* أكتب هذا المقال للتاريخ، فالبلد على حافة فترة حكم شمولي واستبدادي جديد، ثم تتخللها أو تعقبها فوضى عارمة، ربما تصل إلى حد الاقتتال في الشوارع وتفتيت البلاد الى دويلات صغيرة متناحرة على أساس عنصري أو قبلي!!
* يجب أن يدرك الناس ان مستقبل هذه البلاد صار في كف عفريت، يعيش بيننا، ويأكل ما نأكله من الطعام، ويشرب ما نشربه من الشراب، ولكنه يعمل بكل ما أوتى من قوة لنشر الفوضى والاقتتال والصراع بيننا!!
* ربما تنفجر الاوضاع فجأة اليوم أو غداً، وربما تتأخر بعض الشيء، ولكنها ستنفجر حتماً، اذا لم يتخل البعض عن اللامبالاة التي يتعامل بها مع الاوضاع، واذا لم يترك البعض الانانية والمطامع الشخصية، ويقدم بعض التنازلات من اجل المصلحة العامة، واذا لم يتقيد البعض بالمباديء الاخلاقية في ادارة الصراع، واذا لم يدرك البعض ان النار التي يحاول اشعالها، سيكون هو أول من يحترق بها.. واذا لم يتصد المثقفون والمتعلمون داخل السودان وخارجه لمسؤولياتهم الوطنية، ويوحدوا صفوفهم لمقاومة الذين يسعون بين الناس بالفساد والتسلط والقهر.. واذا لم يجد عامة الناس من يفتح بصائرهم وعقولهم وقلوبهم على ما يحاك ضدهم وضد البلد.. ويستنهض هممهم وعزائمهم ويقودهم لحماية وطنهم والدفاع عن حقوقهم!!
* صراع حاد وعنيف، لا تحكمه اخلاق ولا آداب ولا مناهج فلسفية ولا فكرية، ولا سياسية، ولا أي نوع من القواعد، غير شهوة السلطة والثروة، يدور بين الكافة.. داخل الحزب الحاكم، وبينه وبين شريكه في الحكم، وبين الحالمين بالدخول الى الحكم، وبين هؤلاء وبعضهم البعض.. وبين هولاء وغيرهم.. وبين السياسيين، حتى في الشلة الواحدة، وليس الحزب الواحد، وبين المهنيين، في التخصص الواحد، وبينهم وبين التخصصات الاخرى، وبينهم وبين غيرهم من المهنيين، وبين التجار، وبين التجار وغيرهم.. وبين الطلاب.. وبين المواطنين في الحي الواحد، وبينهم وبين السلطات المحلية، وبين سلطة محلية واخرى، وبين السلطات المحلية والمركزية، وبين القبائل، وداخل القبيلة الواحدة.. ولم تسلم حتى الجهات ذات الحساسية الخاصة جداً والتي يرتبط عملها بالجمهور من الصراع أو المحاباة على أساس قبلي!!
* ولا تمر لحظة بدون ان تستغلها الجماعات أو المجموعات أو الافراد، للتهافت على السلطة والثروة.. اللتين صارتا غاية، وليست وسيلة لتحقيق الغايات النبيلة.
* الاحزاب تتشرذم والحكومة تتشرذم، والحركة الشعبية تتشرذم، والمفاسد والامراض تتفشى وتنتشر.. ودعاة الفتنة يتطاولون في البنيان، ويرتفع صوتهم فوق صوت الجميع، ويستعدون الآن لمعركة.. يشعلونها، ويتوهمون انهم سيتفرجون عليها من البنيات الشاهقة في باريس وجنيف، ويكونون بمنأى عنها!!
* الموتمر الوطني والحركة الشعبية يصطرعان على وزارة الطاقة، والتشكيل الوزاري يتأخر لهذا السبب، والحركة تهدد بالاستعانة بالايقاد.. والشعب بلا طاقة ولا مقدرة على فعل شئ وهو حائر جائع!!
* مولانا يستغفل رفاقه في الحزب ويتفق مع المؤتمر الوطني، من وراء ظهورهم، والزهاوي يريد ان يدخل الى الحكم بدون موافقة رئيسه في الحزب مبارك الفاضل، وكل منهما يجمد عضوية الآخر، ونقد والصادق والترابي في «حالة كمون»، والحكومة المكلفة تقدم القوانين التعسفية التي تنتهك حقوق وحريات الناس للمجلس الوطني لاجازتها، من وراء ظهر الحركة لاحكام قبضتها على السلطة، ومنظمات المجتمع المدني في حالة دهشة وذهول لتبدد الحلم الجميل بواقع جميل ووطن ديمقراطي، والحركة تتقوقع على نفسها. نيال دينق هرب الى نيروبي ومنها الى لندن.. وترك الجمل بما حمل.. وياسر عرمان سيهاجر بعد أقل من اسبوعين (لم يخبرني هو).. وقدامى مناضلي الحركة الشعبية قرروا البقاء بعيداً عن الحكومة، أو أي مناصب رسمية.. فهم لا يطيقون العمل في اجواء المؤامرات داخل الحركة، وبين الحركة والمؤتمر الوطني، وبين المؤتمر الوطني والمؤتمر الوطني... والازمات تتلاحق، والناس في حيرة، يتساءلون «الحاصل شنو؟!» ولا أحد يعرف الاجابة!!
* ولكن ما يجب ان ندركه جميعاً هو ان البلد في خطر.. وقد لاحت في الافق ملامح فترة شمولية سلطوية قمعية جديدة، تعقبها أو تتخللها فوضى عارمة.. ليس فقط في الغرب والشرق.. بل في كل مكان.. وستكون الكلمة العليا لمن بيده السلاح... والمنظر الذي سيألفه الناس.. هو انهار الدماء التي ستسيل في الشوارع، وأوصال الاطفال التي ستتمزق بالاجسام أو العربات المفخخة، فإلى متى سنتفرج ونترك بلادنا تتمزق، وشعبنا يموت؟!
أفيقوا أيها الناس..!!