بقلم/ ذيو بول شبيت.
ظاهرة تطور اللغة و ظهور مصطلاحات و كلمات جديدة تعبر عن معاني جديدة تعتبر من الظواهر الطبيعيية (جداَ) بحسابات و أرقام الباحثين في الدراسات اللغوية. و أظن إننا في السودان نعتبرها أكثر من (طبيعية جداً)، و الدليل على ذلك عدم إهتمام أي معهد أو جامعة عندنا في السودان بالإهتمام أو إجراء دراسة بأي شكل على تطور اللغة الدارجي في السودان و الظروف التي ساعدت أو ساهمت على ظهور مصطلحات معينة في أوقات معينة لتْعبّر عن معاني محددة في خضم هموم الإتصال و التواصل في الحياة اليومية للسودانيين. و أكتفى الكل بالإجتهادات الشخصية للتعرف على أن كلمة (موندوكرو) على سبيل المثال، تعني إنساناَ يظن إنه من أصل عربي و يعتقد إنه (درجة أولى) و يحق له أن يكون أول في كل شئي مثل الوظيفة و المال و السكن. و تجد كلمة (دقسة أو دكسة) بعربي أولاد العاصمة تعني إنساناَ ترك حقه يُسلب من غير أن يعلم. و إذا قلنا أن مندوكرو من مصطلحات (عربي جوبا) أو اللغة التي تتحدث بها السكان من إقليم الإستوائية في جنوب السودان – أي تتحدث بها غير العرب من السودانيين، فلن نجد تفسيراً (لدكسة)، و التي جاء بها المندوكورو أنفسهم – أي الذين يعتقدون إنهم عرب و درجة أولى!!!
و بمناسبة أولاد الخرطوم، روى أحدهم نكتة أن أحد الفلاتة أراد أن يستولي على بطانية ليس له في أحد أيام الشتاء وكان في سفرية خارج بلدته، فإدعى ملكية البطانية عندما سأل العسكر القائمين بأمر نقطة التفتيش قائلين، "يا أخوانا البطانية دي بتاع منو؟" فرد الفلاتي إنها بطانيته. وعندما إقترب من الجنود و البطانية، إكتشف أن البطانية بها مخدرات، فإستدرك قائلاً ليبتعد عن التهمة، "إنتو قُلتو بطانية و لأ بطارية". لأ أعرف ماذا حدث لهذا للفلاتي، لكني أعتقد أن جنود نقطة التفتيش تلك إتهموه و حبسوه لحيازة المخدرات – (هذا طبعاً إذا كان تلك النكتة واقعاً).
إشتهرت السياسة في السودان بقصص و حكايات تشبه في مجملها (نكته البطانية و البطارية)، و نالت الأحزاب السياسية و السياسيين عموما الدرجة الأولى في (اللف و الدوران) و إختلاق المصطلحات عمداَ لتعني أشياء غير التي كانت تعنيها أيام الإنتخابات. و في نفس الإتجاه، نجد أن حزب الجبهة الإسلامية تعتبر (مندوكرو) الأحزاب جميعاً في اللعب بالمصطلحات. و حتى بعد نضوج جناحها العسكري و دخولهم الحزب علانيةً، لم يفلح الحزب في تغيير نهجها و مبادئها المبنية على الإحتيال و الإفتراء. فبالرغم إن الجبهة الإسلامية (مؤتمر وطني، مؤتمر شعبي و أخوان)، حزبٌ ديني يفترض أن تعمل و تجاهد من أجل نصرة المسلمين و تمكين دينهم في الكرة الأرضية، إلا أن واحداً من أهم وسائلها في تحقيق غاياتها هي الكذب على أنصارها. واحدة من أكاذيبها على أنصارها تأتي في وعدهم للأخوة المسيرية (بإستيطانهم) في مقاطعة أبيي و التي تعرفها الجبهة فبل غيرها إنها لأ تملك قرار إبقاءها ضمن حدود الدولة السودانية القديمة، ناهيك عن إستيطان المسيرية فيها. وبما أن ذلك ليس هو موضوع هذا المقال، أوعد القراء الكرام بالعودة لهذا الموضوع في مقال قادم إنشاءلله.
أذكر أن أثناء محاداثات مشاكوس، و بصفة خاصة عندما وافقت حكومة الخرطوم على إقرار مبدأ تقرير المصير في البروتكول الخاص بإعلان المبادئي، ظهرت أصوات معارضة في شمال السودان و داخل حزب الجبهة الحاكمة؛ و طلبت وفد الحكومة في المفاوضات جانب الحركة الشعبية لتحرير السودان (سراً)، بإعتماد بنداً يدعو الطرفين للعمل على ان تكون خيار الوحدة جازباً (للجنوبيين) خلال الفترة الإنتقالية حتى تتفادى (الحكومة) الأصوات المعارضة في الشمال. و بالمقابل تتنازل الحكومة عن رفضها لحق تقرير المصير لإقليم جنوب النيل الأزرق. أما عن كيفية العمل في أن تكون الوحدة جازباً خلال الفترة الإنتقالية، فقالت الحكومة أن ذلك لأ يهم الحركة، المهم أنها (أي الجبهة) ستضمن حكم الشمال في الفترة الإنتقالية!!!
و أخيراً جاء تمسك الحزب بوزارة الطاقة و التعدين، وبعد (مفاوضات) دامت لأكثر من شهر كامل، وافقت الحركة الشعبية على تولي المؤتمر (الإسلامي) للوزارة، مقابل تنازل المؤتمر عن رفضهم مراجعة الحركة الشعبية لعقود البترول في الفترة السابقة، بالإضافة الى موافقتهم على أن تقوم حكومة جنوب السودان بتوقيع عقود جديدة مع أي شركات تريد التنقيب في الجنوب خلال الفترة الإنتقالية؛ هذا يعني قيام وزارة للنفط في الجنوب. و طلبت الحزب الحاكم الحركة الشعبية هذه المرة أيضاً عدم التصريح عن هذا الإتفاق حتى لأ يعلم بها المعارضين في الحزب لقيام وزارةً للنفط في الجنوب و يقوموا بإنقلاب عسكري يلغي إتفاقية السلام أو (بالأصح) يخرج حزب المؤتمر الإسلامي من مقاعد الحكم. أنا رأيت نشر هذه الحقائق لتجنب الحركة الشعبية سخط جماهيرها و غضبهم على أن الحركة تنازلت عن وزارة البترول (ببلاش) في الفترة الأخيرة، فليطمئن كل المهمشين بأن بترولهم لن تأخذها الجبهة الإسلامية هذه المرة، و أن صمت الحركة الشعبية و عدم تصريحها بالإتفاقات ضرورة تقتضيها المصلحة العامة للبلاد.
و كلنا نتابع تصريحات حكومة الجبهة الإسلامية في الفترة الماضية عن عزمهم على حل أذمة الحرب في دارفور بالطرق السلمية، بدأت الحكومة في نقل فرقة كاملة (ستة الآف جندي تقريباً) من واو و جوبا في الجنوب إلى دارفور، و أعادت الحكومة نشر عدد ثلاثة هيلوكوبترات من الجنوب إلى مدينتي نيالا و الفاشر في دارفور لدعم عمليات مليشيات الجنجويد ضد مواطني دارفور!!! هذا في الوقت الذي رفضت فيها الحكومة مقترحات الحركة في أن يقود القائد سلفا الوفد المفاوض إلى أبوجا.
تنادي الحكومة في بسط السلام الشامل في كل ربوع السودان، و تبقى كل أقاليم (أو ولايات – كما يسمونها) شرق السودان تحت قانون حالة الطوارئ!!!
كل هذا و أكثر يحدث في السودان و الشعب البتل – أقصد (البطل) يرى أن ذلك (طبيعي جداً)، و لكن أسفي و (شفقي) على جماهير تنظيم الأخوان المسلمين (المغشوش) وهم يرون حكومتهم تقول شيئ في الوقت الذي تفعل فيه عكس ذلك تماماً ولسان حالهم يقول لزعماء الجبهة: "إنتو قُلتو بطانية ولأ بطارية:؟
و التحية للفكاهي محمد موسى و رفاقه (الحلمنتيشيين).
عاشت السودان الجديد بعيداً عن أكاذيب الأخوان المسلمين، و عاشت نضال دارفور من أجل الحرية و التحرير، و الخراب لحزب الجبهة الإسلامية و أعوانها المستعربين.