تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

التجربة الماليزية فى تعزيز الوحدة بين الأعراق المختلفة بقلم: د.إبراهيم أحمد أونور

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
10/3/2005 2:13 م

التجربة الماليزية فى تعزيز الوحدة بين الأعراق المختلفة

د.إبراهيم أحمد أونور

فى هذا المقال نستعرض التجربة الماليزية فى تعزيز الوحدة بين الأعراق الماليزية المختلفة وذلك من خلال التعرف على السياسات الحكومية الداعمة لقومية الملايو. والى أي مدى ساهمت هذه السياسات المنحازة في تضيق الفوارق بين القوميات المختلفة، وأدت إلى تغيير في توزيع الثروة بطريقة سلمية.
علماً بأن التركيبة العرقية لماليزيا وما نتج عن ذلك من صراعات دموية قبل ثلاث عقود شبيه بما يحدث فى السودان غير أن السلطة السياسية لذلك البلد تعاملت مع الوضع بحكمة وبعد نظر أعمق مما هو عليه الحال فى كثير من الدول الإفريقية بما فيها السودان حيث أصبح الصراع العرقى سمة من سمات هذه الدول. أهم ما يميز الصراعات العرقية فى الدول الإفريقية أن السلطات الحاكمة فيها أصبحت جزء فى الصراع وذلك تمكيناً لعرقيات معينة الأمر الذى أدى إلى تفاقم الأوضاع فى هذه البلاد.
من الطبيعى أن يكون هنالك تفاوت فى الكسب الإقتصادى على مستوى الأفراد فى أى مجتمع ولكن عندما يكون التفاوت على أساس عرقى يصبح من الضرورى تدخل السلطة الحاكمة لأعادة هيكلة الوضع تجنباً لصراعات عرقية حتمية. فيما يلى التجربة الماليزية فى إعادة هيكلة الوضع التنموى لصالح قومية الملايو الذين يمثلون السكان الأصليون فى شبه الجزيرة و الأقل فى الكسب الإقتصادى.
أهم الامتيازات الخاصة بالملايو :
يعطي دستور البلاد الملايو (63.3%) كأغلبية عرقية وضعا مميزا مقابل الأعراق الأخرى (الصينيون 26.5% والهنود 7.6%) بإعتبارهم السكان الأصليين (البوميبترا Bumiputra) أي أصحاب الأرض، مما جعلهم يعتقدون أن الحكومة مطالبة بتحسين وضعهم الإقتصادي، والحفاظ على حقوقهم السياسية الاقتصادية الاستثنائية، من هنا ركزت سياسة الحكومة في السنوات الأولى من الإستقلال على منحهم ميزات خاصة ولا سيما في القطاع الزراعي، استجابة منها الى تلبية احتياجات المجتمع الملايوي الذي كان يعتمد على الزراعة.
بينما أعتبرت السياسة الاقتصادية الجديدة (1970-1990) التي جاءت بعد الاشتباكات العرقية الدامية بين الملايو والصينيين في 1969، خطوة في اتجاه تعزيز الوحدة الوطنية بين الأعراق المختلفة من خلال تأكيد حقوق وامتيازات الملايو والسعي لترقية اسلوب حياتهم.
يمكن اجمال أهم الاجراءات التي اتخذتها الحكومة بهدف تحسين وضع اغلبية الملايو في الآتي :
1- منحهم حصصاً في الجامعات ومؤسسات التعليم العالي (55%) من اجمالي المقاعد في الجامعات) الى جانب امتيازات في الملكية والوظائف العامة تضمن لهم السيطرة بغض النظر عن كسبهم وادائهم التعليمي مقارنة بالأقلية الصينية النشطة اقتصاديا واجتماعيا.
2- اتاحة فرص اكبر لمزاولتهم التجارة والدخول في انشطة استثمارية وصناعية من خلال توفير التمويل اللازم وتسهيل اجراءات الاعمال التجارية.
3- زيادة مشاركتهم في المؤسسات السياسية والمدنية واقتصار بعض الوظائف الحساسة فيى أجهزة الدولة العسكرية والامنية في محيطهم.

لقد اسست الحكومة في 1971 مشروعات يستفيد منها الملايو في ضوء ما يعرف بـ "السياسة الاقتصادية الجديدة" التي نفذت في الفترة 1970-1990، واعتبرتها الحكومة وقتئذ خطوة في طريق الوحدة الوطنية من خلال تقليل الفرق وتحسين مستوى الحياة وزيادة مساهمة وملكية الملايو في القطاع الاقتصادي الحديث (الصناعة والخدمات)، وبالتالي المزيد من المساعدات الحكومية والحصص الموجهة للملايو في التعليم والتجارة والاستثمار والوظائف العامة.
وخلال الفترة 1991-2000، بدأت الحكومة في تطبيق ما يسمى بـ "سياسة التنمية القومية" والتي اكدت ايضا امتيازات الملايو في قطاعات الاعمال والتجارة من خلال التركيز على تعظيم الثروة والنمو الاقتصادي لصالحهم. يذكر أن الحكومة وضعت ضمن هذه السياسة هدفا تسعى الوصول إليه بحلول عام 2001م وهو ان يمتلك الملايو 30% من رأس المال الخاص المحلي. بلغت مساهمة الملايو في الثروة القومية 20.6% في عام 1995 مقارنة بـ 2.3% في عام 1970.

زيادة دخل الاغلبية الملايوية :
زاد نصيب الفرد من الدخل القومي في ماليزيا خلال الفترة 1995-1997 بمعدل نمو سنوي 14.9%، وكان نصيب دخل الاسرة الملايوية من النمو 12.6% في نفس الفترة ، وتعتبر الحكومة الماليزية هذا النمو نجاحا لسياستها في تحسين متوسط دخل الفرد الماليزي بشكل عام والملايو خاصة من خلال زيادة في معدل النمو لدخل الأسرة.

السياسات الاقتصادية الداعمة للملايو :
(1) الاعمال التجارية والصناعية :
حققت الخطة الخمسية عدداً من الاهداف في دعم الاعمال التجارية والمنشآت الصناعية التي يمتلكها البوميبترا (الملايو) ومن ذلك:
1- اتاحة الفرصة للمزيد من المنشآت الصناعية والتجارية الصغيرة والمتوسطة للمساهمة مع الشركات الصناعية والخدمات الكبيرة من خلال تنفيذ كل او بعض اجزاء التعهدات الخاصة بالدولة وبذلك تمكنت شركات الانشاءات العامة والمنشآت التجارية والخدمية التابعة للبومبترا من تقديم خدماتها للشركات الحكومية الكبيرة مثل شركة البترول الوطنية (بتروناس) وشركة الكهرباء (تيناقا ناشونال) وشركة الاتصالات الماليزية (تليكوم).
2- اعطاء البوميبترا تسهيلات مصرفية وضمانات قروض لدعم اعمالهم التجارية والصناعية وقد انشأت الحكومة ما لا يقل عن 31 صندوقا لتقديم التمويل اللازم في الفترة 1995-1997، حيث قدمت قروضا بلغت قيمتها الاجمالية 1.3 مليار رنغيت من الصناديق المذكورة استفادت منها حوالي 27 منشأة صناعية وتجارية يملكها الملايوين.
3- توجيه برامج التدريب والتأهيل لرفع مستوى وقدرات منشآت الملايو حيث استفاد اكثر من 36 ألف مشارك من هذه البرامج التي نظمتها المعاهد والجامعات المحلية وكذلك في الخارج في الفترة 1995-1997. واستفاد من ذلك رجال الاعمال وموظفو الدولة والطلاب والمدرسون.
4- مساندة شركات الملايو التي عانت صعوبات مالية خلال ازمة العملات الآسيوية في 1997. وتقديم دعم مالي على شكل قروض ومنح عاجلة.

(2) ملكية وادارة الشركات العامة :
تركزت الاستراتيجية الرئيسة في الشركات العامة على اعادة هيكلتها وادارتها من خلال دمج او تجزئة بعض هذه الشركات وفق معايير اقتصادية كاملة مع مراعاة حصول الملايوين على ميزات فى الملكية والادارة. ان النظام المعمول بها في بورصة كوالالمبور يعطي الملايوين الحق بتملك ما لا يقل عن 30% من جملة الاسهم المعروضة في البورصة ولا يحق للآخرين بتجاوز حقوق الملايو في الملكية.
أما ادارة الشركات العامة : الانشاءات والعقارات والتأمين والمصارف والنقل الجوي والبحري وغيرها فتتركز في معظمها بأيدي الملايوين . التمويل والعقارات والتأمين وتجارة التجزئة والجملة.
يمتلك الملايو اسهم 274 شركة مدرجة في بورصة كوالالمبور في 1997 وهو ما يعادل 39% من جملة الشركات المدرجة في البورصة والتي لها انشطة في مجالات مختلفة تشمل الصناعة والتجارة والتمويل والخدمات والعقارات والزراعة.

تمتلك الحكومة حصة كبيرة من أسهم مصرف "ماي بنك May Bank" ومصرف "بوميبترا كوميرس Bumipuira-Commerce" ويقوم هذان المصرفان بتقديم تسهيلات لتمويل برامج مخصصة لصالح ا لملايو، بينما يقوم مصرف التنمية والبنية التحتية بتخصيص قروضه لدعم البوميبترا في مجال المشروعات التجارية والصناعية الصغيرة والمتوسطة. كما يخصص البنك الزراعي قروضه بشكل خاص لدعم المزارعين والتجار في القطاع الزراعي من البومبيترا.
(3) توجيه استثمارات الشركات العامة :
يوجد صندوق قومي للضمان الاجتماعي يستفيد منه الملايو بشكل كبير حيث يدار بواسطة شركة استثمارية كبيرة، وتتم معظم استثمارات هذا الصندوق في شراء أسهم الشركات لصالح السكان الأصليين، حيث تمتلك الشركة معظم اسهم صندوق الائتمان الوطني (وهو خاص بالبوميبترا)، ولديها مساهمة في شركة البترول الوطنية، كما يوظف امواله في استثمارات زراعية وصناعية في مجال المطاط وزيت النخيل والعقارات والتعدين وخدمات التمويل.
كما توجد مؤسسة التنمية الاقتصادية وهي شركة حكومية تعمل في مجال دعم شركات بيع التجزئة والجملة وتطوير أعمال الملايو. وتقوم الشركة بدور كبير في تطوير وإدارة العقارات وبناء المساكن وتوفير قروض سكنية لصالح الملايو فقط.

استفادة البوميبترا من برنامج الخصخصة :
(4) وجهت الحكومة برنامج الخصخصة لتحسين اوضاع الملايو وذلك من خلال تحديد ما لا يقل عن 30% من أسهم الشركات العامة التي خضعت للخصخصة لصالح الملايو كما أعطى للملايوين ادارة هذه الشركات بموجب عقود إدارة (Management Contracts). الملكية العقارية والأراضي :
(5) منذ حقبة الاستعمار الانكليزي كان الملايو يحصلون على امتيازات حكومية بتخصيصهم بعض الأراضي على اعتبار أنهم سكان البلاد الأصلين. وقد أكد الدستور بعد الاستقلال هذه الامتيازات وزاد عليها بوضع ضمانات أخرى بشأن ملكية الأراضي، حيث نص على شرط موافقة مجلس الحكام اضافة الى ثلثي اعضاء البرلمان الفيدرالي ومجلس الشيوخ في حالة اصدار أي تشريع يهدف لتغيير امتيازات الملايو بشأن ملكية الأراضي.

الامتيازات والسياسات الحكومية في مجال التعليم :
تأخذ الحكومة الدور الرئيس في التعليم والتدريب في البلاد. وعملت على تأمين حصول الملايو على نصيب كبير من مقاعد الجامعات والمعاهد العليا الحكومية، فضلا عن التعليم العام (الابتدائي والثانوي) باعتبار ان مستوى تعليم الملايو اقل ولا يستطيعون ارسال ابنائهم الى المدارس بسبب تردي اوضاعهم المادية مقارنة بالصينيين. فقامت الحكومة بتقديم اعانات مالية ومستلزمات مدرسية مجانية لابناء الملايو في مراحل التعليم الاساسي، كما قدمت قروض ومنح دراسية لمواصلة تعليمهم في الداخل والخارج بالنسبة للمراحل الجامعية والدراسات العليا.
وحاولت الحكومة تشجيع القطاع الخاص على منح الملايو فرص مواصلة تعليمهم الجامعي والعالي. يحصل الطلاب الفقراء من الملايو على اعانات حكومية في شكل مصاريف دراسية وكتب مدرسية مجانية. وصلت نسبة الطلاب الملايو عام 1998م في المدارس الثانوية 57% من مجموع الدارسين في هذه المرحلة، وهي نسبة تعكس الاهتمام والاستجابة من جانب طلاب الملايو مقارنة بالسنوات السابقة. ان سياسة وزارة التربية تهدف الى زيادة عدد الطلاب من الملايو بحلول عام 2005م الى 76% من مجموع الطلاب المسجلين في المدارس الحكومية.
أما التعليم الجامعي فيوجد في ماليزيا 13 جامعة، وتضم هذه الجامعات طلابا من مختلف الاعراق وفقا لنظام الحصص المعتمد والذي يعطي 55% للملايو و 45% للمجموعات العرقية الاخرى (صينيون، هنود، قوميات أخرى).
يقوم القطاع الخاص بتقديم خدمات التعليم الجامعي الخاص في المجالات المهنية والتقنية. وعملت الحكومة على إصدار قانون التعليم الخاص في 1996، تشجيعا للقطاع الخاص على ارتياد هذا المجال، وتلبية لحاجة البلاد من المهارات الفنية والتقنية. يوجد في الجامعات الخاصة حوالي 82 ألف طالبا في عام 1998م نسبة الملايو بينهم لا تزيد عن 20%. بينما نسبة الدارسين منهم في مجالات العلوم والتقنية تقدر فقط بـ 5%، وهذا النسبة الضعيفة تعود الى عدم مقدرة طلاب الملايو على الدراسة في التخصصات العلمية لارتفاع تكلفتها.

نتائج السياسات التعليمية المنحازة :
تشير الاحصاءات الى نجاح السياسة التي اتبعتها الحكومة الماليزية لدعم الملايو ولا سيما في السنوات العشر الاخيرة وظهرت نتائج السياسات المنحازة للأغلبية الملايوية في الآتي :
1- زيادة حصتهم من الثروة الوطنية من 2.3% عام 1970 الى 20.6% عام 1995، وانخفضت هذه النسبة حسب احصاءات 1999 لتصل الى 19.1 نظرا لتداعيات الازمة المالية في 1997.
2- ارتفاع عدد المهنيين خاصة من الاطباء والمحامين والمهندسين.
ان السياسة المنحازة للملايويين نجحت في تقليل الصراع الداخلي بين الاعراق (اعلبية الملايو واقلية الصينيين) وساهمت في تحقيق تقدم سريع في اوضاع الملايو خلال عقدين ونصف، الامر الذي أوجد استقرارا كان له الاثر الفعال في النمو الاقتصادي المطرد. ولكن الاستمرار في هذه السياسة المنحازة ربما يكون له ا فرازات سلبية على المدى الطويل. ويدور حاليا حوار حول الغاء هذه الامتيازات او الاستمرار فيها بين مجموعة الملايو من جهة وبين المجموعات الاخرى من جهة اخرى.


للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved