تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

قصة ضربة مصنع الشفاء .. من الالف الي الياء بقلم سارة عيسي

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
9/19/2005 12:54 م

لقد تابعنا باهتمام في خلال الايام الماضية الخطاب الذي ألقاه وزير خارجيتنا الدكتور مصطفي عثمان اسماعيل علي مسامع قادة الدول والشعوب في مبني الجمعية الامم المتحدة بنيويورك ، وقد كان خطابه محبطا ومخيبا للأمال حيث لم يستطع انتهاز هذه السانحة من أجل عكس صورة السودان الجديد بعد توقيع اتفاقية السلام مع الحركة الشعبية والتي أنهت عقودا من الحرب والاقتتال ، وعاد دكتور مصطفي عثمان لعادة نبش الملفات القديمة وقراءة أوراق اللعب السابقة والتي خسرتها الجبهة الاسلامية في الملعب الدولي ، ومن السمات التي تميز خطابات مصطفي عثمان بأنها لا تفرق بين الشأن الداخلي أو الاقليمي أو الدولي لأنها تتشابه في الاسلوب وتصب في معين واحد من المضامين ، فهي كثيرا ما تصب في بقعة الدفاع عن التهم الموجهة للنظام أو أنها تسترسل أحيانا في مهاجمة دول بعينها مثل الولايات المتحدة وأرتريا ويوغندا ، وفي قمة نيويورك للامم المتحدة المنعقدة حاليا حمل مصطفي عثمان هم قضية مرت عليها الان سبع سنوات من الزمن وهي قضية تدمير مصنع الشفاء في 20 أغسطس 1998 بواسطة 13 صاروخا من طراز كروز البعيد المدي ، وتحدث دكتور مصطفي عثمان عن عدالة قضية السودان وأن الولايات المتحدة اعتمدت في ضربها لهذا المصنع الحيوي علي ادعاءات كاذبة وليس علي أدلة مقنعة ، ولا يعرف السيد /الوزير أن الادلة المقنعة لا تبرر أيضا لأمريكا ضرب المصنع بهذا الاسلوب لأن هناك خطوات يجب اتخاذها عن طريق مجلس الامن قبل تنفيذ الهجوم ، خطوات مثل تكوين لجان التفتيش والبحث والتحري ، وان يطلب من السودان التعاون مع هذه اللجان وفي حالة رفضه لذلك يسعي مجلس الامن الي تضييق الخناق علي عنق النظام حتي يفي بمتطلبات المجتمع الدولي ، وأمريكا أستغلت النقمة العالمية علي السودان بسبب مواقفه السابقة الداعمة للأرهاب وقامت قامت بضرب مصنع الشفاء في عام 1998 علي ظن ارتباط نشاطه بطموحات زعيم القاعدة أسامة بن لادن لاقتناء اسلحة كيماوية ، وأنا أتفق مع الدكتور مصطفي عثمان حول رؤيته لهذا الهجوم بأنه عمل غير مبرر لأن هذا اللغط قد أثير أيضا في دوائر القرار داخل الولايات المتحدة وتم تكوين العديد من اللجان من أجل بحث الادلة التي قادت الولايات المتحدة الي القيام بهذا الهجوم ، والدكتور مصطفي عثمان يحاول الان تصعيد هذه القضية من جديد ولكنه كمن يحرث في البحر لأن المثال العراقي لا يمكن مقارنته بضربة مصنع الشفاء الا في الشكل الذي تمت به صياغة التقارير الاستخباراتية لتوفر التبريرات اللازمة لضرب كل من مصنع الشفاء في الخرطوم عام 98 ولاحتلال العراق في عام 2003 ، ولم تتراجع الولايات المتحدة عن مزاعمها من أجل احتلال العراق علي الرغم من فشل استخباراتها في العثور ولو علي خيط رفيع يربط تعاون نظام صدام حسين مع تنظيم القاعدة كما فشلت قواتها بنفس المستوي في العثور علي أسلحة الدمار الشامل والتي كانت أحد اسباب غزو العراق ، وأمريكا رفضت بحث الدعاوي السودانية حول اسباب ضرب مصنع الشفاء ولا يوجد من الاسباب ما يرغمها علي الاذعان لمطالب السيد/مصطفي عثمان اسماعيل والذي كان عليه نسيان هذه القضية الخاسرة ومحاولة التركيز علي دور أمريكا في أحياء عملية السلام الجارية والتي خمد بريقها الان بعد تنازع الاطراف المعنية بالاتفاقية علي أيلولة وزارة الطاقة والمعادن ، فأمريكا لم تتراجع عن غزو العراق لتقر بخطأ معلوماتها الاستخباراتية ولم تعتذر للعقيد الليبي عندما قصفت مخبئه في عام 1986 وهي ايضا لن تقبل بالانصياع لمطالب السودان وان بدأت مطالبه عادلة في نظر الرسميين الحكوميين ، ومن خلال هذا السياق سوف أحاول قراءة ملف قضية ضربة مصنع الشفاء من جديد بعد تسرب العديد من التقارير الاستخبارية والتي أكدت أن عملية ضرب مصنع الشفاء كانت عملا استباقيا وقائيا اعتمد علي الظنون والشكوك المسبقة ولم تعتمد علي المعلومات الاستخباراتية الذكية التي تحدد دقة الهدف قبل اطلاق اشارة الهجوم ، فالادلة الظرفية كانت تشير الي تورط نظام الخرطوم في الارهاب الدولي ومن الطبيعي ان يقود هذا الاتهام بتداعياته الكلية الي استهداف مصنع الشفاء . والولايات المتحدة كانت بصدد بارسال تحذير صارم للدول التي تبنت خط الارهابيين وأفكارهم ومصنع الشفاء لم يكن أكثر من ذريعة استغلتها الولايات المتحدة من أجل ضرب السودان ، فالهدف المطلوب كان رأس السلطة وليس مصنع الشفاء أما مسألة ضعف الادلة والقرائن فهذا أمر سوف يتم تجاوزه عندما تؤدي الرسالة الهدف المطلوب .
بدأت أزمة السودان مع المجتمع الدولي بعد حرب الخليج الثانية حيث ايدت حكومة الخرطوم بشدة غزو العراق للكويت ، ويحاول د.مصطفي عثمان الان التنصل عن ذاك الموقف المخزي ولكن شواهد ذلك التاريخ سوف تظل باقية كبقاء الانقاذ في السلطة طوال هذا الزمن ، فأجهزة الاعلام السودانية كانت تردد بأن الكويت هي المحافظة التاسعة عشر للعراق وأطلقوا عليها اسم محافظة الكاظمية ، وتحدث مؤرخوا الانقاذ عن تبعية الكويت للعراقيين مروجين بعض نظريات المؤامرة حول اقتطاع البريطانيون لهذا الجزء الغني بالنفط من لحمة العراق وتحويله الي دولة تسمي الكويت ، والدبلوماسية الشعبية و التي كان يترأسها الدكتور مصطفي عثمان اسماعيل كانت أول من استضاف رموز النظام الصدامي بعد غزو الكويت ، ولن تنسي ذاكرتنا هتافات مثل ( بالكيماوي يا صدام .. السد العالي يا صدام ) أو هتاف آخر يصف العائلة المالكة في السعودية بأنهم يهود من نسل خيبر ، وذلك غير تصريحات يونس محمود والتي حفظها كل الذين عاشوا نشوات فرح الانقاذ باحتلال الكويت ، ولن نتعمق كثيرا في موضوع موقف السودان من احتلال الكويت لأن ذلك لم يكن هو سبب الخلاف بين المؤتمرين الشعبي والوطني أو مسؤولية الترابي وحده كما يروج الدكتور مصطفي عثمان ، فقد اتفق الجميع علي تأييد الغزو وفرحوا وصفقوا له وأعتبروه بداية لتحرر الامة العربية من حكم الشيوخ والسلاطين ، وبعد مرور عام علي حرب الخليج الثانية قام السودان بانتهاج سياسة جديدة تهدف الي توطين المهجرين الاسلاميين القادمين من الدول العربية في السودان ، وسمح لهولاء المهاجرين بتكوين المجموعات والتدرب علي السلاح في معسكرات سرية وقد شارك بعضهم الجيش السوداني في حربه علي الحركة الشعبية ، وتنظيم القاعدة قام ببناء شبكته في السودان قبل أن ينتقل بنشاطه الي أفغانستان ، شرع النظام في تجميع المزيد من مطاريد الطيف الاسلامي العربي في الخرطوم وتم الغاء نظام التأشيرة المسبقة وأصبحت أراضي السودان مفتوحة لكل من هب ودب ، وأصبحت رؤية العرب الملتحين وهم يتجولون في شوارع من الامور العادية ، وقد أغضب هذا التصرف العديد من الدول العربية وأعتبرته تدخلا في شئونها الخاصة ، ولكن النظام أصر علي هذه السياسة وأعتبرها مهمة مقدسة تهدف الي تصدير الثورة الاسلامية الي الدول الدول العربية ، وبن لادن كان يحمل هم هذا المشروع وعند مجيئه للسودان طلب من الحكومة السودانية انتاج أسلحة كيمائية من أجل استخدامها ضد الامريكيين في السعودية ، ولم يعرف الي الان تعليق الحكومة السودانية علي هذا الطلب ولكن توافد رموز النظام العراقي واشرافهم علي تطوير مصانع الاسلحة السودانية أثار الشكوك حول رد السودان بالايجاب .
وفي تلك الفترة لم تخفي الانقاذ اعجابها بالارهابيين وأسلوبهم ، واعتبروا أن الهجمة العالمية عليهم بسبب دعمهم للارهاب امر طبيعي ورد ذكره في القران الكريم بنص الاية الاية الكريمة : (( لن ترضي عنك اليهود والنصاري حتي تتبع ملتهم )) ، وقد أعتبروا هذه الحملة نوعا من الابتلاء المحمود الذي خص الله به عباده الصالحين ، وفي مخاطبة جماهيرية أكد الدكتور الطيب ابراهيم محمد خير بأن الارهاب هو نوع من السنن التي أمرهم بها الله حيث طلب من المؤمنين أن يكونوا أرهابيين حتي يرهبوا عدو الله وآخرين يعلمهم الله والانقاذ لا تعلمهم وأشار بيده الي مصر ، وقد بدأ مسلسل الارهاب في السودان (كليالي الحلمية ) ومن أهم المحطات في تاريخ الارهاب في السودان ما يلي :
في عام 1991 دخلت مجموعة بن لادن السودان تحت غطاء الاستثمار في الطرق والكباري والسياحة ولكن الهدف الحقيقي كان تجميع الاعوان والمريدين والتدرب علي السلاح من أجل منازلة اليهود والصليبيين ، وقد أستطاع بن لادن من مقر قيادته في السودان من اخراج القوات الامريكية في الصومال وجعلها تفر من هذا البلد وهي تلعق جراح الهزيمة ولكنه تسبب في جعل هذا البلد يعيش تحت رحمة المليشيات الي أبد الابدين ، وقد اصبحت الصومال بلدا منسيا في الذاكرة الدولية .
في عام 1993 قامت أمريكا بوضع اسم السودان في قائمة الدول الداعمة للارهاب
في عام 1994 تم القاء القبض الارهابي العالمي كارلوس والذي دخل السودان من غير حصوله علي تأشيرة دخول وقد قامت السلطات السودانية بتسليمه الي فرنسا .
في عام 1996 تمت محاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك في العاصمة الاثيوبية أديس أببا ، وذكرت تقارير المخابرات المصرية بأن الجناة تسللوا من السودان الي اثيوبيا علي متن الخطوط الجوية السودانية ، وقد تمت الاشارة الي اسم نائب الرئيس الحالي بأنه العقل المدبر (mastermind) كما ورد اسم كل من غازي صلاح الدين ود.علي نافع ود.قطبي المهدي ، وقد عملت الانقاذ بعد فشل هذه المحاولة الي القيام بعمل تغييرات جوهرية في وظائف الاجهزة الامنية تم بموجبها اقصاء الدكتور علي نافع من رئاسة الامن الخارجي ، أغلقت الولايات المتحدة مكتب سفارتها في الخرطوم بحجة عدم استباب الامن ، كما عمدت أيضا الي مد الحركة الشعبية بمساعدات وصفتها بغير المميتة (not lethal aids) تصل الي عشرين مليون دولار ، وفي زيارة لها لافريقيا وصفت وزير الخارجية السابقة مادلين أولبرايت نظام الخرطوم بأنه أشبه بوكر الأفاعي السامة (viper nest) في حملة أكدت فيها بأن الولايات المتحدة ربما تقوم باتخاذ خطوات أكثر عملية في التعامل مع نظام الخرطوم .
في عام 1998 تعرضت سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا الي عمليات تفجير تزامنية أدت الي مقتل مائتي شخص جلهم من السكان المحليين ، وبعد مرور عشرة ايام علي هذا الحادث كتب الدكتور قطبي المهدي رئيس المخابرات أنذاك مذكرة الي المخابرات يطلعها علي قيام السودان باعتقال شخصين يحملان الجنسية الباكستانية وقد أكتشفت بالصدفة وجود تزوير علي جوازات سفرهم ، وكان هذين المشتبهين قادمين علي متن الخطوط الجوية السودانية في نفس اليوم الذي تم فيه الهجوم علي السفارتين في نيروبي ومومباسا، تجاهلت الادارة الامريكية هذا الاستجداء من قبل الدكتور قطبي المهدي وفضلت في المقابل تدمير وكر الثعابين مرة واحدة بدلا من الاستفادة من سمومها في محاربة الارهاب . تم اختيار هدفين من قبل وزارة الدفاع الامريكية ، الاول كان مصنع الشفاء والثاني كان مدبغة لم تشر التقارير الي اسمها ، صرفت الادارة الامريكية النظر الي الهدف الثاني بسبب وقوعه داخل منطقية سكنية مكتظة بالسكان ، تم قصف مصنع الشفاء بالصواريخ في مساء يوم 20أغسطس 1998 وأصابت الصواريخ الهدف بدقة متناهية ولم تنجم عن الحادث خسائر بشرية كبيرة لأن الضربة تمت في خارج ساعات الدوام الرسمي ، ونجت المعامل واجهزة التبريد من القصف وفي السياق التالي سوف أحاول تسليط الضوء علي المعلومات التي تملكها الولايات المتحدة عن مصنع الشفاء .
يعتبر تاريخ هذا المصنع مجهولا علي الرغم من أدعاء النظام بأن هذا المصنع يوفر نصف احتياجات البلاد من الدواء ، وهناك من أعتبره بأنه من اكبر مصانع الدواء في افريقيا ، ويقال ان منظمة التجارة التفضيلية هي احد المساهمين في رأسماله ، وقد حامت الشكوك حول علاقة مديره السابق عثمان سليمان بتنظيم القاعدة حيث تم ترحيله من السعودية عام 1995 لأسباب أمنية ، والمخابرات الامريكية أبقت هذا المصنع تحت المراقبة منذ عام 1997 ، وكان المصنع يقع في منطقة شبه مدنية ولا توجد أي شبهات حول قيامه بالنشاطات العسكرية ، فلا توجد حراسات غير عادية أو قيام دوريات من الجيش بمسح المكان كما تفعل في حالة حراستها للمنشأت العسكرية كما لا توجد لوحات حظر الدخول الي مباني المصنع ، اشارت المخابرات الامريكية في تقاريرها الي اسوار المصنع العالية وقيام بعض الوفود العراقية الرسمية بزيارة المصنع من حين لآخر ، وفي عام 97 تمكن مخبر من أخذ عينة من التربة المحيطة بأرض بالمصنع وذلك قبل تسعة اشهر من تاريخ الهجوم ، وعند عرض هذه العينة للتحليل المخبري تأكد تلوث هذه البقعة بمادة (emta) والتي تدخل في صناعة غاز (VX) المضاد للأعصاب ، وقد بلغ التلوت أكثر من مرتين ونصف عن المعدل الطبيعي للتربة العادية ، وفي 24 يوليو من عام 98 أنتهت المخابرات الامريكية من اعداد تقريرها حول مصنع الشفاء ، وأعتمدت مادة التقرير علي بعض الصور التي التقطت بواسطة الاقمار الصناعية بالاضافة الي عينة التربة التي أشرنا اليها في السابق ، وتحدث التقرير عن شكوك قوية ولكنه لم يؤكدها بالادلة القاطعة ، وأتضح بعد قراءتي لنص هذا التقرير بأن المخابرات الامريكية كانت تعاني ندرة في المعلومات الخاصة بالسودان بعد اغلاق مكتبها في الخرطوم عام 96 حيث أصبحت تعتمد علي المخبرين المحليين في رصد المعلومات ، وقد كشفت عملية اصابة الهدف بدقة متناهية وفي الوقت المحدد هوية الواشي المجهول الذي نقل المعلومات اليها وكل الدلائل تقول بأن المعلومات صدرت من داخل المصنع وليس من خارجه كما يعتقد الكثيرون.
سمع الاهالي صوت الانفجار الهائل وقد أرتفعت ألسنة اللهب عاليا الي عنان السماء ، وهرعت قوات المطافئ الي مكان الحادث في محاولة مستميتة من أجل اطفاء النيران ، كانت الضربة مفاجئة وغير متوقعة وقد جاء الرد الحكومي الرسمي متأخرا والسبب يعود الي اقدام رموز النظام علي الاختباء في معسكرات سرية حرصا علي حياتهم ومن أجل الاحتماء من القصف الصاروخي ، ولقد علموا من وسائل الاعلام الاجنبية والتي قطعت برامجها الرئيسية ونقلت المؤتمر الصحفي لوزير الدفاع الامريكي وليام كوهين ورئيس هيئة الاركان الجنرال هنري شلتون ، وكانت هناك مخاوف من تجدد القصف للمرة الثانية وعندما أحست رموز النظام بالامان خرجت الي واجهة الفضائيات وهي أكثر ضجيجا وزعيقا من سابق عهدها ، وذكر الرئيس البشير لأجهزة الاعلام بأن سبب الضربة هو محاولة الرئيس الامريكي التغطية علي فضيحة مونيكا لوينسكي المتدربة السابقة بالبيت الابيض ، ومن الممكن أن تكون هذه النظرية مقنعة للعوام ولكنها ليست مقنعة لرجل الشارع المثقف وذلك لسببين أولهما أن أمريكا كانت ترتاب في هذا المصنع منذ عام 1997 ، والسبب الثاني أن قرار الحرب في أمريكا لا يملكه الرئيس وحده بل تملكه كل مؤسسات الحكم ابتداء من دائرة الضريبة (IRS) في واشنطن وانتهاء بضباط السفن الحربية الحاملة للصواريخ في الخليج العربي والبحر الاحمر ، ووسط هذه الفوضي عمدت الانقاذ الي انقاذ نفسها ورمي قفيص النحل المنتشر في صدر الاستاذ/ صلاح أحمد ادريس ، أعترفت الدولة بأن هذا المصنع لا يخصها بل يخص رجل الاعمال السعودي السوداني صلاح ادريس ، وهنا تنبهت الادارة الامريكية لهذا الاسم لأنه لم يكن مدرجا في قوائم الرصد ، فتم نبش تاريخ الرجل فعثرت المخابرات الامريكية علي علاقة كانت تربطه بالشركات الحكومية العسكرية الخاصة بالتصنيع الحربي ، وبناء علي هذه العلاقة قامت الولايات المتحدة بتجميد مبالغ وقدرها 24 مليون دولار كان صلاح أدريس قد أودعها في مصرف بانك اوف أمريكا ، والادارة الامريكية لم تكن تعلم بانتقال ملكية مصنع الشفاء لصلاح ادريس الا بعد الضربة ، وفي محاولة الانقاذ لفك الطوق من حول عنقها بدأت في اطلاق الكثير من هذر الكلام والذي اصبح يشكل خطرا كبيرا علي سمعة صلاح ادريس كرجل أعمال حيث افادت بأن هذا المصنع قد صنف من قبل لجنة الامم المتحدة المشرفة علي صفقات النفط مقابل الغذاء في العراق ، وهنا وجدت الادارة الامريكية الدليل الذي كانت تبحث عنه من أجل اثبات ادعاءاتها فزعمت أن المصنع ينتج موادا كيماوية لصالح العراق حتي يستخدمها في الاغراض العسكرية ، ورفضت الادارة الامريكية فكرة قبول صلاح ادريس كرجل أعمال وأصرت علي كونه وجه مستعار لتنظيم القاعدة (Front Face) ، استطاع صلاح ادريس وعن طريق الاستعانة بمحاميين دوليين من تخليص مبالغه المجمدة في الحسابات الامريكية وقام قام ايضا برفع قضية ضد الولايات المتحدة مطالبا اياها بتعويضه مبلغا و قدره 50 مليون دولار مقابل الاضرار نجمت من قصف مصنع الشفاء .
هذه قصة مصنع الشفاء باختصار شديد والذي اصبح الان قميص عثمان الذي يحرك مواجع تنظيم الجبهة الاسلامية ، وقد باعت الانقاذ صلاح أحمد ادريس بثمن بخس مقابل النجاة من العقوبة وقد أدخلته أيضا في الكثير من المآزق والتعقيدات وكاد الرجل أن يفقد كل ثروته بسبب شبهة الارهاب التي حامت حول رجال الانقاذ والتي أعتبروها عيبا لا ينكرونه وشرفا لا يدعونه ، وقد اثبت صلاح ادريس بأنه رجل شجاع وشهم عندما رفض عرض الحكومة بفرض الضرائب علي المواطنين من أجل تعويض خسارة المصنع ، وقد اثبت مراسل النيويورك تايمز والذي زار موقع المصنع بعد الهجوم فرضية الخطأ المميت الذي وقعت فيه الادارة الامريكية عندما أستهدفت هذا المصنع المدني والذي كان وقتها ينتج بحق وحقيقية أمصال علاجية فقط ولا علاقة له بالنشاط العسكري ، أما نشاط المصنع قبل أن تؤول ملكيته لصلاح ادريس فهذا أمر قد خفي علينا وبقي سرا مثل سر بقاء وزارة الطاقة مع د.عوض أحمد الجاز .

سارة عيسي

للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved