تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

ابيي رباط وحدة وسلام أم أتون حرب وإنفصال بقلم أستاذ دكتور/ سليمان محمد الدبيلو

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
9/15/2005 3:21 م

بسم الله الرحمن الرحيم
ابيي رباط وحدة وسلام أم أتون حرب وإنفصال
المقدمة:
سأحاول فى هذه الورقه البعد قدر الإمكان عن التاريخ لن اغوص فى متى دخل العرب السودان، ومن اين جاء المسيرية ( من وداي او تمبكتو) لا إمتهانا للتاريخ ولا تنكرا لأمجاد اجداد، بحكمة وصبر وجلد ومن على ظهور خيلهم حطوا الرحال فى بور بين البراعص والهوام وبسطوا العدالة وارسوا دعائم الإخاء بالتسامح والحكمة والعدل. اجل لن أذهب للتاريخ كما ذهب الكثيرين من أبناء السودان الآن مأججين نار العنصرية والعصبية والقبلية (فتجد من يكتب فى اصول المسيرية وكوش والعبدلاب واولاد جعل والشايقية والزبير باشا إلخ ) فطال لهيبهم تراب الوطن شرقا في بلاد الهدندوة والبني عامر وغربا زقاوى وفور ومعاليا ورزيقات عربا وزرقه. سابتعد عن التاريخ قدر المستطاع لأنه لو كان للتاريخ نفع لأعاد للهنود الحمر فى الأراضي الجديدة ارضهم وديارهم، وأعاد احفاد كولمبس إلى من اين أتوا. لو فيه نفع لطرد مجرمي بريطانيا من أستراليا ونيوزيلندا وأعادهم لسجونها وملك سكانها الأصليين ديارهم. ولا اود الخوض فى التاريخ لأن السودان فى التاريخ أصلا حزاما يمتد من البحر فى غرب افريقيا وحتى البحر فى شرقها. قناعتى هى ان سوداننا الذي يعنينا قد تشكل بهيئته الحالية فى 1-1-1956 بموجب قوانين عصبة الأمم والقانون الدولى للأمم المتحدة. وفى هذا التاريخ حددت حدود للسودان وثبتت ايضا حدود مديرياته وإعتبر عندها كل من يقطن فى ارض داخل هذه الحدود مواطنا إلا من أبي. قبلها كان جنوبه كنفدراليه بخصوصية تفوق سيادة الدولة، وغربه أسقطتت سلطناته وضمت قصرا، وشرقه قبائل تمور فى جبالها وفيافيها.
إن إصرارنا على السودان فى هذه الهيئة يكفينا شرور المتربصين والطامعين. واى خلخلة لهذه الهيئة سواء كانت فى الحدود الدولية او الداخلية ستدخلنا فى متاهات التمزق وتفتيت وحدة البلاد. وكلكم يدرك بأن الحدود التى ثبتها الإستعمار للسودان حدود عشوائية قطعت اوصال شعوب الأطراف وفى كل الإتجاهات، ولكن إصرارنا على هذه الحدود ليس إصرارا سلطويا بقدر ما هو امر واقع لابد من الزود عنه حفاظا على حقوق الجميع. وإذا ما فتح مثل هذا الباب لطالبت قبائل السودان بإمتداداتها الطبيعية فى شرق السودان وأثيوبيا وإرتريا وفى الغرب مع دولة شاد وأفريقيا الوسطي وفى الجنوب مع افريقيا الوسطى والكنغو ورواندا ويوغنده وكينيا وحتى الصومال واثيوبيا وكذلك الحال فى شماله وقد تكون لدول الجوار ذات المطالب وحتى الخرطوم ستجد من أهلها من يقاتل عنها وستستعر حروب داحس والغبراء بين كافة القبائل التي رضي بها السودان.
لهذا فإنه وفى 1956 ثبتت حدود لقطعة ارض فى قلب افريقيا سميت بالسودان ووزعت هذه القطعة من الأرض إلى تسعة أجزاء معينة سميت مديريات وقسمت كل مديرية إلى وحدات إدارية سمي الواحد منها بالمجلس الريفي.هذه هى التركيبة التى نلنا بها إستقلالنا كدولة السودان وقد كنا وقتها على قناعة ورضي بما إعطينا فلا مناص لنا الآن من النكوص عن ما ارتضيناه لأن النكوص يأخذ ويعطى.
الوحدة الإدارية التي تتبع لها أبيي:
قبل الحديث عن ابيي لابد لى من الحديث عن المجلس الريفي، وهو الوحدة الإدارية الدنيا فى التكوين، الذى تقع فيه هذه المنطقة وعن الطبيعة فيها والعادات ومصادر دخلها.
تقع منطقة ابيي ضمن مجلس ريفي المسيرية الذى تمتد حدوده شرقا حتى حدود ريفي الحوازمة وريفي حمر فى ايك ام راكوبا وشمالا تحده حدود حمر فى الأضية وغبيش وغربا دارفور وجنوبا بحر الغزال. القبائل الرئيسية فى هذا المجلس هى :
1- قبيلة المسيريه بشقيها المسيرية الزرق فى الشرق والحمر فى الغرب وينقسم الحمر ايضا إلى فلاية وعجايره تتكون كل قبيله من عموديات وكل عموديه من بطون.
2- قبائل النوبه تتمركز فى وسط المنطقة فى منطقة جبال النوبه كل قبيله تقطن على سفوح جبالها منها الكاركو (الكاشا والشفر) فى الجزء الشرقي وابو جنوك فى الشمال الشرقي وتلشي وتيما فى الوسط والداجو وكمده فى الجزء الغربي وتتشارك الوديان حولها مع المسيرية.
3- قبيلة دينكا نوك تعيش فى الجزء الجنوبي من المجلس حول حوض بحر العرب.
إضافة إلى قبائل أخري مثل الكنانه والبرقو والفلاته والبديريه وتاما إلخ.
تتمتع هذه المنطقة فى الماضي بطبيعة خلابه تغمرها امطار موسمية غزيره فتغطى ارضها خضرة وتملاء وديانها وبركها وفيوضها بالمياه. جبالها كلها هضاب متوسطة الأرتفاع تخضر فى الخريف فتعطى تنوعا طبوقرافيا بديعا. المهن الرئيسية فيها الرعي والزراعة إذ يشترك الجميع من اهلها فى المهنتين صيفا وخريفا إلى ان المسيرية يمتهنون رعي الأبقار والزراعة كمهنة ثانوية الأمر الذى جعل منهم رحل اكثر من غيرهم فى المنطقة.فالمسيرية الزرق مثلا يرحلون من مناطق الجبال بداية الخريف نحو القوز شرقا حتى مشارف الأبيض ويعودون فى نهايته. اما الحمر فيرحلون من ديارهم صيفا إلى حوض بحر العرب ولا يعودون إلى الشمال إلا عند بداية الخريف. تربة المنطقة طينية فى الجبال وحول ضفاف نهر العرب اما بقية المنطقة فهى ارض شبه طينيه ورمليه تكثر فيها القيزان والعتامير والنقع. كان فى الماضي معظمها غابات تعج بالبراعص من اسود ونمور وإلى الجنوب بالزراف والفيله إلا ان ذلك قد آل للإنقراض الآن وتدهورت طبيعة الجزء الشمالي بالزحف الصحراوي وإنقرضت فيه معظم الغابات مما أدى إلى إنقراض تام لكافة الحياة الفطرية فيه.المنطقة الوحيدة التى إقيمت فيها مشاريع إستثمار فى هذا المجلس هى منطقة ناما وحول منطقة لقاوه حيث أنشأت مؤسسة الزراعة المطريه مشاريع زراعة القطن فيها. ولطبيعة ترحال المسيريه نجد ان المنطقة تقل فيها المدن المركزيه.إلا من القليل مثل المجلد وبابنوسه والفوله ولقاوه والسنوط والدبكر وابيي فى جنوبه. التركيبة السكانية لهذه المنطقة تكاد تكون متشابهة فالمدن يشترك فيها الجلابة ( الجعلين والدناقله) كتجار وحولهم بعض أهل المنطقة من نوبه ودينكا ومسيريه وأقليات اخري والبقية يقطنون فى حلالهم و قراهم و فرقانهم.
خلفيه موجزه لتطور قضية ابيي:
لم يكن ضم ابيي لمجلس ريفي المسيرية قسرا وإنما كان طوعا نتيجة للعلاقة الطيبة التى تأسست بين قبيلة المسيرية ( الحمر خاصة والناظر بابو نمر طيب الله ثراه اكثر خصوصية) منذ القرن الثامن عشر. لهذا فعندما خير دينكا نوك قبل الإستقلال بزمان وعنده فى أن يتبعوا لبحر الغزال ام لكردفان اقروا جميعا بتبعيهم لجنوب كردفان (ريفي المسيرية ) بصفة خاصه.فمنذ هذا التاريخ وحتى 1964 لم تظهر اي بوادر نية فى الإنفصال بل كان دوما يصر دينكا نوك على البقاء فى الشمال. وعلى الرغم من أن الحياة لم تكن تخلو من الإشكالات والمعارك بين هذا وذاك وهى حال كافة القبائل التى عاشت فى هذه المنطقة على اقل تقدير. إلا ان مثل هذه الإشكالات كانت تقابل بحكمة الكبار وبقدسية التقاليد والأعراف فما تبدء إلا وتعالج قبل فوات الآوان. والأعراف فى هذه المنطقة دساتير وقوانين ولوائح معروفة لكل صغير وكبير وناجزة على الجميع.
فى عام 1964 عند بداية التمرد الثانى فى الجنوب ونظرا للقسط الكبير من التعليم الذي ناله ابناء دينكا نوك مقارنة ببقية أبناء الدينكا ونظرا للظلم الإجتماعى الذى طال كافة ابناء الأقاليم وبصفة خاصه هذا الجزء من السودان فلا تنمية مرجوه ولا تتطور مرتقب الحال كما هو من عام إلى عام جوع ومرض وإنعدام خدمات برز ابناء دينكا نوك كقيادين فى التمرد الذي اندلع وقتها وفى 1965 طالب التمرد الجديد بمنطقة ابيي كجزء من الجنوب (بحر الغزال) إلا ان هذا المطلب لم يجد النور خلال فترة حكم نميري وكعلاج لهذه القضيه عقد مؤتمر صلح اهلي فى المنطقة تم بموجبه رأب هذا الصدع وبقيت ابيي فى موقعها من المجلس.
خلال الفترة 1965 وحتى 1995 قامت فى الجنوب حركات تمرد متعدده آخرها الحركة الشعبية /الجيش الشعبي. وكنتيجة طبيعية لسوء المعاملة التى كان يلقاها معظم ابناء الإقليم وبصفة خاصة من النوبه والدينكا او الأقليات الأخري فيه من برقو وفلاته وداجو ومساليت من قبل الحكومة المركزية والإقليمية سواء كان ذلك خلال حكم نميري او فترات الديموقراطية او حكم الإنقاذ. وجد الكثيرين من ابناء هذا الإقليم الملاذ الآمن فى الحركة وقويت شوكتهم فيها وقويت شوكة الحركة بهم. فنجد معظم قادة الحركة الأساسيين جميعهم من جنوب كردفان (يوسف كوه رحمه الله،وعبد العزيز الحلو، إدوارد لينو، دينق الور إلخ). فى الاعوام الاولي من عمر الإنقاذ كان التجمع الوطنى المعارض نشطا نشاطا لا مثيل له وقد أمن ذلك دعما وزخما سياسيا للحركة كانت فى امس الحاجة إليه إذ منحها بعدا شماليا وعربيا مما وسع قبولها الدولي وفى ذات الوقت لم يكن امام الإنقاذ وهى فى أصعب احوالها إلا خيارين:
الأول : هو العمل على تفتيت عري وحدة التجمع وإختراقه بالتفاوض مع الحركة الشعبية.
الثانى : العمل الجاد على إستخراج البترول ليكون لها عضضا فى الحرب والصمود.
لقد شرعت الحكومة فى التفاوض مع الحركة موظفة وعودا مغرية لسماسرة البترول فى بريطانيا وأمريكا، وقد نحج بعض هذا التوظيف فى الإسهام فى كسر الجفوة بين الحركة والحكومة الأمر الذي ادى لمفاوضات ابوجا.هذه البداية كانت ذات اهمية كبيره بالنسبة للحكومة إذ أشعلت بها نار التوجس بين مكونات التجمع والحركة والتى ادت لاحقا إلا تفتيته. بدأت الأحزاب الشماليه تتطلع للتقرب من الحركة وقد ظهر اول إتفاق عام ثنائي فى 1994 بين الحركة الشعبيه وحزب الأمه ( إتفاق شقدوم) جوهر هذا الإتفاق كان الموافقة على حق تقرير المصير للجنوب والموافقة على قيام نظام كونفدرالي فى الجنوب حتى الإستفتاء العام . وعلى الرغم من ان هذا الإتفاق قد وقع وأعلن إلا انه قد ثبت في صلبه نقطة خلافية جوهريه وضعت فى بندين ( الحركة فى 4-1: تطالب بحق سكان جبال النوبه ومنطقة ابيي وجبال الأنقسنا فى تقرير المصير.....) (حزب الأمه فى 4-2:يرفض حزب الأمة ان يذكر حق تقرير المصير لجبال النوبة ومنطقة ابيي وجبال الأنقسنا...) وعلى الرغم من موقف حزب الأمة الواضح المثبت فى صلب هذا الإتفاق حول المناطق الثلاثه إلا انه تبقي الحقيقة ان هذا الإتفاق يعتبر اول إتفاق شمالى جنوبي على تقرير المصير للجنوب ويضيف بأن هناك إشكاليه فى ثلاث مناطق مختلف علي حقها فى تقرير المصير. وقد جابهنا وقتها هذا الإتفاق بالنقد الشديد موضحين ان تثبيت نقطة خلافيه فى اى إتفاق يعطيها الشرعية المستقبليه من عدمه. كان املنا معقود على إيجاد مخرج من هذا الموقف فى مؤتمر القضايا المصيرية بأسمرا 1995 علما بأن الإنقاذ قد تبع الآخرين وقبل بمبداء تقرير المصير. وجاءت نتائج إجتماعات القضايا المصيرية مخيبة للآمال إذ نجحت الحركة فى بلوغ مطلبها الأساسي فجاء فى الفقرة السادسة من الإعلان الختامي لإجتماعات اسمرا تقول " ان يتم إستطلاع راي سكان ابيي حول رغبتهم فى الإستمرار فى إطار الترتيبات الإداريه داخل جنوب كردفان او الإنضمام لبحر الغزال ....) وبذلك تكون قضية ابيي أخذت بعدها السياسي الشمالي الجنوبي.
ولتدارك الأمر فقد نشطت ومجموعة خيره من أبناء مناطق الحزام الحدودى لإدراكنا التام لما تجره مثل هذه الإتفاقات الجزافية بعيدا عن اهل المنطقة ودون دراية بأبعادها من شرور على اهلنا فى هذه المناطق. وقد كتبنا المذكرة تلو الأخري وحرصنا فى كل ذلك أن نملك سياسينا كل ما نكتب وقد سلمت مذكرات لكل القاده فى حزب الأمة والإتحادى الديموقراطي والحركة الشعبيه وكافة القوي السياسية والحقيقة يجب ان تقال لم نجد منهم أذن صاغيه. وارسلنا منها لأبناء المنطقة داخل السودان وبصفة خاصة لمن إنضم مع الإنقاذ املا فى إيصال مخاوفنا للحكومة وقد ظللنا فى هذا الحال حتى جاءت المفاوضات الأخيرة فى كينيا وقد تفاءلنا خيرا ببرتكول مشاكوش حين اعتمد حدود 1956 كإطار للتفاوض ولكن هذا التفاؤل لم يدم طويلا حين برزت مشكلة ابيي مرة أخرى عصية كادت ان تطيح بكافة إتفاق السلام. وفى هذه الإثناء تحرك ابناء المسيرية بالداخل وبالمهجر ورفعوا مذكرة للسيد النائب الأول وقتها بنيفاشا موضحين موقفهم الرافض لأى تنازل عن ابيي وله الشكر فى توجيهه للسفير الدرديري بالرد لنا مطمئنا ومؤكدا موقفه المؤيد لما ذهبنا إليه إلا انه اورد ما يلي: ( ومما يؤسف له فإن مساندة بعض القوي السياسية مثل حزب الأمة والتجمع الوطني الديموقراطي لموقف الحركة قد عزز من موقفها وجعل الحركة تعتبر ان موقف الحكومة هو الموقف الوحيد الشاذ من الإجماع الوطني السوداني حول إستفتاء دينكا نوك وحدهم على مصير ابيي) مشيرا لإعلان اسمرا للقضايا المصيرية آنف الذكر . ولما بلغت المفاوضات درجة من التعثر تقدم بعض من ابناء المنطقة المشفقين على السودان والسلام فيه بمذكرة مخاطبين فيها اعضاء الإيقاد مفادها ( أن تُرجاء قضية ابيي وتعالج فى إطار مؤتمر إقليمي يجمع طرفى النزاع الذين يعيشون فى المنطقة وتربطهم الأعراف ويدركون أبعاد الخلاف) إلا ان الوفد الأمريكي قد حسم الأمر متسلحا بسيف مسلط إسمه قانون سلام السودان ولأهمية المقترح الأمريكي اقتطف ما ورد حوله فى إعلام السودان فى ذلك الوقت ما يأتي: " سلم المبعوث الأمريكي للسلام فى السودان جون دانفورث بحضور مساعد وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الأفريقيه تشارلز إسنايدر ومدير المعونة الأمريكية أندروناتسيوس ومساعده روجرز ونتر وأربعة دبلوماسيين امريكيين ورقة المقترح الأمريكي لطرفي التفاوض إذ حددت الورقة ما يلي:
( إن منطقة ابيي هى منطقة عموديات دينكا نوك التسعة التى تحولت لكردفان فى عام 1905 وأكدت حق المسيرية فى التحرك داخل المنطقة للمصالح المختلفة وأبقت الورقة على الوضع الإدارى للمنطقة الذي اقترحته الحكومة بأيلولة تبعيتها للرئاسة وإعطاء مواطني (ابيي) حق المواطنة المزدوج فى غرب كردفان وبحر الغزال على ان يديرها مجلس تنفيذي يتم إنتخابه من أهالي المنطقة أنفسهم لإدارتها حتى قيام الإنتخابات فى الفترة الإنتقالية وأخذت الورقة بمقترح الحركة فى مسالة النفط وأكدت على اهمية المراقبة الدولية لضمان تنفيذ الإتفاق على ان يجري إستفتاء لمواطني منطقة ابيي متزامنا مع الإستفتاء فى الجنوب ليكون لأهل ابيي خياران إما الإنضمام لبحر الغزال او البقاء فى غرب كردفان مشيرة إلى ان الذين يقومون بالإقتراع هم مواطنو ابيي مع تأكيد الورقه على بقاء حدود 1956 حسب بروتكول مشاكوس بإستثناء ابيي.) وفى ذات الصياغ رد السفير دانفورث عند سؤاله فى المؤتمر الصحفى الذى عقد بعد تسليم الورقة الأمريكيه عما إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية فرضت مهلة نهائية جديدة على الطرفين قال دانفورش ( إن الولايات المتحدة لا تصدر تواريخ نهائية إلى أى كان لكن ما استطيع قوله هو أن قانون السلام فى السودان يخلق فى بلادنا تواريخ نهائية عندما يكون الرئيس مضطرا إلى تقديم تقرير إلى الكونقرس) مضيفا ( اعتقد انه عاجلا ام آجلا سيحين وقت تتساءل فيه الولايات المتحدة وغيرها من الدول المشاركة فى عملية السلام فى السودان ما إذا كانت هناك طريقة افضل للإستفادة من وقتها) بهذا حزم دانفورث مقترحه الذي سلمة لطرفي التفاوض. صدَر (او صدر دانفورث) إتفاق نيفاشا بورتكول ابيي مطابقا تماما لما جاء فى الورقة الأمريكية دون تعديل.وبقبول هذا المقترح كحل لمشكلة ابيي نكون قد أسسنا سابقة الرضي بالتخلي عن حقوق قانونية فى الحدود.
فور صدور هذا البروتكول لقد كتبت فى جريدة الخرطوم من بين مجموعة مقالات حول إتفاقات نيفاشا اسميتها طريق السلام وحدة ام إنفصال وحول ابيي قلت ما يلي : ( لقد تم فى هذا الإتفاق تجاوز تام لبورتكول مشاكوس وهو امر فى غاية الخطورة خاصة إذا لم يتم التوصل إلى قرار الوحدة وفى هذه الحالة سيفتح الباب على مصراعيه أمام الكثير من مناطق التماس القومى وألإقليمي لبلوغ ذات الغاية) والحقت قائلا ( من اللافت للنظر فى هذا الإتفاق هو التحديد لمنطقة ابيي والذي يفترض ان يكون دقيقا حاسما خاصة وأن قضية منطقة ابيي قد اخذت حيزا كبيرا فى التفاوض وكادت ان تحول دون الوصول إلى إتفاق. إلا انه جاء مختصرا فى سطرين بعيدا عن دقة التحديد وحتى الإشارة إلى حدود العموديات التسعة عبارة جاءت فضفاضة يمكن ان تدخل الجميع فى دوامة تفاوض جديد وقد ربطت بالقرار الإداري المشار له فى 1905) وذهبت فى حديثي قائلا ( أما إذا كانت الإشارة لحدود جديدة يتم التفاوض عليها إستنادا إلى ميثاق الإخاء المبرم فى عام 1905 ففي هذه الحالة لا أري ادنى إتفاق وأن القضية برمتها ستكون قيد التفاوض من جديد. أرجو مخلصا ان لا يكون هذا هو الحال، وأرجو مخلصا ان لا تكون ابيي ذريعة لإنفصال الجنوب) وبكل اسف نعلم جميعا ما آل أليه حال هذه المنطقة الآن.
بروتكول أبيي وملحقه:
سوف لن اتناول الجوانب القانونية للبروتكول وملاحقه لان ذلك المحور سيتناولة الأخ الأستاذ المحامي فضل الله الحاج اجبر فهو أهل لذلك إلا ان هناك نقاط جوهرية لابد من الوقوف عندها والتمعن فيها:
1-: عرف البروتكول منطقة ابيي فى المادة 1-1-2 (تعرف منطقة ابيي على انها منطقة مشيخات
(عموديات) دينكا نوك التسعة التى حولت إلى كردفان فى 1905) وما دام الأمر كذلك فيعنى ان هناك
حدود معروفه تم ضمها فى هذا التاريخ. والكل يعلم ان الخبراء قد اقروا بعجزهم تحديد حدود هذه
المشيخات وفى واقع الأمر فى تحديد المشيخات نفسها.
2-:وحدد البروتكول آلية ترسيم الحدود فى المادة 5-1 بتكوين مفوضية لذلك وبمهام محدده ( تؤسس
الرئاسة مفوضية حدود ابيي بغرض تحديد وترسيم منطقة مشيخات (عموديات) دينكا نوك التسعة
التى ضمت إلى كردفان سنة 1905..) ويعني ذلك ان مهام هذه المفوضية كل المفوضية تنحصر فى
الوقوف على هذه الحدود المعلومة وتثبيتها وترسيمها على الخرائط.
3-: وحدد ايضا كيفية تكوين المفوضية ومداها الزمنى فى المادة 5-2 ( تحدد الرئاسة كيفية تكوين
المفوضية ومداها الزمني إلا ان المفوضية لابد من ان تشمل فى عضويتها خبراء وممثلين لأهل المنطقة من
الطرفين والإدارة المحلية فيها، على ان تنهي المفوضية اعمالها خلال العامين الأولين من الفترة
إلإنتقالية). وسنرى لاحقا كيف تم تغيير هذه المادة تغيرا جوهريا.
4-: وفى المادة 5-3 حددت طريقة عمل المفوضية (على مفوضية حدود ابيي (كل المفوضية) تقديم تقريرها
النهائي للرئاسة متى ماجهز. وعلى الرئاسة إتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ متطلبات الوضع الإدارى
الخاص بمنطقة ابيي) ويتضح هنا بأن القرار يجب ان يكون قرار لكامل المفوضية وليس لواحد من
مكوناتها.

النقاط الأربعة أعلاه هى النقاط الجوهرية فى بروتكول ابيي وكما هو واضح منها فإنها تؤسس لقيام مفوضية مهامها تحديد وترسيم حدود لموقع معين ليسمي منطقة ابيي وفى مدى عامين ونكرر بأن بروتكول ابيي لم يمنح حق نقض لأي من مكونات المفوضية الثلاثة. إلا اننا فوجئنا بعد توقيع الإتفاق النهائي بأن هناك ملحق لبروتكول ابيي تم الإتفاق عليه فى 17/12/2004م يخرج تماما عن روح بروتكول ابيي ويضيف عليه تعديلات جوهرية نوردها فيما يلي:
1- المادة 2.2 من الملحق تضيف: ( على طرفي النزاع الطلب من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ومجموعة الإيقاد لترشيح خمسة خبراء يتحلون بالنزاهة وبالمعرفة فى التاريخ والجغرافيا واي امور إخري لها علاقة بالموضوع. على ان تكون رئاسة المفوضية بواحد من هؤلاء الخبراء).
2- المادة 4-0 من الملحق توضح مسئوليات الخبراء فى المفوضية: ( ولغرض الوصول إلى قرار فعلى الخبراء فى المفوضية مراجعة الأرشيف الإنجليزي والمصادر الأخري حول السودان اينما وجدت بهدف الوصول لقرار مبني على البحث والتحليل العلمي. وعلى الخبراء ايضا تحديد لائحة تنظيم أعمال المفوضية)
3- المادة 5-0 من الملحق تعدل المدى الزمنى فى البروتكول وتحول المفوضية إلى لجنة خبراء فتقول ( على المفوضية تقديم تقريرها النهائي قبل نهاية الفترة قبل الإنتقالية. يكون تقرير الخبراء الذى يتم التوصل إليه حسب اللوائح التنظيمية لعمل المفوضية نهائي وملزم لطرفي النزاع.
من الواضح تماما ان النقاط الثلاث بعاليه قصد بها إلغاء دور المفوضية التى تم الإتفاق عليها فى بروتكول ابيي وتحويل كافة مهامها للجنة الخبراء فيها بل فى واقع الأمر إنحصرت فى عضوين فقط (الأمريكي رئيسا والبريطاني) كما هو واضحا من التقرير وجعل بقية اعضاء المفوضية فقط طرفي نزاع لا غير.

حيثيات وقرار لجنة الخبراء:
لقد طالعتنا الأخبار فى منتصف شهر يوليو المنصرم بخبر مفاده ان لجنة الخبراء قد اودعت تقريرها لرئاسة الجمهورية وما هى إلى ايام حتى زاع الخبر المشئوم وعم كافة فيافي البلاد وخارجها لم نصدق ما قيل إلا حين اكد السيد رئيس الجمهورية بأن ما ما قدم لهم من لجنة الخبراء غير ملزم ولا يعتد به وتعالت الأصوات رافضة لما جيئ به وخرجت المظاهرات مستنكرة فى كافة أرجاء المنطقة وجيرانها وبصفة خاصه فى النهود وغبيش بغرب كردفان وبقية مدن وقري المسيرية. وأنبري ابناء المسيرية بالداخل والخارج بالمذكرات والإجتماعات حتى كادت كافة وسائل الإعلام لا تخلو من تصريح او تعليق او خبر حول هذا التقرير وجاء ايضا رد المؤتمر الوطنى صريحا وواضحا ضد التقرير وجاء رأي حزب الأمة مفندا ما ذهب إليه التقرير وكذلك انبرت دفاعا على الحق أقلام فى داخل البلاد وخارجها لا يسع المكان لذكرهم جميعا ولكنه لابد لنا ان نتقدم بالشكر الجزيل والعرفان والتقدير لكل من وقف مع هذه القضية نصرة للحق الأبلج والشكر موصول لجريدة الخرطوم التى تبنت القضية ولم تتوقف لحظة فى تغطية كلما يدور حولها كما لا يفوتنا الشكر والتقدير للصحف الإلكترونية سودانيز اون لاين وسودانايل والنيلين والميدان إلخ.
لقد جاء رأي الحركة حول التقرير من خلال حديث الراحل فقيد البلاد الفريق جون قرنق وقد كان دبلوماسيا فى رده حين قال ( إن قرار المفوضية ملزم لنا وما تسلمناه هو تقرير لجنة الخبراء وذهب ليقول ما معناه ان الحرب قد ولت وهناك الكثير من اسباب لم الشمل) خلفه الفريق سلفا كير بعد توليه منصب النائب الأول ليؤكد ان قرار اللجنة ملزم والعدول عنه يعنى إعادة التفاوض من جديد.هذا الموقف المتشدد وضع البلاد كلها فى حالة ترغب وخوف من المجهول فأحجم الرأي الرسمي عن إعلان رسمي حول الموضوع حتى تاريخ اليوم ولم نتمكن من الحصول على صورة من تقرير الخبراء إلا قبل أسبوع الأمر الذى جعل الحديث عن الموضوع رفض عام لمبداء. والحقيقة بعد ان أضطلعت على هذا التقرير لم اصب بالإحباط فقط بل تملكني غيظ شديد وتساءلت هل يعقل ان تترك الأمور بهذه الكيفية وان تعالج قضية أرض مثل قضية ابيي بهذه الفوقية وعدم الدقة والأمانة . لقد حاولت ترجمة الجزء الأول من التقرير للعربية ومن الحنق لم أجد تعبير ادق لوصف قرار اللجنة هذا إلا تعبيرنا الدارج (بأنه جرقمة للحقيقه) نص ترجمة الجزء الأول من التقرير لدى الإخوه منظمي الندوة آمل تمليككم له.
لقد حصر الخبراء القضية فى تسعة مواقف وإدعاءات ( واحد لدينكا نوك وواحد للمسيريه وواحد للحكومة وواحد للحركة وثلاثة للمسيرية والحكومة وواحد للحركة ودينكا نوك ) نوردها أدناه:
الإدعاء ( 1 ) : تمتد منطقـة دينكـا نوك في الأصل إلى الأضية وأن الحد بين دينكا نوك والمسيرية
يجب أن يمتد من بحيرة كيلك إلى المجلد (شهادة دينكا نوك الشفوية) 0
الإدعاء ( 2 ) : إمتدت منطقة المسيرية في الأصل جنوب بحر العرب إلى الحدود الحالية لكردفان
وبحر الغزال0 ( شهادة المسيرية الشفوية)
الإدعاء ( 3 ) : إن دينكا نوك قادمون جدد إلى المنطقـة حيث غادروا جزيرة الزراف في أعالي النيل
في القرن التاسع عشر وتم إيوائهم كلاجئين معدمين بناء على طلبهم من قادة (نظار)
المسيرية الحمر 0 [ شهادة المسيرية الشفوية وطرح حكومة السودان ] 0
الإدعاء ( 4 ): إن إدارج منطقة أبيى في منطقة "دار المسيرية" إعتراف بأن منطقة دينكا نوك تعود
لدارالمسيرية [الشهادة الشفوية للمسيرية وطروحات حكومة السودان ].
إلإدعاء( 5 ): كان دينكا نوك إداريا" جزءا" من المسيرية في الضرائب ونظام المحاكم ( شهادة المسيرية
الشفوية وطرح حكومة السودان ) 0
الإدعاء(6 ): يزعم المسيرية أن مواقع معينة شمال مدينة أبيى ( على سبيل المثال قولي/لنجار ،
باوول،الدمبلويا/ داك جر ، أم بلايل / تردخ ، الشيقى/ ثيقى ، لوكجي / كول يبث ،
لاو وناما ) مملوكة لهم منذ زمن التركية وطوال 1905 وحتى الوقت الراهن 0 [ شهادة
المسيرية الشفوية ]0
الإدعاء (7): إن المساحة الوحيدة التي تأثرت بالقرار الصادر في 1905 من سلطات الحكم الثنائي
لإدارة دينكا نوك كجزء من كردفان كانت مساحة تقع جنوب بحر العرب وإن دينكا
نوك استقروا في المنطقة الواقعة شمال النهر فقط بعد عام 1905 [طرح حكومة السودان]0
الإدعاء (8) :كانت هناك استمرارية في المنطقة التي شغلتها واستعملتها عموديات دينكا نوك والتى
لم تتغير بين 1905و1965 عندما نشب النزاع المسلح بين دينكا نوك والمسيرية (الشهادة
الشفوية للنوك وطرح الحركة الشعبية / الجيش الشعبي)0
الإدعاء (9) :تم تحديد منطقة أبيى على أنها منطقة من كردفان يطوقها خط العرض 10 درجات
و 35 دقيقة شمالا في الشمال إلى خط الطول 29 درجة و32 دقيقة شرقا" في الشرق
والحدود الاقليمية لأعالي النيل وبحر الغزال ودار فور حسبما كانت عليه في تاريخ
الاستقلال في 1956 0 [ طرح الحركة الشعبية / الجيش الشعبي ].
التبريرات والمسوقات للقرار:
بعد دراسة دقيقة لكل ما قدمه المسيرية ودينكا نوك وحكومة السودان والحركة الشعبية/الجيش الشعبي
وفحص وتدقيق كاملين للبينة المتاحة، توصل الخبراء في مفوضية ترسيم حدود أبيى إستنادا على ما يلي
من تبريرات ومسوقات:-
- في عام 1905 لم تكن هناك حدود واضحة للمنطقة التي تم ضمها من بحر الغزال إلى كردفان 0
- إن اعتقاد حكومة السودان بأن منطقة عموديات دينكا نوك التي تم وضعها تحت ادارة كردفان في 1905 تقع بكاملها جنوب بحر العرب اعتقاد خاطىء حيث أسست الحكومة اعتقادها هذا إلى حد كبير على تقرير من موظف بريطاني خلص بطريقة غير صحيحة إلى أنه وصل إلى بحر العرب بينما في واقع الأمر فإنه وصل إلى الرقبة الزرقاء / نجول 0 ولعدد من السنوات ظلت الخرائط الصادرة بعد ذلك والتي إستشهدت حكومة السودان ببعضها في طرحها للخبراء ، تظهر هذا الخطأ 0
- إن مطالبة دينكا نوك بأن حدهم مع المسيرية ينبغي أن يمر من بحيرة كيلك إلى المجلد لا أساس له من الصحة
- تدحض السجلات التاريخية والعوامل البيئية إدعاء المسيرية بأن منطقتهم امتدت بكثير إلى جنوب بحر العرب وهي منطقة لم يقدموا بصددها مطالبة رسمية خلال فترة الحكم الثنائي 0
- على الرغم من أن للمسيرية حقوق رعى ( ثانوية ) ( موسمية ) فى مناطق بعينها شمال وجنوب مدينة ابيى إلا أن زعمهم بأن لهم حقوق " سيطرة " ( دائمة ) على تلك المناطق لا يدعمه سند وثائقي أو بينة جوهرية 0
- توجد بينة كافية لدعم مطالب دينكا نوك في حقوق سيطرة على مناطق على طول بحر العرب والرقبة الزرقاء وأن هذه المطالبات ظلت قائمة لمدة طويلة وسبقت في تاريخها عام 1905 0
- لا يوجد أساس لمطالبة المسيرية بأنه بسبب تضمين منطقة أبيى في منطقة [ " دار المسيرية " ] فإنها تعود إلى مواطنى المسيرية 0تم وضع دينكا نوك والحمر تحت السلطة الادارية لنفس الحاكم فقط لأسباب الملاءمة الادارية في 1905 0 بعد ذلك الإجراء ، إحتفظ دينكا نوك بذاتيتهم وسيطرتهم على شؤونهم المحلية وحافظوا على نظام محاكم منفصل وهرمية نظار مستقلة 0
- توثق السجلات الادارية لفترة الحكم الثنائي وشهادة أشخاص ملمين بالمنطقة لإستمرارية مستوطنات دينكا نوك في أماكن شمال بحر العرب واستعمالهم لها في الفترة ما بين 1905 و1965 وفقا" لما طالب به دينكا نوك والحركة الشعبية / الجيش الشعبي 0
- قام الخبراء بدراسة الطرح المقدم من الحركة الشعبية / الجيش الشعبي بأن مطالبتهم بالسيطرة تقع في خط عرض 10 درجات و35 دقيقة شمالا" إلا أنهم وجدوا أن الأدلة التي تدعم هذا غير كافية 0
- إن الحد بين دينكا نوك والمسيرية يقع في منتصف القوز بين خطى عرض 10 درجات و10 دقائق شمالا" و10 درجات و35 دقيقة شمالا" بالتقريب.

صيغة قرار الخبراء :
و عقب قيامهم بدراسة وتقييم ووزن البينة المقدمة لهم فإن الخبراء توصلوا إلى القرار النهائي والملزم الآتي نصه:-
1) إن للنوك مطالبة مشروعة بالسيطرة على المنطقة من حدود كردفان ـ بحر العرب شمالا" إلى خط عرض 10درجات و10 دقائق شمالا" الممتدة من الحدود مع دار فور إلى الحدود مع أعالي النيل كما كانت عليه تلك الحدود في 1956 0
2) يشترك دينكا نوك والمسيرية فى المنطقة الواقعة شمال خط العرض 10درجات و10 دقائق شمالا على طول القوز وحتى تبلدية ( شمال خط عرض 10 درجات و35 دقيقة شمالا" ) وتشملها على حقوق إستقرار منعزلة وإستخدام للأرض منذ فترة الحكم الثنائي الأمر الذي اعطى للطرفين حقوق ثانوية مشتركة فى هذه المنطقة.
3) إن الطرفين يعرضان مطالبات متساوية للمناطق المشتركة وتبعا" لذلك فمن المعقول والمنصف تقسيم القوز بينهما ووضـع الحد الشمالي في خط مستقيم عند خط العرض 10 درجات و22 دقيقة و30 ثانية شمالا" بالتقريب 0 على ان يكون الحد الغربي هو حد كردفان ـ دار فور حسبما تم ترسيمه وتعيينه في الأول من يناير 1956 0 يكون الحد الجنوبي هو حد كردفان ـ بحر الغزال ـ أعالي النيل حسبما تم ترسيمه وتعيينه في الأول من يناير 1956 0 يمتد الحد الشرقي من خط حد كردفان ـ أعالي النيل عند خط الطول 29 درجة و32 دقيقة و15 ثانية تقريبا" شرقا" ويتجه شمالا" حتى يلتقي مع خط العرض 10 درجات و22 دقيقة و30 ثانية شمالا"0
4) يتم تعيين الحدود الشمالية والشرقية وترسيمها بمعرفة فريق مساحة يتألف من ثلاثة مساحين مهنيين يتم تسمية أحدهم بمعرفة حكومة السودان الوطنية والآخر بمعرفة حكومة جنوب السودان والمساح الثالث يكون مساحا" عالميا" تسميه منظمة الايقاد 0 تتم معاونة فريق المساحين بممثل لدينكا نوك وآخر للمسيرية وممثلّين للرئاسة 0 تقوم الرئاسة بارسال اسماء من تختارهم لهذا الفريق إلى منظمة الايقاد كي تتم الموافقة النهائية عليهم من قبل الخبراء 0
5) يحتفظ دينكا نوك والمسيرية بحقوقهم الثانوية المثبتة في استعمال الأراضي شمال وجنوب هذا الحد0
تم توقيعه من قبل الخبراء الدوليين في مفوضية ترسيم حدود أبيى 0
التوقيع : التوقيع : التوقيع : التوقيع : التوقيع :
دونالد بترسون كاساهون برهانو شادرك بي أوقوتو دوجلاس إتش جونسون جودفري موريوكي
ملاحظات عامة حول حيثيات هذا القرار:
أولا: الملاحظة الجوهرية حول هذه المفوضية هى الطريقة المنهجية التى أتبعها المبعوث الأمريكي فى إخراج القضية من طاولة مفاوضات سودانية إلى طاولة الإمم المتحدة وبعلمنا ورضوخنا
ثانيا : ذات الطريقة فقد أفرغت المفوضية وكامل عضويتها إلى لجنة بت فى موضوع مكونة من الخبراء وأطراف نزاع هم طرفى التفاوض
ثالثا: إعتمدت لجنة الخبراء صراحة النوايا الأمريكية التى أسست على حدود وهمية سموها حدود 1965 رغم انهم أقروا بأن ليس هناك سند لمثل هذه الحدود .
رابعا :عدم حيدة الخبراء الخمسة فالممثل الأمريكي لها مواقف عداء سافر مع الإنقاذ تتمثل فى كتابه الذى صدر فى هذا الخصوص كما له مصالح بينة متمثلة فى فى الفقد الأمريكي (شركة شفرون) لموقعها فى هذه المنطقة على الرغم من أنها اول المكتشفين للبترول فيه والإنجليز هم اساس المشكلة عند الإستقلال أما الكيني والإثيوبى فالجميع يعرف أنا لدينا معهم مشاكل حدوديه وحتى الجنوب افريقي لعلكم تذكرون ما جاءت به الأخبار حين جاء رئيسهم للسودان مهنئا أو معزيا و لم يفته أن يحصل على عقود.
خامسا: والملاحظة الأهم هى ان لجنة الخبراء بنهجها الذى أتبعته فى هذه القضية أهدرت إرث اهل المنطقة على مدي خمسين عاما بعد الإستقلال وأكثر من قرن من التعايش والتقاليد والإعراف.
سادسا:ويلاحظ ايضا ذهابها لإيجاد المبررات لإدعاءات الحركة وأكثر من ذلك فقد بذلت جهدا فى لي عنق الحقيقة لدحض الثابت الموثق من طرح الحكومة والمسيرية بل لبلوغ هذه الغاية أضطرت لتزوير جغرافيا وتاريخ السودان والمدعم بالخرائط والوثائق والمؤلفات.( كتاب إيان كنيسون على سبيل المثال)
سابعا:واضح تماما من أن الهم الأكبر للخبراء لم يكن مصلحة دينكا نوك لأن مصلحتهم والمسيرية واحدة على مدى التاريخ وإنما كان كيفية ضم أكبر مساحة من مربعات البترول ولو أنهم وجدوا أى وسيلة لأدخلوا منطقة البترول حول رجل الفولة إلى حدودهم المقترحة.
ثامنا:لقد خدعت المفوضية المسيرية ودينكا نوك حين أطلعتهم بأن قرار اللجنة ليس من أهدافه تغير نمط ولا التأثير على اساليب حياتهم وفى واقع الأمر فإن الخطوط التى ثبتوها حددت الحدود بين القبيلتين بل ذهبت أكثر من ذلك فى تحديد المناطق المسموح بها لتداخل القبيلتين ثبتتها فى الخريطة دون مراعاة لواقع المنطقة وقد إستقطعت كافة مناطق المسيرية الصيفية خارج حتى منطقة التعايش المشترك.
تاسعا : إضافة لما ثبته الخبراء فى خريطة هذا القرار من فتنة بين أهل هذه المنطقة فقد ذهب التقرير إلى التلميح بأن هناك ثمة مشكلة بين الرزيقات ودينكا ملوال فى جنوب دارفور بقولهم ( وعلى الرغم من انه قد ينظر لهذا القرار بإنه إعتراف بحق دينكا ملوال فى هذه المنطقة إلا ان دينكا ملوال لم يتخلوا عن حقهم فى المنطقة جنوب بحر العرب على الرغم من ان حكومة السودان رفضت إعادة النظر فى هذا القرار).
هذه سمات عامة لما برز لى من ملاحظات حول التقرير وكما ذكرت سابقا سوف اتناول مسوقات وحيثيات هذا التقرير فى مقال لاحق إن شاء الله.
الخيارات المتاحة:
واضح من ما تقدم أننا أمام مشكلة لا يعلم مداها إلا الله فالإختلاف حولها واضح للعيان طرفي إتفاقات نيفاشا على إختلاف تام حول تقرير الخبراء هذا. كل واحد منهما أعلن موقفه.فالمؤتمر الوطنى قد سارع ومن الوهلة
الأولي بإعلان رفضه لما جاء به الخبراء لخروجهم من حدود تكليفهم وجاء هذا الرفض قويا من أعلى قيادته ( رئيس الجمهورية الفريق عمر حسن البشير) وتبعته الحركة الشعبية ايضا مؤيدة ما جاء به الخبراء تمسكا ببروتكول ابيي بل ذهب رئيسها (النائب الأول/القائد السيد سلفا كير ) إلى القول بأن عدم الأخذ بما توصل إليه الخبراء سيدفع بهم إلى العودة إلى كل المفاوضات من جديد. وكذلك رفضت معظم القوي السياسية الشمالية ومنظمات المجتمع المدني ولم يشذ عن هذا الإجماع إلا المؤتمر الشعبي متمثلا فى تصريح الشيخ حسن الترابي حول الموضوع وحركة تحرير دارفور متمثلا فى تصريح ( محجوب حسين) أما المسيرية فقد جاء موقفهم واضحا رافضا رفضا قاطعا فى التفريط فى ترابهم وأن ليس لهم أدنى مشكلة مع دينكا نوك فقد تعايشوا على مدى التاريخ وعلى إستعداد للتعايش ما بقي من تاريخ ويشاركهم فى ذلك الكثيرين من أبناء دينكا نوك الذين عاشوا معهم ويعيشون سيعيشون معهم فى هذه المنطقة أما أبناء دينكا نوك فى الحركة وكم كبير منهم فى المهجر فقد تناقم مع القرار بل البعض منهم ذهب إلى ابعد من ذلك مطالبا بطرد العرب من هذه المنطقة.
إذا هذه المواقف لابد لنا من التبصر فيها لإيجاد مخرج قد يخرج السودان من إحتمالات الحرب والدمار فما هي الخيارات المتاحة حول هذه القضية:
الخيار الأول:
نظرا للتباين الكبير بين موقفي الحكومة والحركة وحتى لا تكون قضية ابيي سببا لإعادة حالة عدم الإستقرار فى البلاد لابد أن يتغلب الحس القومي الوحدوي السودانى على حالة التنافر والإستقطاب وسوف لن يتأي هذا إذا ما عوملت هذه القضية كقضية قانونية يدفع كل طرف فيها بمرافعاته خاصة وأن الإتفاقات جميعها تحت رعاية الإيقاد والأمم المتحدة.
لهذا نرى بأن لا مخرج من هذه الأزمة إلا بعلاج هذه القضية والتعامل معها كقضية تعايش بين قبيلتين من قبائل السودان بدل حدود بين دولتين. ولبلوغ هذه الغاية لابد من إعتراف الطرفين بخطورة ما توصل إليه الخبراء وعلى أساس ذلك لابد من الإعداد الجيد لمؤتمر إقليمي قومي يعقد بعد عام من تشكيل حكومات السودان الإقليمية المختلفة وبعد ان يطمئن أهل هذه المنطقة لجدوي السلام وذلك من خلال التنمية التى هي أحد أعمدة بناء السودان الجديد الموحد. ويغيني إذا تم الإتفاق على ذلك فسوف يتوصل أهل المنطقة لصيغة تعيد للجميع روح الطمأنينة والسلام.
الخيار الثاني :
هو أن لا تحتكم الحركة والحكومة لصوت العقل ويصر كل طرف على موقفه مؤيدا ورافضا لقرار اللجنة. (وكلي امل فى ان لا يكون التباين فى هذه القضية مثل التباين فى وزارة الطاقة علما بأن إنتاج البترول من هذه المنطقة يعادل كامل إنتاج السودان الحالي (100%) والقرار موضوع هذا الحديث قد ضم ما يزيد علي 90% من مناطق الإنتاج إلى حدود ابيي المقترحة ولم يبقي فى الشمال إلا الحقل الواقع جنوب رجل الفولة وهو يعادل ما يقل عن 10%) . وفى هذه الحالة وعلى الرغم من أن هناك الكثير من الحجج والتجاوزات القانونيه فى هذا القرار إلا ان مثل هذا الموقف قد يعجل بإنفصال الجنوب لتبقي قضية ابيي ومناطق اخري مثل جنوب دارفور وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق قضايا حدودية اقل ما يتوقع لحلها هو مرافعات مجلس الأمن والحلول الدوليه فى الوقت الذي ستكون فيه هذه المناطق محميات بجيوش الأمم المتحدة والمنظمة الأفريقية هذا إذا لم تندلع الحرب مجددا.
الخيار الثالث:
قد يصر طرفي الإتفاق كل على موقفه ويتدخل شركاء الإيقاد ويعدلوا بإعادة النظر فى القضية من الجديد ففى هذه الحالة يكون أفضل الخيارات لعلاج القضية هومؤتمر التعايش المقترح فى الخيار الأول.
الخيار الرابع:
قد يصر طرفي الإتفاق كل على موقفه ويتدخل الشهود من شركاء الإيقاد وأصدقائها لتنفيذ القرار فتجد الحكومة نفسها مرغمة على قبوله أو ان تكون ابيي ثمنا لوزارة الطاقة .وهنا سوف لن يكون للمسيرية سوي خيارين لا ثالث لهم:
الاول : عصيان تنفيذ القرار والتمترس فى أرضهم وتشتعل نار الفتنة فتكون المنطقة بؤرة قتال وتنتهي كل آمال السلام والإستقرار.
الثاني:أن تختار قبيلة المسيرية بكامل بطونها وبكامل حدود مجلسها الريفي الإنضمام إلى بحر الغزال وبذلك تتمدد حدود الجنوب إلى قلب غرب السودان.
الخيار الخامس والمقترح الأخير:
إذا كان حقا هناك إرادة بين الطرفين للحفاظ على السلام، وإذا كان حقا هناك إيمان بوحدة تراب السودان. أجد ان هناك خيار وفاقي يحافظ على الإرث التاريخي لهذه المنطقة ويضمن للجميع حقوقهم ويؤسس لوحدة
تراب الوطن، ويضع اللبنة الإولى فى جعل الوحدة الطوعية خيار أهل السودان آلا وهو:
ان يتفق طرفي الإتفاق بجعل المنطقة التى تحدها حدود مجلس ريفي المسيرية فى عام 1956 عند الإستقلال ولاية قائمة بذاتها ليعيش فيها أهلها ويطوروها لتكون المثال الذي يحتذي ولتكون بذلك نموذج الإنصهار ولنا فى وضع واشنطن دى سي الأمريكة العبرة والنظر. قناعتي تامة ان ليس هناك خيار غير هذا من بين كل الخيارات المحفوفة بالمخاطر والحفر.
خاتمه:
مما تقدم يتضح بأن هناك سوء فهم لقضية ابيي وعدم وضوح كبير فى النوايا إضافة إلى المطامع الدولية وتصفية حساباتها فى هذه المنطقة دون وضع اي إعتبار لأهل المنطقة. وقد كان من الأمثل ان تعالج هذه القضية من خلال منظورين:
الأول : إما ان تعالج القضية فى إطار ضمان وحدة السودان عندها تكون القضية قضية خلاف بين
قبيلتين سودانيتين على موارد المنطقة وأماكن تواجد ومعيشة افرادها وقطعا بهذا الفهم العلاج
سهل ولن يدخل البلاد فى دوامات القتال ولن تكون هناك فتنة متجددة عبر الزمان وفى هذه
الحالة فالعلاج هو التنمية للمنطقة وتوفير سبل العيش الكريم لأهلها بقدر من المساواة
والعدالة ليعم خيرها الجميع.
الثاني : أو ان تعالج القضية فى إطار إنفصال الجنوب وفى هذه الحالة تكون القضية قضية حدود بين
الشمال والجنوب وعلاج مثل هذه القضايا قطعا لن يكون بالمعايير التى أعتمدت فى بروتكول
نيفاشا.
إلا ان أي من المنظورين لم يُتبع فى وضع علاج هذه القضية فجاء البروتكول مناقضا لبروتكول مشاكوش والذي كان يعتمد المنظور الثانى أى (حال الإنفصال ). ونتج عن ذلك هذا الغموض فى علاج قضية ابيي والسؤال الذي يجب ان يسأل هل ستكون حدود خريطة المفوضية هى الحدود بين الشمال والجنوب إذا ما قرر الجنوب الإنفصال وتبعته فى ذلك منطقة ابيي؟ والسؤال الأهم ماذا سيكون وضع قبيلة المسيرية بين دولة الجنوب والشمال هل ستفرغ هذه القبيلة وتطرد من مناطقها الطبيعية حتى الحدود الجديدة أم ستقسم إلى قسمين فى الشمال والجنوب ؟
فى تقديري إن إفراغ البروتكول الممنهج من قبل الخبراء للنوايا التى أتفق عليها أدي لهذا الغموض فنجد ان مفهوم الشمال مؤسس على ان هذه القضية قضية خلاف بين قبيلتين على موارد أرض سودانية وان علاجها ممكن ان يتم من خلال إزالة أسباب الخلاف وتحقيق العدالة والمساواة فى الموارد وتنمية المنطقة. إلا اننا نلاحظ فى الجانب الآخر وبصفة خاصة فى الحركة الشعبية وعلى الرغم من التصريحات المعلنة حول الإصرار على الوحدة إلا ان الواقع يقول غير ذلك ( تقرير مداولات الكلاستر برمبيك فى فى فبراير مارس 2005). ولا يفوتنا ذكر نوايا الغرب وبصفة خاصة أمريكا إذا ما اخذنا فى الحسبان أولويتهم فى إكتشاف البترول بالسودان (حديث مدير شفرون سودان 1986) وفقدهم لهذا السبق ليس فقط لدول من العالم الثالث وإنما لدولة منافسة خطيرة مثل الصين وفى تقديري إن الغرض الأمريكي فى هذه المنطقة سيلعب دورا كبيرا فى زعزعة إستقرار السودان إذا لم يتحلى جميع أهل السودان شمالة وجنوبه بالوعي لأبعاد مثل هذه الأغراض.
وفى الختام لابد للشعب السوداني كله تفهم ابعاد قضية ابيي على اساس انها صراع على وحدة السودان وصراع على ثرواته وانها ضمان إستقراره ونمائه وأن التفريط فيها سيكون سبب تمزيق السودان كله. وفى ذات الصياغ نؤكد بأن ليس بين المسيرية ودينكا نوك قضية أصلا بل لم تكن هناك قضية مستعصية بينهم لم يجدوا لها حلا وتسوية .فقد عاشوا وعرفوا بعضهم عبر القرون وطوعوا خلافاتهم فى عادات وتقاليد واعراف هى فى مفهومهم دساتير ونواميس حياتهم فى هذا الجزء من السودان ( ورقة فرانسس دينق) فعلينا جميعا ان نمد لهم يد العون لرأب صدع ما زرعناه من فتنة بينهم من أجل هذا البلد المعطاء.

أستاذ دكتور/ سليمان محمد الدبيلو


للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved