمرحوم الاستاذ عبد الرحمن مختار ومعذرة لاستاذنا صاحب القلم الذهبي محجوب محمد صالح على خروجي عن النهج الوقور للـ (الرأي العام) ولكنها أمانة التكليف الذي أوجب على الرد على إفتراءات الذي وأد الصحافة السودانية في العام (1970) وسرق أعز ما لديكم وشوّه سجل كفاحكم وأنزلكم من كراسي الريادة للصحافة السودانية الوطنية المستقلة .
رؤى جديدة
ولعل هذه الكلمات المكلومات لا تجعلنا نغض الطرف عن المؤتمرات التي ننتمى إليها وعن التنظيم الذي نراه مصدراً للخلاص وملاذاً وطوقاً للنجاة وصمام أمان لمستقبل السودان. ولعلنا نعتقد أن منتديات ومؤتمرات المؤتمر الوطني رغم نجاحها من ناحية إعداد الأوراق والمكان وتقديم الدعوات.. إلا أن ملاحظاتنا عليها أننا نخشى أن يغشاها طابع الإرتجال وأن تكون البحوث والدراسات والأوراق قد تنزلت من الجهاز التنفيذي على المؤتمرات بينما كان ينبغي أن يكون العكس بحيث تتنزل الأوراق من أسفل من القواعد إلى اعلى إلى القيادة وأن تكون مدارس الحزب ورؤاه وتقييمه للموقف مستشفاً من رؤى القواعد .. سواء كان الموقف السياسي أو الاقتصادي أو اليومي أو الاجتماعي والثقافي .. ومن خلال رؤى نقدية تحليلية يتم إبراز الرؤى الجديدة وتدشينها كرؤية تتنزل كبرنامج ثم تعرض على الأجهزة ونأمل من كل ذلك أن يتم من خلال المؤتمر العام الجامع المزمع انعقاده في نوفمبر أن لا يصبح مجرد محتشد للتعبئة فالأعضاء معبأون. ولا يكون مجرد تظاهرة سياسية فالمؤتمر الوطني لا يحتاج إلى مظاهرة سياسية وإنما يحتاج إلى الرؤية الموضوعية والبرنامج الموضوعي ويحتاج أن يتواءم خطابه مع مطلوبات المرحلة وتحدياتها وما فيها من تدخلات خارجية وضغوط لابد من الاستمساك بالرؤية العلمية والرؤية الموضوعية التي تستلزم تحديد الأهداف والأولويات وإمتلاك إرادة التغيير والتنزيل على أرض الواقع. وما زال هناك متسع لهذا العمل الكبير خصوصاً وأن نائب رئيس الجمهورية الاستاذ علي عثمان محمد طه وبحكمته المعتادة بشر أعضاء منتدى القطاع السياسي داعياً لاقرار مبدأ الشورى والعدل والمحاسبة لتدعيم مسار حياة سياسية راشدة يكتب عنوانها الاصلاح السياسي.
ولا يزال هناك متسع لهذا العمل على مستوى الجنوب والشمال ونحن نعتقد أن الجنوب الآن يحتاج للشمال. ولعل اجتماع النخب الجنوبية في رمبيك قد كشف لهم واقع الجنوب خصوصاً أننا نرى اخواننا الجنوبيين الآن أصبحوا يهجرون رمبيك ونيوسايت والمدن الجنوبية ويتكدسون في الخرطوم بين القرين فلدج والهيلتون.. ونتمنى الآن أن تبرز هجرة معاكسة الى الجنوب لفتح الطرق وإعمار المدارس وإعادة الجامعات وبدء التنمية. ولنبدأ بتحويل الأموال الآن لفتح الطرق بين الشمال والجنوب وتحديث السكك الحديدية بين واو وبابنوسة حتى يعود القطار رمزاً للتواصل اسبوعياً كما كان وهذا يحتاج إلى عمل وإلى والاموال الموجودة الآن في قسمة الجنوب في جانب الثروة . وكذلك لابد من نزع الالغام وبدلاً من الحديث عن الغرف التجارية التي تأتي من كينيا وغيرها- ولا بأس في ذلك - ولكن لابد أن تكون الأولوية للغرفة التجارية في الخرطوم هنا. ولابد أن يعقد مؤتمر تجاري إقتصادي ضخم يضم أهل السودان كافة شمالاً وجنوباً لفتح مسارات التجارة في الجنوب الذي بدون تجارة سيكون مزرعة خربة وأرضاً يباباً ولن تبرز فيه سياسة أواقتصاد أو اجتماع.
تحولات مرتقبة
وفي إطار كل هذه القراءات نرجو عندما يصل المقال أيدي القراء تكون الحكومة الجديدة قد برزت.. حكومة السنوات الست القادمة التي ستدير مهام المرحلة الانتقالية ولعل أهم التحولات المرجوة سيكون التحول السياسي خصوصاً وأننا على أبواب تقرير المصير وعلى أبواب ما يسمى بالوحدة الجاذبة التي قلنا من قبل بقدر ما هي من مسؤوليات الشمال إلا أن المسئولية الأكبر تقع على عاتق شعب الجنوب ولابد أن يحدد العقل الجنوبي منذ الآن إسهامه ودوره في الوحدة الجاذبة . ولذلك نحن نثمن ما برز عن مؤتمر رمبيك لاعداد مسودة الدستور خصوصاً وقد نمى إلى علمنا أن (السلاطين) رفضوا حتى فكرة وجود تقرير المصير..
ولكننا نقول لهم إن تقرير المصير أصبح أمراً واقعاً وحقيقة وأصبح التزاماً محلياً واقليمياً ودولياً.
إذاً فليعمل الجميع على ترسيخ الوحدة وتثبيت دعائمها وكما قلنا في مقالات سابقة على العقل السياسي أن يفكر منذ الآن في إطار الانتخابات القادمة كيف سيتم تمثيل القوى الحديثة ؟ وكيف سيتم تمثيل المرأة ؟ وأي نظام انتخابي ستختار ؟ .. اتختار نظام القوائم أم التمثيل النسبي أم الحر المباشر .. وما هو النظام الذي يتواءم مع طبيعة أهل السودان حتى يتم استيعابهم واستيعاب كل المعادلات السياسية في اطار العملية الانتخابية حتى تأتي حكومة قومية مستوعبة لمقومات القومية السودانية والوطنية السودانية كافة .
إذاً المهام كبيرة والحكومة القادمة معلق عليها آمال كبيرة آمال التنمية الشاملة بابعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والروحية وهذا يعني أن يكون العمل قد بدأ وأن تصبح المرحلة واضحة بمعانيها. ورغم أننا نؤمن بأن الطابع التاريخي هو طابع الاستمرارية .. وأن التاريخ ليس فيه إنقطاع وانما هو كالنهر متدفق وسيار ومتواصل إلا أن هذا الاتصال نريده أن يكون حركة تقدمية حركة إلى الأمام .. حركة تتنزل إلى عالم الناس ولا تكون محصورة في النخب ووسط الصفوة حتى تصبح السياسة نعمة والاقتصاد نعمة ويصبح التعليم نعمة ويحب الناس السودان ويحبون حكامهم ويحبون ولاتهم.