من منّا سيصدق يوماً ترجمة – عولمة القضاء و حقوق الأنسان – الي واقع نراه بأم أعيُننا ، لدرجة أن القاضي ، ( ديتلف ملس ) الألماني والموفد من قبل الأمم المتحدة ، جاء الي بيروت متأبطاً أوراقه لتنفيذ القرار الأممي المرقم 1559 القاضي بالتحقيق في مّن هم قتلة رئيس الوزاء اللبناني رفيق بهاء الدين الحريري ، في مكان إقامته في مجمع ( منتفردي ) ويأمر بتوقيف مسئولين ( كبار ) أصبحوا في عداد ( السابقين ) بمجرد ان باتوا رهن التصرف بمعية القضاء اللبناني المساعد لديتليف ملس ، للتحقيق في القتل المجاني في شوارع بيروت و ضواحيها في وقت سابق من هذا العام حيث أصبحت لبنان ساحة لتفجيرات متنقلة من مكان الي أخر أقلقت مضاجع المواطنين اللذين كانوا يشيرون همساً الي إنها من أفاعيل الدولة الأمنية القابضة منذ أكثر من الثلاثون عاماً ، فنظم الشعب نفسه في تظاهرات غطت ساحة الحرية في بيروت حيث جاء اليها الناس زحفاً من جميع أطراف لبنان و أقضيته ، في مشهدٍ مهيب لكسر حاجز الرعب و التحرر مما أسموه لبنانياً من دولة المخابرات و الوصاية السورية . في الوقت عينه يرتب ( محكمة لآهاي ) الدولية ( LCC ) أوراقه بخصوص دارفور ، ويجهز شهوده ( Witness) لجهة توجيه الأتهام الرسمي الي مسئولين ( كبار) يمكن أن تطالهم الحكم بالتجريم في تدمير و قتل و أغتصاب الأبرياء في دارفور علي طيلة الفترة منذ عام 2003 وحتي الساعة ، بالطبع فإن كبار المسئولين هم ( مصدر القرار ) وليس أولئك ( المأمورين ) في مأساة دارفور ، إذن فإن أصبع الأتهام يشير الي مسئولين سياسيين وأمنيين و عسكريين أتخذوا القرار بتدمير دارفور
في لبنان قبل الرابع عشر من أزار/ مارس كان الناس يحبسون انفاسهم خوفاً عند ذكر أسم مدير الأمن العامة ( جميل السيد ) لما يشاع حوله من أنه هو احد المسئولين عن التفجيرات المتنقلة في لبنان التي طالت كل من زعيم الحزب الشيوعي اللبناني السابق جورج حاوي ، و الصحفي العنيد في جريدة النهار البيروتية سمير قصير ، بالأضافة الي تدمير موكب رئيس الوزراء المرحوم رفيق بهاء الدين الحريري ، أمام ساحة فندق ( السان جورج ) في وسط بيروت التجاري ، الأمر الذي إستفزت الشعب اللبناني للتسارع الي النزول الي الشارع مطالباً برحيل الجيش العربي السوري الذي يعتبرونه ( محتلاً ) بأنتفاء أسباب وجوده وفقاً لأتفاقية الطائف التي أنتهت منذ عام 1991 ، كما طالبت بتنحي قيادات الأجهزة الأمنية الأربعة وهم مدير مخابرات الجيش ، مدير الأمن العامة ، قائد الحرس الجمهوري ، ومدير قوي الأمن الداخلي ( الدرك ) ، هؤلاء المسئولون دستورياً عن امن الناس ويتحتم عليهم حسب الحشود المتظاهرة الرحيل و تقديمهم الي محاكمة لتقصيرهم.
في دارفور رفضت قيادات حزب المؤتمر الحاكم في ان تري مطالب أهل دارفور العادلة في التنمية و نصيبها في السلطة ، لم تري فيها غير الوجه ( الأمني ) وبالتالي – قررت – حسمها عسكرياً فتحركت أسراب الأنتينوف الي مدرجات مطار الفاشر و نيالا للقيام بطلعات جوية ، تقصف خلالها القري في أمبرو ، الشعيرية ، الطينة ، قرلانج بانج ، ديسة ، تلس ، وادي صالح وأم كردوس . فكانت نتيجتها الخسائر الكبيرة في أرواح المواطنين خاصة النساء و الأطفال ، كما قامت الحوامات ( الهليوكوبتر ) بمهمات الأسناد الناري و الأستطلاع لصالح فلول مليشيات ( الجانجويد ) المغرر بهم من قبل حكومة الخرطوم . الذين يدخلون بخيولهم الي القري المدمرة ليجهزوا علي الجرحي و الفارين من المدنيين ومن ثم يقومون بواجبات السرقة و النهب للممتلكات . كان القصف الجوي و المدفعي واسعاً ويتم علي إفتراض أن ( الأرض المحروقة ) هي لأهالي الثوار ممن يسميهم الحكومة ( حملة سلاح ) في محاولة مبطنة ( لتنسل بجلدها ) من فعل غير مبرر أصلاً ووفقاً للقانون الدولي ، القيام به تجاه المدنيين ، في بادرة يتطلب ضرورة وقوف مرتكبيها امام ساحات العدالة يوماً ، وخاصة لجهة المحكمة الدولية في ( لاهاي ) ووفقاً للقرار الأممي الصادر ، والتي هي ألتزام أخلاقي من المجتمع الدولي إزاء مواطني دارفور المتضررين من تلك الحملات الأرهابية.
في لبنان وجهت رسالة شديدة الحساسية من قبل ( المحقق الدولي ) الي مقام رئيس الجمهورية اللبنانية إميل لحود ، بتوقيف كبار المقربين اليه في نظارة الشرطة ( الدرك ) بشبهة المسئولية في جريمة تدمير حياة اللبنانيين ، ومن خلال إغتيال رفيق الحريري ، دائماً حسب الأوساط ، تلك التي أتسمت به طيلة فترة حكم الرئيس لحود الذي كان يستمد نفوذه من سلطة الوصاية في سوريا ، و بالتالي إذا إستمر التحقيق علي النحو الذي بدأ به القاضي الدولي ( ملس ) تحقيقاته في بيروت ، سيكون لها ما بعدها ، لمقام الرئاسة الأولي في لبنان . يقول النائب البرلماني اللبناني - جبران تويني - في مقال منشور علي صفحات جريدة النهار البيروتية ، في الأول من شهر أيلول/ سبتمبر الحالي ، يقول : ( يوم 14 أزار أنتفض الشعب مطالباً بالسيادة و الحرية و الأستقلال ، وبشكل خاص بمعرفة الحقيقة ، حول جريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري و رفاقه . يومها رفعت اللافتات تحمل صور الأمنيين الكبار ، مطالباً بملاحقتهم ، ومحاكمتهم و محاسبتهم ليس بسبب إغتيال الرئيس الحريري فحسب ، ولكن أيضاً بسبب ما قام به النظام الأمني حيال الوطن و المواطنيين ، أن علي مستوي التوقيفات أو التنكيل أو الأزلال و القمع . ممارسات كانت برعاية " الطبقة " الحاكمة وسلطة ( الوصاية السورية ) . أنتهي كلام النائب جبران تويني .
في دارفور – كان قرار الحرب صادر من الرئيس البشير ، ويسانده في ذلك نائبه علي عثمان محمد طه ، وكذلك وزير دفاع النقاذ بكري حسن صالح ، ومحرك ملف الجانجويد اللواء صلاح عبد الله قوش مدير الأمن الوطني و المخابرات ، هؤلاء مسئولون تضامنياً عن ( الحل الأمني ) لقضية دارفور في الوقت الذي كان فيه المواطنون قد أجتمعوا في الفاشر ، وبوجود الرئيس البشير نفسه ، فقدموا مطالبهم اليه ، فرفضها إنتصاراً ( لعنجهيته ) وليس لمقام – رئيس جمهورية السودان - من المفترض أنه تكليفي ويقيد خدمة المواطنين في أي بقعة من السودان الكبير ، وبغض النظر عن دينه ، لونه ، أو ولايته التي ينحدر منها أي النظرة علي ( أساس المواطنة ) بالطبع يصح ما قلته في أي بلد يحترم نفسه ويقوم الحكم فيه علي أساس قيم جمهورية رفيعة وليس كما هو في السودان يتحكم فيه شلة من (الجلابة ) ليحولوا البلد الي ضيعة تخصهم ، كما علي السيد ( صلاح قوش ) أن يبرر أمام المحكمة الدولية ( LCC) ما الغاية من ( كيس دولاراته ) الذي لم يفارقه أبداً وهو يجوب مناطق الضعين ، دار معاليا ، أولاد منصور ، ،تلس وغيرها من المناطق التي رجع منها خائباً بسبب ( الحكمة ) التي أبدتها الأدارات ونظار المسيرية ، الرزيقات ، و المعاليا وغيرهم هناك لأهمية التعايش و الرفض من قبلهم الولوج في ( اللعبة الأمنية ) التي تخص ( حكومة الجلابة ) في الخرطوم لوحدها . كما علي السيد وزير الدفاع أن يجيب علي تساؤلات أهالي الضحايا في محكمة لأهاي ( LCC) عن المكالمات المسجلة لدي - المحكمة الدولية - بين بعض من الطيارين العسكريين في الكثير من طلعاتهم الجوية مع المراقب الأرضي أو ( غرفة العمليات الحربية في القيادة الغربية ) ، وكيف يبرر الأوامر الواضحة بتدمير المدنيين في قراهم ودك حفائر حيواناتهم بالصواريخ ( جو- أرض ) ، بل ما ذنب أولئك الضباط الشرفاء اللذين رفضوا تنفيذ الأوامر بقتل أهلهم في دارفور فإحتضنتهم سجن ( كوبر ) وهم يواجهون مصيرهم المجهول حتي هذه اللحظة في إنتظار عدالة سوف لن تأتيهم من سلطة النقاذ أبداً .
لبنانياً يتوقع الكثير من المصادر تحويل قضية ( محاكمة الكبار ) في مرحلة من مراحله القادمة الي ( محكمة خاصة ) تتبع للاهاي للبت في كيفية إستدعاء متهمين أخرين غير لبنانيين كانت لهم السلطة إبان الوجود السوري في لبنان ، مما يخرج بالقضية الي أفاق المحكمة الدولية ( LCC ) عملياً . وفي السودان ، يتوقع أن تفعل المحكمة الدولية ، مطالبتها بتوجيه الأتهام الي المسؤلين ( الكبار ) في الدولة السودانية ويطلب اليها المثول أمامها ، الأمر الذي يكسر حاجز الخوف لدي الشعب للأستعداد لأستحقاقات رحيل قيادات الأنقاذ من علي المسرح السياسي السوداني ، ومن ثم سيكون هناك الكثير من ( الشهود ) لأثبات إدعاءاتهم ضد رموز الأنقاذ ، التي إرتكبت بأسم الجيش ( إنقلاب يونيو 1989 ) وأراقت الدماء مدراراً في زبح ضباط شهداء رمضان ، والكثير من الضحايا الذين ينتظرون الحرية للتعبير عن حقهم الشرعي الذي هو غير قابل للتصرف و النسيان لمقاضاة أيٍ من أفراد النظام تثبت إرتكابه للجريمة ، كما إن علي الدولة و رموزها الحاليين أن يجيبوا علي الأسئلة التالية ، منّ الذي قرر معالجة أذمة دارفور أمنياً حتي تقوم الطائرات بقصف المدنيين ؟ منّ الذي حّرك ملف الجانجويد وبأمر منّ ؟ منّ الذي أنكر الأزمة إبتداءً قبل أن يقوم المجتمع الدولي بتبنيه كإحدي الجرائم المنصوص عليها في القانون الدولي ويستوجب العقاب ؟
لقد أثبتت القضايا المماثلة لأزمة دارفور دولياً ، جدية المجتمع الدولي في القيام بمسئولياته تجاه ما تعتبره ( جرائم دولية ) وقد جاء في قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بدارفور ، قوية ، الأمر الذي يجعل من قيام المحكمة الدولية ( LCC) بطلب رسمي عبر الأنتربول تسليم المتهمين اليها إنما هي مجرد وقت ، وإن قرارات هذه المحكمة ستكون ملزمة علي نحو ما حدث في ، رواندا ، يوغسلافيا ، ولبنان حالياً ، وفي حال تم إدانه أيٍ من رموز حكومة الأنقاذ لجهة المسئولية عن أية جريمة بالأيعاز ، أمر ، تقصير ، المشاركة ، والتنفيذ فإن النتيجة ستطال مقام رئيس الجمهورية الذي هو حسب واجباته المنصوصة في الدستور مسئول عن اهل دارفور الذين تم قصفهم بالدانات ، فحريّ به أن يتحمل هو و نظامه ، مسئولية معاناة شعبنا في دارفور ، وكل التراب السوداني .