هم هكذا دوماً أينما وجدوا على مر العصور والأمكنة ، لم يتعلموا شيئاً ولم ينسوا شيئاً ، إنهم البربون . إن الصراع الدائر الآن على امتداد ساحات الوطن ، وما صاحبه من صراعات بين طغمة الإنقاذ المتسلطة على قوت ورقاب أبناء الوطن القاصى منهم والداني والمجموعات التي تعشق الحرية وتريد إن تتنسم عبير العدل والسلام ، فقد كفاها ذلك الفساد المنتن الذي أزكمت رائحته الأنوف ، حتى تلك التي فقدت حاسة الشم ، إن تلك الأفعال والتصرفات البربرية التي يندى لها الجبين خذياً وعارا وتتطأطأ الجباه خجلاً منها . متى ينتهي كل ذلك وتغلق صحائفه السود ؟ هل لن يتبدد ذلك إلا حين تنطق الصفائح البيض بقولها الفصل ؟ انه منطق القوى الذي عمقته الإنقاذ وزادت من حدة النعرات العرقية والقبلية ، بطريقة لم يسبق لها مثيل ، قد آن لها أن تكتوى بنيرانها حقيقة لا اوهاماً ، بدلاً عن الأبرياء الذين ساقتهم سوق الأنعام إلى محارقها ، دفاعاً عن برامج واطروحات هلامية لم تسمن أو تغنى عن جوع ، للسواد الأعظم من أبناء هذا الشعب إلا من كان تابعاً لجوقتها ، تلك الشعارات التي لم تصبر الإنقاذ كثيراً في الدفاع عنها .
إن أحداث الاثنين في مطلع أغسطس الماضي ، التي تلت مصرع الدكتور جون قرنق ، وما صاحبها من انفلات أمنى واسع النطاق ، إن شئنا الدقة لتوصيف ما حدث ، منذ الصباح إلى ما بعد منتصف النهار بقليل ، إن هذا التقصير لم يكن ناتجاً من عدم قدرة على توقع الأفعال التي يمكن أن تنجم عن ذلك النبأ المشئوم ، وكذلك ليس كما يحاول البعض إشاعته من أنها حالة " فوضى منظمة " لتحقيق أهداف مستقبلية خافية عن أذهان الكثيرين . إن ذلك الانفلات الأمني نتج في تقديري ، من حالة الخوف المبالغ فيها التي شلت تفكير الإنقاذيين ، من ردة الفعل الشمالي هل هو مع أم ضد ؟ أم يتخذ موقف الشامت المتفرج على مجموعة الإنقاذ ! هذا التفكير المأزوم جعل متخذي القرار في وضع العاجز عن اتخاذ التصرف الامثل لتجاوز هذا الأحداث ، وبعد منتصف النهار حين تحسست الرأي الرافض للممارسات الفوضوية التي تمت ، انطلقت مجموعاتها الأمنية الخاصة تزيد النيران اشتعالاً ، لكسب التعاطف والتأييد لما سوف تقوم بفعله ، وتمرر عبره بعض الأجندة التسلطية للسيطرة ، حتى لا يفلت الزمام من أيديها في ظل وجود الشريك الآخر الذي يوجد في المنزلتين معاً . ويبرز ذلك بوضوح كبير على هيئة وجود امني كثيف ، خلال الأيام التي تلت الأحداث لإزالة ذلك المظهر الضعيف الذي ظهرت به ، ومحاولاتها البائسة لإعادة هيبة الدولة التي تمثل عقدة الإنقاذ ! التي لم تستطع أن تبرحها مطلقاً ، فكل حدث هو موجه ضد هيبة الدولة ! وأية هيبة تلك التي تقوم على السرقة والظلم ؟ إن إبراز العضلات الجوفاء وتشريع قوانين حماية حماة الإنقاذ ، التي تبيح القتل للمرخص لهم بذلك ، حتى وان أصيب حامل صك الغفران ذلك بهاجس ما مرعب أثناء منامه ! هذه القوانين والتشريعات ومظاهر الوجود الامنى ، ما هي إلا محاولات لإخفاء وستر الخلل الامنى ، الذي اسقطت هذه الأحداث عنه ورقة التوت التي كان يختبئ خلفها !! وبينت إن القدرات الأمنية للإنقاذ في نسختها المعدلة ما هي إلا سيف من خزف ! ولو لا ضعف الآخرين ، لما لبس الشعب السوداني في هذا العذاب المهين طيلة هذه السنوات العجاف . والإنقاذ بهذه الصورة الزائفة ، لا يمكنها أن تقبل بوجود آخرين لهم مقدرات عسكرية وسياسية ، يستطيعون عبرها فرض الرأي الآخر المخالف لتوجهات الإنقاذ ، ونسبة لانخفاض نسبة تمثيل المؤتمر الوطني ، إذا تمت هذه الاتفاقية بتلك الطريقة التي تسعى لها حركة وجيش التحرير ، سوف تجد نفسها في موقف ضعيف ، يؤدى في محصلته النهائية إلى تفكيك الإنقاذ ومن ثم إبعادها عن دائرة الفعل .
* حـركة وجـيش تحـرير الســودان :
إن الغثاء الذي يحاول البعض الترويج له ، بغرض الهدم والتكسير ، وآخرون لقلة المعلومات والمعرفة ، التي تحاول إظهار حركة تحرير السودان وكأنها تحتضر وتكاد تلفظ أنفاسها وتنقسم وتذهب ريحها كعصف مأكول ، ما هي إلا أضغاث أحلام يتوهمها العاجزون والحاقدون ، الذين ساءهم تطور حركة وجيش تحرير السودان ، وان منعهم الرمد أو الغرض من الرؤية الصحيحة ، أولئك الذين ينتظرون أن تهبط على رؤوس قادة حركة التحرير شياطين الجحيم ، فتفرق شملهم وتذيقهم الهزيمة بعد أن عجزوا عن تحقيقها بأنفسهم ، أو عن طريق كلاب صيدهم من مليشيات مأجورة . واهم كل من ظن إن ما يدور من مساجلات الآن حول مؤتمر الحركة سوف يمزقها ويضعف قدراتها ، نأمل ألا يحدث ذلك باعتبار الحركة ، فصيل وطني نأمل أن يشارك في إعادة بناء السودان وفق أسس العدالة والمساواة والمواطنة .
إن حركة وجيش تحرير السودان يبدو أنها ماضية في طريقها ، وسوف تعقد مؤتمرها وتقيم مؤسساتها في القريب العاجل ، كما إنها لا تحتاج إلى مبررات وأسباب حتى لا تذهب إلى أبوجا ، لان ما رآه مجموعة الوسطاء إبان زياراتهم للحركة بمناطقها ، باختلاف مشاربها كان أكثر اقناعاً من اى شئ آخر ، كما ذكر المتحدثون باسمها . لأن أي إنسان عاقل يعلم بأن المؤسسية هي الضمان لتحقيق السلام ، والحفاظ عليه وأخذ الحقوق كاملة غير منقوصة ، إن المجتمع الدولي أو أهل دارفور ، لا يريدون سلاماً لا يساوى ثمن الحبر الذي كتب به ، ولا يصمد إلى حين أن يجف المداد الذي سطر به !
إن محاولات شق الصفوف وخلق مجموعات متنافرة متناحرة فيما بينها ، هي سياسة أتت أكلها فيما مضى ! ويظن البعض بأنها سوف تنجح مع حركة وجيش تحرير السودان لتمزقها شر تمزيق !
حركة تحرير السودان منذ انطلاقها ، أصبحت بعد مضى فترة قليلة أكبر مهدد للإنقاذ ، حيث إنها أول حركة عسكرية لا تعتمد على قاعدة انطلاق خارجية لتبدأ كفاحها ، منذ مجئ الإنقاذ للسلطة ، لذا يقل التأثير والإملاء على قادتها ، ( إلا من كان ذلك طبعه ) ، كما إن التكتيك العسكري الذي استخدمته مازال يربك الحكومة تماماً ، وما أعقبه من تمدد عسكري فاق خيال الجميع بصورة لا توصف ، وعندما نقرن ذلك بمقدار القبول الذي لاقته الحركة من قبل المجتمع المحلى ودعمه ألا محدود لها ، فمن الطبيعي أن تجتذب حركة بهذه الخصائص اهتمام الأجهزة الأمنية ومحاولاتها المستمرة بغرض تحجيم دورها ومن ثم تدميرها .
لهذا يمكن تفسير الخشية التي أصيب بها الكثيرون من انعقاد المؤتمر العام للحركة ، بالاراضى المحررة ، هذا المؤتمر الذي يجعل حركة تحرير السودان في موقف أكثر قوةً وتماسكاً في موقفها السياسي ، بعد سيطرتها العسكرية الميدانية ، على ارض الواقع التي لا يستطيع إنكارها حتى أولئك من فاقدي البصر والبصيرة .
يظن البعض بان حركة تحرير السودان تراوغ وتتحجج من الذهاب إلى المفاوضات بابوجا وتتخذ من قيام المؤتمر ذريعة لذلك ، إن الدعوة إلى مؤسسية الحركة ليس فيها شئ من المراوغة أو محاولات التسويف ، التي لا توجد إلا في أذهان غير سوية ، الدعوة إلى قيام المؤتمر هي دعوة أصيلة جاءت موفقةً زماناً ومكاناً لتضع حداً لهذه الحرب التي تضرر منها المواطنون . وتقي الحركة من حالات التشرزم التي أصيبت بها حركة العدل والمساواة ، التي يقول الكثيرون بأنها أكثر رسوخاً سياسياً من حركة التحرير! بالرغم من ضعفها العسكري البين ، إن تلك القوة السياسية التي يقول بها البعض لهى أمر جيد لان هذه القوة إن تجرد قادتها من الهوى والغرض ، سوف تكون محصلتها النهائية لصالح ذلك المواطن المغلوب على أمره ، ولكن هل القوة السياسية وحدها يمكن أن تأتى بالحقوق ؟ وهل القدرة على الحديث دون الفعل تمكن من الانتصار ؟ كلا وألف كلا ، فلو لا الجهد الكبير الذي بذله الجميع ومعهم المواطنون الذين يساندونهم بالقول والفعل لما كانت هذه المفاوضات أو غيرها ، فان كان البعض يخشى على حركة تحرير السودان من الإقصاء والانزواء والخروج من دائرة الفعل ، على حسب الواقع الذي نطالعه من البيانات المنشورة وبقراءة متأنية لها ، نجد إن حركة وجيش التحرير هي محور الفعل .
* المـؤثرات المـحيطـة بمـفاوضـات أبوجـا :
تقاطع المصالح الدولية والإقليمية بالرغم من وضوحه في بعض الأحيان ، وكان لدعمهم المباشر الدور الكبير في تحقيق اتفاق نيفاشا ، فلذا لا يخفى سعيها الدءوب للحفاظ عليه وجعله يشب عن الطوق ، مما جعلها تقنع نفسها بأن هذا الاتفاق سوف يؤدى إلى تغيير كبير وجوهري في عقلية النظام المسيطرة ؟ ويدفعها نحو الانفتاح وان حدث ذلك ظاهرياً في الفترة القليلة الماضية ، التي أعقبت توقيع الاتفاقية ، إلا انه بعد موت الدكتور جون قرنق يجب على هذه القوى أن تعيد النظر كرتين حول هذه القناعة ، حيث أن الإنقاذ لا تتبدل ، إذا سنحت لها الفرصة لكي تعود لممارسة سلوكها القديم ، فهي لا تتردد من اغتنامها ، ويكفى شاهداً على ذلك الصراع الدائر الآن حول وزارة الطاقة !
موت الدكتور جون قرنق النائب الأول السابق ، جعل الإنقاذ تحمد الله سراً ! بأن خلصتها الظروف من أكبر مهدد لاستمرارها ، لان ما يملكه الدكتور الراحل من قدرة على اتخاذ القرار ، والتقييم المستمر والتعديل في البرامج والأهداف بناءً على معطيات الواقع الماثل أمامه ، وتوافر الشروط الموضوعية للتعديل ، كما إن علاقاته الدولية والإقليمية ، وتبدل نظرة الشماليين نحو الدكتور والحركة الشعبية والجيش الشعبي بعد حضوره إلى الخرطوم ، دعم قناعاته القوية ببرنامج السودان الجديد ، الذي يدعو له وإمكانية تحققه على أرض الواقع ، إذ كان على حسب تلك الرؤية لا يحتاج إلا لقليل من الجهد والمثابرة والوقت لتحقيقه .
يعتقد البعض أن الحركة الشعبية ، يمكنها الضغط على حركة تحرير السودان للقبول بما يقدم على مائدة اللئام ! هل يعتقد هؤلاء بان حركة التحرير هي تابع للحركة الشعبية ؟ أو أحد ذيولها ، حتى تأتمر بأمرها وتنفذ أوامرها دون حتى التفكير فيها ، بالرغم من بعض المحاولات لرئيس الحركة فيما مضى لفعل ذلك . يتناسى الجميع بأن حركة وجيش تحرير السودان هي حركة مستقلة تماماً ، وتمتلك رصيداً نضالياً يضعها في مقدمة المدافعين عن حقوق المهمشين ، ليس على مستوى دارفور وحسب بل على نطاق السودان ، ويمكن معرفة ذلك بقليل من البحث والاجتهاد حول نشأة هذه الحركة .
مع تثمين دور الحركة الشعبية الكبير لتحقيق السلام وانتزاع حقوق الجنوب بصورة كاملة وجذرية ، إلى حين تقرير المصير . ولكن هذا الجهد لم يكن كاملاً بحيث يشمل السودان بصورة كاملة ، وهذا ليس تقصيراً يحسب على الحركة الشعبية ، فهي قد أدت المطلوب منها وأكثر ، وهذا حدث لأنها أصابت نجاحاً محدوداً في مخاطبة الشماليين نسبة لعوامل ذاتية تتمثل في حواجز ثقافية واثنية وأخرى متعلقة ببنية الحركة الشعبية ، أدت إلى تقييدها من التمدد شمالاً وتحجيم دورها فيه أثناء الحرب ، كما أن الآلة الإعلامية الضخمة التي استخدمتها الإنقاذ ، لتشويه صورة الحركة الشعبية ، منعت الكثيرين من الانضمام إليها والتفاعل معها بطريقة كبيرة ، كل هذا أسهم في خفض آمال الحركة الشعبية نحو مشروع السودان الجديد ، فلذا جاءت اتفاقية نيفاشا بهذه الصورة التي هي عليها الآن ، التي أسهمت نوعاً ما بتعقيد وضع الشمال بصورة أكثر عمقاً بتقنين وجود واستمرار الإنقاذ ، وهذا لم يكن ليحدث هكذا لولا ضعف التجمع الوطني الديمقراطي، الذي لم يستطع إزالة الكثير من الحواجز التي اعترضت مسيرته ، لأنه لم يعمل على علاجها بصورة جادة ، كما انه لم يبلور المفاهيم والرؤى التي تحكم علاقة أطرافه فيما بينها، ونجد أن قناعات بعض فصائله لم تكن حقيقية بالخيارات والوسائل التي اعتمدها في نضاله، واسهم عدم قدرة معظم هذه الفصائل في تكوين قواتها العسكرية وفشلها في ذلك ، مما جعل التجمع يعتمد اعتماداً كلياً على قوة الحركة الشعبية ، فلذا كان دوماً هو اضعف حلقات المعادلة السياسية السودانية في الآونة الأخيرة ، ويتضح ذلك من لهثه دوماً خلف الأحداث ، ولم ينتقل أبداً لكي يكون مصدراً للحراك ، وتجمع هذا حاله لا يمكن أن يجبر الإنقاذ أبداً على التعامل معه بالجدية المطلوبة أو أن تضع له اعتباراً يذكر . لهذا لم يكن بمقدور الحركة الشعبية أن تفعل أكثر من مما هو موجود الآن على أرض الواقع .
في ظل هذه الظروف ظنت الإنقاذ في نسختها المعدلة ، بأن الرياح قد طابت لها ، لكي تكمل ما بدأته من نهب منظم وسيطرة اقتصادية كاملة على الموارد والأموال ، حيث تقوم رؤيتها على إن المال يستطيع شراء الجميع ، كما نجح مع البعض ، وهذا يحقق لهم آمالهم في حكم الشمال والسيطرة عليه بعد انفصال الجنوب .
هذه العقلية التي تفترض الغباء والعجز عند الآخرين ، هي التي تحاول إيجاد الحلول لازمات الوطن ، ودارفور عبر جولة أبوجا السادسة مع الحركات المسلحة !
* هـل تستطـيع هذه الجـولة أن تحـقق سـلاماً ؟
هذه الجولة ليست سوى جولة علاقات عامة ، وذلك بسبب غياب حركة التحرير الفاعل الرئيسي في هذا الشأن تريد أن تستخدمها الحكومة لتجميل وجهها القبيح ، عبر وفدها المفاوض ، وان كانت الأطراف الأخرى في موقف أضعف ، لا بأس من منحهم ما يبقيهم على قيد الحياة ، لأنها تحتاجهم لكي يكونوا منغصات على المجموعات الأخرى ، وينصرفوا إلى مشاكلهم الداخلية ولا يتفرغوا لمنازلة الإنقاذ سياسياً بعد تحقيق السلام . ليس من أهداف المفاوض الحكومي مطلقاً الوصول إلى سلام حقيقي وعادل ، إن معادلات الطفو التي نجحت في إبقاء الإنقاذ على السطح فيما مضى ، تفتقد الآن إلى أحد أهم هذه العوامل ألا وهو الاختراق الامنى ، الذي استطاعت عن طريقه بعثرة التجمع الوطني الديمقراطي ، وجعلته لا يدرى إلى أين يتجه وماذا يفعل ؟
إن العمليات العسكرية التي تشنها الحكومة الآن عبر مليشياتها ، بدارفور ما هي إلا أحد مظاهر الضعف التي تعتريها وتحاول أن تحسن عبرها الموقف العسكري لقواتها على أرض الميدان ، علها تستطيع تعويق الحركة عن إقامة مؤتمرها الذي سيعقد في الفترة من 25/9 إلى 27/9/2005م ، والذي سوف يبرز الحقائق على ارض الواقع ، ومقدار القوى التي يمتلكها كل طرف من أطراف الصراع الدائر بدارفور .
إن قادة حركة العدل والمساواة والأستاذ عبد الواحد الذين يوجدون الآن بأبوجا ، وما صاحب ذلك من تنسيق فيما بينهما ، لم يكن أمامهم شئ سوى هذا الأمر بعد فقدانهما معاً للقوى العسكرية التي يستندان عليها التي تؤمن لهما تحقق عنصر الضغط في مفاوضاتهما مع الحكومة ، التي تحاول أن توقع معهما على أقل القليل استثماراُ للظرف الذي يمران به ، ومن المرجح وصولهما معاً لاتفاق مع النظام ، وهذا الأمر ليس وليد هذه الجولة بل كان متوقعاً منذ الجولة السابقة ، عندما أرسل الأستاذ عبد الواحد قائمة بأسماء الوفد المفاوض ، وحضر إلى ابوجا مع وفد آخر ، إن هذا الوفد الجديد هو الذي كان منوطاً به توقيع الاتفاق ، ولو لا ما حدث من تدخل الأمين العام وكبير المفاوضين لحدث ما لا يحمد عقباه ، بالنسبة لصورة الحركة بالرغم من إن هذا الشئ لم يكن له القدرة على التأثير على الميدان .
هذا التحالف الذي جمع بين الأستاذ عبد الواحد والدكتور خليل ليس جديداً ، بل قد كان واضحاً منذ الجولة الماضية ، حين رفض الوساطة التشادية دون أسباب مقنعة ، إلا تضامناً مع حركة العدل والمساواة ،دون مراعاة لاستراتيجيات الحركة التي كان يتربع على رأسها ! مما قاد إلى الصدام بينه وبين قادة الحركة الآخرين الذين كان يحاول أن يتجاوزهم لأسباب هو أكثر معرفة بها ، ولكن ليس من ضمنها أهداف جماهير الحركة أو منتسبيها ، ثم عقب الانتهاء من الجولة الخامسة ، جاءت محاولة من إحدى الدول الصديقة بالضغط على قادة حركة التحرير لتحقيق هدفين هما : إجراء مصالحة بين العدل والمساواة وحركة وجيش تحرير السودان ، توحيد الحركتين معاً تحت جسم واحد ، وان تحقق الهدف الأول جزئياً إلا إن الهدف الثاني لم يتحقق ، لان الوحدة تحتاج إلى رؤى مشتركة وتوافق في الأهداف والبرامج ، ولا يكفى الاتفاق حول الوسيلة لتحقيق هذه الوحدة ، بالرغم من أن وحدة الحركات المسلحة ضرورة بغرض استدامة السلام ، إلا إن الوحدة لا تتم هكذا ! أنها تحتاج إلى أسس سليمة لكي تتم .
الجولة الحالية تمر بأزمة وان لم يعترف بها الجميع ، فماذا يرجوا أن تحقق ؟ وهى تفتقد الميدانيين الذين يتوقف استمرار السلام على مقدار التزامهم بما تخرج به المفاوضات من اتفاقيات وقرارات ، وبإعلان حركة وجيش تحرير السودان بأن هذه الجولة لا تعبر عنهم لأنهم منشغلين بمؤتمر الحركة العام ، هل يمكن إجبارهم على الالتزام باتفاقات لم يكونوا جزاءاً منها ، إذا قدر لهذه الجولة أن تصل إلى نتيجة حقيقية أو غير ذلك ! لا أظن إن هذا يمكن أن يحدث ، لان أي محاولة من ذلك تعنى إعادة الجميع إلى حالة الحرب . والنأخذ حديث الناطق الرسمي باسم جيش تحرير السودان الذي يحذر فيه الحكومة السودانية من الاستمرار في استهداف المواطنين ، حيث يقول في بيانه بتاريخ 12/9/2005م : " إن لم تكف الحكومة السودانية عن هذه الاستفزازات سوف نعلن حالة حرب شاملة " وهذه الحرب الشاملة لا أظن بأنها سوف تقف عند حدود دارفور فقط .
مـاذا يختبئ خـلـف الأيـام القـادمـة ؟ هذا ما سوف تطلعنا عليه الأيام القليلة القادمة .
ودمتم
الخرطوم
19/9/2005