تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

لعبة التناقضات تواجه إختباراً صعباً فى دارفور والجنوب بقلم:حسين اركو مناوى

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
10/28/2005 2:38 م


لعبة التناقضات تواجه إختباراً صعباً فى دارفور والجنوب

بقلم حسين اركو مناوى
ما يربوا على نصف قرن من الزمان ظل الشعب السودانى يعانى من ويلات الحرب والدمار . فالسيوف لم تغمد يوما طوال هذة الفترة والسهام لم تبرح أقواسها والخزينه العامة ظلت طول هذة المدة فى حالة من الاستنفار القصوى ما بين
اللون الاصفر والبنفسجى على غرار درجة الخطورة فى المصطلح الامريكى لكى تموّل الة الحرب التى لم نشهد لها
يوما صوبت تلقاء عدو قادم من الخارج أوشك ان ينتهك سيادة الوطن اى حرب هذة وقودها وسفودها من فلذات اكباد
اهل السودان ؟؟؟هل حقيقة هي حرب ذات مقاصد مشروعه
ام انها صنيعة ايدى خفية تفننت فى خلق وإدارة الازمات لصالحها ؟؟؟ لا يعقل ان تستمر الحرب طوال هذة المدة دونما هناك إجابات شافية لدواعى هذا الصراع الاليم .وما يربك اكثر فى الامر كلما تقادم الزمن كلما زاد فى الامر تعقيدا ونحن نظل نتعاطى وبشكل مفرط مع هذة الحرب من منطلقات لاتشكل جوهر القضية فمعظم الجهود انصبت على فكرة ان السودان تعانى من تناقضات وتقاطعات مصالح لمكونات الثقافة والدين والعرق واصبحت هذة المكونات محل الإتهام لكثير من مشاكلنا عند اهل السياسة والقلم فضلا عن دور الإستعمار الذى دائما يشار إلية كلما إستجد موقف خطير او أزمه إستعصت على اهل السياسة الخروج منها.
هذا المدخل لتشخيص قضايا السودان اظنه غير موّفق فى تحديد الداء لان السودان ليست الدوله الوحيدة فى هذا الكوكب تزخر بتناقضات تقافيه او عرقيه او دينية وإن كانت هذة التناقضات قد تسبب عدم الاستقرار لكثير من البلدان إلا ان مجرد وجود تناقضات كهذة تشعل نيران الحرب لمدى نصف قرن من الزمان امر يحتاج منا الف وقفة ووقفة لتلمس مواقع الرؤوس من الرقاب .
لنأخذ مثالا من دارفور عن سياسة التملص من الواقع وتبديد الجهود فى قضايا من الدرجة الثانية فقبل إندلاع ثورة دارفور فى 2003 فكان معظم الذين يهتمون بقضايا دارفور يصنفون مشكلات هذا الاقليم برمتها في خانة حروب قبليه او ظاهرة النهب المسلح وبناءا على هذا الحكم أنصب كل الجهد حكومة وشعبا فى إحتواء المشكلة الدارفورية بالطرق التقليدية بدءا من المؤتمرات القبلية التى قلّما تطرح قضايا العصر الحديث من التنمية والتعليم وإنتهاءاً بالحملات التاديبية التى لم تزد ألا غبناً على الغبن بسبب الممارسات التى لا صلة لها بالدين ولا الاخلاق وتناسى القائمون على الامر بان المشكلات الحقيقية فى دارفور هى قضايا تنموية فى شكل بني تحتية او التعليم لاحتواء كل المظاهر السلبية عبر خلق الة إجتماعية تدفعها قوة التعليم والتنمية نحو إجتثاث الثقافة التى تقوم على الرعى والزراعة التقليديين لتحل محلها ثقافة تستجيب لإحتياجات وتحديات العصر بفعالية وإجابية وبذلك تزول كل مظاهر التشرزم وهى بالدرجة الاولى مسؤلية سياسات واليات تنفيذ يقوم بها من يتحكم على مفاصل السلطة والثروة . وإذا اخذنا هذا المثال من دارفور مدخلاً لقضايا السودان الشائكة يجب ان نعترف وبكل شجاعة وبعيدا عن الشوفنية بان السودان سلك طريقه نحو الاستقلال عبر مسلك إن لم يكن نسبياً مفروشاً بالورود فكان طريقاً ممهداً إلى حد بعيد حيث ان الاستقلال اتى إلينا وكانه ثمره سقطت من دون جهد
إذا ما قورنت بتجربة بعض البلدان كالجزائر وجنوب افريقيا وهذا بالطبع لاينتقص من تاريخ السودان البطولى فى مواقع وازمنة اخرى كما شاهدنا فى ام دبيكرات وشيكان وكررى إلا انه لحسن الحظ نبتت شجرة الاستقلال وترعرعت فى سنوات ليست بعجاف فكان الماء وفيراً والعرق لم يبذل كثيراً والدماء ام تسل كما سالت فى احراش جبال الاطلسى وازقة مدن بريتوريا العنصرية ولكن للاسف عندما بدت شجرة الاستقلال يانعة وازفت ساعة قطفها اطلت الشرور المندسة فى الانفس برأسها على السودان فتمثل فينا قول الشاعر
احرام على بلابله الدوح حلال على الطير من كل جنس من هنا بدات المشكلة السودانية وهذا هو بيت القصيد . فطبول الحرب فى توريت لم تدق ابداً لمواجهة الإسلام او العروبة لانهما خصمان تقليديان لاهل الجنوب . إنما إنطلقت الحرب فى الجنوب ضد إحتكار السلطة والثروة او قولبة السودان على رؤية إقصائية فمطالب الحرب كانت واضحة تتمحور حول المشروع القومى للسودان الذى يمكن ان يستوعب كل التنوع الذى يزخر به البلاد والقضية منذ الوهلة الاولى لم تعالج من منظور المشاركة العادلة فى السلطة والثروة وبالتاكيد بهذا الطرح العادل لم يكن من الاستحالة ان يحدث وقتئذ ما حدث اليوم فى نيفاشا ولكن بتكلفة اقل مما دفعناه فى نيفاشا لاننا لا نحتاج فى ذالك الوقت جهداً كبيراً فى فك طلاسم المشكلة بارقام وجداول ومعادلات وتحت رقابة دولية صارمة . حدث هذا كلة لان هناك مجموعة من اصحاب النفوس المريضة والمصلحة الذاتية تتلذذ بان تمسك بالازمة كلها فى شتى مناحى الحياة ثروة وسلطة وترى فى نظرها القاصر لو انها ادارت مثل هذة الازمات على حسب قواعد التناقضات الثقافية والعرقية والدينية تستطيع ان تكتسب القدرة على التحور كما فى فيروس الايدز لموائمة كل الظروف الصعبة من اجل التحكم الدائم على مفاصل الدولة وبالتالى تحافظ على مصالحها من السلطة والثروة وبالفعل إستطاعت هذة الطبقة ان تكتسب وقاية كادت ان تتحول إلى مناعة مستديمة عبر إستخدام الدين تارة وتارة اخرى العرق والاثنية .
إذاً الخطيئة الكبرى فى السياسة السودانية والتى ادت الى كل هذة الحروب والدمار هى اللعبة على قواعد التناقضات فطوال العقود الخمس الماضية برزت قلة لها القدرة على ادارة قواعد ظناً فى ان هذة السياسة ستبقى بمسارات الحراك الاجتماعى والسياسى والاجتماعى مغلقة امام كل من يسعى للوصول الى عتبات السلطة والثروة ولكن فى نهاية المطاف ماذا جنت السودان من هذه اللعبة اليست كانت ثورات تلو اخرى ؟؟؟ ثورة توريت افرخت ثورة بور 1983 وتمرد بولاد فتح الطريق امام ثورة دارفور فالدرس كان واضح مفاده إن التناقضات العرقية والدينية هى ظاهرة بشرية لاتحتاج الى عصا سحرى لفك رموزها فهناك اطر دستورية وسياسات تربوية واجتماعية وتنموية قادرة على إذابة كل هذه التناقضات عبر برامج يتفق عليها الجميع ولكن ايضا من الممكن ان تستغل هذه التناقضات كاسلحة فتاكة لتحقيق اهداف لاصحاب المصالح الذاتية فمثلا ملزوفتش وكرادش تحركا على صهوة التناقضات لاشباع غرائزهما فتمزقت اوصال الدولة اليوغسلافية وعلى نقيض ذلك تمكن الزعيم الافريقى نلسون ماندلا من هزيمة شرور النفس فكبح بذلك جماح التناقضات فى جنوب افريقيا فتسامح فيها الشعب مع جلاديه من البيض واخطر هذه التناقضات هى تناقضات العرق والدين خاصة إذا أستغلت لخدمة المصالح الذاتية.
فى الجنوب البست الحرب ثوبا دينيا على يد اناس يعرفون جيدا كيف يستخدم هذا السلاح فكان إعلان الجهاد لاول مرة فى ربوع افريقيا التى لم تشهد يوما باسم الاسلام تدق طبول الجهاد وكان حقا اخطر سلاح يستخدم فى الجنوب الى درجة ايقظ ضمير العالم كله لكن ماذا كانت النتيجة بعد كل الذى حصل من كر وفر فانتيجة كان دمارا وخراب وان كان على هامش هذا الدمار تم ترويض عقلية السودان القديم وبجرعات ناجعة لم يترك لها هامشا للمناورة والعودة الى قواعد اللعبة القديمة فى شان الجنوب .
لم تكن إستراتيجية عقلية السودان القديم تجاة دارفور تختلف كثيراً عما فى الجنوب اللهم إلا فى التكتيك ونوع السلاح.
فطبيعة اهل دارفور فى المكون الدينى جعلت منها سلاحاً ذا حدين ولكن هذا فى حد ذاتة اعطى اصحاب اللعبة مساحة من المرونة فى إستخدام الدين فى اهل دارفور للوصول إلى غايات بعينها . تارة استخدم الدين كورقة رابحة لضرب الخصوم فى الجنوب على يد دارفوررين وكما استخدم الدين لحسم الخصومات التى تنشأ بين ارباب العبة انفسهم كما حدث فى صراع السلطة عام1976م حينما زجت بعشرات الكتائب جل عناصرها من ابنا دارفور لدك معاقل السلطة فى الخرطوم بحجة ان نظام مايو مارق عن الاسلام وتارة اخرى تستخدم نفس المجموعة الدين لفرملة مطالب اهل دارفور بحجة طاعة الامام وعدم الخروج عن الجماعة .
اما الحد الاخر لسلاح الدين الذى لاينسجم مع اصحاب اللعبة هو اعلان الجهاد على اهل دار فور . هذا الامر لن يكون ذا جدوى فى حال تمرد اهل دارفور فلذا فضل اصحاب اللعبة ان يسلكوا سكة اخرى تقودهم الى مستودع اخر لسلاح يتوائم مع ظروف دارفور بعيدا عن التكبير والتهليل ومواكب عرس الشهيد فاختاروا سلاح العرقية والاثنية لفرملة هذة المارد المخيف الا ان هذا السلاح كان اخر سهم فى جعبتهم ينطلق من قوسه وبه انكشفت خطوطهم الخلفية والامامية فى معركة قد تكون اخر معركة لركوب التناقضات . القضية فى دارفور من وقت تاسيس جبهة نهضة دارفور مروراً بإنتفاضة الفاشر وحركة بولاد إلى ثورة دارفور 2003م واضحة للقاصى والدانى ليس هناك اى سبب لنشوب صراع بين اهل دارفور بالشكل الذى الفناه فى السنوات الثلاث الماضيه كانت الثورة فى
الاصل موجه ضد السلطة فى الخرطوم ولكن بقدرة قواعد اللعبه الخفيه استطاع ضعاف النفوس واصحاب الهوى ان يدخلوا على اهل دارفور من باب التناقضات العرقية لتحريف شق كبير من مجهود المواجهة الى مواجهة دارفورى دارفورى ولكن يبدو فاعلية هذا السلاح لم تأخذ زمناً طويلاً لإثبات عدم جدوها ففى اقل من ثلاث اعوام وبدحرجة سريعة شقت القضية طريقها عبر المؤسسات الدولية الى مجلس الامن فكانت قرارات تلو اخرى حتى توج اخرها بعقوبات ووصايا دولية على السودان .
استخدام التناقضات ضد الشعب كانت تجربة قاسية ومريرة وباهظة الثمن وبالتاكيد تركت أثار سئيه قد تحول دون التصالح بين مكونات المجتمع السودانى اذا بقيت السودان كدولة موحدة ولكن ربما تكمن الحكمة فى ربّ ضارة نافعة فبتجارب الجنوب ودارفوراستنفدت كل مستودعات الغش والخداع و التضليل فليس من الممكن بعد اليوم ان يجرؤ احد ركوب موجة الاسلام او استخدام المسالة العرقيةليعبر بها لجج الازمات تاركاً وراءه كل الشعب يغرق فى اليم . ربما بهذة التجربة سيتحسس السودان طريقة عبر النفق المظلم الذى ذكره دكتور منصور خالد الى عالم سيستمتع فيه الفرد بقيم العداله والمسواه


للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved