ممالا شك فيه أن دارفور تمثل رقما في الخريطة الجيوسياسية السودانية ليس من اليسير تجاوزه , وقد علمت الأحزاب التقليدية هذه الحقيقة مبكرا وسعت بكل ما تملك من قوة لاستقطاب مواطني دارفور إلى صفوفها , وكان حزب الأمة صاحب القدح المعلى لما لدارفور وشعبها من الارتباط الوثيق بالثورة المهدية , حافظوا على هذه العلاقة والرابطة الروحية مع سلالة المهدي, فمواطنو دارفور يكنون الود والاحترام لعائلة المهدي كبيرهم وصغيرهم عالمهم وجاهلهم برهم وفاجرهم على السواء باعتبار أن هذه السلالة مطهرة من الرجس أزليا . هذه الهالة من القداسة مكنت حزب الأمة من السيطرة ردها من الزمان على الدوائر الجغرافية في الغرب في كل الانتخابات التي جرت في دار فور وكردفان في العهود الديمقراطية . بيد أن هذه الو لاءات والصلات الروحية لم تشفع لهم ليأخذوا حقهم كاملة في المواطنة والحقوق على قدم المساواة مع غيرهم من أبناء السودان وأقصد أولاد البلد الذين تسودنوا من بعدالمستعمر , والأدهى والأمر أن قيادات حزب الأمة وبيت المهدي بالذات تعاملت مع هذه الكم الهائل من الأتباع والمريدين بمنتهى الاستخفاف واللامبالاة طيلة الحقب الماضية فلم يتعهدوهم بالرعاية المطلوبة خاصة في مجال التعليم والتثقيف بل آثروا وتعمدوا التجهيل وفقا لإستراتجيات أبسط ما يوصف بها أنها غبية وتدل على غباء الذين يطبقونها, ومع مرور الزمن وزيادة الوعي تفرق شباب الأنصار أيدي سبأ في الأحزاب الحديثة - الشيوعي الجبهة والبعث العربي والآن الحركات المسلحة بدارفور الرابح الأكبر- أن شعوب غرب السودان كردفان ودارفور المنتشرين في أنحاء السودان وبكثافة مقدرة في كثير من ولايات السودان خاصة القضارف سنار والجزيرة والنيل الأزرق والخرطوم فهم يشكلون حضورا سياسيا مخيفا في هذه الولايات وتجمعهم المصير المشترك وتوحدهم الظلم الجاثم على صدرهم, لذالك رفضت النخبة فكرة انتخاب ولاة الولايات وبسط الحريات التي كان المؤتمر الوطني قبل الانشقاق ينوي تطبيقها الأمر الذي ركلها بعنف سكان جنينه الحيوانات ورفضوها رفضا قاطعا لأنه ببساطة أن الأغلبية المهمشة ستحكم البلاد وفي ظل الحريات ستحل الشفافية محل الضبابية والمؤسسية محل الانفرادية والظلامية ولا مجال للأقلية المتسلطة على رقاب العباد من وجود على السلطة اللهم إلا بقدر حجمهم الطبيعي وهذا يعني باختصار شديد زوال دولة الثالوث الممقوت الذي يصر على تمزيق السودان في سبيل أن تحكم هي . فقد رفضوا قيام مجلس تنسيق ولايات غرب السودان لأنه كان يشكل كيانا سياسيا خطيراً وبعباً مخيفاً على دولة الثالوث الممقوت ومهدداً بعودة دولة المهشمين فسارعوا بشق الصف الإسلامي والزج بقادة مجلس التنسيق إلى السجون وانبروا يقدحون الترابي الذي بالأمس كان وليا من الصالحين صار اليوم شيطان من شياطين الإنس واتهموه بالدكتاتورية والتسلط وقدحوه بكل مذمة في الدنيا وقالوا فيه ما لم يقله مالك في الخمر لا لشئ إلا لأن الترابي ألتفت إلى الحقيقة المرة التي يكرها ويكابر عليها الثالوث المتعجرف وهي أن الأغلبية المهمشة يجب أن تحكم أصالة وليس بالإنابة .إن مشروع بسط الحريات قابلها كثير من أعيان السودان وقبائلهم بالبشر والترحاب الأمر الذي أوغر صدور قوم منافقين يريدون تركيز تهميش المهمشين وتمكين الثالوث من الحكم الأبدي للسودان في ظل غياب المؤسسية والشفافية التي يسود السودان اليوم وما صراع الإمبراطوريات المالية من الأذهان ببعيد فقد تعللوا برفض بسط الحريات والانقلاب على منظر الحركة الإسلامية لأسباب واهية لذر الرماد على العيون , ولكن سرعان ما تكشف الحقيقة للناس جميعا أنهم أسوا من الترابي دكتاتوريةً فبدلا من مذكرة العشرة الأقزام خرج مذكرات المئات الكرام ولكن أين الحرية والشورى التي أطاحوا بالشيخ من أجلها أم هي تسمية الأشياء بغير أسمائها – الحقيقة ما قاله نافع يحكمنا المصريون ولا يحكمن الغرابة- بهذه المقولة سقطت كل الأراجيف حول صلاحية الأيديولوجيات التي يتبناها السودانيون في طرحهم لحكم السودان وبقية أيديولوجية واحدة هي النافذة والصالحة لحكم السودان ألا وهي أيديولوجية الجهوية , مما بجدر ذكره أنه يوم المفاصلة بين الشيخ وجماعته إجتمع جمع من الشماليين (شيوعيين واتحاديين وحزب أمة وإسلاميين بالطبع) ليتداركوا أمر عودة ظاهرة الخليفة عبد الله إلى السلطة عبر مشروع بسط الحريات فتنادوا جميعهم لإنقاذ سفينة حكم الثالوث الجهوي الممقوت والآن عودة محمد عثمان الميرغني ومشاركة في السلطة لترميم مرحاض حكم ألإنقاذ نتن الرائحة وبها من جثث الأبرياء في دارفور خير شاهد على تنادي أبناء الشمال لوقف مد الثورات الآتية من الغرب ويشكل استمرار نظرية المؤامرة على الهامش. وبدأ مسلسل تطهير الجيش والشرطة والقيادات المدنية من قيادات المؤثرة من أبناء الهامش حتي قضوا على كل ذي رأي مؤثر, وبقي منهم من لا رأى لهم ولا هم لهم غير أرزاق عيالهم, ومازال هذا المسلسل مستمر باستخدام مختلف الأساليب والسيناريوهات داخل دواوين الدولة .
بيد أن أبناء غرب السودان بمختلف مشاربهم لو أمعنوا النظر قليلا في خريطة السودان السياسية وتفحصوا الأمر جيدا لوجدوا أنهم يملكون السلاح الذري الذي يحسمون به المعركة السياسية في السودان فقط عليهم التحرر من الأيدلوجيات الخربة التي لم تعد تسمننا ولا تغنينا من جوع تلكم السلاح هو مشروع الوحدة السياسية لأبناء غرب السودان. أطرحوها داوية جهوية صارخة لا تخشوا أحدا إلا الله تنظيما جامعا ترعون فيها مصالح أهلكم أينما حلوا في التراب السودانية , واستفيدوا من وجود الحركات المسلحة وكونوا لها أجنحة سياسية بالداخل لتشكيل ضغط قوي وعنيف على حكومة الثالوث الممقوت ومعكم الحركة الشعبية التي عانت الظلم سنين عددا فالفرصة مواتية الآن لنيل كامل حقوقكم المسلوبة فقط أجمعوا أمركم ووحدوا صفوفكم وخطابكم السياسي فكل غرب السودان متعطش للوحدة والنزال فهيا مفكرو ومثقفو كردفان ودارفور أقدموا فقد حان وقت النزال, وعندها ستحسمون اللعبة السياسية وكل ضب يدخل جحره . فالوحدة يا أهل غرب السودان كردفان ودارفور هي سلاحكم النووي متى تستخدمونها.
آدم عبد الرحمن الصبي
المملكة العربية السعودية - الرياض
--------------------------------------------------------------------------------