القضية التي سيصوت عليها سكان بلدية بولاخ في كانتون زيوريخ ليست قضية انفصال تلك البلدية عن الكونفدرالية السويسرية ولا قضية انتخابات مجلس تشريعي أو مجلس بلدية بل تصويت على مقترح يهدف إلى تقييد سرعة سير السيارات بثلاثين كيلومتر في الساعة داخل حدود البلدية. فلأول مرة في تاريخ سويسرا، سيتمكن سكان البلدية من التصويت عبر الرسائل القصيرة، SMS وذلك بعد أن عرفوا التصويت عبر الإنترنت، أو من خلال البريد، أو بطبيعة الحال من خلال الأسلوب التقليدي المتمثل في التصويت مباشرة في مراكز الاقتراع. هذا المشروع التجريبي سيتم توسيعه ليشمل بعد ذلك جميع البلديات في كانتون زيورخ لا يصنف هذا النوع المتطور تحت طائلة الترف الأرستقراطي بل هو نوع من الابتكار والتنافس بين البلديات و القائمين على أمرها لتشجيع المواطنين على التصويت لأن السياسة في سويسرا لم تكن من الهموم اليومية مثل ما هو الحال في السودان.
وشريحة الشباب بالتحديد لا تبدي اهتماما كبيراً بهذا الجانب، فلذا كان لابد من ابتكار عدد من الوسائل "الحديثة والجذابة" لتشجيع الناخبين على التصويت. و ليس غريباً أن تبتكر سويسرا مثل هذا النوع المتطور من التكنولوجيا في صنع القرار ولكن الغريب أن تأتي الفكرة من عمدة بلدة بولاخ , عمدة بلدة صغيرة لا تتجاوز مساحتها مساحة الحصاحيصا يستخدم عصارة فكره ويسهر كل ليله من أجل راحة رعيته. ماذا فعل معتمد أمبدة من أجل راحة رعيته وماذا قدم والي الخرطوم من أفكار جديدة لمواطنيه ؟ هل سأل نفسه يوما ما لماذا تقطع الكهرباء في ضواحي الخرطوم هل حدثته نفسه بالتفكير في أن يدفع العاصمة من وحل القرون الوسطى إلى محطة القرن الواحد والعشرين؟
هذا الاستخدام الذكي للتكنولوجيا في عملية التصويت تم اختياره بشكل دقيق للتأكد من سلامته، كما أجريت تجربة لأدائه خلال الانتخابات الطلابية في جامعة زيورخ في شهر ديسمبر الماضي.و سيتلقى كل مستخدم بطاقة استخدام فريدة عبر البريد. كما سيكون عليه أن يدخل رقماً شخصياً وتاريخ ميلاده قبل أن يتمكن من الإدلاء بصوته، وعندها يتم تسجيل تصويته لمنع تكرار العملية.و التصويت عبر الرسائل القصيرة سيدفع بتقنية التصويت في سويسرا إلى القرن الواحد والعشرين، وذلك بعد نجاح تجربة التصويت عبر الإنترنت في بلدية أنيريه في كانتون جنيف حيث أطلقت سويسرا مشروعها التجريبي الأول للتصويت عبر الشبكة المعلوماتية في انتخابات بلدية أنيير، في يناير 2003،. ولم يتوقع سكان ضاحية أنيير التابعة لكانتون (ولاية) جنيف، الاهتمام الإعلامي المكثف التي حظيت به بلدتهم وزاد من استغرابهم أن صحافيين، من بلدان تبدو بعيدة نائية لهم، كالصين والبرازيل والولايات المتحدة، اكتشفوا فجأة وجود قريتهم، وانهالوا على مجلسها البلدي بوابلٍ من الأسئلة المتواصلة. وهم في كل الأحوال محقون في دهشتهم.فمن قبل ، ما كانت وسائل الأعلام الدولية تعرف بلدية أنيير، الصغيرة والمغمورة، . لكن يبدو أنها دخلت التاريخ في ليلة وضحاها بسبب احتضانها لأول مشروع سويسري للتصويت عبر الإنترنت.
تحت شعار "لا تكن قصير النظر، أدلي بصوتك" يستفز موقع "تصويت ذكي " قطاع الشباب من الناخبين لكي يدلوا بصوتهم الانتخابي. حيث أصبح بمستطاع الناخب السويسري أن يحدد المواصفات التي يبحث عنها في المرشحين البرلمانيين ليجد أمامه قائمة أسماءهم. ولهذا المشروع تم إنشاء ثلاث مواقع إليكترونية بأسماء "التصويت الذكي" و "مرشحون" و"صّوت شاباً". يهدف المشروع إلى تيسير عملية اختيار المرشحين في الانتخابات البرلمانية ، وتوفير المعلومات الخاصة بعملية الاقتراع ضمن إطار جذاب وسريع. وتقوم الفكرة على قناعة بأن تقديم المعلومات للمواطن على طبق من فضة، إذ صح التعبير، سيشجعه على ممارسة حقه الانتخابي . على سبيل المثال، يقدم موقع "التصويت الذكي" خدمة يستطيع الناخب من خلالها العثور على مرشحه المثالي من خلال أسلوبين. الأسلوب الأول، الذي أُطلق عليه اسم التصويت الذكي السريع، يستغرق مدة خمس دقائق. يعمد الناخب في هذا النمط إلى الرد على استبيان من 24 سؤالاً يحدد فيها مواقفه السياسية تجاه عددٍ من القضايا، وحينها يقدم الكمبيوتر قوائم بأسماء المرشحين (حسب الكانتون) الأكثر قربا في مواقفهم إلى قناعاته. إذا وجد الناخب أنه يستطيع الاستغناء عن 15 دقيقة من وقته فيمكنه بدلا من ذلك اللجوء إلى الأسلوب الثاني، أي إلى نمط التصويت الذكي (الدولوكس الفاخر)، الذي يقدم نفس الخدمة ولكن اعتمادا على استبيان من 70 سؤالا. عدا عن ذلك، يعمد موقع "مرشحون" إلى تقديم معلومات مختصرة عن السيرة الذاتية لكل مرشح ومواقفه السياسية.
في الواقع، لا يتمالك المرء وهو يراقب هذا التطور الجديد في تقنيات التصويت في سويسرا إلا أن يجري مقارنة بأوضاع التصويت بين بلدان تحاول توفير كل خيارات التصويت الممكنة لمواطنيها من أجل توسيع دائرة المشاركة في القرار، وبين بلدان أخرى يمنع فيها المعارضون من الحق في التصويت مقابل إدلاء .. الموتى بأصواتهم!