ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أضغاث أحلام بقلم: علي يس الكنزي - جنيف سويسرا
سودانيزاونلاين.كوم sudaneseonline.com 9/1/2005 3:19 م
أضغاث أحلام علي يس الكنزي / جنيف سويسرا لا ينكر أحد أن قرنق كان صاحب رؤية ثاقبة وحُلم عظيم، جاء مماثلاً وموافقاً لأحلام كل من الزعيمين الزنجي الأمريكي مارتن لوثر كنغ، صاحب المقولة الشهيرة "لديَّ حلم I have a dream"، والهندي المهتاما غاندي. وكلاً من الرجلين لقي مصرعه مضرجاً بدمائه. وما قتلا إلا لأنهما جاهدا بشرف وشجاعة وطموح، من أجل رفعة المستضعفين في بلديهما وأن تصبح الحرية والعدالة والرفاهية والحياة الكريمة، حق مشاع لكل الناس دون إقصاء لأحد بسبب العقيدة أو الدين أو اللون أو الجهة. عمل قرنق من أجل تلك الأهداف، وكان يدعو لتوحيد المصائر والمشاعر التي تربطنا بعضاً ببعض، لنمضي معاً أمة واحدة نحو العلا والسمو، وننوء بأنفسنا عن الكراهية والصدام الدموي. وبموت قرنق ماتت تلك الأحلام الوردية، وخلف من ورائه حقيقة مرة نرفض أن نعترف بوجودها وأن نتعامل معها "وهكذا نحن لا نعترف بأمر إلا عندما يفرض نفسه علينا". ليت أهل السودان يقتنعون بالمصير الذي ينتظرهم في نهاية هذا العقد، ويتنازلوا عن تلك الأشواق الهلامية الوهمية التي عششت في الرؤوس لخمسين عاماً دون أن يسندها واقع. وليت الناس شرقاً وغرباً، جنوباً وشمالاً ووسطاً، تعود لرشدها، وتهيئي نفسها لميلاد أكثر من دولة بحلول عام 2010. وأحداث الاثنين الأسود، وردة الفعل التي أعقبتها من ثارات جاهلية "وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى" لما نزف من دم واستبيح من حرمات، دفعت بمرارات كامنة إلى السطح لدى كل من الطرفين اللذان من المفترض أن يعيشا في سلام بموجب اتفاقية السلام؟!!! تلك الأحداث المريرة استعصمت الدولة وأجهزة الإعلام الرسمية والأهلية والأحزاب وهيئات المجتمع المدني من الخوض فيها والتعامل معها بحجمها الحقيقي. وهذا لربك خطأ فادح، وغش بائن، وخداع للنفس، يماثل خداع من ألم به مرض خطير، وعندما ذهب إلى الطبيب شكى من صداع حاد، فأعطاه الطبيب مُسكناً، ظاناً المسكين أنه قد عوفي، إلا أنه يعلم في دواخل ذاته أن المرض قد استفحل، وأن الهلاك لآت. الحوار الآن يجري في شوارع المدن والطرقات والأحياء والقرى بعفوية وجدية، من عامة الناس، من الطرفين، جنوباً وشمالاً، وتوصل المتحاورون لمحصلة أن الذي يفرق أكثر من الذي يجمع، والذي يباعد أكثر من الذي يقرب. فمخطئ من يظن أننا ننعم بوطن واحد، ومفتر من يقول أن السودان كان في يوم من الأيام بلد واحد. فمنذ الاستقلال وباستثناء تلك السنوات التي جاءت على حياء، وذهبت على عجل "تلك التي أعقبت توقيع اتفاقية اديس أبابا،" وإلى يومنا هذا، لم نر إلا وطناً مشطوراً وأمة تعيش في ظلمات يضرب بعضها رقاب بعض. هذا إن أغفلنا عمداً ذكر أطماع الدول التي تحيط بنا وتلك التي تبعد عنا، والتي ترى في تقسيم السودان غنيمة. المؤمن بالله يقول أن المعجزات حق. والمعجزة أن يصوت أهل الجنوب لوحدة السودان "وليتهم فعلوا". ولكن أي عاقل أمين لو وضع نفسه موضع أهل الجنوب، لنادى بالانفصال اليوم قبل الغد. فبربك قل لي ماذا جنى إنسان الجنوب منذ خمسين عاماً غير العزلة والهيمنة والحرب الضروس. وهل يظن عاقل أن ست سنوات "ستوظف لما سميَ بالوحدة الجاذبة" ستُذْهِب مرارات ما مضى؟! على أهل السودان أن يهيئوا أنفسهم لوطنين أو أكثر. ومن الخير أن نستثمر السنوات الست القادمات في التمهيد لانفصال سلمي، لا تراق فيه الدماء، من أن نهدر الطاقات من أجل وحدة تتسرب من بين أيدينا كما يتسرب الدخان في يوم عاصف، وإلا سندفع ثمناً غالياً نتيجة غفلتنا هذه. ولنا في انفصال باكستان من الهند، وبنقلاديش من باكستان، وإريتريا من أثيوبيا، عبرة لأولى الألباب. "وليتك يا وطن المآذن والكنائس والكجور، تبقى لنا وطناً واحداً، ولكن ليت عند أهل اللغة للتمني، والتمني ما هو إلا أضغاث أحلام؟!!! علي يس الكنزي جنيف سويسرا