تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

فلنعِش ببرامج الحد الأدنى ، ولنضع حدا لمعاناة الماضي ,عسى الله يفتح على فاه طفل من أطفالنا , قادة الغد فيصرخ وجدتها ، وجدتها بقلم: محمد منصور

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
10/3/2005 2:08 م


بقلم محمد منصور

من حقنا أن نتخيل أحدا ما من بيننا ، في اللحظة التاريخية الماثلة ، وهى حرجة بما فيه الكفاية، آو لربما سنتخيل صغيرا يافعا، يهرول علينا عريان من غرفة الحمام " الباث روم" ويطلق ساقيه للريح ، عريان يقطر ماء ، وفق الحالة الهستيرية التي تلبسته آو الحالة الجنونية ، آو قل لطور الصبيانية المفترض فيه أن يتصرف الصغار بشكل عادى دونما كلفة ، فطرة الله، وليهتف اى النموذجين " وجدتها ، وجدتها " . فالواقع الذي نعايشه في حياتنا اليومية ومن مطالعتنا لمستجدات الأوضاع على كافة الصعد والملفات ، التي تحتاج حين التعاطي معها إلى التحلي بأكبر قدر ممكن من العقلانية والموضوعية ، هذه الواقع مؤلم لدرجة يجعلنا ادعى ، في اللحظة الراهنة، إلى تخيل وانتظار مثل هذا الهاتف الذي سيحمل إلينا بشرى الحل الساحر لقضايانا ، ومنها - بالطبع- حالة الدوار الذي تعانيه الساحة السودانية.

ساحتنا من دون مبالغة ، ملأى بالتناقضات، كل التناقضات ، وبالأزمات الكامنة والمنغرزة في كبد الحلول ذاتها ، بحيث لا تترك مجالا آو فرصة للبسطاء من أمثال حاج احمد وشول واوهاج والدومة لإكمال أحلام يقظتهم ، البسيطة ، على شاكلة الحصول على ابسط مقومات الحياة وأدنى متطلباتها ، نزوعا على البقاء ، وللمحافظة على النوع السوداني ، ليست مبالغة أيضا ، أن هنالك مخاطر جمة تحدق بالشعب السوداني على المدى القريب والبعيد في الوجود ، في ظل أمراض المناطق الحارة التي أورد تقرير خاص بمنظمة الأمومة والطفولة "يونيسيف" أنها تزايدت بصورة مزعجة جراء أوضاع الحروب وانعدام الاستقرار للريفيين والنزوح المستمر وهو وضع حسب المنظمة التي ألقت بثقلها لتلافى آثار الاقتتال والنزاع الحالي في بلادنا وفيما يتعلق بمصير مئات الألوف من الأطفال ، وفقا لها فان المصير يبقى "مجهولا" في غياب العلاج السريع والناجع .

الوعود التي يطلقها زعماؤنا عادة ، ومجمل أحاديث السياسة التي تحاول دغدغة مشاعرنا عن الأمن والاستقرار والسلام والتحول الجذري في كلفة المعيشة اليومية نحو الفضل ، تمسى اليوم التالي ، عادة، لمجرد أوهام وصدمات ،لكننا يجب أن نعتاد مثل هذا الشيء ، بمنطق أن فاتورة السلام والبناء لما دمرته الحرب أعلى وأكثر من فاتورة السلاح والتشوين وإيقاد المعارك.

كم بالله عليكم كنا ننفق على الحرب في الجنوب ، وكم سننفق على البناء وإعادة التنمية والإعمار ، لو سلمت النوايا - طبعا- ولم تزغ القلوب الى هنا اوهناك ، ووصل اتفاق السلام حتى نهاياته العملية ،المأمولة، وكم ننفق حاليا على حرب دارفور،هي الأخرى، ومن المؤكد ، حساب هذه الأموال الطائلة يتضاعف عندما نعمل بقاعدة أن الحساب "عام" ، بمعنى انه سيشمل ما أنفقته السلطة الحاكمة خلال سنوات الحرب ، منذ الاستقلال ، وما أنفقه الطرف الواقف على الخندق الآخر، المعارضة آو التمرد آو الذين خرجوا على القانون كما هو مشاع اليوم لتقريب النظرة العامة لمن حملوا السلاح ولما يحدث في دارفور .

وكل الأعضاء فى الطيف السياسي ،الذين لا زالوا حكاما فى كراسي السلطة ، والذين يأملون أن يبدأوا من حيث سينتهي الحال بهؤلاء ، اقبلوا الآن ، كما هو واضح : بعضهم على بعض يتلاومون ، والكل يضرب فى رقاب البعض ، عبر السياسة والإعلام وأساليب الأمن والتجسس والضغط والإضعاف والإكراه ، الكل آخذ على عاتقه أضعاف الآخر بشتى الصور والطرق والوسائل ، فبالرغم من نشوى تحقيق السلام في الجنوب فان الإحباط هو ذاته ذاته الذي ينتابك عندما تطالع أخبار التشكيلة الوزارية مثلا او تشكيل المعارضة الثلاثية ، او ما وصلت إليه الأوضاع فى دارفور ، وما ستصل إليه الأصقاع فى شرق السودان ، ومن دون شك ، هى الآن قد بدأت ذات الطريق ، ومسلسل الصراع المتجدد بدورته الخبيثة يأبى الا ان يلف عنق السودان كله ، وشعب السودان ،بلا رحمة كأفعى تجهز على فريستها، وهكذا يبتلع السودان ، وفى أخبار اليوم بامكانك أن تستشف ما ينطوى عليه تصريحا واحدا لأحد الدبلوماسيين الغربيين ، ممن ظلوا " شيفا " فى مطابخ الحياة السياسية ، يصنعون القدور والأقدار فنتلهمها . فالسفير البريطانى أيان كليف ، وبجلالة قدر بلاده التي شكلت ولا زالت تشكل الخارطة السودانية الحديثة بكل مقوماتها الثقافية والاجتماعية والإثنية الهائلة ، ورسمت لنا خارطة الطريق، يقول سعادة السفير وهو يقرر لنا فى الحقيقة: أن الاوضاع الإنسانية في شرق السودان أكثر مأساوية من دارفور!! وفيما حمل المينشيت الآخر لذات الرجل على صفحات صحيفة "الصحافة "اليوم 3 اكتوبر العدد : (مارسنا الكثير من الضغوط لتحقيق تقدم في مفاوضات أبوجا ولكن) ! نحن بهذا نسعى إلى تعميق أزماتنا بأنفسنا ونضع المتاريس والحواجز بأيدينا أمام اى طريقة لردم الثقة بين الفرقاء السودانيين. فالصحافة السودانية فى حد ذاتها تحمل الكثير مما يتناسب الوصف بأنه "وضع للسم فى الدسم". والأدهى والأمر الإصرار على دورها الرائد بلا وعى وبلا استنارة. فهل تجرؤ الصحافة فى بريطانيا على إجراء مقابلة مع سفير السودان مثلا او اية دولة أكثر ثقلا ، ومهما بلغت ، فلتكن الولايات ا لمتحدة ، للتقرير بشأن الوضع فى مقاطعات ومدن الإمبراطورية المتحدة؟لا أظن ، وبنفس القدر نتوقع سلوكا مغايرا لمؤسساتنا فى الصحافة السودانية.

يجب أن لا نتغاضى عن أخطاء الحكم والسياسة ، وان نعمل على إذكاء عنصر المحاسبة الشاملة ، لمن فى الحكم ، ولمن هم فى السياسة ، من ذا الذي لم يحكم من بين الحاضرين آو لم يكن له يوما (سى) وقدحا فى ما وصلنا إليه ، الجميع مشتركون فى الأزمة الماثلة ، والجميع عجزوا عن تحقيق التطلعات : يسارا ويمين ، ولذلك يستوجب الحساب العام ، ورجاء أن لا نجنح إلى قاعدة العفو خير آو " الحساب يوم الحساب "!

وبمناسبة العجز السياسي ، لليمين ولليسار الحديث ادبياتهما إلى اشتهرت للتعبير عن وضع العجز والتخبط كخصيصة لازمة لممارسة الحكم آو المعارضة، ففضلا عن التمحن أمام العطلات والمشكلات ، يقال لك هذه هي " صبيانية سياسية"، وهو وصف يتطابق بمقامه الأول على اليساريين ذاتهم ! وأما اليمين ، حكما ومعارضة، فبالرغم من المحاولات لإقناعنا بمدى القدرة على التدبير السياسي وافتنان السبل والأحاييل لتصريف الشأن العام لبلادنا ، ومن ذلك الإيهام بالتصريف ، فان اليمين يعيش فى الحقيقة حالة الدوار هذه وانعدام الوزن، وتتجلى الصورة فيه بأوضح ما يكون

فهل عجزت الحياة الاجتماعية والسياسية والحزبية فى بلادنا من التواضع على برامج للحد الأدنى من العيش وسط الشعب وتلمس حاجاته المباشرة ، ومن التعايش فيما بينها ، بدلا عن كل النرجسية والعنجهية والغموض . وهل وصلت أحزابنا فى ظل الأزمات المتلاحقة التي تنكبت مسارها من ممارسة فضيلة النقد ومخاطبة الهموم الشعبية من دون مزايدة آو تسييس وهل حارت فى تسمية أمينة لماثل الأوضاع بمسمياتها الحقيقية وبتوصيفها الأدق . وبالأحرى هل نأمل فى أن تفلح التحالفات الوليدة والإرهاصات حول ما يدور فى الحكم " مؤتمر وحركة" آو فى شتات المعارضة الحزبية التي جمعت بين الأضداد ، وطهت لنا من لحم الثعابين المسمومة والعصافير الصغيرة طعاما تريد لنا أن نتلهمه دون معرفة آو طرح حتى سؤال " عملتو كيف دة " بالعامية السودانية ، وكيف ومتى ولماذا ؟ أم نأمل كشعب أرهقته صراعات السياسة ولعباتها الوضيعة ، بالحلم الجميل والغد المشرق الذي ننتظر أن تحمله لنا أجيالنا القادمات ، حيث يخرج علينا"طفل من اليوم " ، " أمل الغد"، يصرخ فى هستيريا الفرح الغامرة ، وهو عريان يهرول من الباثروم ، " وجدتها، وجدتها"!!


--------------------------------------------------------------------------------

للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved