تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

ثورات دارفور وقبض الريح بقلم آدم عبد الرحمن الصبي

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
9/10/2005 9:39 ص

بسم الله الرحمن الرحيم

من سنن الكون الأزلية التدرج والتمرحل في كل أمر وشأن ذي بال, حتى يقوى العود بمرور الزمن فيصير الكائن قويا يستطيع مصارعة عوامل الطبيعة حوله من رياح , أعاصير وأمطار وتحولات مناخية وغيرها من حوادث الدهر وعواديه التي لاترحم الضعيف – البقاء للأقوى والأصلح – فكل الكائنات تمر بمراحل نمو وتطور تختلف باختلاف الكائن والبيئة من حوله التي يعيش فيها . وتعتبر هذه الأطوار والمراحل أطر لحياة المخلوقات بجميع أنواعها وأصنافها وهي من سنن هذا الكون ومن المسلمات بها . فالإنسان على سبيل المثال لا الحصر يبلغ رشده بعد 18 سنة يبدأ أطواره بنطفة ثم مضغة ثم علقة ثم عظاما ثم يكسى العظام لحما - فتبارك الله أحسن الخالقين- . وكذا معارك الحياة وبناء الحضارات الإنسانية على البسيطة تمر بمراحل شبيهة بتلك الأطوار في تكوين المخلوقات ثم تتطور لتشكل عصارة وزبدة ما توصلت إليه الإنسانية خلال معارك بناء حضاراتها في الحياة مشكلة حضارة تتناغم مع الواقع متطلعة إلى مستقبل أفضل وواعد مسترشدة بماضيها خيرا كان أم شرا وصولا لنمط حياة يرتضيه الإنسان لنفسه في إطار واقعه المعاش.

فالثورات والأيدلوجيات التي عرفتها تاريخ البشرية على البسيطة هي الأخرى جرت عليها سنن الكون التي أشرنا إليها آنفاً , مرت بمراحل الإعداد والتنشئة ثم البلورة لتصبح أنماطا للحياة مستهدية بموروث ضخم من تجارب الماضي أخذةً بصالحها وطارحةً بطالحها , إعمالاً للعقل البشري في مراحل تطور ونمو الحضارات الإنسانية . حتى الأديان السماوية والنبوات التي تأخذ طابع العصمة والتأييد الإلهي المطلق تمر بنفس مراحل التطور والنمو الممرحل حتى يبلغ أشده . خير مثال الدين الإسلامي , هذا الدين الحنيف هدية السماء إلى الأرض – أنعم به من دين – كان التدرج والتمرحل سمة أساسية من سماته . إبتداء من عملية شق الصدر وتعتبر هذه أولى مراحل الإعداد والتجهيز الإلهي وهي ضرورية جدا لتنظيف القلب المعد لحمل أمانة الله إلى الخلق من الأمراض المعضلة التي أقعدت البشرية وهلكت الحرث والنسل وعاثت في الأرض الفساد, فما نعانيه نحن اليوم ماهي إلا نتيجة حتمية لسيطرة هذه الأمراض على القلوب والعقول – الكبر ,والحسد , الغل, القبلية , الجهوية, الأنانية ,الاستعلاء , والازدراء- هذه هي الأمراض التي إستئصلت بتلكم العلمية الجراحية والتي كانت كفيلة بأن تنحرف بمسار الرسالة وتهتك جوهرها , كما فعلت بنا الأفاعيل اليوم وهي لا تليق بمقام رسول يبلغ عن الله رسالته

وهي مرحلة إعداد وتجهيز لدور أكبر في مقبل الأيام.ثم سرية الدعوة لتهيئة البيئة والمجتمع لتقبل ومعرفة ما يسر به على الناس- لأن عادة يتطلع الإنسان إلى معرفة السر والتشوق له- وبعد أن هيأت المجتمع وأصبح السر ليس بسرٍ , أمر الرسول (ص) بالجهر بالدعوة (أصدع بما تؤمر إنا كفيناك المستهزئين). ودار السجال بين الحق والباطل 23 عاما حتى أظهر الله أمره رغم أنف الكافرين والمنافقين , فلنا في هذه عبرة . كل هذا إتباعاً لنواميس الكون الذي خطتها يد عليم خبير رغم يقيننا أن الله قادر بكلمة كن أن يجعل القلوب كلها مؤمنة (لو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم أجمعين أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) وكذالك ليحي من حيى عن بينة ويهلك من هلك عن بينة وإعمالا لسنن الدفع بين الناس حتى لا تفسد الأرض .

ففي العصور الوسطى والحديث ظهرت أيدلوجيات على ظهر هذه البسيطة وحضارات وأديان سماوية عاشت قرون عددا واندثرت وتبدلت مع تعاقب الليل والنهار ففي القرن العشرين على وجه التحديد ظهرت الماركسية الاشتراكية في شرق الكرة الأرضية والرأسمالية الغربية في الشق الغربي من الكرة , فالأولى – أي الاشتراكية- عمرت على ظهر هذه البسيطة زهاء القرن ولكنها فنيت ومحيت من الوجود لأنها تحمل في ثناياها عوامل فنائها ومعاول هدمها . فهي نظرية عقائدية بالدرجة الأولى فقد دعت الناس للتحرر من خرافة الله والكفر بالأديان وإتباع النظام ألاشتراكي التي لا يؤمن بالمكية الفردية وجعل المال شيوعا كنظام إقتصاي بين الناس فتساوي بذالك المنتج وغير المنتج وهي إحدى أهم عوامل فنائه. أما الرأسمالية الغربية ولأنها استفادت من ماضيها وأعملت عقول مفكريها استطاعت البقاء حتى الآن رغم الخلل الواضح في البنية الاجتماعية أخذا في الاعتبار الخلفية الدينية لهذه الشعوب ولكن مع ذالك تظل الحضارة الغربية الحديثة بلا منافس في مجال حقوق الإنسان إذا استثنينا الإسلام غير المطبق على واقع الأرض, فهي – الغرب وحضارتها- صارت قبلة الحيارى والمظلومين الذين تقطعت بهم السبل في وجه الأرض , من ظلم بني جلدتهم , وإلى حين ظهور حضارة أخرى تغلب الغربية عدلا وشفافية في الحكم ستظل الحضارة الغربية بلا منافس .

لعلي بعد هذه المقدمة يحسن بي العودة إلى البيت الدار فوري , فالثوار في دارفور عليهم الأخذ بسنن الكون والعمل وفقا لنواميسها فقد باتت من المعلوم في فقه السياسة والاجتماع بل وتطور الحضارات بالضرورة يفقها أجهل الجاهلين . صحيح أن الثورة على الظلم واجبة في عصر صار لا يحترم إلا من رفع السلاح وكون جيشا عرمرماً يرعب به الظلمة المتسلطين - أمثال البشير وزبانيته- ولكن بالنظر لعمر الثورات في دارفور فهو قصير جداً, لا يكفي لبناء جيش, ناهيك عن بناء وتأسيس ثورة تدير وتحرك بلد بمساحة فرنسا ويزيد وبها من الإثنيات القبلية ما لايستهان بها , فالثورات مازالت في المرحلة التمهيدية لم تلج الأساس بعد في المعترك التنظيمي والبناء الفكري , ذالك أن الثورة تكون في البدء عاطفة جياشة أكثر من كونها أيدلوجية. وما يحتاجه الثوار اليوم هو الترتيب والتنظيم والهيكلة وفصل السلطات انتقالا بالثورة من حالة الهياج والغضب والإنفعال الزائد إلى وضع هيكلي تنظيمي دستوري متكامل استعدادا للمهام المقبل الذي يتطلب الخبرة في كافة نشاطات الحياة وتحتاج الثورات أيضاً إلى تحكيم العقل الروية والتؤدة في تحريك دولاب العمل الثوري, وليست العاطفة لأن الانتقال بالثورة من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية يتطلب فهما عميقا لطبيعة المرحلة القادمة وحكمة بالغة تعالج بها المعضلات والمشكلات . إن ما تواجه ثورات دارفور في هذه المرحلة من رياح وعواصف أعتى بكثير مما واجهته في الميدان , فدارفور بتركيباتها العرقية المعروفة والتي تحمل كل جينات المجتمع السوداني ,التي أنجبت الاستعلائيين والعرقيين والعنصريين والقبليين والجهويين من النخبة النيلية , نفس هذه الجينات تحمله كروموزومات الدار فوريين وبنسبة لاتقل عن ما هو متوفر لدى الجلابة الذين يقاتلهم الثوار . المطلوب هو إدخال تحسينات وراثية عاجلة على هذه الجينات لتستوعب متغيرات المرحلة القادمة من عمر دار فور الحبيبة الأمر الذي يتطلب كفاءات عالية وخبراء مهرة كل في مجال تخصصه من أبناء دارفور الحادبين على مصلحتها والاستفادة من كافة المختصين في شتى المجالات .

وبإلقاء نظرة عابرة إلى ما يدور في ساحات دار فور من دفع وعراك وخلافات سياسية بعيد جدا عن أهداف الغبش والمشردين مفترشي الأرض وملتحفي السماء من العجزة والنساء والأطفال والمقعدين الذين يعانون الأمرّين( من سلطة اغتصبت عروضهم ونهبت أموالهم - وطيش أبنائهم الذين لا يقدرون الأمر حق قدره) . هذا السجال والعراك في غير ما معترك سيعرض الثورات إلى خطر جد محدق بكل ما تعني الكلمة من معنى .

إن إعمال العقل والحكمة والاسترشاد بماض وحاضر الإقليم ووضع خطط العمل التنظيمي والسياسي والاجتماعي التي تتناسب وطبيعة المرحلة القادمة وتقديم التنازلات المؤلمة لبعضها البعض وصولاً للوحدة والتفاهم هو المطلوب خلال المرحلة المقبلة وإلا فقبض الريح هو المصير .

آدم عبد الرحمن الصبي

المملكة العربية السعودية - الرياض
للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved