أبو نمو وادي [email protected]
الرياض – السعودية
قد يتعجب البعض من هذا العنوان المتناقض الأطراف (البداية والنهاية ) ويحتار من مغذى رسالة واضح أن كاتبها لم يكن مرغما لكتابتها، وبنفس القدر قد يتفهم البعض بعد ربط الجزء الأخير من العنوان (من لا يكن ذرة ود ) مع كاتب مثلي نشر الكثير من المقالات في المواقع الالكترونية ذات الصلة بالسودان لفضح حكومة الإنقاذ على جرائمها في شعب دار فور طوال فترة الحرب و المأساة الإنسانية المستمرة حتى الان.
لماذا هذه الرسالة وما الموضوع ؟
الرسالة هي: لأننا مهما تقاتلنا وارتكب البعض فينا جرائم يدمى لها الجبين، فانه لا مناص في النهاية من الجلوس لحل المشكلة بالتفاوض وضمد الجراح والرجوع للعيش في بلد يسع الجميع
( رغبة كانت أم رهبة، لأنه واهم من يظن أن دار فور سينفصل أو يفصل عن السودان في اى ظرف من الظروف ومهما تراكمت المرارات في النفوس )
أما موضوع الرسالة فهي لتنبيه المشاركين من الأطراف السودانية - وخاصة حكومة الإنقاذ - مما سميت بمفاوضات أبو جا الجارية الان بين حكومة الإنقاذ من طرف وحركة العدل والمساواة وعبدا لواحد محمد احمد النور من الطرف الاخر وذلك في مسعى جديد (غير جاد ) لحل مشكلة دار فور المستعصية. ما دعاني إلى هذا( التنبيه ) هو ما ذكره الناطق الرسمي لجيش حركة تحرير السودان القائد / محمد حامد على قبل يومين في بيان له، أن ما يجرى الان في ابوجا هي مؤامرة يشترك فيها الأطراف الثلاث (حكومة الإنقاذ / حركة العدل والمساواة / عبد الواحد محمد احمد النور ) لمحاولة العمل على تصفية جيش حركة تحرير السودان وليس التفاوض للوصول إلى حل يرضى أهل دار فور!
للأسف هذا القول يمثل قدرا كبيرا من الحقيقة، لماذا ؟
لان جيش الحركة في اعتقاد الأطراف الثلاث المذكورة أعلاه يمثل بعبعا مخيفا لأسباب متفاوتة، حقيقية للبعض ووهمية للبعض الاخر. ولان حبل الود(وليست شعرة معاوية ) ما زال يربطنا برئيس حركة تحرير السودان السيد / عبدا لواحد محمد احمد النور وكذلك بقادة حركة العدل والمساواة (الشقيقة ) فاني (اتجاوز حاليا ) عن ذكر حقيقة مخاوفهما من جيش حركة تحرير السودان، بصرف النظر عن (حقيقة ) المخاوف مع هذا الطرف أو وهميتها مع الطرف الاخر، ولكني أنبه واذكر حكومة الإنقاذ (رغم أنها تعلم حقيقة ما أنبه إليه ) وأقول لها أن 95% من المعارك التي خاضتها وانهزمت فيها في السابق مع ثوار دار فور- والتى على أساسها رضخت للتفاوض وتكونت هذه المنابر تبعا لذلك - هي كانت مع نفس القوة الثورية التي لا تمثيل لها الان في المفاوضات التي تجرى في ابوجا !!
إذن لماذا تجرى الحكومة المفاوضات مع أطراف هي تعلم قبل غيرها أنها لا تملك تأثيرا عسكريا فعليا على الأرض ؟ السبب للأسف هو المكر والخبث والمؤامرة وإعمال المزيد من شق صفوف الثوار لإضعافهم ومن ثم الانفراد بالقوة الأساسية وضربها بعد إعداد البيئة المناسبة لها مثل غربلة الثوار وتصنيفهم إلى قبائل وأعراق حتى تحيد المتعصبين والمنتفعين وقصار النظر من أهل دار فور. ولان التجارب قد أثبتت أن حكومة الإنقاذ لا تتعظ ولا تستفيد من أخطاء الماضي، فاني اضطررت إلى كتابة هذه (الرسالة ) لتذكيرها وتنبيهها من مخاطر ما تقدم إليها من مؤامرات لان اللجوء إلى الحرب مجددا قد تأتى معها عواقب وخيمة ليس فقط على تفاقم الوضع المأساوي للنازحين واللاجئين في دار فور والدول المجاورة ولكن على حكومة الإنقاذ نفسها والتي كتبت لنفسها عمرا جديدا قد تستمر إلى ست سنوات قادمة وذلك عندما وقعت اتفاقية نيفاشا مع الحركة الشعبية، لان الحرب الشاملة هذه المرة سوف لن تدور رحاها في حدود دار فور فقط كسابقاتها ولكن الضرب سيكون في العمق وبل في " المعاقل ".
ننبه حكومة الإنقاذ إلى أن ثوار دار فور قد بدأوا ثورتهم هذه من بدايات متواضعة أشبه ما تكون بالمستحيلة ونازلوا جيش الحكومة ومليشياتها بكامل عتادها وطائراتها بجسارة أذهلت المراقبين وصبروا وثابروا وكبروا إلى أن أصبحوا قوة عسكرية نظامية مهابة يستحيل وبل من الحماقة مجرد التفكير في القضاء عليها عسكريا.
حرب دار فور هي من اغرب حروب الغوريلا في العصر الحديث من حيث الظروف المحيطة بها و من حيث الروح القتالية العالية للثوار، لماذا ؟
هذه هي الظروف الغير عادية التي صاحبت تكوين واستمرارية حركة تحرير السودان بنجاح حتى الآن:
1) معظم ساحات المعارك حصلت في أراضى صحراوية كاشفة تجعل من المقاتلين في تجوال دائم لا مقر ثابت لهم وينطبق ذلك حتى على القيادة العسكرية المركزية وبذلك توفرت للثوار ديناميكية غير عادية تحدوا بها العدو، مع توفر أساليب حروب الصحراء والتي تعتبر جديدة على المؤسسة العسكرية السودانية مما جعلها تستغيث إلى من هم اقرب إلى هذه البيئة من غير العسكريين النظاميين – الجنجويد
2) لا يوجد ملجأ استراتيجي في عمق دول الجوار كخلفية يلجأ لها الثوار في حالات الضغط العسكري في الداخل كما هو متعارف عليها في حروب الغوريلا وبل توجد كل أفراد الحركة وقواعدها المتحركة داخل الاراضى السودانية
3) لا توجد للحركة حلفاء ومساندين في حكومات دول الجوار المتاخمة للإقليم وبل أن كل دول الجوار المتاخمة في صف الحكومة السودانية وبالتالي لا يصلها اى دعم عسكري من اى جهة خارجية عبر الحدود
4) اغرب ما في هذه الحرب أن الثوار يعتمدون أساسا في تسليحهم وعتادهم اللوجستى، وبل حتى تموينهم في بعض الأحيان على ما يستولون عليها من المعارك مع جيش الحكومة والمليشيا العميلة، أو بمعنى آخر أن استمرار التسليح بصفة أساسية تكمن في استمرار العمليات العسكرية مع الحكومة وان هدف الثوار من اى معركة لا ينحصر في إنزال الهزيمة بالعدو فقط وبل يتعدى إلى ابعد من ذلك في الحصول على عتاده أيضا وبذلك تتضاعف المخاطرة !
5) لان الحكومة قد اعتمدت سياسة الأرض المحروقة في المناطق التي جرت فيها المعارك وادت ذلك إلى تهجير كل سكان تلك المناطق مثل دار زغاوة وأجزاء كبيرة من ديار المساليت ومناطق قبائل الفور في غرب الجبل ومناطق عين سيرو في المنطقة الشمالية من جبل مرة، ونزحت سكان هذه المناطق إما كلاجئين إلى تشاد أو إلى مخيمات النازحين حول المدن الكبيرة في دار فور، وبذلك اصبحت مخيمات النازحين واللاجئين معينا لا ينضب من مصادر مقاتلى حركة تحرير السودان، وبذلك كلما زادت ضراوة المعارك تزاحم الناس للانضمام إلى حركة تحرير السودان لان الحركة هي الأمل المتبقي لتغيير هذا الوضع الماساوى الذي يعيشه النازحون واللاجئون.
كل هذه الأسباب مجتمعة جعلت من حركة تحرير السودان قوة جبارة وأكسبتها منعة واقية من صلف وجبروت حكومة الإنقاذ ومليشياتها العميلة وأصبحت رقما مهما لا يمكن تجاوزها باى حال من الأحوال في اى تسوية سياسية قادمة في دار فور.
عليه نحن لا نعيب على حكومة الإنقاذ على أجراء المفاوضات مع اى جهة دار فورية مهما اخلتف الناس حولها، ولكن إذا كان هذا هو وزن حركة تحرير السودان في دار فور وهذه هي الأرضية التي تقف عليها فانه من العبث والجنون التفكير بتجاوزها في مفاوضات جدية لإنهاء هذا الوضع المأساوى، وآمل أن تكون الرسالة قد وصلت وفى الوقت المناسب، اللهم انى بلغت فاشهد.
أبو نمو وادي
الرياض – السعودية