رن جرس الباب الشقة في اللحظة التي أتهيأ فيها للخروج مع حرمنا المصون إلى مشوار هام جدا وكنا نتعجل الخروج قبل المداهمات غير المتوقعة والتي غالبا ما تحدث عند التوجس ...
فتحت الباب بابتسامة فاقع لونها تسر القادمين ...
أسرة مكتملة العدد ... مكونة من أب ... وأم ... وشوية فكة ...
لم أتمكن من نطق كلمة "اتفضلوا" جيداً ... حتى كنت أقف وحيدا عند الباب بعد دخولهم المباغت ...
بعض الزائرين يلطف من دهشتك بالمباغتة باعتذار لطيف من نوعية : "معليش جيناكم قبل ما نديكم خبر " و أشياء من قابلة " بس أوعا تكونوا طالعين .. ؟! "
ضيفي لم ينعم علي بإحداهن رغم رؤيته لي بكامل زيي القومي والغير قومي ...
وجلس ...
بدأ التيم المرافق فوراً عمله بهمة ونشاط ... كانوا أربعة بطاقة أربعمائة اللهم بارك ... توجه رقم (4) إلى جهاز رياضي بالغرفة وأصر أن يمتطيه رغم قصر قامته مصاحباً ذلك بعزف صارخ من حنجرته الصغيرة ... انتهى بتطوعي بحمله لأضعه فوق الجهاز وأنا مشفق عليه من السقوط .. وعلى رأسي من الانفجار ..
في تلك اللحظة قام رقم (3) بفتح الكومبيوتر وجلس على الكرسي ينتظر قائمة سطح المكتب مع ابتسامة رضى عريضة من والده وإشادة بعبقرية ولده المبكرة : "الولد العفريت دا بقى خطير في الكومبيوتر "
في تلك اللحظة جاءت أكواب العصير ...
وليتها لم تأتي ..
ليس بخلا والله ... ولكن خوفاً من اندياحات عصيرية أشبه بفيضانات "تسونامي" قد تحدث خلال معركة ما ...
وقد كان ...
أمسك كل واحد منهم بكوب عصيره ... وأمسكت أنا بأنفاسي أترقب حركة العصير المفاجئة داخل الأكواب
ودعوت الله لحظتها أن ينقلب قانون الجاذبية وأن تسقط الأشياء إلى أعلى كما يحدث لرواد الفضاء داخل المركبة ... ولكن أنا حتما أحلم ... !
حدثت مشادة حول قطعة حلوى كان أبطالها رقم (2) ورقم (3) نتج عنها طيران كوب رقم (3) في الهواء الطلق بكامل محتوياته السائلة ... واندلاقه على سجادة الغرفة في منظر ميلودرامي يحدث غالباً في أفلام الآكشن ...
- يا ولد ... دا شنو دا ..
كان ذلك هو رد فعل الأب تجاه الحدث ... وجعلت أنا أقيّم الخسائر الناتجة عن الاندلاق وأتمتم بعبارات محاولا إقناع نفسي أولا قبل ضيفي بأن ما حدث .. شي عادي .. وشيطنة شفع ...
في اللحظة التي بدأت أنظر فيها إلى ساعتي محاولاً إشعار ضيفي بأنني قد تأخرت ... صاح رقم (3) منادياً بأنه يريد أن يفتح الوورد ليكتب ...
وبدأ الوالد يشرح له كيفية الدخول ...
- أنزل بالماوس تحت ... لا لسة .... ما دي ... التانية ... أيوا ... يللا اضغط هنا ..
وضغطت أنا على أسناني محاولاً التماسك قدر الامكان بأهداب الصبر ولياقة الضيافة ...
فتح رقم (3) برنامج الووورد في الكومبيوتر ... وفتح رأسي صوت رقم (4) وهو يصرخ مطالباً إنزاله من الجهاز الرياضي بسرعة لأنه يريد أن يأخذ عصيره ...
تلاحظون أنني لم أذكر رقم (1) حتى الآن .. ليس لأنه "مثالي" ..
فقط لأنه كان بالصالة الأخرى وسرعان ما التحق بالفريق العامل محاولاً تعويض ما فاته من مغامرات ..
اتجه مباشرة إلى "علبة الحلاوة" وبدأ يغرف بكلتا يداه ... ثم بدأ يحشو في جيوبه حتى امتلأت وتساقطت بعض القطع على السجاد كان مصيرها الدهس ...
في لحظة ما ... خيل لي أنني فاقد السيطرة تماما على أي شيء ... وكل دقيقة تعبُر .. كانت تحمل بداخلها "كارثة" جديدة وسط تجاهل أبوي أشبه ما يكون بتجاهل أمريكا لإسرائيل حينما تخترق القانون الدولي ...
عندها خطرت برأسي فكرة "خبيثة" ربما تخرجني من هذه الورطة بأقل خسائر ...
حملت جهاز الجوال ... وافتعلت اتصالا مفبركاً ...
- ألو ... السلام عليكم ... معليش اتأخرنا عليكم ... خلاس نحن جايين بعد شوية ...
ورفعت صوتي بالجملة الأخيرة ...
عندها فقط أحس ضيفي بأنه يجب أن يتحرك ... وبأنني كنت خارجا عند دخوله .. والتفت إلى رقم (1) صاحب الجيوب المكتنزة بالحلوى ... وقاله له ...
- أمشي قول لي أمك يلا نمشي بعد دا ... معليش أخرناكم ياخ ...
أذكر أنني رددت عليه ولكن لا أدري ماذا قلت ...
أخيراً خرج الوفد ... وخرجت نفسي من تربية أولاد البلد دي .