بقلم:توفيق الحاج
من منا لا يعرف هنري كيسنجر..؟!!
انه وزير الخارجية الامريكية الاسبق..رجل يهودي داهية يعتز بولاءه العميق لاسرائيل ويعتبر نسخة سياسيةأكثر لؤما وخبثا عن لورانس صاحب كتاب أعمدة الحكمة السبعة واللورد هنري مكماهون الذين استهبلا الحكام العرب وامتطياهم كالبغال بعيدا عن الخلافة التركية المريضة ولمصلحة الامبراطورية البريطانية العظمى في أوائل القرن العشرين معتمدين على جهل وسذاجة المقابل والوعود البراقة وسحر المديح للحصول على ولاء أعمي وتبعية لا تنتهي .
نفس المنطق والاسلوب اتبعه كيسنجر مع مفاوضيه من الزعماء العرب وبصورة أكثر تطورا فقد كان ينظر اليهم بعقلية الخيمة والسوق فالخيمة يتصدرها شيخ القبيلة كديكتاتور جاهل يتصف بكرمه وحبه للمديح مع أقداح من القهوة السادة أما السوق فهو المجال المفتوح للمساومات والتنازلات السخية وغير المتوقعة من الطرف العربي دائما لأجل عيون المشتري .
قام كيسنجر قبل االتوجه للعالم العربي بدراسة سيكلوجية مستفيضة لكل زعيم عربي ..صفاته ..مايحب..مايكره..سلوكه الشخصي..ثقافته..الخ وطبعا استطاع ان يعد مايلائم كل زعيم من عبارات تدق على وتره المحبب وتفتح الطريق على مصراعيه ، وفي أول زيارة له للمنطقة ..طلب من الملك الحسن الثاني ملك المغرب –بعد وصلة مدح ونفخ مرتبة بعناية – ان يبعث للزعماء العرب برسائل توصيهم بالضيف خيرا وفعلا قام الملك بذلك بسهوله واريحية .
ورغم أنه كان مجاملا ومداهنا من الطراز الاول الا انه وعندما صدرت قرارات موتمر الرباط باعتبار المنظمة الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني خاطب السادات والملك فيصل وبكل وقاحة
"لم يعد بمقدوري الاستمرار في عملي الا بتأييدكم الكامل وبتصريح علني ولسوف ارسل الى الادارة –تقارير تقدم- أي "تقارير رضا "عن كل منكم ومن المضحك أن مفاوضيه العرب كانوا في قمة السعادة بهذه التقارير الوهمية..!!
وقد وصل الامر بكيسنجر ان يتجاوز حدوده عندما يصرح لمفاوضيه العرب خاصة "ان عليكم ان تتعاملوا معي باعتباري الرئيس..نعم انني رئيس أمريكا في كل المسائل الخارجية "..!!
كان يتفاخر دائما امام الزعماء العرب بانه قادر على تحطيم الاسرائيليين وقت يشاء ويخرج ورقة مطوية من جيبه مدعيا انها نص خطاب تهديد من نيكسون لاسرائيل ولكن هذه الحيلة لم تنطل على الحيزبون جولدا مائير التي كانت تتفوق عليه نفوذا وخبثا وخبرة .ومن نفاقه الشديد انه قال عنها أمام المسئولين العرب معرضا بقبحها
"لقد قضيت الليل كله أحاول اقناعها..تصوروا الليل كله مع امرأة واحدة هي جولدا " بينما قال لها عندما عتبت عليه أنه لم يعد يقبلها كما يقبل الزعماء العرب " لا أعرف ماذا سيحدث لي من كثرة قبلاتهم..لابد من الرحيل فورا قبل أن أفقد عفتي "..!!
لم يكره كيسنجر أحدا بقدر ما كره جمال عبد الناصر لبعده القومي والملك فيصل لبعده الاسلامي ولعداء الاثنين -رغم خلافاتهما- للصهيونية وكان أشد الناس ثاثيرا على السادات فقد وثق به الاخير الى درجة ان رجاه ان يكون مستشارا لة للامن القومي والمسائل الخارجية .وكان له أكبر الاثر في اقدام رب العائلة على مبادرته المفاجئة بزيارة تل ابيب عام 1977 ..!!
كما ان دائرة كراهية كيسنجر للاخرين كان تشمل أيضا زملاءه الامريكيين مثل ويليام روجرز صاحب المشروع الشهير والذي اجهضه كيسنجر نفسه وجوزيف سيسكو المساعد لوزير الخارجية .
وكانت لهذا السياسي الداهية قدرة فائقة على التمثيل برزت عندما فشل في احدى مكوكياته عام 1975 بسبب العناد الاسرائيلي حيث قال "لن أقبل مافعلوه بي في اسرائيل..ولن أقبل ان يتحول وزير خارجية الولايات المتحدة الامريكية الى بائع سجاجيد "..!!
ولم تمض ثلاثة شهور حتى عاد الى دبلوماسية الخطوة خطوة والتي حققت لاسرائيل مالم تحققه الجيوش
وقد يتساءل أحد عن سر قوة هذه الشخصية الذكية الغامضة واعتقد ان مجرد انهيار زعيمه نيكسون أمامه مخمورا وباكيا بعد فضيحة وتر جيت كشف له مدىالضعف النفسي والاخلاقي لزعيم للمنظومة التى باتت تحكم العالم وبالتالي وجد من الملائم ان يقودها رجل مثله على الاقل خارجيا وتوظيف كل امكاناته السياسيه والامريكية لمصلحة الولاء الاول وطن التوراة اسرائيل .