يعتصر الألم الأفئدة عندما يرى السودانيون بلادهم الغالية السودان تمر باحدى أخطر مراحلها, مرحلة وصلت فيها المعركة الى كينونة البلاد وقوامها ووحدتها, حيث نكون أو لانكون. ومما يزيد في الحسرة والانفعال هو أننا كسودانيين نعلم أن العدة لم تعد لمواجهة هذه المرحلة, سواء أكان ذلك فيما يختص بالجانب السياسي الذي لازال مرتاديه من السياسيين عاجزين أيما عجز عن فهم المعادلة السياسية القائمة وحل طلاسمها سواء الدولية منها أو المحلية. هذا فيما يختص بالجانب السياسي أما عن الجوانب الأخرى ,الاقتصادية والاجتماعية فالطامة تكون أكبر . اننا لانغالي اذا ذكرنا أن هذا العصرفي السودان هو عصر العجرمة انه عصر (حبيبي قرب,,,قرب آه ونص) , من كان مرصيا عنه فليأتي ولينل حظه من الوزارة.
أتت الحكومة الجديدة في السودان مخيبة لآمال فئات عديدة من أبناء الشعب السوداني, بل يمكن القول أن الراضين عن تشكيل هذه الحكومة هم جهات محددة ومحصورة بالحكومة ومن والاها, بل وأكثر فقد امتدت حالة عدم الرضا الى الشريك الأساسي في الحكومة ,أي الحركة الشعبية, وقد عبر عدد من قادة الحركة عن ذلك أمام الاعلام.
في هذا الصعيد لفتتني اجابة الأستاذ علي عثمان محمد طه على مداخلة السيد الصادق المهدي في برنامج الحوار الشهير في الواجهة عندما رد عليه بأن الحكومة هي حكومة وحدة وطنية وليست حكومة اجماع وطني وبالتالي علل الأستاذ علي عثمان عدم مشاركة ورضا عدد كبير من الفعاليات السياسية والتي هي وبلاشك تملك قواعد جماهيرية أكبر بكثير مما يملكه حزب السلطة. لقد بدا واضحا أن السيد نائب الرئيس يغفل حقيقة واضحة وهي أن عدم الرضا عن الحكومة لم يكن لينتج لو أنها لبت طموحات أفراد شعبها ,فالمؤتمر الوطني كان يعرف في أحد الأيام بالجبهة القومية وقبله بجبهة الميثاق وتحت كل تلك المسميات كان برنامج هذا التنظيم المعلن هو تطبيق الشريعة الاسلامية , أما الهدف غير المعلن فقد تمت ازاحة الستارعنه خلال الستة عشر عاما الماضية وهو في نظر قطاع كبير من أفراد الشعب فشل ذريع وقياسي في كافة ضروب الحياة أما في وجهة نظر السلطة فقد كان مشروعا حضاريا أثبت هو الآخر فشله بدليل أن أفراده أنفسهم تخلوا عنه, ولكن ومهما اختلفت المسميات سواء حكومة وحدة وطنية أو اجماع وطني أو حكومة قومية أو حتى حكومة حرب ,فتبقى الحقيقة قائمة وهي عدم تمتع هذه الحكومة برضا غالبية الشعب. فهي حكومة ترضيات ومجاملات بلاشك.
نأخذ على سبيل المثال لا الحصرقدوم عبدالرحيم محمد حسين الى الوزارة مجددا, تمت ترقية الرجل الى رتبة الفريق ومن ثم استوزاره , ولاننسى عند ذكر ذلك القضية المتعلقة بسقوط بناية الرباط والتي لايزال من المفترض أن يكون التحقيق فيها مستمرا, والى هذه اللحظة لم يتم البت فيها قضائيا, ونتيجة التحقيقات الأولية والتقرير الصادر من وزارة العدل لم يخل طرف عبدالرحيم محمد حسين , فبأي صورة وبأي منطق تتم اعادته الى تشكيلة الوزارة؟ ان هذا وبكل المقاييس يعد استخفافا بالشعب السوداني .
ونذكر مثالا آخر لاثبات صحة ما نذهب اليه , ألا وهو وزارة الخارجية, فقد تم تعيين السيد على كرتي وزير دولة في وزارة الخارجية, والسؤال الذي يطرح نفسه بالحاح هو, ماهي الامكانيات التي يمتلكها هذا الرجل لتؤهله لتولي وزير دولة في الخارجية؟ نفهم تولي السيد لام آكول لمنصب الوزير ولكن تولي علي كرتي لمنصب وزير الدولة فهذا هو الشيء الغريب المبهم واللا مفهوم!! هل هي الترضية أم المكافأة؟
اضافة الى ذلك فقد جعل المؤتمر الوطني من نفسه أمينا على خزائن الأرض وثرواتها , فوزارة المالية في يمناه المؤتمر الوطني ووزارة الطاقة والمعادن في يسراه , وهنا حري بنا أن نذكر أخبار الفساد والمفسدين كماء المطر التي تنهال علينا كماء المطر في خريف السودان, ولانجد من يحرك ساكنا, شركات الاتصالات, شركة الخطوط البحرية, بيع أسهم الحكومة في سوداتل, ورقة عبدالرحيم حمدي الشهيرة في المؤتمر الاقتصادي, نيابة الجرائم وقضية تسويات الأراضي.....الخ.ان المحصلة النهائية لستة عسر عاما كان فيها المؤتمر الوطني يغرد وحيدا على أغصان شجرة السلطة ويعزف ألحانه على أوتارها هي أن السودان يتذيل الدول العربية من نايحة مؤشرات الفساد , واضافة الى ذلك فهو من احدى أكثر الدول من ناحية انتشار الفساد على الصعيد العالمي وذلك في خلال الأعوام الماضية وخلال هذا العام أيضا.
قال السيد نائب الرئيس ان المسألة ليست مسألة شخوص وانما هي مسألة برامج, كان هذا الرد في اطار تعليقه على سؤال عن أن عددا كبيرا من الشخصيات قد عاد الى الوزارة مجددا, ولكن يظهر جليا أن معظم هؤلاء الشخوص لم تكن لهم برامج يتقيدون بها.
الأهم والأخطر من كل ذلك ان النسيج الاجتماعي للشعب السوداني أصبح آخذا في التشرذم والانحلال, وهذه حقيقة لابد من مواجهتها, فللمرة الأول في التاريخ المعاصر للسودان الغالي تظهر النبرة القبلية والجهوية بهذه الحدة وهذا التطرف. فلماذا؟
لقد بدا واضحا أن السيد نائب الرئيس يخفي رأسه في الرمال ويحاول أن يظهر الأمور تسير على مايرام ,وهذا غير صحيح على الاطلاق.
ان الشعب السوداني لن يندم مطلقا على ذهاب المؤتمر الوطني من السلطة اليوم قبل الغد, والشعب السوداني لن ينسى سنوات حكم الانقاذ العجاف, معارك انصرافية, لاطائل من ورائها, وعلاقات دولية متوترة , واقتصاد متهالك منهك مريض, ووحدة وطنية سلبتم كل أسباب بقائها, حقد تم زرعه بين أبناء الوطن الحبيب, وفساد يزكم الأنوف في دولة يقول القائمون على أمرها أنها تحاول أن تقيم شرع الله. وأخيرا وليس آخرا نقول: لا حول ولاقوة الا بالله العلي العظيم وحسبنا الله ونعم الوكيل , حسبنا الله ونعم الوكيل.
تقبل الله صيامكم وقيامكم ومتعكم بالصحة
د/ عمر عبد العزيز المؤيد