حركة تحرير السودان و تجديد التراث السياسي نحو مملكة المؤسسية"
بموت دوغما الثالوث"
كتب من لندن / محجوب حسين
ثمة عناوين تعتريها نوعا من الكوميديا السوداوية نلحظها بإهتمام بالغ في جل إن لم نقل كل وسائط الإعلام ، كما يلحظ معي كثر ، و هو معطى في غاية من الدقة ، درجة و معنى و دلالة و مفهومية خلال الفترة الماضية ، سيما بعد إنتهاء الجولة الخامسة من المفاوضات في العاصمة النيجيرية " أبوجا" و التي وصفت بنعوت كثيرة في بعض الأدبيات الأيدولوجية أو الإثنية أو الذاتية أو حتى الحركية منها " نسبة إلى حركة تحرير السودان" ، و يأتي هذا بالرغم ما تحقق و إنجز وقتئذ " إعلان المبادىء"، دون الإشارة إلى ذلك عمدا أو ترصدا أو " وعيا"..... !!وتبقى أهم ما في هذه العناوين/ الإستفهامات / الجدليات ، و هي كلها عينات عشوائية معيارية/ إختزالية قد تكون صالحة أو غير ذلك ، حيث يمكن إعتمادها لمن أراد أو لمن لا يريد أيضا...!! إشكالية/ إستحقاق / حتمية المؤتمر العام التأسيسى للحركة المرتقب و المتوقع إنعقاده خلال الأيام القليلة القادمة بداخل الأراضي المحررة و الواقعة تحت سلطة جيش تحرير السودان صاحب الشرعية الثورية و الدستورية و السياسية الحقة في تقرير منظومة الفعل السياسي و التنظيمي و العسكري القار...... إلخ ، و أي تحليل
متعمد في هذه الزاوية الهامة ، معناه نكوصا لأرواح أولئك الذين دفعوا أرواحهم و أموالهم و فكرهم " و هم معروفون على أية حال" ثمنا لمبادىء و فلسفة حركة تحرير السودان الرامية أصلا إلى تنظيم حياة الناس بشكل أفضل ما فيه هو ، أفضل مما هو عليه الآن ، سياسيا و بيداغوجيا و إقتصاديا لفتح علائق بينية أخرى ترتكز على مكانيزمات موضوعية أساسها القانون و الحقوق المتساوية لأجل إنتقال و حراك إجتماعي يتسم بالحداثة المستدامة في كل أنماط و نظم و قيم و أدبيات الحياة اليومية لإستشراف مستقبل جيد . كما أن أي نكوص حول قولبة هذه الحقيقة هو معناه أيضا إنتحار سياسي و موت قبل الآوان ، لذا يبقى هو الأس و الدالة الهامة لمن يود الإشتغال مع كنه ذلك ، أو من يريد يتغافل أو يود حرقها مرحليا
تلبية و برهانا لأبنية رسوبية ، هي بالكاد مساحة لا تضع تخوفات ، كما لا تعيق الفعل في كل دواليب الحركة خلال التجربة الماضية.
الحركة و إشكالية التطور و جدلية العلاقة
في هذا الإطار ، و بناءا على نظريات التطور و النشوء و الإرتقاء و كذا النظريات الفقهية السوسياسية في الأكاديميات العلمية ، كانت " الحركة" أو " الحزب" أو " المجتمع" أو " الدولة " أو " منظمة" أو " كتلة" ........ إلخ، كمفاهيم و مصطلحات سياسية ،تحمل دلالات وظيفية ، لها شروطها و مرتكزاتها لغاية ضمان إستمرارية فاعليتها و دينامكيتها وفق جداول علم المستقبليات لتطور الكيانات ، سياسية كانت أم مجتمعية ، تقوم على بنية " مؤسسية" قادرة على التعاطي مع سيرورة التحول و الإنتقال لمزيد من الإنتاج ، قد يكون سياسيا أو إقتصاديا أو إجتماعيا ..... إلخ، و بعيدا عن نطاق الجدل النظري المرتبط
بقضايا التنمية السياسية، و بعيدا أيضا عن ما أسميه بنظريات " التحقيب" التاريخي للحركة ، تأتي المؤسسية عبر آلية المؤتمر العام للحركة " كفعل" و " إستحقاق" و " ضرورة" حركية أولا و وطنية ثانيا ، و إقليمية ثالثا ، و دولية قارية رابعا ، و بالمحصلة هي مراجعة نقدية / علمية لسيرورة الحركة السياسية و العسكرية ، سيما و الحركة في إطار حركيتها سوف تتحول إلى قوة ضبط إجتماعي ثوري / سياسي/ دستوري تهدف إلى تنظيم الجماعات و الأطراف وفق فقه و خطاب تمليه الأسس و المرحلة في المشهد السياسي السوداني و معادلاته المتناقضة و المتقاطعة و المتباينة في أحايين كثيرة ، و من هنا كانت المؤسسية شرط ضرورة لا شرط كفاية ، لا تقبل البتة المزايدات و التفسيرات التي تعتمد على
وعي " الفراغ" و " الجاهزية" و " المكننة" ، وكلها تجد مرجعيتها مبنية على أوعية / ذاتية / إسقاطية ، أهمها ما أنعته ب" الإثنوسكولينازم" – الإستعمار القبلي / النفسي الداخلى- بكل محدداته و تجلياته، في تحد واضح للبعد التفاعلي و الديناميكي البنيوي في عصب الحركة خلال مشوار الحركة ماضيا و حاضرا ، دون إنتقاصا من حق أي أحد و هي حقيقة واقعية يعلمها العدو بمسؤولية كبيرة و حذر شديد ، و أيضا محل إعتراف دولي خفي " دون التصريح به علنا" ، و الشواهد الكرنولوجية عديدة ، و بالتالي أي شىء غير ذلك هي بمثابة فنتازيا أو دوغمائية متجددة أو متكررة.
المؤسسية ليست خطابا أيدولوجيا
وضمن منوال هذا الرصد و جدلياته ، فضلا عن المتابعة الدقيقة لكل الحفريات و التي تمفصلت على شكل مواقف أو أفعال مادية أو رمزية ، و تجلت عند البعض بمواقف ثابتة ، و أخرى متزحزحة و أخرى رافضة و اخرى صامتة..... إلخ ، حيث الأدهي في هذا التحول أن المدافعين عن هذا المشروع ، مشروع المؤسسية - وفق السياق الزمني- حينذاك ، هم اليوم أعداؤه ، و ما بين ظواهر المدافع عن النهج السياسي الحداثي الجديد للحركة " كقوة إصلاح و تغيير" ، و أولئل المشككين فيه أو الرافضين له ، تحت مسوغات أهمها فقدان البوصلة السياسية الذاتية ، أو بحسبانه نتاج خبرة و واقع سياسي مغاير ، و لم يقف عند هذا الحد ، بل أسيء إستخدامه من أجل تحقيق نزعات و نزوات و غايات لا مجال لشرحها و تفكيكها – و نعتقد أن القارىء هو أكثر حصافة منا- في معادلة للكسب في سوق سياسي ، يعتبره البعض سوقا رخيصة للإستهلاك ، حيث لا يخضع لمعايير الجبايات و الأتاوات ، و وفق هذه الذهينة التي تنتج إنتاجا" مخصيا" ، كانت بمثابة الشظية التي
أدخلت في لحم بشري ، ليبقى بشاعة هذا التوصيف.
ظاهرة "الميدانوفويا" وموت ثقافة" الثالوث"
و في حال كهذا ، دأبت عقلية التنميط المستشرية في إنجاب و نحت المفاهيم و حفرها ، بل تناسلها تجاه "مؤسسية" الحركة ،– مع إصراري كإستحقاق – فكان عند البعض خطابا " أيدولوجيا " يوظف فيه كل نظريات الأدلجة ، و آخر يعتبرها مشروعا " إقصائيا" ، و الآخر يتحدث عن مفهوم " الفئة" و رابع يتحدث " معينة" ..... إلخ و الآخر يتحدث عن المكان، و يلازمه " الميدان " ، كمصطلح أنجبته الحركة في أدبياتها الثورية ، و في قراءة بالمخالفة، هو معطى في حد ذاته إقرارا ضمنيا بواقع الأشياء . فكانت ظاهرة " الميدانفوبيا"- الخوف من الميدان- كذريعة تكشف عن ما هو مسكوت عنه بإمتياز. علما أن تلك الظواهر و التي لا تريد أن تعترف في أن الأبجديات التي تشكلت بها الحركة تاريخيا ليست " تابو" ، و أصبحت بهذا المعنى غير ناجعة و لا فاعلة و غير صالحة تماما مع المحيط السوسياسي للحركة . لأن ثمة إنتقال
من مرحلة " الثورية العسكرية" إلى المؤسسية " الثورية" - مع العلم إن الحركة مازالت في حالة حرب!! - وكل مرحلة تحدد شروطها بطريقة أتوماتيكية ، مع الإلتزام طبعا بالوحدة الحركية و السلم الإجتماعي الديمقراطي ، و إلتزام الحركة في مبادئها و برامجها و إختيار قادتها , و مباشرة أنشطتها لحماية الجبهة الثورية للحركة ، و أن ثمة عقدا ثوريا حركيا جديدا يجب أن يقع تحت دائرة الشرعية . علما أن الشروط التى فرضتها الضرورة الثورية وقتذاك ، باتت الآن تحصيل حاصل أو تفسيرا للماء بالماء نفسه!! و هو الأمر الذي يدفع بالحركة إلى التحول إلى نقابة مطلبية ، تنتهي بأخذ المرتبات أو العلاوت....إلخ ، كما أن الآخر يتربص و يصطاد من أجل ذوبان هذا الجسم في أجسام أخرى ، لذا كان سيلا من الأجسام الموازية لهذا الجسم مع إفتقارها لمصدر القوة ، و القوة تساوي وفق بعض النظريات السلطة و العكس صحيح. لتتمدد هذه
المؤسسية المانعة ، و التي وصفها كبير المفاوضين لحركة تحرير السودان في أبوجا الباشمهندس/ عبد الجبار دوسة ب " الحتمية" و واقعة لا محالة، لتصحيح مسار التاريخ السياسي و مسؤوليتنا تجاه الأجيال القادمة.، و لا يخفى على أحد ، حيث لا أود التوغل فيه أيضا،لأن ثمة من يريد أن يلبسها " عباءة" الإثنية و الجهوية!! علما إن أهم تطمح إليه المؤسسية المرتقبة هو موت " تابو" الثالوث ( . . . ) لفتح آفاق جديدة أهمها العطاء و الكفاءة و المقدرة و الأمانة و الإنجاز لا أكثر!!
الحركة " في دارفور ، و دارفور ليست حركة تحرير السودان
و يلحظ بجلاء أيضا ، و في ربط مخل بكل أدبيات الحركة و وعاءها الفكري و الفلسفي – رغم عدم تدوينه- و بتعسفية مقصودة أو ناجمة عن قصور في الفهم – يربط مشروع "المؤسسية" بإقليم دارفور- " أو قل حزب دارفور" ، كمساحة و جهوية ، علما أن ساكنة هذا الإقليم ، و بالرغم من فسيفسائيته ، و التي قد تفوق تعداد سكانتها أل 7 مليون نسمة ، ليسوا كلهم حركيين- نسبة إلى حركة تحرير السودان - بناءا على شروط الإنضمام و العضوية و أداء القسم ..... إلخ ، كما أن دارفور مساحة تنافس حر لكل التيارات السياسية السودانية ، فيها الإتحادي ، و الأمة ، الوطني ، الفيدرالي ، الوطني و الشعبي و العدل و المساواة و كذا الحركة الشعبية بالإضافة لحركة تحرير السودان ، رغم التعاطف القوي الجماهيري الداعم لحركة
تحرير السودان ، و غايتنا ، نأمل في أن تستمر لتغيير كل تضاريس الحقل السياسي السوداني . و لنا عودة أخرى لنلامس ذات الموضوع في نقطة جد هامة . و تتمحور حول ناقوس الخطر وفق الجدلية الثلاثية الآنية " المؤتمر"... " المفاوضات"... " السلام"
رصد / تحليل