تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

ازمة دارفور فى الاعلام العربى بقلم:محمد احمد النور – القاهرة

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
10/27/2005 7:43 م

تصاعد حدة النزاع المسلح فى اقليم دارفور لتتصدر وسائل الاعلام العالمى بعد تزايد هجمات المليشيات المسلحة -الجنجويد – ومعها القوات الحكومية على المدنيين وارتكابها جرائم القتل المنظم والاغتصاب الجماعى والقتل خارج المحكمة ونهب الممتلكات والمواشى وسياسة الارض المحروقة التى نفذتها والعديد من الاعمال الوحشية ونتج عنها سقوط ما يزيد عن الفى قتيل ونزوح ما يزيد عن مليونى شخص عن قراهم لتوصف مأساة دارفور بانها الكارثة الاسوا فى العالم. واخذت معها مفردات مثل الجنجويد لتدخل الى قاموس الاعلام والسياسة فى اروقة الخطاب السياسى والقانونى الدولى وتتوج بقرار مجلس الامن 1593 فى مارس 04 والقاضى بمحاكمة المسئولين فى تلكم الجرائم الى المحكمة الجنائية الدولية لينتهى فصل وتبدا اخرى فى سياق المشكلة.
وقد تسارعت وسائل الاعلام العالمية الى ارسال مراسليها الى تلك المنظقة من العالم لينقلوا للعالم صور حية من الماساة الى هزت الضميرالعالمى لبشاعة ما تم فى الاقليم من جرائم تعود بذاكرة الانسانية الى جرائم الحرب فى الحرب العالمية الثانية والمذابح الجماعية والتطهير العرقى التى تمت فى رواندا والبوسنة والهرسك ولكن تبقى الاكثر بشاعة خصوصا ان احداثها لم تتوقف بعد وتداعياتها مازالت موجودة على ارض الواقع وتتحرك معها العديد من منظمات الاغاثة والنازحين ومنظمات حقوق الانسان واخرى لتسهم فى وقف الماساة.
ايضا بدات بعض مراكز حقوق الانسان التى هى ملعونة اصلا من قبل بلدانها و بعض القنوات العربية التى تتمتع بنوع من الاستقلالية والحياد (الجزيرة والعربية) فى نقل ما حدث الا انها واجهت قبضة حديدية من الحكومة السودانية تمثلت فى منعها من التوغل فى عمق الازمة ولكنها نجحت فى نقل جزء من الماسى فى الاقليم لتواجه بقوة من جانب الحكومة السودانية باغلاق مكتب الجزيرة فى الخرطوم واعتقال مراسلها واتهامه بتهم ملفقة بعد بثها فيلم وثائقى يصور القرى المحروقة والاف النازحين الذين فروا من منازلهم وقراهم والظروف اللا انسانية التى يعيشون فيها فى معسكرات تفتقد لابسط مقومات الحياة وايضا الامن حيث اصبحت هى الاخرى عرضة لهجمات الجنجويد .اما قناة العربية فقد انتجت فيلما وثائقيا اطلق عليه اسم (جهاد على الجياد) تصور افراد الجنجويد ذوى الاصول العربية الذين يمتطون الجياد ويعيثون خرابا فى دارفور ويرتكبون جرائم لا انسانية فى حق السكان ذوى الاصول الافريقية واعلنت القناة انها سوف تقوم ببث الفيلم فى فبراير 2004 وتستضيف بعدها اطراف النزاع فى الاقليم للحديث عن محتوى الفيلم وتعلل المسئول الحكومى انه يحتاج الى بعض الوقت لجمع المزيد من الادلة التى تدين الحركات المسلحة وتثبت تورطها فى العديد من الجرائم الا انه لم يوفى بما وعد وتتوالى الاحداث بعدها حيث قامت الحكومة بالضغط على القناة ومالكها ولم تبث حتى الان .وقد يكون التساؤل هنا مشروعا لماذا لم تبث فى الفيلم رغم ان المسئول الحكومة اعلن ان لديه وثائق تدين المسلحين وماذا عن الفيلم هل تم اعدامه ايضا ؟
اما وسائل الاعلام العربى الاخرى والنخب التى تشارك فى تشكيل الراى العام العربى وصياغة وجدانه فقد اتجهت فى الغالب الاعم فى البحث والتنقيب –كالمعتاد – عن الاسباب والمبررات التى تجعل السودان هدفا لمؤامرة دولية تخطط لها بالطبع امريكا واللوبى الصهيونى سواء بهدف السيطرة على ثروات السودان من البترول واليورانيوم او ربما لتأديب النظم (الاسلامية) او احكام الحصار على ما يعرف من قبل فى اطار الصرع العربى – الاسرائيلى او حتى لصرف انظار المجتمع الدولى عما يجرى فى العراق وفلسطين ثم التطورات الاخيرة فى سوريا ولبنان بعد اغتيال الحريرى وتقرير ملس الخطير الذى يضع سوريا فى مواجهة العقوبات ان لم تكن ضد الددولة فهى للاشخاص الذين تثبت تطورتهم وهم من المسئولين الكبار فى الدولتين والعديد من الاستنتاجات التى قد لا تخلو من وجاهة الا انها بعيدة عما يحدث فى دارفور.ومع ذلك فان نظرية المؤامرة الخارجية لا يسوغ للعقلية العربية التى تنطلق من الحق فى التعميم او التواطوء للصمت عن الجرائم الكبرى التى ستهدف بها سكان دارفور المدنيين والتى ينبغى ان يخجل منها الضمير الانسانى فى اية بقعة من العالم . وبالطبع لا تبرر للعقلية العربية ممارسة الازدواجية التى تمقتها فى السياسة الامريكية او الغربية عموما فتغض الطرف عما يتعرض له دارفور من ماسى ربما تفوق كثيرا ما يتعرض له الشعب الفلسطينى من جرائم على ايدى القوات الاسرائيلية منذ بدء الانتفاضة الثانية وما حدث فى سجن ابوغريب فى العراق بعد قيام العناصر التابعة لقوات الاحتلال بتعذيب المسجونين وانتهاك حقوق الانسان فيها وهو ما عرف بفضيحة ابو غريب فان الاعلام العربى تفنن فى نقل ما حدث واخذت الحادثة صدى اعلاميا غير مسبوق رغم ان ما حدث فيها يتم بشكل يومى عادى فى السجون العربية ولكنها لانها تدفع فى اتجاه اثبات نظرية المؤامرة لان المتهم فيها اجنبى وقد تكون احدى المفارقات ان النزاع العربى الاسرائيى فى فلسطين والجرائم التى ارتكبتها اسرائيل فى حق المدنيين الفلسطيين لم تسجل حالة اغتصاب واحدة ولكن فان حالات الاغتصاب التى تورطت فيها الجيش السودانى ومليشيات الجنجويد تفوق 500 حالة موثقة حسب تقرير منظمة اطباء بلا حدود فى السودان2004 . وصدر فى يوليو 2004 تقرير منظمة العفو الدولية باسم الاغتصاب سلاحا للحرب :العنف الجنسى والعواقب المترتبة عليه واشار التقرير الى ان الجيش السودانى والمليشيات التى تتبع لها قد تكون متورطة فى ممارسة الاغتصاب وغيره من اشكال العنف الجنسى الذى بات سلاحا فى الحرب الدائرة فى دارفور لاذلال النساء ومجتمعاتهم ومعاقبة السكان وبث الرعب فى اوساطهن وذكرت المنظمة ان دعم مليشيات الجنجويد من قبل الحكومة ومنح الحصانة لافرادها لاخراجها من دائرة العقاب قد ساهمت فى ازدياد حالات الاغتصاب.وصمت الاعلام العربى عن الجرائم التى ارتكبها نظام صدام حسين فى حق المدنيين الاكراد لا يظل حاضرا فى ذاكرة الانسانية .
ونعود الى الاعلام السودانى(تلفزيون واذاعة حكومية – صحف حكومية وشبه مستقلة) التى تحكم الدولة سطرتها عليها حتى المستقلة منها فقد اصدرت لها تهديدات اخذت صبغة التوجيهات وهى تسمية مستساغة لما يعرف بالخطوط الحمراء التى وضعتها الحكومة يعاقب عليه كل من يتجاوزه او يفكر فى تجاوزها وهى الحديث عما يتم فى دارفور ووسائل الاعلام فى السودان لا تختلف عن مثيلاتها فى الدول العربية فهى فى الغالب مملوكة للدولة ا ومطبل لها او فان مقص الرقابة على عنق ما يعرف بالمستقلة منها مرة بمحاكمة الصحفيين او حبسهم تاديبيا او ايقاف الصحيفة عن الصدورولم تفلت الا بعض المواقع الالكترونية التى اضحت تغرد بعيدا عن نطاق الحكومة وسيطرتها وقد ساهمت كثيرا فى نقل اخبار دارفور حتى اضحت احدى المصادر المهمة فى نقل ما يجرى فى دارفور.وقد تم ايقاف بعض الصحف عن الصدور لفترات تطول او تقصر ومحاكمة صحفيها مثل (الايام – الوان – الصحفة - خرطوم مونيتور التى تصدر باللغة الانجليزية) وقد يما كان يتم الايقاف بامر مباشر من السلطات الامنية ولكن لدواعى تجميل وجه الحكومة ومزاعم الانفراج السياسى والامنى والفخ الذى اطلق عليه اسم هامش الحرية فان الدولة ابتدعت نظام يكون بموجبه رئيس التحرير هو الرقيب المباشر على ما يكتب ويتحمل مسئولية ما ينشر وما يترتب عليه فتحول كثيرا منهم الى مخبريين للسلطات الامنية وينوبون عنها فى الرقابة على صحفهم.ايضا اخترعت نيابة اطلق عليها نيابة الجرائم الموجهة ضد الدولة واوكلت لها قانونيين من السلطات الامنية ليقوموا بالعمل فيها ويتم العمل فى هذه النيابة بموجب القوانين سيئة السمعة (قانون الامن الوطنى – قانون الطوارئ والمحاكم الاستثنائية) وتتسارع السلطات الامنية الى تقديم الشكاوى فيها ضد الصحف او الصحفيين الذين يجتاوزوا الخطوط الحمراء وتقوم المحكمة باصدار امر توقيف قضائى ضد الصحيفة او الصحفى وتنتهى المسرحية بمحاكمة صورية تفتفقر لابسط مقومات المحاكم العادلة وتجريم مسبق قبل النظر فى الافادات او الحيثيات .
ولم تسلم وسائل الاعلام السودانى فى ممارسة الانتقائية او الازدواجية التى تميزت بها الاعلام العربى وتتبع خطوات التبسيط المخل لوصف الصراع فى المنطقة (مزارعين ضد رعاة) او نظرية (المرحوم غلطان ) حيث تجتهد فى ابراز ان الصراع القبلى هو سبب ما يحدث فى المنطقة ,ايضا الانصراف الى ما نقل ما يحدث فى فلسطين والعراق الى ما يحدث فى دارفور مما جعل تفاعل المواطن السودانى اكبر مع ما يحدث فى تلك المناطق واللا مبالاة على ما يحدث فى ذلك الجزء من الوطن .والاغرب فى هذا السياق ان تشارك حزب المؤتمر الوطنى السودانى الحالكم الى المشاركة فى مسيرة للتنديد بالارهاب بعد احداث شرم الشيخ فى مصر فى اغسطس 2005 وتتناسى انها حزب حاكم فى دولة ام ترفع بعد ما قائمة الدول التى ترعى الارهاب فى العالم ورغم ان الارهاب مرفوض فعلا او نهجا فى ارهاب الدولة يبقى هو الاسوأ فالحكومة تمارسها بكل علنى او سرى مرة لاخفاءها واخرى لترهيب وتخويف مواطنيها .
كان يمكن للاعلام العربى والسودانى ان يكون ورقة ضغط للحكومة السودانية لو قف ارتكابها لكل جرائمها فى دارفور ولكنها ساهمت بصمتها وتواطؤها فى ان تستمر فى تفاقمها وتبريرها لما تم فى سياق نظرية المؤامرة لتاتى وتتباكى على السيادة الوطنية بعد صدور قرار مجلس الامن ووصرح احمد هاورن وزير الدولة بالداخلية فى ندوة بمركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان بعد الانتقاداتالتهم التى وجهت من قبل الحضور للحكومة السودانية ومسئوليتها عما حدث فى دارفور: ان هذه الجريمة تمس الشعب السودانى بشكل عام وليس الحكومة , وما يمكن قراءته من هذا التصريح وتصريحات المسئولين الاخرين عما يدور فى دارفور ان (اذا بليتم فاستترو ) ولكن اثبتت التجربة والواقع والقانون ان الصمت عما يحدث لن يسهم فى حل المشكلة بل هو تفاقم لها وتواطؤ يعقدها اكثرولن تلغى المسئولية الجنائية او الاخلاقية عما حدث.


محمد احمد النور – القاهرة
[email protected]




للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved