![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النقاط الأربعة أعلاه هى النقاط الجوهرية فى بروتكول ابيي وكما هو واضح منها فإنها تؤسس لقيام مفوضية مهامها تحديد وترسيم حدود لموقع معين ليسمي منطقة ابيي وفى مدى عامين ونكرر بأن بروتكول ابيي لم يمنح حق نقض لأي من مكونات المفوضية الثلاثة. إلا اننا فوجئنا بعد توقيع الإتفاق النهائي بأن هناك ملحق لبروتكول ابيي تم الإتفاق عليه فى 17/12/2004م يخرج تماما عن روح بروتكول ابيي ويضيف عليه تعديلات جوهرية نوردها فيما يلي:
1- المادة 2.2 من الملحق تضيف: ( على طرفي النزاع الطلب من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ومجموعة الإيقاد لترشيح خمسة خبراء يتحلون بالنزاهة وبالمعرفة فى التاريخ والجغرافيا واي امور إخري لها علاقة بالموضوع. على ان تكون رئاسة المفوضية بواحد من هؤلاء الخبراء).
2- المادة 4-0 من الملحق توضح مسئوليات الخبراء فى المفوضية: ( ولغرض الوصول إلى قرار فعلى الخبراء فى المفوضية مراجعة الأرشيف الإنجليزي والمصادر الأخري حول السودان اينما وجدت بهدف الوصول لقرار مبني على البحث والتحليل العلمي. وعلى الخبراء ايضا تحديد لائحة تنظيم أعمال المفوضية)
3- المادة 5-0 من الملحق تعدل المدى الزمنى فى البروتكول وتحول المفوضية إلى لجنة خبراء فتقول ( على المفوضية تقديم تقريرها النهائي قبل نهاية الفترة قبل الإنتقالية. يكون تقرير الخبراء الذى يتم التوصل إليه حسب اللوائح التنظيمية لعمل المفوضية نهائي وملزم لطرفي النزاع.
من الواضح تماما ان النقاط الثلاث بعاليه قصد بها إلغاء دور المفوضية التى تم الإتفاق عليها فى بروتكول ابيي وتحويل كافة مهامها للجنة الخبراء فيها بل فى واقع الأمر إنحصرت فى عضوين فقط (الأمريكي رئيسا والبريطاني) كما هو واضحا من التقرير وجعل بقية اعضاء المفوضية فقط طرفي نزاع لا غير.
حيثيات وقرار لجنة الخبراء:
لقد طالعتنا الأخبار فى منتصف شهر يوليو المنصرم بخبر مفاده ان لجنة الخبراء قد اودعت تقريرها لرئاسة الجمهورية وما هى إلى ايام حتى زاع الخبر المشئوم وعم كافة فيافي البلاد وخارجها لم نصدق ما قيل إلا حين اكد السيد رئيس الجمهورية بأن ما ما قدم لهم من لجنة الخبراء غير ملزم ولا يعتد به وتعالت الأصوات رافضة لما جيئ به وخرجت المظاهرات مستنكرة فى كافة أرجاء المنطقة وجيرانها وبصفة خاصه فى النهود وغبيش بغرب كردفان وبقية مدن وقري المسيرية. وأنبري ابناء المسيرية بالداخل والخارج بالمذكرات والإجتماعات حتى كادت كافة وسائل الإعلام لا تخلو من تصريح او تعليق او خبر حول هذا التقرير وجاء ايضا رد المؤتمر الوطنى صريحا وواضحا ضد التقرير وجاء رأي حزب الأمة مفندا ما ذهب إليه التقرير وكذلك انبرت دفاعا على الحق أقلام فى داخل البلاد وخارجها لا يسع المكان لذكرهم جميعا ولكنه لابد لنا ان نتقدم بالشكر الجزيل والعرفان والتقدير لكل من وقف مع هذه القضية نصرة للحق الأبلج والشكر موصول لجريدة الخرطوم التى تبنت القضية ولم تتوقف لحظة فى تغطية كلما يدور حولها كما لا يفوتنا الشكر والتقدير للصحف الإلكترونية سودانيز اون لاين وسودانايل والنيلين والميدان إلخ.
لقد جاء رأي الحركة حول التقرير من خلال حديث الراحل فقيد البلاد الفريق جون قرنق وقد كان دبلوماسيا فى رده حين قال ( إن قرار المفوضية ملزم لنا وما تسلمناه هو تقرير لجنة الخبراء وذهب ليقول ما معناه ان الحرب قد ولت وهناك الكثير من اسباب لم الشمل) خلفه الفريق سلفا كير بعد توليه منصب النائب الأول ليؤكد ان قرار اللجنة ملزم والعدول عنه يعنى إعادة التفاوض من جديد.هذا الموقف المتشدد وضع البلاد كلها فى حالة ترغب وخوف من المجهول فأحجم الرأي الرسمي عن إعلان رسمي حول الموضوع حتى تاريخ اليوم ولم نتمكن من الحصول على صورة من تقرير الخبراء إلا قبل أسبوع الأمر الذى جعل الحديث عن الموضوع رفض عام لمبداء. والحقيقة بعد ان أضطلعت على هذا التقرير لم اصب بالإحباط فقط بل تملكني غيظ شديد وتساءلت هل يعقل ان تترك الأمور بهذه الكيفية وان تعالج قضية أرض مثل قضية ابيي بهذه الفوقية وعدم الدقة والأمانة . لقد حاولت ترجمة الجزء الأول من التقرير للعربية ومن الحنق لم أجد تعبير ادق لوصف قرار اللجنة هذا إلا تعبيرنا الدارج (بأنه جرقمة للحقيقه) نص ترجمة الجزء الأول من التقرير لدى الإخوه منظمي الندوة آمل تمليككم له.
لقد حصر الخبراء القضية فى تسعة مواقف وإدعاءات ( واحد لدينكا نوك وواحد للمسيريه وواحد للحكومة وواحد للحركة وثلاثة للمسيرية والحكومة وواحد للحركة ودينكا نوك ) نوردها أدناه:
الإدعاء ( 1 ) : تمتد منطقـة دينكـا نوك في الأصل إلى الأضية وأن الحد بين دينكا نوك والمسيرية
يجب أن يمتد من بحيرة كيلك إلى المجلد (شهادة دينكا نوك الشفوية) 0
الإدعاء ( 2 ) : إمتدت منطقة المسيرية في الأصل جنوب بحر العرب إلى الحدود الحالية لكردفان
وبحر الغزال0 ( شهادة المسيرية الشفوية)
الإدعاء ( 3 ) : إن دينكا نوك قادمون جدد إلى المنطقـة حيث غادروا جزيرة الزراف في أعالي النيل
في القرن التاسع عشر وتم إيوائهم كلاجئين معدمين بناء على طلبهم من قادة (نظار)
المسيرية الحمر 0 [ شهادة المسيرية الشفوية وطرح حكومة السودان ] 0
الإدعاء ( 4 ): إن إدارج منطقة أبيى في منطقة "دار المسيرية" إعتراف بأن منطقة دينكا نوك تعود
لدارالمسيرية [الشهادة الشفوية للمسيرية وطروحات حكومة السودان ].
إلإدعاء( 5 ): كان دينكا نوك إداريا" جزءا" من المسيرية في الضرائب ونظام المحاكم ( شهادة المسيرية
الشفوية وطرح حكومة السودان ) 0
الإدعاء(6 ): يزعم المسيرية أن مواقع معينة شمال مدينة أبيى ( على سبيل المثال قولي/لنجار ،
باوول،الدمبلويا/ داك جر ، أم بلايل / تردخ ، الشيقى/ ثيقى ، لوكجي / كول يبث ،
لاو وناما ) مملوكة لهم منذ زمن التركية وطوال 1905 وحتى الوقت الراهن 0 [ شهادة
المسيرية الشفوية ]0
الإدعاء (7): إن المساحة الوحيدة التي تأثرت بالقرار الصادر في 1905 من سلطات الحكم الثنائي
لإدارة دينكا نوك كجزء من كردفان كانت مساحة تقع جنوب بحر العرب وإن دينكا
نوك استقروا في المنطقة الواقعة شمال النهر فقط بعد عام 1905 [طرح حكومة السودان]0
الإدعاء (8) :كانت هناك استمرارية في المنطقة التي شغلتها واستعملتها عموديات دينكا نوك والتى
لم تتغير بين 1905و1965 عندما نشب النزاع المسلح بين دينكا نوك والمسيرية (الشهادة
الشفوية للنوك وطرح الحركة الشعبية / الجيش الشعبي)0
الإدعاء (9) :تم تحديد منطقة أبيى على أنها منطقة من كردفان يطوقها خط العرض 10 درجات
و 35 دقيقة شمالا في الشمال إلى خط الطول 29 درجة و32 دقيقة شرقا" في الشرق
والحدود الاقليمية لأعالي النيل وبحر الغزال ودار فور حسبما كانت عليه في تاريخ
الاستقلال في 1956 0 [ طرح الحركة الشعبية / الجيش الشعبي ].
التبريرات والمسوقات للقرار:
بعد دراسة دقيقة لكل ما قدمه المسيرية ودينكا نوك وحكومة السودان والحركة الشعبية/الجيش الشعبي
وفحص وتدقيق كاملين للبينة المتاحة، توصل الخبراء في مفوضية ترسيم حدود أبيى إستنادا على ما يلي
من تبريرات ومسوقات:-
- في عام 1905 لم تكن هناك حدود واضحة للمنطقة التي تم ضمها من بحر الغزال إلى كردفان 0
- إن اعتقاد حكومة السودان بأن منطقة عموديات دينكا نوك التي تم وضعها تحت ادارة كردفان في 1905 تقع بكاملها جنوب بحر العرب اعتقاد خاطىء حيث أسست الحكومة اعتقادها هذا إلى حد كبير على تقرير من موظف بريطاني خلص بطريقة غير صحيحة إلى أنه وصل إلى بحر العرب بينما في واقع الأمر فإنه وصل إلى الرقبة الزرقاء / نجول 0 ولعدد من السنوات ظلت الخرائط الصادرة بعد ذلك والتي إستشهدت حكومة السودان ببعضها في طرحها للخبراء ، تظهر هذا الخطأ 0
- إن مطالبة دينكا نوك بأن حدهم مع المسيرية ينبغي أن يمر من بحيرة كيلك إلى المجلد لا أساس له من الصحة
- تدحض السجلات التاريخية والعوامل البيئية إدعاء المسيرية بأن منطقتهم امتدت بكثير إلى جنوب بحر العرب وهي منطقة لم يقدموا بصددها مطالبة رسمية خلال فترة الحكم الثنائي 0
- على الرغم من أن للمسيرية حقوق رعى ( ثانوية ) ( موسمية ) فى مناطق بعينها شمال وجنوب مدينة ابيى إلا أن زعمهم بأن لهم حقوق " سيطرة " ( دائمة ) على تلك المناطق لا يدعمه سند وثائقي أو بينة جوهرية 0
- توجد بينة كافية لدعم مطالب دينكا نوك في حقوق سيطرة على مناطق على طول بحر العرب والرقبة الزرقاء وأن هذه المطالبات ظلت قائمة لمدة طويلة وسبقت في تاريخها عام 1905 0
- لا يوجد أساس لمطالبة المسيرية بأنه بسبب تضمين منطقة أبيى في منطقة [ " دار المسيرية " ] فإنها تعود إلى مواطنى المسيرية 0تم وضع دينكا نوك والحمر تحت السلطة الادارية لنفس الحاكم فقط لأسباب الملاءمة الادارية في 1905 0 بعد ذلك الإجراء ، إحتفظ دينكا نوك بذاتيتهم وسيطرتهم على شؤونهم المحلية وحافظوا على نظام محاكم منفصل وهرمية نظار مستقلة 0
- توثق السجلات الادارية لفترة الحكم الثنائي وشهادة أشخاص ملمين بالمنطقة لإستمرارية مستوطنات دينكا نوك في أماكن شمال بحر العرب واستعمالهم لها في الفترة ما بين 1905 و1965 وفقا" لما طالب به دينكا نوك والحركة الشعبية / الجيش الشعبي 0
- قام الخبراء بدراسة الطرح المقدم من الحركة الشعبية / الجيش الشعبي بأن مطالبتهم بالسيطرة تقع في خط عرض 10 درجات و35 دقيقة شمالا" إلا أنهم وجدوا أن الأدلة التي تدعم هذا غير كافية 0
- إن الحد بين دينكا نوك والمسيرية يقع في منتصف القوز بين خطى عرض 10 درجات و10 دقائق شمالا" و10 درجات و35 دقيقة شمالا" بالتقريب.
صيغة قرار الخبراء :
و عقب قيامهم بدراسة وتقييم ووزن البينة المقدمة لهم فإن الخبراء توصلوا إلى القرار النهائي والملزم الآتي نصه:-
1) إن للنوك مطالبة مشروعة بالسيطرة على المنطقة من حدود كردفان ـ بحر العرب شمالا" إلى خط عرض 10درجات و10 دقائق شمالا" الممتدة من الحدود مع دار فور إلى الحدود مع أعالي النيل كما كانت عليه تلك الحدود في 1956 0
2) يشترك دينكا نوك والمسيرية فى المنطقة الواقعة شمال خط العرض 10درجات و10 دقائق شمالا على طول القوز وحتى تبلدية ( شمال خط عرض 10 درجات و35 دقيقة شمالا" ) وتشملها على حقوق إستقرار منعزلة وإستخدام للأرض منذ فترة الحكم الثنائي الأمر الذي اعطى للطرفين حقوق ثانوية مشتركة فى هذه المنطقة.
3) إن الطرفين يعرضان مطالبات متساوية للمناطق المشتركة وتبعا" لذلك فمن المعقول والمنصف تقسيم القوز بينهما ووضـع الحد الشمالي في خط مستقيم عند خط العرض 10 درجات و22 دقيقة و30 ثانية شمالا" بالتقريب 0 على ان يكون الحد الغربي هو حد كردفان ـ دار فور حسبما تم ترسيمه وتعيينه في الأول من يناير 1956 0 يكون الحد الجنوبي هو حد كردفان ـ بحر الغزال ـ أعالي النيل حسبما تم ترسيمه وتعيينه في الأول من يناير 1956 0 يمتد الحد الشرقي من خط حد كردفان ـ أعالي النيل عند خط الطول 29 درجة و32 دقيقة و15 ثانية تقريبا" شرقا" ويتجه شمالا" حتى يلتقي مع خط العرض 10 درجات و22 دقيقة و30 ثانية شمالا"0
4) يتم تعيين الحدود الشمالية والشرقية وترسيمها بمعرفة فريق مساحة يتألف من ثلاثة مساحين مهنيين يتم تسمية أحدهم بمعرفة حكومة السودان الوطنية والآخر بمعرفة حكومة جنوب السودان والمساح الثالث يكون مساحا" عالميا" تسميه منظمة الايقاد 0 تتم معاونة فريق المساحين بممثل لدينكا نوك وآخر للمسيرية وممثلّين للرئاسة 0 تقوم الرئاسة بارسال اسماء من تختارهم لهذا الفريق إلى منظمة الايقاد كي تتم الموافقة النهائية عليهم من قبل الخبراء 0
5) يحتفظ دينكا نوك والمسيرية بحقوقهم الثانوية المثبتة في استعمال الأراضي شمال وجنوب هذا الحد0
تم توقيعه من قبل الخبراء الدوليين في مفوضية ترسيم حدود أبيى 0
التوقيع : التوقيع : التوقيع : التوقيع : التوقيع :
دونالد بترسون كاساهون برهانو شادرك بي أوقوتو دوجلاس إتش جونسون جودفري موريوكي
ملاحظات عامة حول حيثيات هذا القرار:
أولا: الملاحظة الجوهرية حول هذه المفوضية هى الطريقة المنهجية التى أتبعها المبعوث الأمريكي فى إخراج القضية من طاولة مفاوضات سودانية إلى طاولة الإمم المتحدة وبعلمنا ورضوخنا
ثانيا : ذات الطريقة فقد أفرغت المفوضية وكامل عضويتها إلى لجنة بت فى موضوع مكونة من الخبراء وأطراف نزاع هم طرفى التفاوض
ثالثا: إعتمدت لجنة الخبراء صراحة النوايا الأمريكية التى أسست على حدود وهمية سموها حدود 1965 رغم انهم أقروا بأن ليس هناك سند لمثل هذه الحدود .
رابعا :عدم حيدة الخبراء الخمسة فالممثل الأمريكي لها مواقف عداء سافر مع الإنقاذ تتمثل فى كتابه الذى صدر فى هذا الخصوص كما له مصالح بينة متمثلة فى فى الفقد الأمريكي (شركة شفرون) لموقعها فى هذه المنطقة على الرغم من أنها اول المكتشفين للبترول فيه والإنجليز هم اساس المشكلة عند الإستقلال أما الكيني والإثيوبى فالجميع يعرف أنا لدينا معهم مشاكل حدوديه وحتى الجنوب افريقي لعلكم تذكرون ما جاءت به الأخبار حين جاء رئيسهم للسودان مهنئا أو معزيا و لم يفته أن يحصل على عقود.
خامسا: والملاحظة الأهم هى ان لجنة الخبراء بنهجها الذى أتبعته فى هذه القضية أهدرت إرث اهل المنطقة على مدي خمسين عاما بعد الإستقلال وأكثر من قرن من التعايش والتقاليد والإعراف.
سادسا:ويلاحظ ايضا ذهابها لإيجاد المبررات لإدعاءات الحركة وأكثر من ذلك فقد بذلت جهدا فى لي عنق الحقيقة لدحض الثابت الموثق من طرح الحكومة والمسيرية بل لبلوغ هذه الغاية أضطرت لتزوير جغرافيا وتاريخ السودان والمدعم بالخرائط والوثائق والمؤلفات.( كتاب إيان كنيسون على سبيل المثال)
سابعا:واضح تماما من أن الهم الأكبر للخبراء لم يكن مصلحة دينكا نوك لأن مصلحتهم والمسيرية واحدة على مدى التاريخ وإنما كان كيفية ضم أكبر مساحة من مربعات البترول ولو أنهم وجدوا أى وسيلة لأدخلوا منطقة البترول حول رجل الفولة إلى حدودهم المقترحة.
ثامنا:لقد خدعت المفوضية المسيرية ودينكا نوك حين أطلعتهم بأن قرار اللجنة ليس من أهدافه تغير نمط ولا التأثير على اساليب حياتهم وفى واقع الأمر فإن الخطوط التى ثبتوها حددت الحدود بين القبيلتين بل ذهبت أكثر من ذلك فى تحديد المناطق المسموح بها لتداخل القبيلتين ثبتتها فى الخريطة دون مراعاة لواقع المنطقة وقد إستقطعت كافة مناطق المسيرية الصيفية خارج حتى منطقة التعايش المشترك.
تاسعا : إضافة لما ثبته الخبراء فى خريطة هذا القرار من فتنة بين أهل هذه المنطقة فقد ذهب التقرير إلى التلميح بأن هناك ثمة مشكلة بين الرزيقات ودينكا ملوال فى جنوب دارفور بقولهم ( وعلى الرغم من انه قد ينظر لهذا القرار بإنه إعتراف بحق دينكا ملوال فى هذه المنطقة إلا ان دينكا ملوال لم يتخلوا عن حقهم فى المنطقة جنوب بحر العرب على الرغم من ان حكومة السودان رفضت إعادة النظر فى هذا القرار).
هذه سمات عامة لما برز لى من ملاحظات حول التقرير وكما ذكرت سابقا سوف اتناول مسوقات وحيثيات هذا التقرير فى مقال لاحق إن شاء الله.
الخيارات المتاحة:
واضح من ما تقدم أننا أمام مشكلة لا يعلم مداها إلا الله فالإختلاف حولها واضح للعيان طرفي إتفاقات نيفاشا على إختلاف تام حول تقرير الخبراء هذا. كل واحد منهما أعلن موقفه.فالمؤتمر الوطنى قد سارع ومن الوهلة
الأولي بإعلان رفضه لما جاء به الخبراء لخروجهم من حدود تكليفهم وجاء هذا الرفض قويا من أعلى قيادته ( رئيس الجمهورية الفريق عمر حسن البشير) وتبعته الحركة الشعبية ايضا مؤيدة ما جاء به الخبراء تمسكا ببروتكول ابيي بل ذهب رئيسها (النائب الأول/القائد السيد سلفا كير ) إلى القول بأن عدم الأخذ بما توصل إليه الخبراء سيدفع بهم إلى العودة إلى كل المفاوضات من جديد. وكذلك رفضت معظم القوي السياسية الشمالية ومنظمات المجتمع المدني ولم يشذ عن هذا الإجماع إلا المؤتمر الشعبي متمثلا فى تصريح الشيخ حسن الترابي حول الموضوع وحركة تحرير دارفور متمثلا فى تصريح ( محجوب حسين) أما المسيرية فقد جاء موقفهم واضحا رافضا رفضا قاطعا فى التفريط فى ترابهم وأن ليس لهم أدنى مشكلة مع دينكا نوك فقد تعايشوا على مدى التاريخ وعلى إستعداد للتعايش ما بقي من تاريخ ويشاركهم فى ذلك الكثيرين من أبناء دينكا نوك الذين عاشوا معهم ويعيشون سيعيشون معهم فى هذه المنطقة أما أبناء دينكا نوك فى الحركة وكم كبير منهم فى المهجر فقد تناقم مع القرار بل البعض منهم ذهب إلى ابعد من ذلك مطالبا بطرد العرب من هذه المنطقة.
إذا هذه المواقف لابد لنا من التبصر فيها لإيجاد مخرج قد يخرج السودان من إحتمالات الحرب والدمار فما هي الخيارات المتاحة حول هذه القضية:
الخيار الأول:
نظرا للتباين الكبير بين موقفي الحكومة والحركة وحتى لا تكون قضية ابيي سببا لإعادة حالة عدم الإستقرار فى البلاد لابد أن يتغلب الحس القومي الوحدوي السودانى على حالة التنافر والإستقطاب وسوف لن يتأي هذا إذا ما عوملت هذه القضية كقضية قانونية يدفع كل طرف فيها بمرافعاته خاصة وأن الإتفاقات جميعها تحت رعاية الإيقاد والأمم المتحدة.
لهذا نرى بأن لا مخرج من هذه الأزمة إلا بعلاج هذه القضية والتعامل معها كقضية تعايش بين قبيلتين من قبائل السودان بدل حدود بين دولتين. ولبلوغ هذه الغاية لابد من إعتراف الطرفين بخطورة ما توصل إليه الخبراء وعلى أساس ذلك لابد من الإعداد الجيد لمؤتمر إقليمي قومي يعقد بعد عام من تشكيل حكومات السودان الإقليمية المختلفة وبعد ان يطمئن أهل هذه المنطقة لجدوي السلام وذلك من خلال التنمية التى هي أحد أعمدة بناء السودان الجديد الموحد. ويغيني إذا تم الإتفاق على ذلك فسوف يتوصل أهل المنطقة لصيغة تعيد للجميع روح الطمأنينة والسلام.
الخيار الثاني :
هو أن لا تحتكم الحركة والحكومة لصوت العقل ويصر كل طرف على موقفه مؤيدا ورافضا لقرار اللجنة. (وكلي امل فى ان لا يكون التباين فى هذه القضية مثل التباين فى وزارة الطاقة علما بأن إنتاج البترول من هذه المنطقة يعادل كامل إنتاج السودان الحالي (100%) والقرار موضوع هذا الحديث قد ضم ما يزيد علي 90% من مناطق الإنتاج إلى حدود ابيي المقترحة ولم يبقي فى الشمال إلا الحقل الواقع جنوب رجل الفولة وهو يعادل ما يقل عن 10%) . وفى هذه الحالة وعلى الرغم من أن هناك الكثير من الحجج والتجاوزات القانونيه فى هذا القرار إلا ان مثل هذا الموقف قد يعجل بإنفصال الجنوب لتبقي قضية ابيي ومناطق اخري مثل جنوب دارفور وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق قضايا حدودية اقل ما يتوقع لحلها هو مرافعات مجلس الأمن والحلول الدوليه فى الوقت الذي ستكون فيه هذه المناطق محميات بجيوش الأمم المتحدة والمنظمة الأفريقية هذا إذا لم تندلع الحرب مجددا.
الخيار الثالث:
قد يصر طرفي الإتفاق كل على موقفه ويتدخل شركاء الإيقاد ويعدلوا بإعادة النظر فى القضية من الجديد ففى هذه الحالة يكون أفضل الخيارات لعلاج القضية هومؤتمر التعايش المقترح فى الخيار الأول.
الخيار الرابع:
قد يصر طرفي الإتفاق كل على موقفه ويتدخل الشهود من شركاء الإيقاد وأصدقائها لتنفيذ القرار فتجد الحكومة نفسها مرغمة على قبوله أو ان تكون ابيي ثمنا لوزارة الطاقة .وهنا سوف لن يكون للمسيرية سوي خيارين لا ثالث لهم:
الاول : عصيان تنفيذ القرار والتمترس فى أرضهم وتشتعل نار الفتنة فتكون المنطقة بؤرة قتال وتنتهي كل آمال السلام والإستقرار.
الثاني:أن تختار قبيلة المسيرية بكامل بطونها وبكامل حدود مجلسها الريفي الإنضمام إلى بحر الغزال وبذلك تتمدد حدود الجنوب إلى قلب غرب السودان.
الخيار الخامس والمقترح الأخير:
إذا كان حقا هناك إرادة بين الطرفين للحفاظ على السلام، وإذا كان حقا هناك إيمان بوحدة تراب السودان. أجد ان هناك خيار وفاقي يحافظ على الإرث التاريخي لهذه المنطقة ويضمن للجميع حقوقهم ويؤسس لوحدة
تراب الوطن، ويضع اللبنة الإولى فى جعل الوحدة الطوعية خيار أهل السودان آلا وهو:
ان يتفق طرفي الإتفاق بجعل المنطقة التى تحدها حدود مجلس ريفي المسيرية فى عام 1956 عند الإستقلال ولاية قائمة بذاتها ليعيش فيها أهلها ويطوروها لتكون المثال الذي يحتذي ولتكون بذلك نموذج الإنصهار ولنا فى وضع واشنطن دى سي الأمريكة العبرة والنظر. قناعتي تامة ان ليس هناك خيار غير هذا من بين كل الخيارات المحفوفة بالمخاطر والحفر.
خاتمه:
مما تقدم يتضح بأن هناك سوء فهم لقضية ابيي وعدم وضوح كبير فى النوايا إضافة إلى المطامع الدولية وتصفية حساباتها فى هذه المنطقة دون وضع اي إعتبار لأهل المنطقة. وقد كان من الأمثل ان تعالج هذه القضية من خلال منظورين:
الأول : إما ان تعالج القضية فى إطار ضمان وحدة السودان عندها تكون القضية قضية خلاف بين
قبيلتين سودانيتين على موارد المنطقة وأماكن تواجد ومعيشة افرادها وقطعا بهذا الفهم العلاج
سهل ولن يدخل البلاد فى دوامات القتال ولن تكون هناك فتنة متجددة عبر الزمان وفى هذه
الحالة فالعلاج هو التنمية للمنطقة وتوفير سبل العيش الكريم لأهلها بقدر من المساواة
والعدالة ليعم خيرها الجميع.
الثاني : أو ان تعالج القضية فى إطار إنفصال الجنوب وفى هذه الحالة تكون القضية قضية حدود بين
الشمال والجنوب وعلاج مثل هذه القضايا قطعا لن يكون بالمعايير التى أعتمدت فى بروتكول
نيفاشا.
إلا ان أي من المنظورين لم يُتبع فى وضع علاج هذه القضية فجاء البروتكول مناقضا لبروتكول مشاكوش والذي كان يعتمد المنظور الثانى أى (حال الإنفصال ). ونتج عن ذلك هذا الغموض فى علاج قضية ابيي والسؤال الذي يجب ان يسأل هل ستكون حدود خريطة المفوضية هى الحدود بين الشمال والجنوب إذا ما قرر الجنوب الإنفصال وتبعته فى ذلك منطقة ابيي؟ والسؤال الأهم ماذا سيكون وضع قبيلة المسيرية بين دولة الجنوب والشمال هل ستفرغ هذه القبيلة وتطرد من مناطقها الطبيعية حتى الحدود الجديدة أم ستقسم إلى قسمين فى الشمال والجنوب ؟
فى تقديري إن إفراغ البروتكول الممنهج من قبل الخبراء للنوايا التى أتفق عليها أدي لهذا الغموض فنجد ان مفهوم الشمال مؤسس على ان هذه القضية قضية خلاف بين قبيلتين على موارد أرض سودانية وان علاجها ممكن ان يتم من خلال إزالة أسباب الخلاف وتحقيق العدالة والمساواة فى الموارد وتنمية المنطقة. إلا اننا نلاحظ فى الجانب الآخر وبصفة خاصة فى الحركة الشعبية وعلى الرغم من التصريحات المعلنة حول الإصرار على الوحدة إلا ان الواقع يقول غير ذلك ( تقرير مداولات الكلاستر برمبيك فى فى فبراير مارس 2005). ولا يفوتنا ذكر نوايا الغرب وبصفة خاصة أمريكا إذا ما اخذنا فى الحسبان أولويتهم فى إكتشاف البترول بالسودان (حديث مدير شفرون سودان 1986) وفقدهم لهذا السبق ليس فقط لدول من العالم الثالث وإنما لدولة منافسة خطيرة مثل الصين وفى تقديري إن الغرض الأمريكي فى هذه المنطقة سيلعب دورا كبيرا فى زعزعة إستقرار السودان إذا لم يتحلى جميع أهل السودان شمالة وجنوبه بالوعي لأبعاد مثل هذه الأغراض.
وفى الختام لابد للشعب السوداني كله تفهم ابعاد قضية ابيي على اساس انها صراع على وحدة السودان وصراع على ثرواته وانها ضمان إستقراره ونمائه وأن التفريط فيها سيكون سبب تمزيق السودان كله. وفى ذات الصياغ نؤكد بأن ليس بين المسيرية ودينكا نوك قضية أصلا بل لم تكن هناك قضية مستعصية بينهم لم يجدوا لها حلا وتسوية .فقد عاشوا وعرفوا بعضهم عبر القرون وطوعوا خلافاتهم فى عادات وتقاليد واعراف هى فى مفهومهم دساتير ونواميس حياتهم فى هذا الجزء من السودان ( ورقة فرانسس دينق) فعلينا جميعا ان نمد لهم يد العون لرأب صدع ما زرعناه من فتنة بينهم من أجل هذا البلد المعطاء.
أستاذ دكتور/ سليمان محمد الدبيلو