1) إن أهم ما ميز النصف الأول من شهر يوليوز 2005 و بالضبط صبيحة يوم 7 من نفس الشهر هو ضرب أنفاق الميترو و حافلات للركاب في مدينة لندن، في الوقت الذي كان ينعقد فيه مؤتمر الثمانية الكبار خارج لندن. و هذه الضربة ذهب ضحيتها العديد من المواطنين الإنجليز الذين دفعتهم شروط الحياة في بريطانيا و في لندن بالخصوص إلى الخروج إلى العمل و استعمال قطارات الأنفاق، أو الحافلات من اجل ذلك فكان ما كان، و قد أصاب هول ما حدث البريطانيين في تلك الصبيحة، و أعلنت حالة التوقف في جميع مناحي الحياة اللندنية حتى يستطيع المواطنون البريطانيون بصفة عامة استعادة أنفاسهم. و من اجل أن تعود الحياة إلى طبيعتها، و سعيا إلى إنضاج شروط البحث فيما حدث من اجل تحديد ما يجب عمله على المستوى الرسمي، و على المستوى الشعبي.
فهل اختيار أماكن الحدث كان مناسبا فعلا بالنسبة إلى الجهات التي تقف وراءه ؟
و هل توجه القائمون بالحدث إلى الأماكن التي كان يجب أن يتوجهوا إليها انطلاقا من اقتناعهم بممارسة الصراع ضد الحكومة البريطانية التي تتحمل جانبا كبيرا من مسؤولية ما جرى و يجري في العراق؟
و هل يمكن تصنيف الحدث في إطار المقاومة ؟ أم أنه مجرد حدث يهدف إلى إبراز العضلات أمام الرأي العام من اجل إرهاب الشعوب، و لإعطاء صورة سيئة عن العرب و عن الدين الإسلامي، كما حصل في 11 شتنبر في نيويورك و في 16 ماي في الدار البيضاء، و في مدريد. و كما يحصل يوميا في العراق حيث نجد أن ما تقوم به العمليات الانتحارية في حق المواطنين العرب و المسلمين في العراق لا يقل بشاعة عن ما قامت به قوات التحالف الأمريكي البريطاني ؟
و هل يدخل في إطار الهجوم على التحالف الأمريكي البريطاني الذي يسعى إلى إضعاف قوة هذا التحالف من اجل إخراجه من أفغانستان، و من العراق ؟
و من هي الجهة التي تقف وراء الحدث ؟ هل هو تنظيم القاعدة ؟ هل هي المقاومة الأفغانية ؟ هل هي المقاومة العراقية ؟
و من هو المستهدف بالحدث ؟ هل هو الحكومة البريطانية ؟ و هل هي الشرطة البريطانية ؟ هل هو الجيش البريطاني ؟ هل هو الشعب البريطاني ؟ هل هي الجالية العربية و الأجنبية الأخرى المقيمة في بريطانيا ؟ هل هي إهانة الشعب البريطاني ؟ هل هي إهانة الجالية العربية و الأجنبية في بريطانيا ؟
و من المستفيد من الحدث ؟ هل هم المسلمون ؟ هل هو تنظيم القاعدة ؟ هل هي الرأسمالية العالمية؟
و نحن عندما نطرح هذا السؤال أو ذاك من جملة الأسئلة التي سجلناها فلأننا نسعى إلى استفزاز الأذهان من اجل أن تشتغل، و من اجل أن يسير اتجاه التفكير في أفق ما يجري على ارض الواقع، حتى تتحدد المسؤولية فيما يجري على المستوى العالمي، لأن تحديدها و بالوضوح اللازم لذلك سيساعد على معرفة ما يجب عمله لوضع حد للهمجية التي تلاحق الإنسانية من قبل تكتل الرأسمالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، و من قبل التوجه الظلامي المتطرف و من اجل حفز البشرية على المستويين الشعبي و الرسمي للعمل على تحقيق الحرية و الديمقراطية التي هي المبتدأ من اجل العمل على تحقيق العدالة الاجتماعية التي يمكن اعتبارها بلسما للجراح العميقة التي تحصل على ارض الواقع كنتيجة حتمية لعولمة اقتصاد السوق التي تتناقض مع نضالات الشعوب الساعية إلى الانتقال إلى حياة افضل تكون فيها الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية معولمة.
2) و ما حدث في يوم 7 يوليوز 2005 في لندن كان حدثا عظيما فعلا لأنه كان غير متوقع الحدوث لكون بريطانيا تعتبر ملاذا لكل من يحرص على أن يتمتع بكامل حريته، و في جميع المجالات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية و العقائدية و الإيديولوجية، و بحكم القانون الذي يحترم في بريطانيا إلى أقصى الحدود. فضرورة حدوث ما وقع كان غير وارد. لذلك كان حدوثه مفاجئا بالنسبة للحكومة، كما بالنسبة للشعب البريطاني، كما للجاليات الأجنبية التي استوطنت في بريطانيا، كما لرجال الشرطة، و كما لكل العالم. و نحن عندما نذهب إلى ما نقول هنا، فلأننا نعتقد أن الجهات التي تقف وراء ذلك تسعى إلى تحويل الأنظمة العالمية بما فيها الأنظمة الرأسمالية التي تحترم عندها إرادة الشعوب إلى أنظمة مستبدة حتى تجد تلك الجهات مبرر وجودها، باعتبارها تسعى إلى الاستبداد ليس بأفغانستان أو العراق، أو البلاد العربية، أو بلدان المسلمين فقط، و إنما بالكرة الأرضية كلها، لجعلها تدور من الشرق إلى الغرب عكس ما هي عليه الآن. و نحن عندما نذهب إلى ما ذهبنا إليه، فلأننا نتعاطف مع الأنظمة الرأسمالية التي ساهمت بسياستها الدولية. و تعميمها لعولمة اقتصاد السوق، في إنتاج هذه التنظيمات المتطرفة، و المتخلفة و العاملة على عودة التاريخ إلى الوراء، بقدر ما نتعاطف مع الشعوب أنى كانت و أينما كانت، و انطلاقا من الحس الإنساني الذي يحكمنا، لأنه يحز في نفسنا ما حصل في نيويورك في 11 شتنبر، و ما حصل في 16 ماي في الدار البيضاء، و ما حصل في مدريد، و ما حصل مؤخرا في لندن. كما حز في نفسنا ما قام به التحالف الرأسمالي الأمريكي البريطاني الرجعي في أفغانستان، و في العراق و في غيره من مناطق العالم، و حز في نفسنا اكثر أن يقف التحالف الرأسمالي الرجعي المتخلف وراء استنبات التنظيمات المؤدلجة للدين و دعمها بكل الإمكانيات المادية و المعنوية من اجل أن تتصدر مواجهة الأنظمة الاشتراكية المحلية، و النظام الاشتراكي العالمي، و من اجل استئصال الأحزاب التي تسعى إلى تحقيق الحرية و الديمقراطية و الاشتراكية في بلدانها من الواقع، و من اجل أن يصير العالم بين الأيدي الممسكة بالكماشة الرأسمالية الرجعية المتخلفة، و من اجل أن يصير الدين مصدرا للاستبداد بالحكم و بالعالم. فاستنبات التنظيمات المؤدلجة للدين بصفة عامة و المؤدلجة للدين الإسلامي بصفة خاصة كان إبداعا رأسماليا رجعيا متخلفا بامتياز. و كان منذ ابتداعه في خدمة الأنظمة الرجعية و في خدمة النظام الرأسمالي العالمي بامتياز. لتتحول تلك التنظيمات التى تعودت على استثمار ادلجة الدين بصفة عامة، و على استثمار ادلجة الدين الإسلامي بصفة خاصة، نفسها و قد تحولت إلى غول مخيف للعالم و للإنسانية، و للشعوب لقيادتها للإرهاب المعولم، الذي صار لا يميز بين النظام الاشتراكي، و بين النظام الرأسمالي، كما لا يميز بين النظام الرأسمالي المتطور و بين الأنظمة الرأسمالية الرجعية المتخلفة. و هذه التنظيمات المؤدلجة للدين تعلم جيدا أنها تنظيمات تعمل خارج التاريخ، و ضد الطموحات الإنسانية المشروعة. كما أنها تعلم أنها لا يمكن أن تسيطر على العالم. و أن سيطرتها تلك –إن تمت- سوف تكون مجرد حركة خارج التاريخ، و سوف تكون عودتها إلى السيطرة على العالم مجرد عثرة لابد أن تكون حافزا على استنهاض الشعوب للتخلص من هذا الانحراف البشري و الإنساني، و من اجل عودة قطار التاريخ إلى سكته حتى يسير في الاتجاه الصحيح.
و إذا كانت الأنظمة الرأسمالية، و معها الأنظمة الرجعية المتخلفة تدعي أن هذه التنظيمات المؤدلجة للدين، و التي وقفت وراء استنباتها تهدد مصيرها. فإن هذه الأنظمة الرأسمالية و الأنظمة الرجعية المتخلفة هي نفسها تهدد مصير الشعوب بسنها لقوانين تدعي أنها قوانين محاربة الإرهاب، و هي في الواقع ليست إلا قوانين لقمع الحريات العامة لتلتقي بذلك مع التنظيمات المؤدلجة للدين في الاستبداد بالشعوب سعيا إلى الاستبداد بالثروات و باستغلال الموارد البشرية و تمكين الشركات العابرة للقارات التي يساهم فيها مؤدلجو الدين من السيطرة على الاقتصاد العالمي و على الاقتصاد المحلي في نفس الوقت.
و انطلاقا من هذا العمق في التحليل، و في الرؤيا نستطيع أن ندرك هول ما حدث، لأن ما حدث سيقف وراء استصدار القوانين القمعية التي تستهدف مصادرة الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية لصالح تأبيد النظام الرأسمالي و ضمان نهب خيرات الشعوب المادية و المعنوية لصالح الرأسمالية العالمية المتمثلة في الصندوق الدولي، و البنك الدولي، و المؤسسات المالية الأخرى، في الشركات العابرة للقارات التي سيطرت على الاقتصاد العالمي، و حولت جميع حكومات الدنيا إلى مجرد حراس لضمان استغلالها للشعوب على جميع المستويات.
فهل يمكن القول بأن ما حدث في لندن يضر بمصالح النظام الرأسمالي في بريطانيا ؟
و هل يمكن القول بأن المؤسسات المالية الدولية تضررت مما حدث ؟
و هل نعتبر أن ما حدث في لندن الحق أضرارا كبيرة بالشركات العابرة للقارات ؟
إننا في طرحنا لهذه الأسئلة إنما نريد أن نصل إلى أن المتضرر الوحيد مما حدث هو الشعب البريطاني الذي ذابت فيه الأعراق، و الأديان، و اللغات و الألوان بسبب القيم الديمقراطية التي تسود في الحياة العامة، قبل أن تعمل الحكومة البريطانية على سيادتها على ارض الواقع. فالشعب البريطاني بقيمه التي صار يحملها يصير بعدما حصل مهددا بمصادرة حرياته العامة و الخاصة، و سيعاني المتجنسون البريطانيون من مختلف الأديان من القوانين التي يحتمل سنها من قبل مجلس العموم البريطاني و بطلب من الحكومة البريطانية من كل أشكال القمع و المضايقة بدعوى محاربة الإرهاب و الإرهابيين. فكأن النظام الرأسمالي البريطاني يستطيع أن ينفذ إلى أعماق الإنسان البريطاني لمعرفة سرائره، و تحديد من هو الإرهابي، و من هو المسالم ؟
3) فبماذا توحي أماكن وقوع ما حدث ؟
إن اختيار وقوع الحدث في بريطانيا، و في عاصمتها، و في مترو الأنفاق و في الحافلة التي يستقلها المستخدمون و العمال للذهاب إلى أماكن عملهم له دلالته العامة، و دلالته الخاصة.
فالدلالة العامة تهدف إلى جعل الرأي العام يستوعب أن قوة الإرهابيين تستطيع أن تضرب الدول العظمى. كما تضرب أطفال العراق و أفغانستان، و كما تضرب الناس البسطاء في كل مكان من العالم المتخلف. و بريطانيا التي تحاول أن تظهر للعالم و كأنها أعظم دولة ديمقراطية باحتضانها لمعارضي مختلف الأنظمة الرجعية المتخلفة، و لأقطاب الفكر الظلامي المتخلف الذين يوجهون العمليات الإرهابية في جميع أنحاء العالم انطلاقا من بريطانيا، و بالضبط من لندن. و هذه الديمقراطية التي استفاد منها الإرهاب كثيرا صارت غير مرغوب فيها. و لذلك كان اختيار بريطانيا لتسديد الضربة بكل ما يمكن أن ينتج عنها، يهدف إلى الدفع في اتجاه جعل الدولة البريطانية تعمل على مراجعة القوانين المتعلقة بالحريات الفردية و الجماعية حتى تصير كالدول المتخلفة الممارسة للاستبداد الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي، و حتى يكون ما تقوم به بريطانيا، و ما قامت به أمريكا بعد 11 شتنبر 2001 مبررا لاعطاء الشرعية للاستبداد القائم في البلاد العربية و في بلاد المسلمين، و لأي استبداد بديل يمكن أن يقوم الإرهابيون بفرضه في أي بلد عربي، أو في أي بلد من بلدان المسلمين. كما يسعى الإرهابيون إلى ذلك سعيا حثيثا، و حتى يحصل تراجع مهول على مستوى الحريات الفردية و الجماعية في البلدان الرأسمالية و حتى تصير الشعوب في البلدان العربية، و في بلدان المسلمين، و في البلدان الرأسمالية قابلة بممارسة الاستبداد المادي و المعنوي و على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية استعدادا لوقوع مجمل الكرة الأرضية تحت طائلة شريعة الإرهابيين الذين لا تختلف عنهم الدول الرأسمالية الهمجية في إرهاب الشعوب و في تهديد مستقبلها.
و اختيار العاصمة البريطانية "لندن" لتوجيه الضربة هدفه إشعار الأنظمة أن قلوبها في متناول الحركات الإرهابية مهما كانت بعيدة، و إشعار الأنظمة الرأسمالية أنها مهما عظمت قوة و علما و معرفة و تطورا فإنها لا تساوي شيئا أمام الحركات الإرهابية. و اختيار عاصمة بريطانيا هو تعبير عن اعتبار بريطانيا العظمى لا شيء، من اجل جعل الأنظمة الرأسمالية تعيش حالة الاضطراب النفسي، و الفكري و السياسي و الإنساني، الأمر الذي يرفع حقارة الإرهاب إلى مستوى عظمة الدول التي توقفت عن دعم الإرهاب، و عن مساعدة الإرهابيين على السيطرة على مناطق معينة من العالم، و اعتبار تلك السيطرة وسيلة للاستقواء، و ليست سببا للاستضعاف.فالدولة البريطانية العظمى عندما كانت تدعم الإرهاب و الإرهابيين في أفغانستان من اجل القضاء على النظام الاشتراكي "الكافر" هناك، و مساهمة منهم في إضعاف الدولة الاشتراكية العظمى "الاتحاد السوفياتي السابق" التي تهاوت أمام جبروت النظام الرأسمالي العالمي الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي، لم تكن تعلم أنها بذلك إنما تربي أعداءها. و لم تكن تدرك أن وجود الشيء قائم على إنتاج نقيضه، و إنتاج النقيض يعتبر مسألة أساسية لقيام صراع منتج على ارض الواقع. و لكن عندما ينعدم هذا النقيض تصير الذات مصابة بداء الهلوسة و السرطان، و الإرهاب الذي يصيب الأنظمة الرأسمالية و في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية و بريطانيا إلى جانب الأنظمة الرجعية المتخلفة ليس إلا هلوسة تصيب هذه الأنظمة. كما تصيب الأجساد الطبيعية، وقد تتحول تلك الهلوسة إلى سرطان يجعل الأنظمة الرأسمالية خائرة و غير قادرة على فعل أي شيء في العالم العربي أو في غيره من المناطق التي صار يتهادى فيها كالطاووس لا يجرؤ أحد على تمثله. و هذا الإرهاب الذي أنتجته أمريكا و بريطانيا العظمى لابد أن يكون عامل ضعف بالنسبة إليهما، مما يجعل العولمة الرأسمالية تتحول إلى عولمة إنسانية.
و اختيار مترو الأنفاق و حافلة نقل العمال و الموظفين فيه رسالة إلى الأنظمة الرأسمالية نفسها التي دأبت على دعم الرجعية و التخلف و الإرهاب. و مضمون هذه الرسالة يتمثل في أن المستهدف ليس هو الأنظمة الرأسمالية إذا فهمت نفسها و تخلت عن تتبع و مضايقة الإرهابيين بقدر ما كان و لازال المستهدف هو عامة الناس من العمال و الأجراء و الفقراء و المعدمين الذين يحملون وعيا معينا يهدف إلى جعل الإنسان العادي متهاويا أمام قوة و جبروت الإرهاب و الإرهابيين، و أمام تسلط الأنظمة الإرهابية القائمة، أو التي يمكن أن تقوم على يد الإرهابيين الجدد حتى يتسنى للإرهابيين استغلال الإنسان كفرد، و كجماعة، و كشعب و كشعوب على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية. ذلك أن استهداف الإنسان العادي و المقموع الذي يضطر إلى استعمال ميترو الأنفاق و الحافلات ذهابا و إيابا من و إلى العمل الذي يقوم به من اجل الحصول على الحاجيات التي تقتضيها الحياة. يعتبر مسألة مركزية في فكر و في ممارسة قادة الإرهاب و موجهيه، حتى يصير ذلك ذريعة يعتمدها الحكام لسن القوانين القمعية التي توظف لقمع المستهدفين بالإرهاب المادي و المعنوي. و هو ما يجعلنا نعتقد أن التحالف الرأسمالي العالمي هو الذي يقف و بطريقة غير مباشرة وراء العمليات الإرهابية حتى يتراجع عن شعارات الحرية و الديمقراطية و حقوق الإنسان التي كان يرفعها لمحاربة المد الاشتراكي. و الإطاحة بالدول الاشتراكية و في مقدمتها "الاتحاد السوفياتي السابق" و هذا الاعتقاد هو الذي يدفعنا إلى طرح السؤال :
4) لماذا لا يتوجه القائمون بالحدث إلى المؤسسات ذات الطبيعة العسكرية ؟
إن منهج الإرهابيين على المستوى العالمي ينبني على شعار "كلفة اقل، ضحايا اكثر". و هذا المنهج لا يتناسب مع المواجهة المباشرة لأنها إذا حصلت ستنعكس على سلبا على موجهي الإرهاب العالمي. و ستجعلهم يتراجعون إلى الوراء. و لذلك فالإرهابيون يسعون إلى السيادة على المستوى العالمي، من منطلق الأممية التي توجه مسلكيتهم و التي تهدف إلى جعل الكرة الأرضية و من عليها تحت تصرفهم. و هذه السيادة هي التي تقودهم إلى القيام بالعمليات الإرهابية في التجمعات البشرية الكثيفة، كما حصل ذلك في نيويورك، و في مدريد و في لندن و في باكستان و في المغرب. و كما يحصل يوميا في العديد من المدن العراقية، حتى و لو كان الأمر يتعلق بتفجير سيارة مفخخة في تجمع للأطفال الذين يمارسون حقهم في اللعب البريء، لأن ضرب التجمعات البشرية يعني إلحاق الرعب بالشعوب، و جعل جميع أفراد المجتمعات البشرية يدخلون في وجدانهم و في تفكيرهم التنظيمات التي تقف وراء العمليات الإرهابية التي قد تصبح في يوم ما حاكمة. و باسم الدين، و من اجل تطبيق شريعة الله في الأرض، حتى تعمل على إقامة المجازر للتخلص من الفساق، و الفجار، و المشركين، و الكفار و الملحدين و الغربيين و العلمانيين، حتى لا يبقى على وجه الكرة الأرضية إلا قلة قليلة من البشر، و قلة قليلة ممن ينساقون وراء الإرهابيين، و هو ما يعني أن استهداف التجمعات البشرية يعتبر من المنهجية الإرهابية.
و كون الإرهابيين لا يستهدفون المؤسسات العسكرية، فإن ذلك يعني أن الإرهابيين لا يملكون القوة الإيديولوجية و العسكرية و البشرية التي تمكنهم من تلك المواجهة التي قد تكلفهم خسائر مادية و معنوية كبيرة، نظرا للقوة المتكاملة التي يملكها النظام الرأسمالي العالمي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية و بريطانيا، و بسبب الأجهزة الإعلامية المتنوعة التي يملكها هذا النظام. و لذلك فتجنب الإرهابيين للمواجهة المباشرة مع الأجهزة ذات الطابع العسكري، أو الأجهزة العسكرية ليس مجرد تجنب تاكتيكي بقدر ما هو تجنب استراتيجي. لأنه قد يتحول النظام الرأسمالي و بقدرة قادر – كما يقولون- إلى حليف استراتيجي. كما قد يتحول الإرهابيون أيضا، بقدرة قادر إلى حليف استراتيجي بالنسبة للنظام الرأسمالي العالمي. و هذا الاحتمال الوارد فعلا هو الذي جعل الإرهابيين لا يقدمون أبدا على ضرب الأهداف العسكرية. و لذلك نجد أن هذه الممارسة تكون واضحة كثيرا في ما يجري في العراق. فالإرهابيون يعدون المتفجرين للقيام بالعمليات الانتحارية في التجمعات البشرية العراقية، حتى و إن كانت هذه التجمعات جنودا أو شرطة، أو أطفالا، أو أناسا عاديين، و يتجنبون ما أمكن الاصطدام بالقوات المتعددة الجنسيات. إلا إذا كان ذلك عرضيا. بينما نجد أن المقاومة العراقية الحقيقية لا تستهدف أبناء العراق أبدا حتى و إن كانوا في الجيش أو في الشرطة إلا إذا كان ذلك عرضيا و في إطار دفاع المقاومة عن نفسها، بقدر ما تستهدف جنود الاحتلال الأجنبي، و لا تسيء إلى أبناء الشعب إلا إذا كان ذلك عرضيا. و انطلاقا من هذا الاستنتاج نجد أن إرهابيي لندن لم يتوجهوا إلى الشرطة، و لا إلى الجيش، بل توجهوا إلى حيث التجمعات البشرية، كما حصل في نيويورك، و في مدريد، و كما يحصل يوميا في العراق.
5) و إذا افترضنا أن ما حصل في لندن يمكن أن يدخل في إطار الفعل العرضي و العابر. فهل يمكن اعتباره مقاومة للنظام الرأسمالي البريطاني في عقر داره ؟
و بسعينا إلى الإجابة على السؤال الذي طرحناه أعلاه، سنجد أن المقاومة هي ممارسة عينية تستهدف دفع الضرر عن الشعب المحتل عن طريق استهداف جنود الاحتلال بكافة الوسائل الممكنة، و من منطلق أن عمل المقاومة عمل مشروع تقتضيه الحاجة إلى رفع الحيف عن الشعب الذي يمارس عليه الاحتلال.
و مقاومة هذه طبيعتها، و على ارض الواقع العيني هي التي تصح تسميتها بالمقاومة التي تتحدد باستهداف جنود الاحتلال ليس إلا. أما إذا تحولت إلى استهداف المواطنين العاديين، و البسطاء، فإنها تصير إرهابا، و كذلك الشأن إذا انتقلت إلى العمل في واقع غير عيني حتى و إن استهدف جنود الدولة المحتلة. فإن ذلك لا يمكن اعتباره مقاومة، و خاصة إذا استهدف المواطنين البسطاء الذين يغادرون منازلهم سعيا إلى خدمة البشرية، و من خلال سيادة نمط معين من الإنتاج، فيجدون أنفسهم بغتة ضحايا للعمليات الإرهابية.
و بناء على هذا التحديد لا يمكن اعتبار أن ما حصل يوم 7 يوليوز 2005 بعاصمة بريطانيا، لا يمكن أن يحسب على المقاومة أبدا، بقدر ما يصنف في خانة الإرهاب المادي و المعنوي الذي يدير خيوطه أناس لا ندري من أين لهم بهذه القوة، و هذه الأموال الهائلة التي تصرف على مختلف العمليات الإرهابية في جميع أنحاء العالم. و التي لا يؤدي ضريبتها إلا البسطاء من الناس على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية. فالذين يديرون الإرهاب على المستوى العالمي يعدون الشباب في عمر الزهور إلى القيام بمختلف العمليات الإرهابية طلبا ل"الجنة" و سعيا إلى القضاء على "الكفار" و في ديار "الكفار".
و نحن عندما نذهب إلى ذلك فلأننا نرى، و انطلاقا من نتائج التحقيق :
أ- أن القائمين بالعمليات الإرهابية في مترو الأنفاق، و في الباص هم شباب مغرر بهم من قبل الجهات التي توجه الإرهاب على المستوى العالمي، و هو ما يعني غياب حماية الشباب و توعيتهم بما يلزم حتى لا يتوافدوا على معدي المتفجرات البشرية خارج حركة التاريخ، من اجل فرض الرجوع إلى الوراء. و هو ما يعني أيضا أن على الدول سواء كبر شأنها أو صغر أن تعمل و بكل الوسائل الممكنة على إكساب الشباب وعيا متقدما و متطورا يساهم في تحصينه ضد الإرهاب و الإرهابيين، و يعمل على جعله يسعى بما يمتلكه من مؤهلات إلى خدمة البشرية، و العمل على تطويرها.
ب- أن طبيعة المستهدفين بالعمليات الإرهابية، و طبيعة الأماكن المستهدفة تبين إلى أي حد تستفحل همجية الإرهابيين. فما حصل في مركز التجارة العالمي، و ما حصل في الدار البيضاء، و ما حصل في مدريد، و في طابا، و في غير ما مكان من العالم. و ما يحصل يوميا في العراق الذي صار يستهدف حتى براءة الأطفال، و ما حصل في لندن، و ما يمكن أن يحصل في أي مكان من العالم لا ينم إلا عن همجية الإرهابيين.
ج- أن هذه العمليات الإرهابية لا يمكن أن تشكل إلا سمة من السمات المميزة لهمجية النظام الرأسمالي العالمي، فالذين رفعوا شعار "إما الاشتراكية، أو البربرية" كانوا يدركون جيدا خطورة إمكانية عودة سيطرة الرأسمال العالمي على المستوى الدولي. و هو ما حصل فعلا بسقوط الاتحاد السوفياتي السابق، حيث صار العالم مستباحا من قبل الرأسمالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية مربية الإرهاب و راعيته و ممارسته على المستوى العالمي.
د- أن توالي العمليات الإرهابية على المستوى العالمي لا يمكن أن يعتبر إلا نتيجة حتمية لسقوط الغالبية العظمى من الأنظمة الاشتراكية. و لممارسة الاستغلال الهمجي للنظام الرأسمالي العالمي للبشرية، عن طريق المؤسسات المالية الدولية، و عن طريق الشركات العابرة للقارات، و عن طريق الاحتلال المباشر للاماكن التي تستعصي على القبول بالاستغلال الرأسمالي الهمجي.
ه- أن مراجعة مسلكية النظام الرأسمالي تجاه الدول و الشعوب و تجاه رعاية كافة أشكال الإرهاب المادي و المعنوي صارت ضرورية من اجل تفادي استفحال العمليات الإرهابية، و من اجل عودة الأمل في المستقبل حتى يصير الإرهاب محاصرا ليس من قبل النظام الرأسمالي العالمي و لا من قبل الدول التابعة. بل من قبل الجماهير الشعبية الكادحة التي صارت في ظل الاستغلال الرأسمالي الهمجي تجاه الكادحين، مجالا لانتاج الإرهابيين، بسبب تغلغل الفكر الإرهابي في صفوف تلك الجماهير.
و للوصول إلى ذلك لابد من :
أ- القيام بالإجراءات الفعلية لتمتيع الناس بجميع الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية.
ب- فرض قيام دساتير ديمقراطية في جميع البلدان كأساس للاعتراف المتبادل بين الدول.
ج- قيام ممارسة ديمقراطية حقيقية كمنطلق في التعامل الدولي.
د- ملاءمة القوانين المحلية مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان كشرط للانخراط في المنظمات الدولية المختلفة.
ه- إعادة الاعتبار لهيئة الأمم المتحدة حتى تلعب دورها في حماية الشعوب من تنكيل الأنظمة.
و- محاسبة الدول عن الخروقات التي ترتكبها في حق الشعوب.
ز- ضمان سيادة التحرر الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي لضمان سيادة الندية بين الدول، و احترام إرادة الشعوب.
ح- إيجاد ضمانات كافية لقيام الأحزاب و المنظمات الجماهيرية بدورها في حماية الشعوب مما يمكن أن يلحقها من حيف على أن يؤخذ رأيها بعين الاعتبار في التعامل مع الدول.
6) فمن هي الجهة التي تقف وراء الحدث ؟ من وقف وراء ضرب مترو الأنفاق و وراء تفجير الحافلة في لندن ؟
إننا عندما نقف أمام هول كل مأساة تقع هنا و هناك في هذا البلد أو ذلك نطرح السؤال : ماذا وقع؟ و لماذا وقع ؟ و من اجل ماذا وقع ؟ و من يقف وراء وقوعه ؟ لتبقى الأسئلة مطروحة دون جواب أو أجوبة واضحة، و حتى إذا حصلت تلك الأجوبة فإنها تأخذ طابع العمومية، لأن التخصيص و التحديد قد يجر إلى تحديد المسؤولية التي تترتب عنها المحاسبة الأخلاقية، و السياسية و القانونية.
و البحث في الجهة التي وقفت وراء ضرب مترو الأنفاق، و وراء ضرب الحافلة في لندن. قد يتم تحديد المسؤولية المباشرة للأفراد المباشرين لتفجيرات لندن، و الذين يكونون قد فقدوا حياتهم جملة و تفصيلا. و قد يبقى منهم شخص أو مجموعة من الأشخاص. كما قد يتم تحديد مسؤولية التنظيم الذي قام بإعداد أولئك الأشخاص للقيام بالعمليات الإرهابية، إلا أن البحث و مهما كانت دقته، فإنه لا يذهب إلى النهاية و لا يبحث في الأسباب الكبرى التي تجعل الإرهاب يدخل في بنية النظام أو الأنظمة السائدة في البلدان الرأسمالية. لا يبحث في الفقر الذي يلاحق الطبقات الكادحة، و لا يبحث في الأمية التي لازالت سائدة في قطاعات عريضة من المجتمعات البشرية، و لا يبحث في عجز الناس عن محاربة الأمراض التي يصابون بها فلا يجدون الدواء المناسب، و لا يبحث في عجز الأسر عن الحصول على سكن صالح، و لا يبحث في غياب الحماية الصحية و الاجتماعية من حياة الناس، و لا يبحث عن غياب تمتع الناس بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية كما هي في المواثيق الدولية العامة و الخاصة ، و لا يبحث هل الدساتير القائمة في جميع البلدان المتقدمة و المتخلفة ديمقراطية أم لا ؟ و هل القوانين المحلية متلائمة مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان أم لا ؟ و هل تحترم إرادة الشعوب في مختلف المحطات الانتخابية أم لا ؟ و هل الأنظمة الحاكمة في جميع بلدان العالم من اختيار الشعوب أم لا ؟ ... الخ.
و البحث في العمق هو الذي يمكن أن يوقفنا على الأسباب الحقيقية التي تقف وراء إيجاد الأرضية المناسبة لاستنبات الأمراض الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية التي تقف وراء إنتاج الإرهاب و الإرهابيين، و وراء انتشار الفكر الإرهابي، و وراء تغلغل ذلك المكر في صفوف الجماهير الشعبية الكادحة التي يتحول يافعوها و شبابها إلى متفجرات تتفجر هنا أو هناك، في هذا الحي الشعبي أو ذاك، في هذا البلد أو ذاك مما يعطي للنظام الرأسمالي العالمي و من ورائه الأنظمة الرجعية المتخلفة التابعة لها، و من اجل تكريس الاستغلال الرأسمالي العالمي للخيرات المادية، و للموارد البشرية مما يساهم في تعميق التخلف الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي لجميع البلدان التابعة، و خاصة في ظل عولمة اقتصاد السوق.
و كنتيجة لما أتينا على ذكره في هذه الفقرة يحق لنا أن نتساءل :
ألا يمكن اعتبار التحالف الرأسمالي الرجعي هو الذي وقف وراء إيجاد المناخ المناسب لاستنبات الإرهاب و الإرهابيين ؟
ألا يعتبر الدعم الرأسمالي الرجعي المتخلف للتنظيمات الإرهابية تحت مسميات جديدة ضد الاشتراكية و الاشتراكيين، و الدولة الاشتراكية هو الأساس الذي جعل الفكر الإرهابي يضرب جذوره في المجتمعات البشرية ليستمر إنتاج الإرهاب و الإرهابيين ؟
أليس انهيار المعسكر الاشتراكي أمام الضربات الرأسمالية/الرجعية الإرهابية، هو الذي أعطى فرصة للإرهابيين للاستئساد أمام الأنظمة الرجعية و الرأسمالية ؟
أليس وصف الإرهاب و الإرهابيين بالجهاد و المجاهدين هو الذي أدى و يؤدي باستمرار إلى تضليل الجماهير الكادحة و المكلومة، التي صارت و لازالت تعتقد أن الإرهابيين سيخلصونها من الظلم و القهر و الاستغلال، بعملها على عودة حكم "الله" في الأرض ؟
أليس ذلك التضليل هو الذي يجعل الجماهير الشعبية الكادحة تتعاطف مع ما يقع في هذا البلد أو ذاك مما يقوم به الإرهابيون، حتى و إن كان يستهدف الجماهير الشعبية الكادحة ؟
أليس الاستمرار في نهب خيرات العالم هو الذي يقف وراء استفحال الظاهرة الإرهابية ؟
إننا عندما نطرح هذه الأسئلة و غيرها فلأننا نسعى إلى حفز الرأي العام العربي و الإسلامي من اجل العمل على جعل الأنظمة العربية، و أنظمة بلدان المسلمين تعمل على استجلاء الأسباب الحقيقية الفارزة للإرهاب و الإرهابيين من اجل بلاد عربية خالية من الإرهاب و الإرهابيين، و من اجل بلاد للمسلمين بلا إرهاب، و بلا إرهابيين، و في ظل أنظمة ديمقراطية، و سيادة شعوب تتمتع بحقوقها المختلفة.
7) و هل يدخل الحدث في إطار الهجوم على التحالف الأمريكي/البريطاني-الرجعي المتخلف ؟
إن الذي نعرفه أن المقاومة التي تهدف إلى الحد من تمكن المحتل لبلد معين إلى جعل المحتل يندحر، و يقبل الانسحاب، و تسليم البلد المحتل إلى السكان أصحاب الأرض. بمعنى أن المقاومة تكون على الأرض المحتلة و هدفها هو تحرير الأرض و تحرير الإنسان، و مقاومة هذه دلالتها و هذا هدفها تتحول إلى هجوم على المحتل و في مكان تواجده، و ممارسته للاحتلال الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي. و هذا الهجوم/المقاومة يسعى إلى فرض انسحاب الاحتلال تحت ضربات المقاومة إلى الخلف. و فرض جلوسه على طاولة المفاوضات، من اجل تحديد إجراءات التسليم و الانسحاب المنظمين.
فهل يفرض على المحتل القبول بالانسحاب على الأرض المحتلة ؟ أم لابد من الهجوم عليه في عقر داره ؟
إن المحتل يسمى محتلا في المكان الذي يمارس فيه الاحتلال، و مقاومته و الهجوم عليه يجب أن تكون في عين مكان الاحتلال، و هذه المقاومة الهجوم تحتاج إلى دعم محلي و قومي و عالمي. و عقر دار الدولة التي تمارس الاحتلال قد يكون مجالا للعمل و التعبئة ضد الاحتلال من اجل كسب ود الشعب و تأييده، و تضامنه، و دعمه للمقاومة/الهجوم على الدولة المحتلة. و قد يشرع هذا الشعب بمنظماته المختلفة السياسية و الجماهيرية في ممارسة الضغط على الدولة ، حتى تكون قابلة للجلوس على طاولة المفاوضات مع مقاومة البلد المحتل لتنظيم الانسحاب.
و انطلاقا من هذا التصور المقاومة/الهجوم على المحتل، نجد أن عمل المقاومة خارج الأرض المحتلة يتحول إلى عمل غير مشروع لأنه يتحول إلى إرهاب بما تعنيه هذه الكلمة من دلالة، و يؤدي إلى عكس ما ترجوه المقاومة، التي تفقد تأييد الشعوب، و المنظمات الإنسانية و الشعبية التي تساهم في تعبئة الشعوب ضد كل أشكال الاحتلال التي تمارسها الدول المحتلة لعدة مناطق من العالم.
و ما جرى في لندن، و من قبله ما جرى في مدريد، و ما جرى في نيويورك لا يمكن أن يدخل أبدا في إطار المقاومة، لأنه يحول أنظار الشعوب إلى ما يحصل في بلدانها بدل التركيز على التضامن مع الشعوب التي يمارس عليها الاحتلال التي تفقد التعاطف الشعبي و الرسمي العالمي. و ما دام كذلك، فتصنيفه لا يمكن أن يتم إلا في إطار الإرهاب الذي قد لا يخدم إلا مصالح الدولة المحتلة، بدل أن يصير في خدمة المقاومة/الهجوم على المحتل. و ما دام ما حدث في لندن، أو مدريد أو في نيويورك، يتناقض مع مقاومة الدولة الممارسة للاحتلال في العراق، أو في أفغانستان و سواء كانت تلك الدولة هي بريطانيا أو إسبانيا، أو الولايات المتحدة الأمريكية فإن هذا الدولة سوف تعتبر ما حصل في البلاد التي تحكمها مبررا كافيا لإعطاء الشرعية لاحتلالها. ليتحول الاحتلال إلى وسيلة من وسائل الحماية الأمنية كما تدعي ذلك الدول الممارسة للاحتلال. لأن الدولة، أو الدول الممارسة للاحتلال تظهر و كأنها تلاحق الإرهاب و الإرهابيين في عقر دارهم حتى لا يلتفت الناس في جميع أنحاء العالم إلى النهب الممنهج الذي تمارسه الدول المحتلة للشعوب التي تقع تحت طائلة الاحتلال.
و لذلك، فإن المقاومة الحقيقية هي التي تنظم العمليات التي تستهدف جنود الأعداء، و مؤسسات الاحتلال في عين المكان، و تسعى إلى كسب ود و تعاطف الشعوب في جميع أنحاء العالم من اجل ممارسة الضغط على الدولة أو الدول الممارسة للاحتلال. و على هذه المقاومة أن تتبرأ من مختلف العمليات التي تحصل هنا، أو هناك حتى تحافظ على نقاء و صفاء المقاومة. و عدم خلطها مع الإرهاب و الإرهابيين الذين لا وطن لهم، و لا هدف لهم إلا تخريب النظام الرأسمالي العالمي، كما خربوا النظام الاشتراكي لصالح النظام الرأسمالي. و الإرهاب و الإرهابيون صناعة رأسمالية رجعية همجية بامتياز –كما رأينا ذلك في مكان آخر- حتى تصير المقاومة مقاومة، و يصير الإرهاب إرهابا. هذا التمييز صار مسألة ضرورية بالنسبة للشعوب كما هو ضروري بالنسبة للدول، و للمقاومة الحقة التي يجب أن تتجنب السقوط في مهوى الإرهاب.
و بناء على هذا الاستنتاج فما حصل في لندن لا يمكن تصنيفه بقدر ما يصنف في إطار الإرهاب، و في إطار الفرز الشعبي بقدر ما يصنف إطار الإرهاب، و في إطار الفرز الرأسمالي الهمجي، خاصة و أن هذا النظام صار مع مرحلة عولمة اقتصاد السوق اكثر همجية، و همجيته صارت اكثر وضوحا في أفغانستان و في العراق، و في الاستثمار بكل شيء.
8) فمن هو المستهدف بما وقع في العاصمة البريطانية ؟ هل هو الدولة البريطانية ؟ هل هو الجيش البريطاني ؟ هل هو الشرطة البريطانية ؟
إن ما حصل في لندن، و من قبله في مدريد، و في نيويورك يجعلنا لا نجزم بأن الجهة المستهدفة هي أجهزة السيطرة الطبقية على المستوى العالمي أو على مستوى كل دولة على حدة، حتى و إن كان الإعلام الرسمي و غير الرسمي يضخم الأمر، و يجعل المستهدف بالدرجة الأولى هو الدولة الرأسمالية سواء كانت هذه الدولة هي الولايات المتحدة الأمريكية أو بريطانيا، أو إسبانيا، و جيوش تلك الدولة، و مؤسساتها، و شرطتها، يبين أن المستهدف هو الشعوب التي تخرج لاستنكار و معارضة و مناهضة ما يقوم به التحالف الرأسمالي العالمي ضد مختلف الدول التي لا تخدم مصالح هذا التحالف. فهذه الشعوب يجب أن تنسحب إلى الوراء، و أن تنشغل عن كل ذلك بالإرهاب و الإرهابيين، و تعادي كل حركات المقاومة التي تتهم بممارسة الإرهاب في العالم، و تقبل بقيام التحالف الرأسمالي العالمي باحتلال البلدان ذات الأنظمة التي تجنح إلى ممارسة استقلالها عن النظام الرأسمالي العالمي.
و استهداف الشعوب هو الذي يوضح إلى أي حد يمكن اعتبار الإرهاب صناعة رأسمالية بامتياز، و أن هذا الإرهاب يوظف باستمرار لتحقيق الأهداف الرأسمالية الكبرى، و أن هذا التوظيف هو الذي وقف وراء ضرب المصالح الاشتراكية في العالم. و هو الذي قام بمعاصرة الفكر الاشتراكي في جميع الدول التي كانت مجالا لانتشار هذا الفكر، و هو الذي قام باغتيال العديد من المفكرين الاشتراكيين، و هو الذي وقف وراء انهيار اكبر دولة اشتراكية في العالم، و هو الذي أعطى صورة توهم الجماهير الشعبية الكادحة بعودة "مجد" الماضي. و هو الذي يوظف لاعادة استحضار مبررات استصدار القوانين القمعية التي تسعى البشرية إلى التخلص منها في مختلف البلدان بما فيها البلدان الرأسمالية. و لذلك فالمستهدف بضرب أنفاق الميترو ليس هو الدولة البريطانية ، و الجيش البريطاني، و الشرطة البريطانية، لأن الدولة بمؤسساتها التي تمسك برقاب الشعب البريطاني و رقاب الشعوب هي التي ساهمت و تساهم بشكل كبير في صناعة الإرهاب، و الإرهابيين في العالم، و في إمكانها أن تقضي على الإرهاب و الإرهابيين، بنهج سياسة اقتصادية و اجتماعية و ثقافية و سياسية لصالح الكادحين من جهة، و بالعمل على الإمساك عن تغذية الإرهاب من جهة أخرى، و بوضع اليد على الإرهابيين في كل مكان من جهة ثالثة، و بفرض إعطاء الكلمة للشعوب كشرط للانتماء إلى المنظمات الدولية الرسمية و الشعبية، و بتشكيل هيأة دولية من المنظمات الرسمية و الشعبية لقياس الممارسة الديمقراطية في مختلف البلدان، انطلاقا من المواثيق الدولية المتعلق بحقوق الإنسان، و من باقي المواثيق الدولية الصادرة عن المنظمات الرسمية و غير الرسمية، و إذا تبين أن دولة معينة لا تحترم الممارسة الديمقراطية، و لا تتوفر على دستور ديمقراطي. فإن على الدول المنخرطة في المنتظمات الدولية أن تتخذ إجراء معينا يتناسب مع الرغبة في إلزام تلك الدولة باحترام إرادة الشعب، و تمكينه من الحق في تقرير مصيره الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي و تعمل على ممارسة الديمقراطية انطلاقا من الاختيارات الشعبية.
9) و إذا تبين أن الشعوب هي المستهدفة بالعمليات الإرهابية لإعطاء تبرير لاستصدار القوانين القمعية على مستوى الدول الرأسمالية و على مستوى الدول التابعة، رغم التضليل الممارس على المستوى الإعلامي فما هي الغاية من ضرب مترو الأنفاق، و حافلة النقل الحضري ؟
إن الغاية لابد أن تكون محددة في القيام بأي عمل مهما كان ذلك العمل، و كيفما كان. فالدول الرأسمالية عندما خططت لعولمة اقتصاد السوق، حددت الغاية من تلك العولمة، و عندما اقدم التحالف الرأسمالي على احتلال أفغانستان و العراق حدد الغاية من ذلك الاحتلال. و عندما تم ضرب مركز التجارة في نيويورك في 11 شتنبر 2001 كانت الغاية هي تمكين الولايات المتحدة الأمريكية من بسط سيطرتها على العالم. و تمكين مختلف الدول بتكريس الاستبداد القائم أو إعادة فرض استبداد بسن قوانين خاصة بذلك تسمى قوانين الإرهاب المادي و المعنوي، و ضرب مترو الأنفاق و حافلة النقل الحضري عن طريق العمليات الانتحارية حصل من اجل تحقيق غاية أو غايات محددة تصب في نفس تحقيق الأهداف الرأسمالية الرجعية المتخلفة. لأن بريطانيا باعتبارها ملاذا للمعارضين في العالم، و من مختلف المشارب، و على جميع المستويات، لا بد أن تصير نافضة لأولئك المعارضين، و رافضة لوجودهم و عاملة على ترحيلهم إلى بلدانهم من جهة، و لابد من العمل على أن تلجأ الحكومة البريطانية لاستصدار قوانين الإرهاب بدورها حتى تعود كسائر البلدان القمعية، و حتى يصير قمع الشعب البريطاني كقمع سائر الشعوب و في جميع أنحاء العالم، أي أن ضرب مترو الأنفاق و حافلة النقل الحضري، أعطى مبررات لجوء الحكومة البريطانية إلى استصدار القوانين الإرهابية حتى لا تتفرد عن باقي الأنظمة الرأسمالية العظمى، و عن الأنظمة التابعة لها.
فماذا يترتب عن تحقيق غاية استصدار قانون الإرهاب في بريطانيا العظمى ؟
إن بريطانيا، كدولة رأسمالية عظمى معنية بالمحافظة على مصالحها الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية. و نظرا للحريات التي يتمتع بها سكان بريطانيا، فإنها تبقى ملاذا لانتاج الأفكار و الممارسات التي تتناقض مع تلك المصالح. و نظرا لأن من يتحمل مسؤولية الحكومة يكون من اختيار الشعب البريطاني، فإن أية حكومة لا تستطيع استصدار قوانين الإرهاب القمعية خوفا من أن تتلقى ضربة سياسية من الشعب البريطاني. و نظرا لكون المصالح الرأسمالية تلتقي مع مصالح المد الأصولي الرجعي المتخلف فإن هذا المد الأصولي سعى إلى خلق شروط قبول الحكومة البريطانية باستصدار قانون الإرهاب، و جعل الشعب البريطاني يقبل به حتى لا تختلف الدولة البريطانية عن باقي الدول، و حتى يصير الشعب البريطاني أيضا غير مختلف عن بقية الشعوب، لأن المصالح الرأسمالية-الأصولية الرجعية المتخلفة، في عصر عولمة اقتصاد السوق تقتضي ذلك.
و انطلاقا من هذا الاستنتاج نرى ضرورة التأكيد على ما ذهبنا إليه في الفقرات السابقة من أن التحالف الرأسمالي الأمريكي البريطاني هو الذي عمل على إيجاد التربة الخصبة لاستنبات الإرهاب في العالم. و أن الغاية من هذا الاستنبات قد تحققت بضرب الدول الاشتراكية و بالتخلص من الاشتراكيين، و بمضايقة الأحزاب الاشتراكية. و أن هذه الغاية يجب أن تستكمل بإيجاد مبرر عودة الاستغلال الرأسمالي العالمي القائم في الأصل على قمع الشعوب إلى سالف عهده حتى يزداد استنزافا للخيرات المادية و البشرية. و هذه الغاية التي تسعى العمليات الإرهابية إلى تحقيقها على المستوى العالمي. تحيلنا إلى طرح السؤال :
10) من المستفيد من ضرب مترو الأنفاق، و حافلة النقل الحضري ؟ هل هم المسلمون ؟ هل هو تنظيم القاعدة ؟ هل هي الرأسمالية العالمية ؟
إن أي حدث يحصل في أي مكان، و سواء كان سلبيا أو إيجابيا، لابد أن يكون مفيدا لجهة معينة، و لابد أن تكون الجهة المستفيدة قادرة على توظيف الأحداث المختلفة لخدمة مصالحها الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، و لتوظيف مختلف الأحداث لأجل ذلك، لابد أن تكون الجهة المستفيدة خبيرة بالواقع المستهدف بالأحداث و بالزمن الذي تقع فيه الأحداث، و بطبيعة الأحداث نفسها. لأن القيام بوقوع الحدث خارج الخبرة ستنعكس سلبا على الجهة التي تقوم بتوظيف الأحداث لصالحها.
و في هذا الإطار يمكن أن نسجل أن أمريكا كانت خبيرة بطبيعة القاعدة فجرتها بأحابيلها إلى ضرب مركز التجارة العالمي في نيويورك لما لذلك الموقع من تأثير على الدول و الشركات العابرة للقارات، حتى تخلق مبرر تحركها في اتجاه أفغانستان، لا لأجل القضاء على تنظيم القاعدة التي عملت على إيجادها لأنه ليس من مصلحتها ذلك بل من اجل السيطرة على نفط بحر قزوين بعد الإطاحة بنظام الطالبان. و العمل على بناء نظام عميل يساهم في تسخير موارد المنطقة المادية و البشرية لصالح الشركات العابرة للقارات، و لصالح النظام الرأسمالي العالمي. و خبرة الولايات المتحدة الأمريكية بتنظيم القاعدة، لا يترتب عنه أبدا، و بالضرورة خبرتها بجغرافية أفغانستان، و جبالها الوعرة، و بشعبها الرافض للاحتلال الأمريكي و في نفس الوقت لحكم الطالبان، و استيطان القاعدة، لأن كل ذلك كان مسلطا على أفغانستان، و بقرار من النظام الرأسمالي العالمي بتوافق مع الأنظمة الرجعية التابعة، و في مقدمتها الدول العربية النفطية، باسم " الجهاد" و "المجاهدين" الذي تحول بإرادة من أمريكا و بانسياق من الأنظمة الرجعية وراء أمريكا إلى "الإرهاب" و "الإرهابيين" لأن تنظيم القاعدة إرهابي فعلا. بل لتضليل الرأي العام العالمي و المحلي، خاصة و أن هذا التنظيم نشأ و ترعرع تحت رعاية أمريكا، و بتشجيع من الأنظمة الرجعية، و لخدمة مصالح النظام الرأسمالي العالمي. فهذا التنظيم ساعد النظام الرأسمالي العالمي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية على :
أ- حشد الموارد البشرية، و باسم الدين الإسلامي من مختلف البلاد العربية و باقي بلدان المسلمين من اجل المساهمة في محاربة المد الاشتراكي و في التخلص من القادة الاشتراكيين، و في العمل على محاربة الأنظمة الاشتراكية أو التي تعمل على أن تصير اشتراكية، و تحويلها إلى أنظمة رجعية متخلفة و العمل على الإطاحة بالحكومات الاشتراكية التي تعلن تبعيتها للاتحاد السوفياتي السابق، حتى يتم تحجيم دور الاشتراكية في العالم و الانتقال مباشرة إلى المساهمة في تفكيك النظام الاشتراكي العالمي. و الإطاحة به بمساعدة النظام الرأسمالي العالمي، و الدفع في اتجاه التحول الذاتي إلى النظام الرأسمالي العالمي كما حصل على يد غرباتشوف الذي ثبتت عمالته إلى النظام الرأسمالي العالمي، و إلى الولايات المتحدة الأمريكية .
ب- خلق مبررات للتدخل الأمريكي البريطاني الرأسمالي العالمي في عدة مناطق من القارات الخمس، كما حصل في الصومال، و في السودان، و في لبنان ، و في العراق، و عدة مناطق من جنوب شرق آسيا، مما ساهم في جعل النظام الرأسمالي العالمي مهيمنا و مسيطرا على العديد من مناطق العالم.
ج- إضعاف الأنظمة المتحررة في البلاد العربية و في باقي بلدان المسلمين بالدفع في اتجاه خلق تنظيمات مؤدلجة للدين الإسلامي تعمل على تجييش المسلمين و إعدادهم لضرب منابر التنوير و استغلال مؤسسات الدولة المختلفة التي تعمل من اجل نشر الفكر المتحرر و الديمقراطي، و تسعى إلى تربية الأجيال على حقوق الإنسان الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، و رغبة في سيادة تلك التربية في الواقع القائم، حتى لا تصير الدول المتحررة دولا رجعية متخلفة تابعة لمراكز الهيمنة الرأسمالية العالمية.
د- إشاعة الاقتصاد الهش، و المهمش، و غير المهيكل في البلاد العربية و في باقي بلدان المسلمين و باسم "الاقتصاد الإسلامي" مما يساعد على الترويج الموسع للبضائع البسيطة التي تنتجها المصانع الرأسمالية العالمية، و إشاعة هذا النوع من الاقتصاد يحقق هدفين أساسيين :
الهدف الأول : هو إضعاف الاقتصاد الوطني المهيكل، و تقوية الاقتصاد غير المهيكل. مما يؤثر سلبا على التشغيل من جهة، و على دخل الدول في البلاد العربية و في باقي بلدان المسلمين، و يساهم بشكل كبير في إضعاف الدول التي تجد نفسها مضطرة للانصياع وراء المؤسسات المالية الدولية، و وراء النظام الرأسمالي العالمي.
و الهدف الثاني : هو تقوية المؤسسات الرأسمالية العالمية، و جعل تلك المؤسسات قادرة على السيطرة على الاقتصاد العالمي، و جديرة باستنزاف خيرات الشعوب، و دون تدخل أجنبي مباشر. لأن كل من انساق وراء التنظيمات التي تعمل القاعدة على إنشائها يتم الدفع به في اتجاه ممارسة التجارة غير المهيكلة التي لا تجد أمامها إلا السلع المهربة التي تخرب الاقتصاد المحلي.
و ما حصل في لندن العاصمة البريطانية لم يستفد منه الشعب البريطاني الذي قدم من بين أبنائه العديد من الضحايا الذين كانوا في طريقهم إلى عملهم، أو إلى زيارة أهاليهم. كما لم يستفد منه المسلمون، لأن عملا كهذا ينسب إلى تنظيمات محسوبة على المسلمين لابد أن يؤثر على المسلمين في جميع أنحاء العالم، و في بريطانيا بالخصوص. و بالنسبة للقاعدة، فإنها تستفيد على المستوى الإعلامي مما يجعل عملتها حاضرة في الممارسة اليومية لجميع البشر على وجه الأرض، و تأثيرها في النفوس حاصلا، و اعتماد النظام الرأسمالي العالمي عليه متحققا. و الذي تأكد بالملموس هو أن ضربة لندن قدمت خدمة كبيرة للنظام الرأسمالي العالمي الذي ينطلق منها كمبرر للتراجعات المتتالية المتعلقة بالتضييق على المسلمين في البلدان الرأسمالية، و على العلاقة بالدول العربية و دول المسلمين بالإضافة إلى فرض التراجعات على مستوى احترام حقوق الإنسان و على مستوى الحريات العامة بإعادة الاعتبار للاستبداد بالسلطة، و غياب الديمقراطية بسن قوانين محاربة الإرهاب. بالإضافة قيام النظام الرأسمالي العالمي بالسيطرة على العالم.
و الخلاصة أن ضرب لندن ليس موجها ضد الحكومة البريطانية و لا ضد النظام الرأسمالي بقدر ما هو موجه ضد الشعب البريطاني، و ضد جميع الشعوب التي تسعى إلى فرض الممارسة الديمقراطية على المستويين المحلي و العالمي، و من اجل أن تقبل هذه الشعوب بما يمارس عليها من قبل الأنظمة الرأسمالية و الرجعية التي وقفت وراء قيام تنظيم القاعدة، و وراء تمرسها على القيام بعملياتها "الجهادية" قبل انهيار الاتحاد السوفياتي السابق ، أو التي يمكن أن تقف القاعدة وراء وجودها. و للوصول إلى هذه الخلاصة أتينا على تحليل هول الحدث، و أماكن وقوعه و لماذا لم يتوجه القائمون به إلى المؤسسات ذات الطبيعة العسكرية. و هل يدخل الحدث في إطار المقاومة ؟ أو في إطار الهجوم ؟ و من هي الجهات التي تقف وراءه؟ و من هو المستهدف بالحدث ؟ و ما هي الغاية منه ؟ و من هو المستفيد منه، من اجل الوصول إلى الخلاصة المركزة التي أشرنا إليها، و التي نسجل إلى جانبها أن وقف العمليات الإرهابية في جميع أنحاء العالم رهين بإرادة الرأسمالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
ابن جرير في 18/07/2005
محمد الحنفي