ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
سودانيزاونلاين.كوم sudaneseonline.com 9/20/2005 10:39 ص
علي يس الكنزي / جنيف سويسرا كتابات الأستاذ وراق لها طعم خاص ووقع أخص، وأثر عظيم عند قطاع كبير من الطبقة المستنيرة، والقارئ أيضاً. فآراءه تجد نصيراً حتى من اؤلئك الذين ينطلقون من مدراس فكرية هى في خلاف مع مدرسته، لأن كتاباته وتوجهاته تحمل بعداً إنسانياً راقياً. فهو مثال حي للمثقف الذي يحمل هموم الوطن في حدقات العيون وشقف القلب، ويسعى أن يلعب دوراً إيجابيا في أن يبقى السودان وطناً واحداً، لكل أهله، بكل سحناتهم وقبائلهم ودياناتهم. وكفاه مندوحة أنه وظف قلمه وفكره لنصرة المهمشين كما يصف، والمستضعفين كما نصف. أوهن البيوت لبيت العنكبوت: أما كتاباته حول أحداث الاثنين الأسود، أخذت منحاً ذو أحلام هلامية، وطموحات غرامية، ليس لها على أرض الواقع من قرار. فقد أجتهد أستاذنا أيما اجتهاد "وللمجتهد المخطئ أجر كما يقول الفقهاء". بأن "يخلق من الفسيخ شربات"، عله يروي بعض ظمأه مما يحمل من حب لوطنه وأهل بلاده. إلا أنه كباسط كفيه "إلى الشربات الذي صنعه بذكائه وطول بلائه" ليبلغ فاه، وما هو ببالغه. فأستاذنا يظن حتى كاد أن يكون ظنه يقيناً، أن أهل السودان قد رفعوا القواعد من البيت، وجعلوا على هذا البيت سقفاً لا يخر منه الماء، ولا يتسرب إليه الهواء. وأن لا خطر على هذا البيت إلا من اؤلئك الذين يرون النصف الفارق من الكوب. لعلي أُذكِرَهُ وأُذكِرَ من أذره بالحكمة التي تقول: "ما كلما يتمناه المرء يدركه". فالسودان لن يبق وطناً واحداً في مطلع العقد القادم إلا في مخيلة العاشقين، وليلُ العاشقين طويل سرمدي فمن يأتيهم بفجر وضياء ؟! فقد أندلق نصف الكوب الآخر يوم منح أهل الجنوب حق تقرير المصير في اتفاقية نيفاشا، التي أعطتنا نحن أهل السودان أجمل أحلامنا، بحقن دمائنا، ولكنها ستأخذ منا أجمل ما عندنا سودان آبائنا. اتفاقية نيفاشا فتحت شهية أهلنا من الجنوب، وأحدثت في نفوس القوم سكرة، لم يفيقوا من نشوتها إلى يومنا هذا. فاختلط على بعضهم ولا أقول جلهم الأمر، "أكرر بعضهم"، وظنوا أن نيفاشا أعطتهم الحق بأن يكون هذا البعض دولة داخل دولة، حيثما حلوا وارتحلوا. فها أنت ترى منهم من يصدر الحكم وينزل العقاب على من يحسبونه مذنباً رجماً بالحجارة، ومن الحجارة لما تتفجر به الدماء، أو أشد قسوة. ومن الحجارة ما يكون وقوداً للنار، كما فعل بشرطة سوبا، نار وحجارة. فمقتل أبن الوزير، وأحداث سوبا التي جرت على بعد بضع كيلو مترات من مقر رئاسة الدولة، التي تمثل هيبة الحكم وليست سلطة الحاكم. حدثان ليس لها من تؤم على وجه البرية "كما يصف الإنجيل". ثم تعزز استعلاء بعضهم يوم استقبل بالميدان الأخضر الزعيم الوحدوي جون قرنق، الذي لولا أن عاجله الموت لأصبح أسطورة الوطن وأفريقيا. في ذلك اليوم، لم يشفع لأهل الشمال عند أهل الجنوب، أنهم كانوا يومئذ كثرُ، فرحين بمقدم البطل الذي بشر بسودان جديد، فرحاً يعادل فرح أهل الجنوب، أو زد عليه قليلاً. بلغ السيل ذباه: بلغ السيل ذباه، والأمر مداه، يوم الاثنين الأسود. فهو بحق وحقيقة أسود في كل شئ، في فعله ورد فعله. ولكن ما جعل في الحلق قصة، وفي العين عبرة، أن الأقلام جفت، وأن الصحف رفعت، عن الخوض في تلك الأحداث، والتحدث عن تلك الأنفس، التي لا ندري بأي ذنبت قتلت، وهي خارجة كعادتها كل صباح لتبدأ يومها. فأصحاب الإعلام يؤمنون ببعض ما في تلك الأحداث من إشراقات، ويكفرون ببعض ما فيها من سيئات. فرضت تلك الأحداث عقلانية وواقعية ووضعية شرعية جديدة، وأسئلة أكثر إلحاحاً تبحث عن إجابة، لا ينفر منها إلا مجاهر، ولا يترفع عن الخوض فيها إلا مكابر. والأسئلة هي: هل أهل السودان أمة واحدة؟ وهل تعمل هذه الأمة أو تلك الأمم من أجل وحدة ترابه؟ أم أنهم نسجوا خيوط حبالهم ليلاً بنيفاشا ليتحول السودان إلى دولتين شمالاً وجنوباً على أحسن الفروض، وإلى أكثر من ذلك على أسوئها؟ ومما لا جدال فيه، أن وحدة السودان أصبحت رهينة باختراع أهل الجنوب لها أو عليها. وما من عاقل على كوكبنا الأرضي هذا يجد سبباً واحداً يدفع هؤلاء الناس للتصويت للوحدة. الاستنجاد بالقارئ: والذي يدهشنا حقاً أن الأستاذ وراق حاول أن يستنجد ويتقوى بقارئه، بحثاً عن إشراقات جرت في تلك الأيام التي كانت شديدة ظلام النهار، شديدة سواد الليل، لا يعرفها منا أحد. وكان له ما أراد. فإذا الرسائل تنهمر عليه من كل فج عميق، أدناها من الكدرو، وأقصاها من جوبا. وإذا ببطولات حقة لا مراء فيها، وإشراقات إنسانية لا غبار عليها، تكشف عن قدرات خارقة لأُناس عاديين. ومثل هذه الإشراقات لها في التاريخ نظير، وفي حاضرنا مثيل. ودونك قراءة قصص اليهود الذين وجدوا الحماية من أسر ألمانية وأوربية، في الحملة النازية ضدهم أبان الحرب العالمية الثانية. ونماذج أخرى في الحرب الأخيرة بين البوسنية والصرب والكروات. حتى في أرض فلسطين، وإلى يومنا هذا، نجد من اليهود من يحمي الفلسطينيين والعكس يقع. هل هذا يعني نصراً وفتحاً حققته تلك الفئة القليلة التي تقاتل من اجل السلام بسلاح السلام؟!!! استعراض لما حوته الرسائل: لقد سرنا صنيع هؤلاء، وضرنا صنيع اؤلئك. ولنعد لما كُتِبَ إلى أستاذنا وراق من إشراقات عن أحداث يوم الاثنين. ولنقف معاً على تلك المقالات التي نزلت برداً وسلاماً عليه وعلينا. ولنستعرض ما حوته الرسائل من علامات تهزم نزواته الخيرة، وتُقعد تطلعاته النيرة، والتي نتمنى أن تجد لها على أرض السودان مستقراً ومقاماً. والحق أقول: ليت الذي انبرى غير الذي جرى. واليك بعض ما جاء في رسالة محمد بكري حاج مصطفى: "تجمهر أهالي المنطقة من أم القرى بشقيها شمالاً وجنوباً ومن عموم أهالي منطقة الكدرو كرد فعل للأحداث، وقاموا بحصار جموع الجنوبيين في أقصى شمال الكدرو. وكان الكل يهتف ويتوعد.. حينها خيم الحزن على نفسي وأنا أرى أحلامي بوطن يجمعنا في حب واخاء تتهاوى أمام ناظري. ومرت بخاطري كل اللوحات التي رسمتها وأنا اعبر فيها «لا للحرب.. لا للحرب..» هذا ما رواه عن أهل الشمال، الذين تجمهروا فأزبدوا وارعدوا وتوعدوا جموع الجنوبيين بالويل والثبور وعظائم الأمور. وأنظر هناك يا رعاك الله، كما يقول أديبنا الطيب صالح، كيف تصرف القوم من أهل الجنوب في الكدرو، هل كانوا أوسع بصيرة وأمضى سريرة وهم للسلم نصيراً، من أهل الشمال؟! هذا ما نجد الإجابة عليه إذا ما واصلنا القراءة: "استطعت أن اقترب من جموع الاخوة الجنوبيين تحت وابل من الحجارة، ورأيت في وسطهم ـ والشهادة لله ـ سلطانهم وهو يبذل جهدا خارقا للحد من تفلتاتهم وتهدئة خواطرهم.. لم أبال وأنا أري جموعا منهم تهب نحوي بالحجارة. رفعت يدي أشير بها إلى سلطانهم، وبقدر الامكان أتحاشى ذلك الكم الهائل من الحجارة المنهالة نحوي" وواصل روايته يقول: "في هذه اللحظة برزت جماعة من الاخوة الجنوبيين تريد مهاجمتي، فكانت امتحانا عسيرا لي وللسلطان، وطلبت منه أن يتلقى هذه المجموعة وآلا لن يحدث خير للجميع" ثم أنظر هنا وهناك يا رعاك الله. هنا، وما أدراك ما هنا، هنا مدرسة العصبية الجهوية والعقل الغائب. هنا جماعة تتحرش بأخرى، وهناك عصبه تتوعد أختها، والكل يريد أن يستفز الأخر من الأرض. إلا أن ربي لطيف خبير، فصرف السوء عن الفئتين، فقيض من بينهم رجلين حكيمين، كاتب المقال الذي استشهدنا به، وهو من أهل الشمال، والسلطان من أهل الجنوب. وليت الأمر كان معكوساً ومقلوباً. أي أن الرجلين يريدان القتال، والجماعة تريد الصلح. يومها كان لأستاذنا ونحن برفقته، أن يضحك ونضحك معه حتى تبين نواجذه ونواجذنا من شدة الفرح. أما رسالة محمود بخيت محمد حسين التي كتبها من جوبا، فأنظر إليها يا رعاك الله، كيف أنها تسفر عن ما في النفس من إحنٍ، وما في الجوف من محنٍ، فالجماعة مع القتل والتفريق رغم أنفنا وأنف أستاذنا. الخيرون نادرون "كلبن الطير"، إن كان للطير لبن: "ولما كانت دودو جارتهم (أي جارة أخيه) يفصل بين منزلها ومنزلهم حوش من البوص، جاءت دودو إليهم وقامت بعمل فتحة في الحوش، وأدخلت جيرانها ومن معهم إلى بيتها، بل أدخلتهم إلى غرفتها الخاصة فأغلقتها عليهم. وبعد دقائق من تلك العملية دخلت مجموعة من المعتدين يحملون سواطير وحراب ونشابات ودخلوا إلى منزل أخي ليقضوا عليه واسرته، ولكنهم فوجئوا بالمنزل فارغا، فدخلوا إلى منزل دودو وسألوها عن جيرانها أين يختبئون، فأجابتهم بأنهم ذهبوا إلى القيادة واحتموا بالجيش. وبعد أن هدأت النيران اتصل أخي بضابط في القيادة يعرفه فجاء إليهم ومعه مجموعة من الجنود أخذوهم إلى القيادة". أدهى وأمر: أنظر يا رعاك الله، والقي بصرك إلى جوبا، ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير. تلك جماعة تريد أن تفتك بأسرة لثارات قديمة، وامرأة من بينهم تدعى دودو، هي ربيكا أخرى، تدعو إلى السلم كافة. أما ما جرى لتجار جوبا في يوم الاثنين الأسود، فهو أدهى وأمر، فقد اشتعلت في ذلك اليوم نار حامية أحرقت كل متاجر وأعمال أهل الشمال وجعلتها كالرميم. ذاك فصل مأساوي أخر، تكتمت عليه، وصدت عنه واستعصمت منه وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني، وأبت أن تبديه وتكشف عن صدره ونحره وساقه لنرى سوءة أنفسنا، فها نحن صرنا شيعاً يذيق بعضنا بأس بعض؟ فهب يا رعاك الله، أن الناس صبروا على فقد المال، فقل لي بربك كيف يصبروا على حرق العيال؟ أن يقع هذا بين أبناء الوطن الواحد، فهذا شئ أليم، وأن يتم هذا بعد أن وقع الطرفان اتفاقية سلام دائم، فذاك اشد إيلاما. وأن يجري ذلك في وقت واحد وبنهج واحد في العاصمة المثلثة، ومدن رئيسية أخرى، في الجنوب والشمال، فذلكم أدهى وأمر. إن الذين يصرون على أن السودان سيبقى وطناً واحداً، ما هم إلا صفوة يطربها سماع صوتها. فهم واهمون في مثاليتهم، واهمون في أفكارهم، واهمون في توجهاتهم، التي لا يربطها مع أرض الواقع من قرار. فإن أراد الأستاذ التحري مما أقول، والتيقن فيما يقول، فما عليه إلا أن يوكل لبيت خبرة مستقل إجراء مسح عام لرأي أهل الجنوب، ولا أقول أهل الشمال، لأن ليس لهم من الأمر شئ. وسؤال أهل الجنوب سؤالاً مباشراً هو: في مطلع العقد القادم هل ستصوتون للوحدة أم للانفصال؟ ليت الطبقة المستنيرة يعود لها رشدها، وتعلم أن الحوار الجاري الآن على وسائل الإعلام لا ينير عقلاً، ولا يصلح حالاً، ولا يقرب أحداً إلى المقاصد والأهداف السامية، وهي وحدة السودان وأهله. ولن يتم الاقتراب من هذا المقصد النبيل، إلا إذا سمحنا للهواء الساخن، الفاسد، المسموم، أن يخرج من النفوس والصدور، كما قال البروفيسور البوني بطريقته الناعمة المهذبة، وليته أسهب. فالوحدة التي يحلم بها بعضنا وبشكلها الحالي ما هي إلا وحده تقف على قدمين رخوين، وساقين هشين كالقصب أو أشد هشاشة، وحظها من النجاح أقل من حظ شاعرنا جماع الذي قال في بعض شعره: إني حظي كدقيق فوق شوك نثروه ثم قالوا لحفاة يوم ريح اجمعوه فأنظر يا رعاك الله، هل سيكون للحفاة من حظ في الدقيق ليواسوا به شاعرنا؟ قول فصل: على الناس عامة وأهل الشمال خاصة، أن ترى أمرها بواقعية وعقلانية وبصيرة، ولا تجعل مستقبلها رهين أحلام الصبا الماضي وزمن الحبيب راض. فأهل الجنوب لن يصوتوا للوحدة أبداً، ولو سقيناهم لبناً وعسلاً مصفى فيه شفاء لما في الصدور، وفي الصدور "بلاوي" وأحن مفجعة، ومحن مفزعة. فقد قال النائب الأول لرئيس الجمهورية، ورئيس حكومة الجنوب، السيد سلفاكير لتلفزيون البي بي سي في نشرة الساعة الثالثة بتوقيت قرنتش من ظهر الجمعة، 12 أغسطس 2005، "وعلمت أنه كرر الحديث في أعلامنا المحلي" عندما سأله المذيع عن موقفه من الوحدة. فأجاب باقتضاب وصدق ووضوح وشفافية لا لبس فيها ولا خداع: "أن الوحدة أو الانفصال ليست من شأني، فهو أمر سيحدده الرجال الذين قاتلوا في الغابات والأحراش لخمسين عاماً" أنتهي. وهل قاتل هؤلاء الرجال لخمسين عاماً من أجل الوحدة؟ وإني أتسأل ويحق لي أن اسأل: فما لهؤلاء القوم لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا!!!