التراشق على صفحات الصحافة الإلكترونية
مدينق ودا منيل شندوت
ظهرت في الأونة الأخيرة ظاهرة التراشق بالألفاظ على صفحات منابر الصحافة الإلكترونة, ما لفت نظري ليس الظاهرة فحسب بل أنها وصلت أحياناً درجة السب والتشويه و التحقير الشخصي في خروج لبعض الإخوة عن روح الحوار الهادف البناء.
إن الإختلاف في الرأى ظاهرة طبيعية بل صحية في المجتمعات التي تتمتع بقيم الحضارة و الديمقراطية، خلقنا الله جميعاً أفراد ومجتمعات وبألوان مختلفة لكي نتعايش و نختلف ونتحاور، هذه سمة يفتخر بها الإنسان بل نهج يثري المفاهيم وبالتالي يساعد في ترقية مفاهيمنا ويزيدنا معرفة ووعياً.
من الملاحظ أن اللقاء الصحفي الذي أجراه الصحفي ضياء الدين في صحيفة الرأي العام الغراء مع السيد/ بونا ملوال مدوت و ما تلاه من ردود أفعال من بعض الإخوة و الردود المضادة قد خلق جواً مشوباً بالتوتر بل المهاترات الجانبية التي ليس لها علاقة بلب الموضوع, دعوني أستجلي بعض النقاط ذات العلاقة بالحدث.
تصريح العم بونا ملوال مدوت أصابني بالصدمة ليس لأن نقد الراحل الدكتور جون قرنق من الممنوعات، الراحل كان رجل دولة وبالتالي كان عرضة للإنتقادات , بل المؤسف في الأمر مع إحترامي لرأي العم بونا ملوال أن تصريحه غير موفق لا في مكانه و لا زمانه،وذلك مع الإحتفاظ بحق العم بونا ملوال في التصريح برأيه كما يشاء، من حقه ديمقراطياً أن يعبر عن أرائه حينما وكيفما يشاء, إن المصاب الجلل في الراحل الدكتور جون قرنق كان صدمة مروعة للشعب السوداني وللمنطقة بل و للعالم أجمع ,والدليل على ذلك ما ورد على لسان أصدقائه و أعداءه ناهيك عن منتسبي وأصدقاء الحركة الشعبية لتحرير السودان , لقد ذهلت من كلمات الإشادة والتقدير ومعرفة الآخرين عن الراحل أكثر مما ندعيه عن معرفتنا لأفكاره، و قد انعكس ذلك في حديث الأب الدكتور/أيان باسم الكنيسة الأسقفية في دولة قطر عن علاقته الشخصية بالراحل, ما أذهلنا أكثر ما سمعت عن الراحل من كلمات التقدير والإشادة والفهم العميق لرسالته من قبل رئيس تحرير جريدة الوطن القطرية الأستاذ / أحمد علي، كل هذه المآثر لا تقلل من مكانة الرجل, فإن فقدانه حقيقة خلقت هوة يصعب ردمها بسهولة مع احترامي للقيادة الجديدة للحركة الشعبية لتحرير السودان ولحكومة الجنوب ,لذا لا أجد ما يزعج الإخوة من تصريحات العم بونا ملوال مدوت، حيث ينبغي تناولها في سياقها المناسب.
نعود الى خلاف العم بونا ملوال مع الدكتور جون قرنق، و الخلاف كما ذكرت آنفاً ظاهرة طبيعية للعم/ بونا ملوال الذي خاض معارك ضد النظام لا يمكن للعاقل أن ينكرها، وعلى سبيل المثال في حقبة التسعينيات من القرن الماضي عندما كانت الإنقاذ في أعلى قمة عنجهيتها حاربها العم بونا ملوال، ونخص بالذكر صحيفته المعروفة آنذاك التي كانت صوت المعارضة في المنفى ( صحيفة سودان قازيت). كما كان للسيد بونا ملوال مدوت دور إيجابي في عهد الحكم المدني الثالث أبان حكومة الإمام الصادق المهدي , ناهيك عن أدواره الوطنية في حقبتي الستينيات والسبعينيات.
أود الإشارة في هذا السياق إلى أننا مهما اختلفنا مع العم بونا ملوال، فإن الحوارات المفتوحة بيننا وبينه مهمة للغاية، لأن السودان عامة والجنوب خاصة محتاجة إلى حوار جنوبي- جنوبي كما نحتاج الى حوار نوبة- نوبة والشرق مع الشرق والغرب مع الغرب، وأخيراً الحوار السوداني الجامع حتى نخرج بالسودان من عنق الزجاجة التى أرغمتنا عليها حكومة الإنقاذ بسياساتها التي أشعلت الحروب في أرجاء شتى من البلاد.
أمامنا تحديات لاتحصى بعد أن وضعت الحرب أوزارها، فإن دور المثقفين و أصحاب الشأن هو تكريس الأقلام في ما يجمعنا وليس ما يفرقنا , نحتاج الى ثقافة جديدة تعنى بالسلام والتسامح، من رأيي أن أهم التحديات أمامنا الآن هي:
• الدعم الكامل للإتفاق بشتى السبل والوقوف بجانب القائد سلفا كير ميارديت والشد من أزره حتى يخرج بنا من هذا المرحلة الصعبة، خاصة بعد الوفاة المفاجئة للزعيم الدكتور /جون قرنق.
• قضايا اللاجئين و النازحين و إعمار الجنوب .
• إمكانية عودة المثقفين من جميع القطاعات و مساهمتهم المتوقعة و بالذات التكنوقراط (أطباء،مهندسين، قضاة , قانونيين، فنيين، محاسبين،خريجي الزراعة....إلخ)
• الحوار الجنوبي - الجنوبي من القاعدة الى الأعلى ، بين الذين يدعون إلى سودان جديد موحد بمفاهيم جديدة، وبين الذين ينادون بالإنفصال بأسرع ما يمكن، من سيكون من المستحيل تفعيل جو حر ديمقراطي معافى من الخلافات العميقة بدون حوارات هادفة تؤدي في نهاية المطاف إلى الهدف المنشود.لابد من الاعتراف بأن مجتمعنا منقسم ويحتاج إلى عمل حقيقي، لأن النكسات التي أصابت الجنوب منذ بداية الحرب كانت ذات آثار جانبية إجتماعية وإقتصادية بل وأمنية، وبما أن أجواء الحرب التى كانت سائدة لم تمنح المجموعات فرصة لكي تتناقش و تتبلور أفكارها وإستراتيجياتها على أجندة وطنية مشتركة.
• الحوار الجنوبي - الشمالي ، مخطئ من يرى أن توقيع إتفاق السلام هو نهاية للحوار. هنالك قضايا وطنية معلقة تحتاج إلى حوارات على مستوى تنظيمات المجتمع المدني
• قضية أبيي و دور المثقفين في توعية الناس بشأن هذه المشكلة و إمكانية التعايش السلمي بين القوميات .
• الحوارت المستمرة بين أبناء الهامش، و خاصة بين البقارة والدينكا و قضايا الأطفال والنساء الأرقاء وإمكانية عودتهم وإندماجهم في مجتمعاتهم وأسرهم بأسرع ما يمكن.
• رتق النسيج الإجتماعي وإزالة الآثار النفسية التي تركتها الحرب في المجتمعات الريفية والمدنية، والدليل ما حدث في يومي الإثنين والثلاثاء بعد رحيل القائد الدكتور/جون قرنق دي مبيور.
أنا لست هنا بصدد مطالبة أى شخص أن يتخلى عن آرائه أو أن يتصدى للعم بونا ملوال، أود فقط أن ألفت انتباه الجميع إلى ضرورة الإبتعاد عن المهاترات و التركيز على النقد البناء و مواجهة العم بونا بالمنطق لأن السودان الجديد ولد ليبقى علينا مخاطبة العم/ بونا ملوال بالمنطق و الحجة الدامغة دون التعريض به، وسيكون الفيصل في اختلافنا معه هو صناديق الإقتراع في الجنوب.
و أخيراً لكل صاحب رأي الحق في التعبير عنه بالأسلوب الذي يراه مناسباً, وللأمانة الوطنية نتذكر أن الراحل كان رجلاً متسامحاً ومحاوراً فذاً قارع أعداءه بالشجاعة والشهامة، بل أحترم كل من اختلف معه سياسياً وفكرياً ومنهم العم/ بونا ملوال نفسه. ترك الراحل وراءه برنامج ورؤى وفكراً أصبح ملكاً للجميع. إن المحافظة على هذا الإرث مسؤولية الجميع تخليداً له و لنضاله الطويل.
أبدى القائد سلفا كير ميارديت أثناء تأديته القسم تمسكه ومواصلته لبرنامج الراحل الذي يتلخص في تكريس الديمقراطية وحقوق الإنسان وبناء سودان جديد بوسائل جديدة،
كما نود أن ننوه هنا بموقف المناضلة السيدة ربيكا دي مبيور لمواقفها الوطنية و تمسكها بالإتفاق وببرامج السودان الجديد، ان الطريق محفوف بالمخاطر التي تتطلب من الجميع اليقظة والحكمة القائمة بالطبع على أساس متين من الروح الوطنية والإخلاص للمصلحة العليا لبلادنا الحبيبة بعيداً عن قيود غلو الفكر وسجن ضيق الأفق.
الجوال 5802130
[email protected]
[email protected]
الدوحة-قطر