إن السلاح جميع الناس تحمله وليس كل ذوات المخلب السبع.
القتيل لم يكن أمرؤ سوء، فهو من أسرة دينية وسياسية عريقة ومدير أكبر مصرف بمدينة الفاشر ورئيس نادي المريخ يعرفه أطفال المدينة قبل الكبار وداره مأوي لمن لا دار له وملجأ ليتامي الحرب ومشردي الفقر والجفاف.
لو أنه مطلوب أمنيا فمقر عمله ومسكنه معروف للقاصي والداني، ولو أنه متهم بإرتكاب جريمة ما فإنه جار لرئيس النيابة ولا يحتاج توقيفه إلا لوكيل عريف، إما إفراغ خمسة رصاصات علي رأسه الأصلع وفي الشارع العام وعند التاسعة مساء وعلي مرأي ومسمع الجميع، فيعني أول ما يعني، وداعا أيتها الدولة وداعا أيها القانون ومرحبا بدولة العصابات والمليشيات! ذلك لأن العجز عن تقوية العدالة يبرر عدالة القوة ومن ثم من الحكمة ألا تكون ضعيفا.
غادر الجناة مسرح الجريمة بخيلاء وعظمة وهم يقودون عربة المرحوم وخلفهم سيارة التيكو التي أستغلوها في إرتكاب الجريمة. الكل يعرف من هؤلاء وفي أي منزل حكومي يقيمون وأين عربة المرحوم. لم تكن الدولة عاجزة فقط عن إلقاء القبض عليهم ولكنها غير راغبة بل وضالعة حتي النخاع في هذه الجريمة. قال الأمام الحسن البصري:
"وأعلم يا أمير المؤمنين أن الله انزل الحدود ليزجر بها عن الخبائث والفواحش فكيف إذا أتاها من يليها، وأن الله أنزل القصاص حياة لعباده فكيف إذا قتلهم من يقتص لهم؟"
في مارس الماضي إغتالت ذات الأيدي الشيطانية وفي وضح النهار وبداخل حرم جامعة نيالا الأستاذة إبتهال كريمة اللواء معاش عبدالرحيم محمدو أبرز أعيان نيالا علما بأن الضحية كانت من أكفاء أعضاء هيئة التدريس وأعظمهن خلقا وإخلاقا وأدبا. كانت كشجرة الصندل تعطر الفأس التي تقطعها ولكنها خلدت في موت رائع ورماد الموتي يخلق الأوطان.
لا تبكيه فاليوم بدء حياته أن الشهيد يعيش يوم مماته
وفي الأسبوع الأول من أكتوبر الجاري أطلقت رصاصة في فم السيد محمدين أحمد عربي لتخرج من خلف أذنه وذلك أمام زوجته وأطفاله وفي منزله بمدينة نيالا ثم صادروا سيارته ذات الدفع الرباعي. لم يهرب أو يختف الجناة ( حيثما حل الأشرار تركوا آثارهم ) وإنما ذهبوا مباشرة لمنزل كائن بإحدى الأحياء الفاخرة ونصبوا مدفعا رشاشا أمام المنزل في تحدي سافر للدولة والقانون وعطا المنان. قالت زوجته بشجاعة نادرة " المنية ولا الدنية " وقديما قال عنترة:
لا تسقني ماء الحياة بذلة بل فأسقني بالعز كأس الحنظل
إن عدنا وتأملنا في النماذج الثلاث الماضية نلاحظ أن القاسم المشترك الذي يجمع الضحايا الثلاث هو البعد الأثني وتحديدا الإنتماء القبلي، وبعبارة أكثر وضوحا أستهداف الرموز من عرق وقبيلة محددة.
تاريخيا لم تكن الإغتيالات السياسية في السودان أداة من أدوات الصراع السياسي، ولكن يبدو أن إستنزاف و إستنفاد إمكانات إدارة صراعنا علي نحو حضاري وبالوسائل السلمية – في عهد الأنقاذ - دفع الجميع أمام أسوأ الخيارات وأكثرها ضررا وهو خيار العنف ولسان حالنا يقول "الحق في فمي طالما كانت العصا بيدي".
الشاهد أن الدولة عجزت عن القيام بواجباتها فأنهار الولاء العام ثم نشطت العصابات وفي ظل هذا الوضع من الطبيعي جدا أن يستدعي الطرف/الأطراف المستهدفة وسائله وأساليبه الخاصة للدفاع عن نفسه.
مخطئ من يظن أن الأغتيالات قد تطال البعض دون البعض الآخر أو ان فريقا في مأمن، فالتجارب علمتنا أن النار من مستصغر الشرر وأن أبواب الجحيم لو فتحت سيلتهم الجميع.
علي الأنقاذ أن يدرك ولو لمرة واحدة أن تجارة السلام أربح من تجارة الحرب و أنه – أى الإنقاذ – إن لم يعتاد علي فعل الفضائل فلتكن فضائله في ترك الرذائل ولكن هذه العصابة تؤثر المشي تحت الشمس رغم أن رأسها من الشمع وتلك لعمري عين الحماقة.
قد يكره المرء مافيه سلامته وربما عشق الأنسان ماقتلا
رحم الله إبراهيم دمغة فثواب الآخرة خيرله من نعيم الدنيا.