هل انتهـت فترة صـلاحية المـاركسية ..؟
لندع الموتى يدفنون موتاهم ..!!
بقلم محمد علي خوجلي /امدرمان/ السودان
. الطائر خارج السرب
اسئلة ثلاثة تفرض نفسها مع (تلك الضجة) هل انتهت فترة الصلاحية الماركسية؟ وهل كان الحزب الشيوعي السوداني (سابقاً) شيوعياً حقاً؟ وهل توجد ضرورة اليوم لوجود حزب شيوعي في السودان؟
لا استطيع ادعاء امتلاك قدرات لتقديم اجابات شافية على الاسئلة الثلاثة المتداخلة ولا ينبغي.. اجدها مهمة اطرحها على الناس اعرض كالعادة بعضا مما اعرف او جزءاًً منه فيغمرني بعض الناس بوقائع واحداث ووثائق ووجدت ان لعرض الرجل الواحد احياناً فوائد عظمى لكن الدكتور (خالد) هذه المرة قدم مسهامة قبل العرض وكذلك وعد من دكتور اخر بمساهمة مع بداية العرض.. وكل ما نعرض قد يصلح مؤشراً لحوار جاد وصادق. وارجو الا تفهم العلانية انها نوع من كشف الحال فالتجربة الانسانية افادت بان العلانية ضرورة للارتقاء وماذا نسمي فعل قيام حزب ينشر وثائقه الداخلية بالصحف اليومية؟ هل هو من درجات العلانية ام الكشف؟.
فمن اهداف تسوية الصحف العمل على تحريك الساكن ودفع الآخرين وبالذات الشباب لمزيد من اعمال الفكر, والتمعن والصبر على المزيد من البحث , فهم الحاضر والمستقبل وليسوا في حاجة لمن يفكر لهم لقد انقضى ذلك الزمان ولن يعود وان الطائر الوحيد عندما يخرج اصواتاً باستمرار (ولا اقول تغريداً..!!) ستصل الاصوات الى السرب الذي هو بعيداً عنه مهما كانت الأصوات ضعيفة ومتواضعة !! كما انه ليس ضرورياً ابداً اتحاد السرب.
فمن المفهوم انه لا يمكن ان تكون هناك وحدة مع اللذين خربوا التنظيم وانما يمكن ويجب ان تكون الوحدة بين جميع الماركسيين الثابتين المدافعين عن الكل الماركسي بصرف النظر عن التصوفيين ورغماً عنهم هم سرب اخر من فصيلة اخرى مجهولة الأصل.
ان الوحدة شئ عظيم وشعار عظيم ولكن القضية بحاجة الى وحدة ماركسيين وليس وحدة ماركسيين مع خصوم الماركسية وعلينا ان نسأل كل من يتحدث عن وحدة الماركسيين انتظاراً لذلك المؤتمر او تلك الآلية مع من تريد الوحدة؟ مع التصوفيين؟ اذا كان كذلك فليس لدينا ما نعمله معاً.. اما اذا كان المقصود وحدة ماركسية فعلاً فاننا ندعو الى وحدة (التنظيمات القاعدية) ووحدة (النشاط العملي).. لا غزل مع التصوفيين ولا مباحثات دبلوماسية مع المخربين. وعندما نتحدث عن التصوفية نقرر تياراً فكرياً مع السنيين, مرتبطاً بسياسة وايدلوجية طبقة معينة هي البرجوازية الليبرالية.
ان الوحدة ضرورية للماركسية (شظايا او بقايا) في منظمة تنفذ قراراتها بدافع الضمير لا بدافع الخوف وهذه القرارات منبعها التنظيمات القاعدية التي تعبر عن آراءها دون وصاية او اشراف او حجر او تدخل فظ من ممتهني السياسة وعن طريق تلك الوحدة التي تؤخذ ولا يتم الاتفاق عليها تتم وحدة العمال والعمال الزارعين والمزارعين والمهنين والمعدمين وفاقدي الوظائف... الخ.
والعرض موضوع المقال هو مزيج من خبرة الماضي وبحث للحاضر والمستقبل وخبرة الماضي ضرورة لان الاتجاهات اليمينية التصوفية القابضة على جهاز الحزب الشيوعي السوداني سابقاً ومعظم قيادته كل بنائها قائم او مستعار من الماضي السحيق والدعاوي القديمة المناهضة للماركسية في القرن التاسع عشر والمجافية لتجربة وخبرة وتاريخ الحزب الشيوعي السوداني.. الإنتهازية اليمينية التصوفية لم تأت بجديد من صنعها ولن تستطيع..
. واهتزت البلاد جميعها
عندما عرض الاستاذ حسن ساتي بجريدة اخبار اليوم معلومات المخابرات البريطانية المفرج عنها.. ورأى الناس متابعة تلك الاجهزة نشاط الشيوعيين السودانيين حتى العام 1952 اهتزت البلاد جميعها.. واهتزت نفوس كل القوى الوطنية الخيرة وفي طليعتها الاستاذ عاصم البلال الطيب الذي كفاني الحديث عن الامر, عندما نتمنى بصدق مبين ان لو كان اسمه ضمن تلك الأسماء.. تلك الاعداد القليلة من المناضلين اقضت مضاجع الإستعماريين ومخابراتهم في السكة حديد, والورش, والاسواق, والمدارس والمزارع بين المعلمين والطلاب والمزارعين والتجار والمهنين والعمال ...الخ في النقابات ومنظمات السلام والشباب والطلاب والنساء ...الخ في كل انحاء البلاد من جميع القبائل وفي الارياف والمدن .. واهتزت البلاد .. هي اشارة للشباب ان ما يقولون وما يفعلون اليوم هو تاريخهم الذي يصنعون وان نضالهم وثباتهم هو من تاريخ الوطن نفسه .. فاكتبوا عشرات الاسماء في تلك القوائم حتى يفخر بكم ابناؤكم وجيرانكم..!! ومن بين عشرات الاسماء التي وردت جاء اسم الاستاذ حسن سلامة امد الله في ايامه حيث اكرمه الله واطلع على القائمة المفرج عنها عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني حتى في خروجه عي 1960 وسجل.
الماركسيون الاربعة ومفهوم الجماهير
طلع تقرير بعد فترة طويلة جداً من عبدالخالق طالباً مني التوجه الى كردفان ودارفور مسؤولاً عن الحزب في غرب السودان لأمارس السياسة هناك كما يفهمها الحزب.. فقد كنا في الحزب عندما يهمد العمل السياسي في العاصمة كنا ننشطه اما من الابيض او بورتسودان او مدني او عطبرة.
كنت قد بنيت خطتي على اساس انني اتعامل مع قوى ريفية متحركة والمدن هناك محدودة فبدأت علني لتأسيس نواة لحزب شيوعي مستقر على اساس استقطاب العاملين في المهن الثابتة كالممرضين وعمال النقل الميكانيكي. اما الأرياف فكان تحركي فيها عبر الاتصالات الشخصية وعبر الشخصيات المؤثرة فيها.. كان تنظيماً اقرب للرحل لان استقرارنا كان يتوقف على استقرار هذه القبائل ولكن المدهش فعلاً انني وجدت عند اولئك القوم استعداداً غريباً للتعاطي الايجابي مع الفكر الشيوعي..
يوسف عبدالمجيد (انقسم من الحزب في 1963 القيادة الثورية لم يرد عن الانقسام شئ في تقرير المؤتمر الرابع اعتقل بعد 22 يوليو 1971 وسلاحه في يده دفاعاًعن تلك السلطة) وكان لا يزال خريجاً يافعاً قد مر بمنطقة قبيلة الغلقان وكان ناظرها (كندة كلبوس) ووجد القبيلة باكملها نسائها ورجالها وصبيانها يتعاونون في بناء راكوبة كبيرة مساحتها عشرات الكيلومترات فسألهم يوسف لماذا هذا البناء الضخم فاجابوه انها بمناسبة قدوم عبدالله خليل لزيارة المنطقة فجاء واخبرني بما يحدث. فذهبنا فوراً واخذنا معنا احد ابناء الغلقان ويدعى حامد عبدالله وقمنا بعملية تعبئة كبيرة وسط الاهالي ثم خاطبنا افراد القبيلة بحضور ناظرها في اثناء عملهم وطلبنا منهم الذهاب الى منازلهم ورفض العمل بالسخرة لان هذا يحط من كرامتهم ويصادر حقوقهم وان عبدالله خليل لا يستاهل منهم هذه المشقة. وبالفعل كان لحديثنا فعل السحر واستجاب افراد القبيلة حالاً والقى كل منهم ما كان يحمله في يده وبدأوا في الهتاف عاش حزب الحرية وهم كانوا يعرفون ان حامد عبدالله وهو احد ابنائهم – شيوعي.
لقد كانت المنازل والدور الحكومية تبنى عن طريق السخرة فقدنا حملة شعواء ضد ذلك عبر ليالي سياسية في الابيض وكادقلي والدلنج وابي جبيهة فقاموا بالغائها .. هذه المواقف كان لها اثر كبير في الحياة العامة في تلك المناطق وقد فتحت لنا الطريق وجعلته سالكاً في كثير من مناطق جبال النوبة وجنوب كردفان. وكانوا يطلقون على الحزب الشيوعي حزب الحرية لانه حررهم من السخرة وبعد ذلك التفتنا الى ضريبة الدقنية فالغيناها وقد افلحنا خلال هذه المعركة في تجنيد تسعة من المشائخ والعمد والنظار في صفوف الحزب الشيوعي.
وفي اثناء عملنا لتنظيم الرعاة وفي اثناء محاضرتي لهم رأيت احدهم يفك اربطة امتعته ويخرج لي منها مجلة اللواء الأحمر وكان من قبيلة الحوازمة فسألته عن الطريقة التي تحصل بها على المجلة فاجاب بانه اشتراها من احدى قرى منطقة الحوازمة بجنوب كردفان.
.مؤشرات الاستاذ حسن سلامة مهمة
قوة ونفوذ الماركسية في الايمان الراسخ بالمبدأ والممارسة بتفهم واقع الناس وهو ما اطلق عليه سياسة الحزب فاساس الجماهيرية ليست العضوية بالآلاف فهم كانوا اربعة وقادوا آلاف اي كسبوا الجماهير التي بفضلها تم الغاء السخرة والدقنية اي تاريخ مجيد هذا.
- ان التفرغ الثوري ليس فقط ايمان بقضية بل والنضال من اجلها (الممارسة) ولذلك ينتقلون من مدينة لأخرى وبين الارياف والجبال ومع المزارعين والرعاة ولذلك فان مجلة اللواء الاحمر تربض ضمن امتعة ذلك الحوازمي اي تضحيات هذه.
- ان الافكار الشيوعية احتفى بها اولئك القوم وتم تجنيد العمد والنظار اي افكار ساحر هذه.
- ان الحزب كسب اسمه الجديد الحرية من واقع نشاطه العملي ( الممارسة) لا التنظير المكتبي مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية فيكون لكل كلمة اسمها حتى استشراف الاشتراكية اي جمود هذا.
- وتلاحظون كيف ان وقائع الحزب هي قاذفات من اللهب الحارق سواء انطلقت من بين وثائق المخابرات الاجنبية او من بين الاجساد الواهنة.. والذي لا يعرف تاريخ حزبه ولايهضم حركته لم يكون ماركسياً.
. مفهوم الجماهير
مفهوم الجماهير خادع فيما يتعلق بتغير طابع النضال ففي البداية يكفي عدة آلاف حتى يمكن الكلام عن الجماهير. واذا تمكن الحزب من جذب الآخرين بخلاف العضوية فانها البداية نحوالجماهيرية. واذا ما بدأ عدة الاف من العمال الآخرين الذين يعيشون عادة حياة بائسة ولم يسمعوا شيئاً عن السياسة, اذا بدأوا العمل على نحو ثوري فائق امام الجماهير.
واذا كانت الحركة تتسع وتقوى فهي تنتقل تدريجياً لتصبح قوة حقيقية وعندما يتصاعد النضال فان مفهوم الجماهير يتغير ويتحول الى مفهوم آخر, فعدة آلاف من العمال ليسوا جماهير, وتصبح هذه اللفظة تعني شيئاً ما آخر.
ومن المحتمل ان يقوم حزب صغير بعد ان يدرس جيداً سير التطور السياسي والتعرف على حياة وعادات الجماهير اللاحزبية بانهاض الحركة الثورية في اللحظة المواتية فاذا ما طرح مثل ذلك الحزب الصغير شعاراته في تلك اللحظة وتمكن ان يسير وراءه ملايين العمال فانتم امام حركة جماهيرية.
(ملحوظة! استقبل الشعب السوداني ثورة اكتوبر وعضويته اقل من ثلاثمائة وكذلك الإنتفاضة).
.طريق القيادة اليمينية .. طريق الهلاك
أكد الماركسيون انه لا يمكن الحفاظ على الروح الثورية الحقة الا اذا ظلوا في موضع القدرة على النظر الى العالم نظرة جديدة من دون احكام مسبقة والا تكون اذهانهم مثقلة بمجموعة من الصيغ والمعادلات الجاهزة.. مع تجديد متواصل وهزيمة متصلة للجمود في تحديد الأهداف ووسائل واساليب عمل وتكتيك الطبقة العاملة..
والماركسية كأي نظرية اخرى لها يمين ويسار وهما فيها يقوم بناؤهما على جانب واحد من الحركة, فيشيدان وحدانية الجانب في النظرية مع اختلاف واحد فقط ان اليمين لا يعترف الا بشكل واحد للنضال هو السلمي من اجل الاصلاحات الجزئية واليساريون لا يعترفون الا بوسيلة الاعمال الثورية الفورية وهنا يتساوى اليمين الانتهازي واليسار المتطرف في انهما من نصار المسلمات الجامدة وهذه النظرة الوحدانية الجانب ليس لها أي اساس في النظرية الماركسية وبالغة الخطورة من الناحية العملية وهي طريق الهلاك.
وان وحدانية الجانب تترتب عليه اخطاء نظرية وبرامج خاطئة واعمال خاطئة في التكتيك والاستراتيجية وتلحق اضراراً بصمود وبقاء النضال الثوري للعاملين. وكما توجد لدى اليساريين نزعة المغامرة فان اليمين الانتهازي وسيلته (الاتفاق العلني) مع البرجوازية الحاكمة فيتساويان ..! والجذور هي اثر العقائد البرجوازية الصغيرة في كليهما من التأرجح وحتى اليأس.
.القضاء على الماركسية
ان الاعلانات الرسمية و غير الرسمية بالقضاء على الماكسية من قبل وجودها في السودان و عند بدايات ظهورها لم ترسخ اقدامها فوراً حيث سبقتها نظريات عديدة مرتبطة بنضال العاملين بل ظلت و لأكثر من نصف قرن تناضل النظريات التي كانت معادية لها من أساسها وانتصرت بعد كل تلك السنوات على كافة الايدلوجيات الأخرى في الحركة العمالية ((بل ان كثيراُ من الاحزاب العمالية غير الماركسية بنت برامجها و تكتيكاتها فعلياً على الأساس الماركسي!!)).
المهم بعد أن فندت الماركسية النظريات المعادية فان الاتجاهات المعبر عنها في تلك النظريات اخذت تبحث لنفسها عن طرق أخرى .. و في التسعينات من القرن الماضي بداْ الكفاح ضد التيارات المعادية للماركسية داخل الماركسية .
. التيارات المعادية للماركسية ..
داخل الماركسية
قالوا في الاقتصاد السياسي مثلاً ان نظرية ((الانهيار و الافلاس)) التي تسير آلية الماركسية لا أساس لها من الصحة بسبب الاتجاه المباشر لتخفيض التناقضات الطبقية . و لم يفهموا ان الأزمات لم ينقض عهدها بل تغيرت اشكالها و صورها لكنها تظل جزءاً اساسياً في النظام الرأسمالي .
و في مجال السياسة حاولت ((التحريفية)) اعادة النظر في الأساس الفعال للماركسية نظرية الصراع الطبقي و قالوا: ان الحريات السياسية و الديمقراطية و حق الانتخابات تقضي على تربة الصراع الطبقي. ووجهة النظر البرجوازية الليبرالية المعروفة منذ زمن بعيد تقول ان البرلمانية البرجوازية تقضي على الطبقات و التقسيم الطبقي حيث ان حق التصويت و حق المشاركة في شئون الدولة متاح لكل المواطنين بلا تفرقة نعم هذا ما يختص بالحقوق السياسية لا توجد فوارق. و لكن الفوارق الاقتصادية لا تضعف بل تتقوى تحت ظل حرية السوق و حرية الرأسمالية ((الديمقراطية)) . مع الاتفاق ان البرلمانية تقدم أكبر المساعدات لرفع وعي و تنوير الجماهير و تنظيمها.
. التأقلم مع أحداث الساعة
عندما يقول اليمين الانتهازي أنه في اطار مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية يجب أن تظل الحركة في حدودها و اقامة جدار بينها و الهدف ((الاشتراكية)) فانة يعيد العبارة السيارة لبيرنشتاين ان الهدف النهائي لا شئ و الحركة هي كل شئ .. ان السياسة التحريفية هي تحديد السلوك من حالة لأخرى و التأقلم مع احداث الساعة و نسيان المصالح الجذرية للطبقة العاملة أو تعمد ذلك ينفي وجودها و نسيان السمات الأساسية للنظام الرأسمالي كله. هم يضحون بالمصالح الجذرية من أجل المنافع (الفعلية).
. من أسباب التراجع عن الماركسية
ان الاتجاهات اليمينية الانتهازية المتراجعة عن النظرية الماركسية ليست وليدة انهيار النظم الشيوعية الستالينية التي فارقت النظرية التي تحكم بإسمها، بل أمر لازم كل تاريخ الحركة العمالية و سيادة الاتجاهات اليمينية ليس من قبيل الصدف أو بسبب من بعض القادة البارزين أو مجموعات أشخاص .
الأسباب الجذرية تكمن في النظام الاقتصادي وطابع تطوير جميع البلدان وهي التي تولد هذه التراجعات باستمرار.
وان من بين الاسباب العميقة التي تولد الاختلافات في الرأي من وقت لآخر بصدد التكتيك هي نفس حقيقة نمو الحركة العمالية. فاذا لم نقس هذه الحركة بمقياس أي مثل أعلى بل نظرنا اليها على انها حركة فعلية لاناس عاديين بسطاء لأصبح واضحاً ان جذب المزيد من المجندين الجدد واجتذاب فئات جديدة من الجماهير الكادحة يصاحبه حتماً اهتزازات في مجال النظرية والتكتيك وتكرار الأخطاء القديمة والعودة المتوقعة الى وجهات النظر القديمة والأساليب القديمة.. الخ.
والمصدر الدائم للاختلافات في الرأي هو الطابع الجدلي لتطور المجتمع والسائر في تناقضات وعن طريق التناقضات والرأسمالية تقدمية لأنها تقضي على الطرق القديمة وتطور قوى الانتاج وفي الوقت نفسه فانها تقوم في درجة معلومة من التطور بتعويق نمو قوى الانتاج. والرأسمالية تطور وتنظم العمال وتعودهم على الانضباط وهي في نفس الوقت تضغط وتهز وتقود الى الانحطاط والفساد والفقر. وتستطيع الماركسية ان تلم هذه التناقضات بين الحياة الفعلية والتاريخ الحي للرأسمالية وبين الحركة العمالية.
ومن المهم الانتباه الى مسألة التغييرات في تكتيك الطبقات الحاكمة بوجه عام والبرجوازية بصفة خاصة واثرها على الاختلافات في وجهات النظر بين المشاركين في الحركة العمالية. فاذا كان تكتيك البرجوازية وحيد الشكل باستمرار لتعلمت الطبقة العاملة ان ترد عليه بتكتيك مماثل ولكن واقع الامر يفيد ان للبرجوازية في كافة البلدان نظامين للادارة وطريقتين من اجل الدفاع عن مصالحها وسيادتها. على ان هاتين الطريقتين تحلان محل بعضهما البعض تارة, وتضافران سوياً في شتى الصور تارة أخرى.
وهاتنا الطريقتان هما: اولاً طريقة القسر والقهر وعدم تقديم أي تنازلات للحركة العمالية.. اما الطريقة الثانية فهي ((الليبرالية)) أي طريقة خطو خطوات تتجه لتطور الحقوق السياسية والاصلاحات وبعض التنازلات.. الخ.
ان البرجوازية تنتقل من طريق لآخر ليس صدفة او لسوء بعض الاشخاص ولكن بحكم التناقض الجذري في وضعها نفسها, ولايستطيع المجتمع الرأسمالي الطبيعي ان يتطور بنجاح بدون نظام تمثيلي راسخ وبدون حريات سياسية.
ان التعرجات في التكتيك البرجوازي تتسبب في تقوية تيار المراجعة الماركسية الى حد الانقسام المباشر. كما انه مفهوم لدينا ان ان انتقال بعض الاشخاص او الجماعات والفئات البرجوازية الصغيرة الى الطبقة العاملة يترتب عليه اهتزازات ضخمة وتأرجح كبير في التكتيكات العمالية.
والحيل التكتكية لانتهازية اليمينية تقود الى تضييق اطار نشاط ((الحزب)) بشكل مصطنع , ومن ثم شق صفوفه وتفتيته فهم ضد التنظيمات النقابية ذات القوانين التي فرضتها السلطة للقهر الذي يتم.. فيعزلون بذلك نضال العمال عن بقية اشكال الحركة الديمقراطية العامة, ويعزلون الشيوعيين من الطبقة العاملة.
. الأحزاب الديمقراطية الإشتراكية (الانتهازية)
تأسست الأحزاب الشيوعية في عدد من البلدان (1918) وكتب على تلك الحركة الشيوعية الإصطدام بخصوم اقوياء وهي في بدايتها فاستهدفتها البرجوازية الدولية جيدة التنظيم والخبرة السياسية, التي اقترنت بوسائل القمع المباشر للحركة الثورية للطبقة العاملة مرة بين تقديم التنازلات الجزئية الاقتصادية في غالبها للطبقة العاملة مرة أخرى. ومثلما اصطدمت الاحزاب الشيوعية بالبرجوازية الدولية كذلك تصدت لتلك الاحزاب الديمقراطية الاشتراكية اليمينية الانتهازية التي استغلت التنازلات الضئيلة لرفع شعار ((السلام الطبقي)).
وخلال معركة الشيوعيين ضد الزعماء والقادة البارزين (( للديمقراطية الاشتراكية)) اليمينية وقع بعضهم في تطرف آخر في ((الطائفية)) و((اليسارية)) ينفي ضرورة العمل السياسي الجاد وسط الجماهير وذلك بعدم قبول الطرق القديمة للنضال وعدم كفاية الإعداد النظري وعدم فهم ان مجرد الاعتراف بمبادئ واهداف الشيوعية غير كاف بحد ذاته بأي حال من الاحوال لتحويل الحزب الى ((قوة سياسية)) و((جماهيرية)) و((ذات هيبة)).. انهم لم يدركوا انه قبل الاستحواز عل ((حق القيادة)) في النضال كان عليهم اقناع ((الكادحين)) بصحة وجهات نظرهم.
و ((انني لا ارفض, انني لا اقترح, انني اعرض))
ونواصل العرض
مراجع المقال
مقال: الماركسية والتحريفية1908
مقال: الاختلافات في الرأي داخل الحركة العمالية الاروبية 1910
مقال: بصدد الصبيانية اليسارية ونزعة البرجوازية الصغيرة 1918
مقال" نجاحات وصعاب السلطة السوفيتية 1919
مقال: الوحدة1914
كتاب: مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية 1920
جريدةالصحافة ((الغراء)) 20/1/2004
جريدة اخبار اليوم ((الغراء)) 26/1/2004م
وردوا البئر التي وردتها..
أحمد الله كثيراًً.. واشكره بكرة واصيلا, الذي يسر الأمر من حيث لا ندري, فكانت زيارة ((احمد الهادي)) او ((الخاتم عدلان)) للسودان الاستكشافية حيث جاءنا ((مزدوج الجنسية)) وعبقت عباراته الواضحة ليالي المدينة وصحفها اليومية ومنازلها شمال امدرمان او جنوب الخرطوم وحتى تلك ((الندوة)) فلم أعد في حاجة للتأكيد على تطابق الرؤى بين حركة ((حق)) هنا وحق 3 او رقم(3) التي يمثلها جهاز الحزب الشيوعي السوداني ((مع التحول)) والذي تأخر خروجه كثيراًً..
ثلاث نقاط (( مضيئات))
. الغاء النظرية الماركسية كمرشد للعمل بعد ان انتهت فترة صلاحيتها والاتجاه نحو الموروثات المتجزرة والاكتفاء بمنهج التحليل..
. توسيع برنامج الحزب بديلاً للايدلوجية وهي نتيجة طبيعية للالغاء الايدولوجية ونحتاج لعشرات السنين حتى تحويل الموروثات نظرية (!) ليس الناس في حاجة اليها في مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية.. و(الحمد لله).
. ثم الغاء مبدأ الديمقراطية المركزية كمبدأ في تسيير الحزب و (كفاية الديمقراطية)!!
وقال السيد الخاتم:
(هم وردوا هذه البئر التي وردتها قبل اثنتي عشرة سنة. وعليهم .. هم ان يعترفوا بذلك وان يقولوا ان هذه الافكار التي يرددونها الآن قالها شخص ما قبل ذلك باثني عشر عاماً, وانهم يكتشفون العجلة اذا انا كنت قد قلت ذلك قبل فترة طويلة ..)
( ليه يا خاتم تستعجل؟ ذلك الخروج اثر كثيراً على اصدقائك من الاصلاحين الذين يحبون الاتجاه نحو اليمين الذي هو طعم الراحة والحياة الجميلة !!)
ونشهد للخاتم بالصدق فيما قال, فذات القيادات التي اتفقت معه خارج الاجتماعات ( ولم تكن ابداً من بين التنظيمات القاعدية) هي التي اشرفت على تداوال ورقته (باسمه الحقيقي) و (خارج القنوات) وهي ذاتها التي اشرفت على التصفية الجارية منذ 1998 (في الممارسة).
ان الخاتم امتاز عليهم:
بالاعلان الشجاع والواضح عن سقوط النظرية الماركسية ولم يتوار خجلاً ولم يحاول الالتفاف حول رؤيته بالتمسك بالمنهج او (استعادة العضوية) وانواع الدجل الأخرى.. (حيث لم افهم كيف ينقد شيوعي خارج التنظيم نفسه لحزب اعلن الغاء الماركسية كمرشد لعمله؟..).
ثم خروجه من (الحزب) الذي لم يعد يتفق مع نظريته .. وهذا حقه.. وهو صادق في مسلكه اما هم (الموشكين على الغرق ولا يريدون الموت وحدهم!!) بالتمسك بحزب لم يعودوا يتفقون معه في أي شئ.. والعجيب ان (المثقفين) (سرقوا) حزب العمال مع الوعد بالتعاون معهم!!.
قدم (الخاتم) مقترحين لتفادي (خروجه) و (حالة غرقهم).
- جعل (التحالف الديمقراطي) بالاحياء السكنية (حزباً ديمقراطياً( اولاً) ثم تذويب الحزب الشيوعي فيما بعد) فيه.. وهي ذات فكرة (الحزب الاشتراكي السوداني) التي انتقد المؤتمر الرابع للحزب محاولة الشروع فيها.
- (خروج كل قيادات وجهاز الحزب) في (الحزب الجديد غير الماركسي) وربط (التحول) بعمل جماهيري ومنظم ضد سلطة الانقاذ, وهي فكرة خطيرة نحمد الله ان عميت عنها بصائرهم اما اختيارهم فقد تأسس على ذات فكرة (الخروج) لكن بشكل آخر اهم ما فيه منح عضوية الحزب اجازات اجبارية, ليس في النشاط بين الجماهير وحسب, بل وحتى في ابسط اشكال التنظيم و(الاجتماعات التنظيمية) ولذلك فانه لا يكون امامهم بخلاف (نشر وثائق الحزب في الصحف البرجوازية).
. من جذور اليمينية التصوفية
عبد الخالق محجوب, القائد الوطني و (اول) و (آخر) سكرتير عام (منتخب) كتب كثيراً عن جذور الاتجاهات اليمينية الانتهازية و(التصوفية) في الحزب الشيوعي السوداني ومن الاهمية عرض بعض من تلك الافكار عبر تاريخ الحزب معروف ان (الحزب الشيوعي) يتطور من خلال الصراع الفكري لا يكون في اصله بمعزل عن (الصراع الطبقي بين الجماهير) كما ان كل المناضلين يعرفون بديهيات الماركسية: ان هناك ثلاثة جبهات يناضل فيها الماركسيون: الجبهة السياسية والجبهة الاقتصادية والجبهة الفكرية.
وعلى ذلك فان التخلي عن مهام النضال في اية جبهة من هذه الجبهات يقود الى (وقف) التكوين الشيوعي للمناضلين المتلزمين (بالماركسية) وينتج عن ذلك (انحرافات) تضر بكل القضية.
وانه من الحقائق الهامة ان (الحزب الشيوعي) في السودان مع بدايات تكوينه (اعلن) التزامه بالنظرية الماركسية ولكنه (لم) يكن حزباً (شيوعياً حقاً) عند التكوين وظل يتحول (تدريجياً) الى حزب شيوعي خلال مراحل مختلفة من ( الصراع الايديولوجي) الذي يعكس (صراعات طبقية) بين المجتمع.
ويمكن القول ان (الحزب الشيوعي) في تاريخه الفكري كان يتحول بالتدريج الى الايديولوجية الشيوعية من خلال الصراع ضد افكار او الفئات والطبقات التي تشترك معه في نقطة او اكثر من نقطة في المراحل المختلفة للثورة السودانية والافكار والفئات داخل الحزب الشيوعي ومن بين عضويته وقياداته وكوادره.
في مرحلة النضال ضد الاستعمار المباشر كانت طبيعة الصراع الفكري الذي دار ضد مفاهيم وايديولوجيات البرجوازية الوطنية المناهضة للاستعمار والتي كان برنامجها للحركة الوطنية يلتقي في بعض نقاطه مع (الحزب الشيوعي) ولذلك فان الصراع الداخلي في (الحزب) 1947 تركز حول (استقلالية) الحزب في العمل الثوري من جهة, او ان يكون جناحاً يسارياً في حزب البرجوازية فالصراع الايديولوجي الذي دار كان ضد مفاهيم افكار البرجوازية حول (قومية) النضال الوطني تحت قيادتها.
وانقسام الحزب في 1951 وما سبقه من صراع داخلي في 1950 اساسه ايضاً القضايا المرتبطة بالفروقات بين (الشيوعيين) والبرجوازية الوطنية المناهضة للاستعمار في الفكر والمنهج فالاتجاهات اليمينية (في ذلك الوقت) رأت نشاط الشيوعيين في مرحلة (الثورة) الوطنية الديمقراطية لا يكون ضد قيادة الطبقة المتوسطة وان الطبقة العاملة ضعيفة وحديثة التكوين وان طبقة المزارعين ليست منظمة (فالمفاهيم اليمينية قبل نصف قرن تتم استعادتها في 2004 بذات المبررات والحجج, ورفض التجديد ليس فقط قيادة الطبقة العاملة بل حتى وجود حزب للطبقة العاملة او طليعة للطبقة العاملة)
لكن المعارك الفكرية خلال 47-1951 رسخت مفاهيم في الحزب الشيوعي ومنها توجه الثورة الديمقراطية الى اهدافها بعد الاستقلال الوطني والمفاهيم الشيوعية حول عاقة الحزب بلطبقة العاملة..الخ
وتذكر ان الحزب الشيوعي كان من بنود (دستوره) عند التأسيس جعل (النظرية الماركسية) والموافقة عليها(!) شرطاً للانضمام الى صفوف الحزب .. لكن وجود هذا النص في الدستور لا يعني ان الحزب الشيوعي من الناحية الايديولوجية كان تنظيماً شيوعياً حقاً, ولا يعني ان اعضاءه شيوعيون من الناحية الفكرية كامر مسلم به, فالنص لا يتجاوز (الاعلان) بقبول الماركسية) والاعلان شئ وتحول الاعضاء الراضين عن البرنامج السياسي للحزب الشيوعي ولائحته الى ماركسي و (شيوعيين حقاً) شئ آخر.
الكادر والكادر النشط !!
والاتجاهات اليمينة التصوفية في 1970 لم تبدأ خلافاتها بعد انقلاب 25 مايو 1969 وانما برزت بعد المؤتمر الرابع (1967) حيث سادت بين قطاعات من (كوادر) للحزب حول استنتاجات المؤتمر الرابع.
وبمناسبة (الخلافات) التي نشأت بين (الكوادر) او بلفظة أخرى (القيادات) فان كلمة (كادر) تعني العضو المبرز في جبهة النشاط المعين لكن تلحظ ان صفة (الكادر) تم ابدالها وافراغها من كل معانيها, وذلك بأثر سالب ومباشر للممارسة الخاطئة لمبدأ الديمقراطية الحزبية والانقلاب الذي لا يخفي على نظم الحزب وكأي أمر آخر فان الممارسة الخاطئة للديمقراطية الحزبية فان كل الصور تصبح (مقلوبة) وتحل الاقلية محل الاغلبية, وتتضاءل تلك الاقلية حتى تتركز في افراد قليلين ثم (فرد واحد) والصورة المقلوبة هي قيام الاقلية في (المركز) بتحديد (الكادر) على مستوى اللجنة المركزية او لجان الهيئات والمناطق الحزبية او المكاتب المركزية فيتم تصعيدهم من أعلى وبعيداً عن التنظيمات القاعدية ويقوم هؤلاء بذات الممارسة فيما بينهم فيحددون ايضاً من (اعلى) الكادر والكادر النشط..الخ الاسماء والصفات والاوصاف التي هي (صفر) في حيز اي تنظيم ماركسي اوغير ماركسي يحترم عضويته (العادية) و (قدراتها).
ومن اشكال الممارسة السالبة ان (الكادر) تظل صفة (محفوظة) في كل الاحوال لايؤثر عليها (الغياب) بسبب او بدونه, وبصرف النظر عن مدد (الانقطاع) وظروفه..الخ فلهم متى ما قرروا من تلقاء انفسهم مزاولة النشاط او (تم اجراء مناقشات معهم لذلك !!) فهم (كادر) ليس كادراً فقط بل وتتم اعادته للمواقع القديمة ويتم انزال اللذين تم تصعيدهم خلال غيبة او انقطاع السادة (الكادر وشركاؤهم) ..!
ونظم الحزب غير مرغوب فيها ( !) لانها تضبط هذه المسائل, ونحدد طرق اختيار الكادر, وكيفية تصعيده من (التنظيمات القاعدية) او (التنظيمات الديمقراطية) او (الاجتماعية) او النقابية وبين الطلاب والشباب والنساء والعمال والزراع والمهندسين..الخ.
وفي جبهات النشاط المختلفة (تنظيمية) (جماهيرية) (فكرية) (عمل سري)..الخ.
وفي كل الاحوال - بلا استثناء واحد – التي قام فيها (المركز) او اي اعضائه (الاقلية) باختيار (كوادر) بعيداً عن التنظيمات وأسس وطرق الاختيار (الخصوصي) بل ان تلك (الكوادر الخصوصية) هي التي اضرت بالتنظيم واضعفته حتى درجة التحلل الراهن بل ان التجربة العملية اثبتت ان من تلك (الكوادر الخصوصية) من لا علاقة له اصلاً بالماركسية.
من يختار الكادر؟
فالاصل ان التنظيمات القاعدية (لا سواها) وقواعد (التنظيمات) و(الهيئات) لا سواها هي التي تخرج الكوادر من بين انشطتها (الجماهيرية) (السرية) ( التنظيمية) الخ والتحديد والاختيار يتم (بالانتخاب) وبالنقد والنقد الذاتي ورصد الممارسة من حيث (التكوين الايديولوجي, والنشاط الفعلي, والمسك الشخصي)..الخ (اللائحة) واداء الكادر تتم مراقبته حيث يعمل (لا خارج الهيئة) ولا في هيئات (اعلى) وكما يمكن ان يتراجع (كادر) يبرز دائماً كادر جديد فالمراقبة والمحاسبة والترقية والانزال لا تتم بقرارات من اعلى او عن طريق اجراءات ادارية, بل بالتقييم الحزبي في الهيئة الحزبية التي يعمل (الكادر).
وفي مثل الاحوال التنظيمية الراهنة فان (لجنة مراقبة اداء الكادر) هو من انواع الدجل فهم صوتهم (اقلية) من فوق ثم انتخبوا انفسهم بمعنى اختار بعضهم بعضا. ان نظام الحزب حددت كيف يتم مراجعة الاداء واعادة التقييم وطرق التأهيل. بما في ذلك (الكادر) في عضوية اللجنة المركزية والذين ينتخبهم (المؤتمر العام) فهم ملزمون بتقديم كشف حسابهم التفصيلي ما بين المؤتمر السابق والمؤتمر العام اللاحق ومحاسبة اعضاء المؤتمر (الذين هم منتخبون) لعضوي اللجنة المركزية محاسبة (فردية) و(جماعية).
وقد نلاحظ من واقع الممارسة ان معظم الذين يطلقون عليهم (كادر) او (كادر نشط) من (اعلى) يتحولون الى (مشرفين) و (اساتذة متخصصين بلا اعباء) ويخدعون انفسهم بانهم (مستودع الحكمة) و (محل ثقة القيادة) مع ان تلك القيادة (اقلية) و (غير منتخبة) فينسحبون تدريجياً من النشاط العملي ويجعلون انفسهم (معلمين).
فالفرد (الواحد) يستطيع بتلك الصفات (الزائفة) ان يقوم بتصحيح اعمال (تنطيم قاعدي) او (هيئة حزبية) فيلقى (القيادة الجماعية) و (استقلالية التنظيم) وتبتعد العضوية رويداً رويداً حتى التحلل حتى تجئ اللحظة التي لا تجد فيها تلك (الكوادر الخصوصيةالمزيفة) من تصرف له (التوجيهات) او تسلمه (المطبوعات).
وهذا لاحظه القائد الوطني (عبدالخالق) عندما رأى اهمية ارتباط الكوادر بما في ذلك اعضاء اللجنة المركزية بالتنظيمات القاعديةحيث يكتسبوا عضوية الفروع حيث يقيمون.. والحمد لله.
الصمت .. والأغلبية الصامتة
فالقضايا المختلف عليها في 1970 طرحت في اجتماعات اللجنة المركزية (يناير1968) و (يونيو 1968) و (مارس 1969) بهدف ادارة صراع (مبدئي) حولها ثم صدرت وثائق حزبية (للمناقشة العامة) في قضايا التكتيك وموقف الحزب من تطور الثورة الوطنية الديمقراطية وهذه الافكار جاءت واضحة (ليس في صيغة اسئلة وتساؤلات مبتورة) كما انها وصلت الى كافة اعضاء الحزب وعلى الاختلاف القضايا التي طرحت للمناقشة العامة فان الصراع تبلور حول استنتاج المؤتمر الرابع فيما يختص بالطبقة المتوسطة الوطنية في السودان مواقعها واقسامها المختلفة, والصيغة السليمة التي يتخذها (الحزب) في الموقف حيالها.
التيار اليميني التصفوي اتبع تكتيك (الصمت) فلم يستجب للمناقشة الواضحة والصريحة الا في مرات قليلة وعندما افصح جزئياً عن ارائه اتخذ شكل الهجوم والاتهامات.. اذن فالطابع الذي اتخذه تيار اليمين هو (المعارضة الصامتة) لان البرجوازية نفسها مواقعها ضعيفة بين حركة الجماهير الثورية وهي تفقد اقساماً من تلك الجماهير, ولهذا فان اثرها الفكري داخل الحزب لم يتخذ شكل شعارات عالية واضحة وموضحة كما انه لم يقف على منابر واضحة (الصورة الان معكوسة فبعد التحول النهائي للجنة المركزية المعينة الان على الاقل في اغلبيتها فان التيار الماركسي في القواعد يتخذ موقف الصمت والانتظار والترقب !).
ان صعوبات العمل في ظروف الثورة المضادة تخلق اهتزازات مختلفة بين بعض (كادر) الحزب .. فيطرح تارة يميناً وتارة اخرى يساراً, وفي كلا الحالين يكون هناك تراجع عن تكتيكات الحزب الشيوعي فالتيار الذي دعا لتحالف الحزب الشيوعي والجناح الاصلاحي في الحزب الاتحادي الديمقراطي (1998) هو ذات التيار الذي دعاالى التأييد الحازم لانقلاب 25 مايو 1969 والخيط الذي ربط بين الموقفين هو الدعوة لان يتخذ الحزب الشيوعي موقفاً ذيلياً في كلا الحلفين يتحالف بصورة ذيلية مع الطبقة المتوسطة (الاصلاحية) او يتحول عن سكوت ذيلاً للطبقة المتوسطة (فئاتها الدنيا) ومن ابرز الدعاة (محمد احمد سليمان) الذي كان عملياً (خارج الحزب) ان تحلل ممثلوا التيار من نظم الحزب وقواعده لم يكن امراً شكلياً ولا مرد خرق لاجراءات (لائحة الحزب) لكنه كان تغييراً عملياً عن المفاهيم اليمينية التي يقوم بناؤها على (الحل الفعلي) للحزب الشيوعي.
نستطيع القول بان ذلك التيار كان ناتجاً لصعوبات العمل في فترة الثورة المضادة , وما تحمل الشيوعي من صعود وهبوط وما واجه من حملات فكرية شرسة فالانتصار النسبي للثورة المضادة ينتج عنه تقلص في عمل (الحزب) وهذا يؤدي الى (اليأس) عند بعض اعضائه (بما في ذلك الكادر) وبهذا يظهر اتجاه يقلل من جدوى العمل الثوري والتكتيك (الصبور) لتجميع قوى الثورة ويدعو الى ايجاد (وضع مريح) للحزب الشيوعي وقد اخذ هذا اتجاه التحالف مع الطبقة المتوسطة وفق مصالحها وشروطها والان يتخذ اتجاه التحالف مع الرأسمالية والبرجوازية الطفيلية وفق مصالحها وشروطها. ولأن التيار اليميني في 1970 و2004 يائس من العمل الثوري الشعبي وخط تجميع وتراكم القوة الثورية بالنضال في الجبهات الفكرية والسياسية والاقتصادية ويبحث عن (المخارج الاخرى) فقد كان من الطبيعي ان يكون له رأي في كلما اجمع عليه الماركسيون في المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي.
ان الثورة الديمقراطية هي ثورة الاصلاح الزراعي ولا يمكن الوصول الى نتيجتها المنطقية الا باستنهاض جماهير الكادحين من المزارعين على نطاق واسع وادخالهم ميادين الصراع السياسي والاقتصادي والفكري.. (!) والثورة الاشتراكية هي ثورة (غالبية الجماهير الكادحة) تتم (بوعيهم) و (برضاهم) و (بمشاركتهم) الفعالة في اعلى مستويات النشاط الثوري وان الجماهير من خلال نضالها اليومي وحده, ولا سواه تقتنع بان الحياة تحت ظل حكم الرجعيين لا تطاق وترتفع مستويات طاقاتها للتضحية ويقوى عودها ويصلب وتصل الى مستوى تنفيذ مهمة الثورة الديمقراطية.
هذا مفهوم شيوعي للعمل الثوري الذي يعتبر نشاط الجماهير ووصول هذا النشاط الى اعلى مستوياته هو القادر على التغيير وانجاز مهام الثورة , هو الثورة ولا بديل على الاطلاق من ان يتجه هذا النضال صوب انضاج الازمة الثورية في البلاد بحيث تصبح الجماهير واثقة من ذاتها ومتراصة في مرحلة النضال الوطني الديمقراطي, وفي مستوى هذه الثورة في السودان فان هذه المهمة تقع على عاتق الطبقة العاملة المتحدة مع الطبقات الثورية الأخرى.
ان الحزب الشيوعي يسعى باستمرار لتحقيق اكبر قدر من استيعاب الماركسية للاسترشاد بها في نضاله الثوري والحزب الشيوعي فيه (برجوازية صغيرة) نشأت في (قيادته) وقاعدته ولكنهم (شيوعيون) قبلوا ايديولوجية طبقة اخرى (الطبقة العاملة) ويناضلون ضد مفاهيم منشأهم وضد ايديولوجيتهم والوعي الشيوعي عامة وبين صفوف الطبقة العاملة جاء من مثقفي البرجوازية الصغيرة وسيظل دائماً التمازج بين المثقفين الشيوعيين وحركة الطبقة العاملة عماد الحركة الشيوعية في السودان.
(نلاحظ ان الفقرة اعلاه هي مما اجمع عليه الحزب في 1967 و 1970).
ان اساليب الاستعمار الرامية لقطع الثورة الاجتماعية وحصر الشعوب في طريق الرأسمالية تغدو اشد مكراً واحتيالاً فالى جانب القوى التقليدية تسعى الدوائر الاستعمارية الى استحالة اقسام من الفئات ذات التطلعات الرأسمالية الى جانبها مؤثرة بذلك على وحدة الجبهة الوطنية الديمقراطية المعادية للاستعمار ولذلك فان (وحدة القوى الثورية) تغدو اكثر الحاحاً لتأمين سير الثورة الاجتماعية ولتجمع القوى لمواجهة (الاستعمار الحديث).
ان الايديولوجية الاستعمارية القائمة على تبرير استغلال ونهب الشعوب لا تعترف الا شكلياً بمبدأ السيادة الوطنية وحقوق الدول الوطنية وبعد انهيار الحكم الاستعماري المباشر يلجأ الاستعمار لاشكال واساليب جديدة نفوذه وتغلغله الاقتصادي عن طريق المعونات والقروض واستثمارات الاحتكارات الكبيرة وفي مواجهة الحركة الوطنية تتكتل الاحتكارات الاستعمارية وتتعاون حكوماتها في منظمات ضخمة لتصدير رأس المال والسيطرة على المواد الخام الرئيسية.
هدف الاستعمار الحديث هو ابقاء البلدان ضمن نطاق النظام الرأسمالي العالمي الذي تهيمن عليه الاحتكارات الكبيرة , وذلك بتسييرها في طريق التنمية الرأسمالية وعلى هذا الطريق يجري النمو في بعض اقسام الاقتصاد في الزراعة والصناعات الصغيرة ويزداد رأس المال التجاري فتنمو ثروات بعض اقسام السكان (البرجوازية) على حساب الجماهير الشعبية وانخفاض مستوى معيشتها ويدخل بعض رأس المال الاجنبي للبلاد في شكل شركات مع تلك الاقسام.
ان ذلك ينمي البرجوازية المحلية ذات المصلحة في سلوك طريق الرأسمالية على اساس القطاع الخاص فتشن الهجوم على مؤسسات الدولة الانتاجية (القطاع العام) مستغلة المتاعب التي تواجهها لتحويلها للقطاع الخاص بحجة مقدرته على انجاحها والحملة التي تشنها البرجوازية المحلية في السودان ومن ورائها الاستعمار الحديث حملته على الحركة الشعبية .. وهي التي ينطلق منها الهجوم على الحريات الديمقرطية وكبت الحركة الشعبية والصحف والجمعيات الثقافية ومهاجمة الحركة بعناصر تلتحف ثوب (اليسار) ولمعنها في الواقع (عملية مخابرات).
والتطور الاجتماعي لا يسير في خط مستقيم وكل حركة ثورية تتعرض في تاريخها للمد والجزر. وان الاتحاد بين الجماهير الوطنية وهو درعها الحامي لها من هجمات اليمين والمستعمرين ولذلك لابد من معالجة ضعف الجماهير الوطنية نتيجة لتفككها وصراعاتها الداخلية وانعدام الوحدة بين صفوفها.
الايديولوجية
عبر النضال ضد الاستعمار المباشر جذب (البرنامج السياسي) للحزب الشيوعي السوداني و (قدرته على النضال) الحاسم ضد الاستعمار طلائع متعددة من بين جماهير الشعب الى صفوف الحزب وكان المهم ان تتحول هذه العناصر الى عناصر (شيوعية حقاً) لا تقتنع فقط (بالبرنامج السياسي) للحزب الشيوعي بل يجري تكوينها الفكري على اساس (الماركسية) هذه القضية لم تجد الاهتمام الكافي خلال النشاط العملي للحزب.
فان الاثار السالبة على حياة الحزب الداخلية (لضعف التكوين الفكري الماركسي) انه بعد اعلان الاستغلال الوطني والتحولات الموضوعية التي جرت في المهام الثورية وطرح قضية الثورة الديمقراطية في مستوى اعلى, ان اقساماً لايستهان بها من (الكادر) الذي لعب دوراً في النضال ضد الاستعمار بدأ في التراجع قاصراً في نظريته على حدود (التحرر الوطني) وبقى هذا الكادر بشكل او باخر في داخل الحزب الشيوعي عندما واجهت بلادنا الديكتاتورية العسكرية وانتقل الصراع الطبقي من حيزه البرلماني الى حيز الضعف.
ان ظاهرة (تساقط) عدد من (كادر) الحزب وفي قطاع قيادي هام مثل اللجنة المركزية يجد تفسيراً له في هذا الواقع ايضاً مع العوامل الأخرى ان قدرة الحزب على رفع لواء (الماركسية) في داخله و (وحدة) تفكيره لا على اساس (البرنامج السياسي) وحسب بل على الاساس (الايديولوجي) ستظل مهمة (اساسية) باستمرار اذا كان الهدف تقديم حزب قادر على قيادة الجماهير.
وضعف الديمقراطية المركزية في الحزب الشيوعي , وعدم اشراك عضوية الحزب اشراكاً نشطاً في حياته الداخلية وفي حياة فروعه ينتج عنه انكماش كبير في عضوية الحزب وسيادة (البيروقراطية) في العمل, والجمود, واذا كان الحزب عقب ثورة اكتوبر قد جذب نشاطه الآلاف لكن عجزه يعود الى (عقم الحياة الداخلية) والى الخلل الناتج عن ضعف مبادئ الديمقراطية المركزية وتلاحظون:
(انني لا افرض. انني اقترح, انني اعرض)
مراجع الجزء من المقال:
1- في سبيل تحسين العمل القيادي بعد عام من المؤتمر 1968 وثيقة عبدالخالق.
2- النظام الداخلي للحزب الشيوعي (المؤتمر الرابع)1967.
3- التقرير السياسي للمؤتمر الرابع 1967
4- وثيقة عبدالخالق محجوب الى المؤتمر التداولي 1970.
اذن فنحن امام رؤية ثانية ترى النظرية الماركسية كعلم شرط تطوره اصلاً هو التجديد المستمر من واقع المنجزات في العلوم والواقع المعاش ودون فصل بين كل ذلك والتجربة الوطنية والتجارب الانسانية.
ولأنني وجدت مصداقية الحوار تقوم على العلانية خاصة وان الموضوع هو قضايا تهم الوطن وجماهير الشعب والحركة العمالية السودانية وكذلك مختلف القوى الديمقراطية والمساندة للتقدم فانه يلزمنا التأكيد اننا لا نملك الا طرح مؤشرات للحوار لا تدعي الحكمة اواحتكار المعرفة بل نسعى ونقصد فعلاً وبلا مواربة ان يشارك آخرون فالحوار الأمين الجاد لا ينفي الآخر. حتى اذا كان ذلك الآخر القيادات اليمينية التصوفية في الحزب الشيوعي السوداني.
وتجدر الاشارة الى ان مقال (جنوب الوطن في الالفية الثالثة) والذي نشر بجريدة الاضواءالمحترمة ساهم فيه د. خالد بمجموعة المناطق المهمشة وعدالة توزيع السلطة والثروة.
في هذا الجزء من العرض نقدم مقترح التحليل عن الاوضاع العالمية والذي يتناول الإمبريالية واساليب هيمنتها وتأسيسها على ذلك يتم عرض الوضع الداخلي وأثر الامبريالية وهيمنتها. أي بيان الصراع بين القوى الديمقراطية:طبيعته ومآلاته في الجزء القادم من العرض.
(1)الإمبريالية في الألفية الثالثة
الشيوعية هي حالة توسط بين العلوم الإنسانية والطبيعية لنقل الحضارة الإنسانية علمياً وعملياً من حالة اخر اشكال الإستغلال الى مرحلة لا تعتمد في تطورها المادي على استغلال الانسان لاخيه الانسان. ولذا فان القياس الموضوعي والعلمي والمحايد للشيوعية يجب ان يرتكز على انها المحاولة الأولى للانسان للقيام بتغيير نمط بناء الحضارة من خلال إستغلال طبقة لبقية المجتمع.وانهاء الميزات المكتسبة من خلال ادارة جهاز القمع الطبقي(الدولة).
الوصف السريري لأمراض الرأسمالية الذي قدمه ماركس موضحاً التشوهات التي فاتت على منظري الرأسمالية الناشئة – والتي كانت ثورية في حينها- في القرن الذي سبق كتابات ماركس وانجلز(1852-1899) واضافه لينين(1900-1923) السمات الأساسية لمرحلة سيطرة راس المال المالي (الامبريالية) عالجت موضوع التناقض في نموها خلال بنائها للطبقة العاملة والتي ترث النظام الإجتماعي بعد تحلل دولة رأس المال. ومنذ ذلك الوقت فان الازمة العامة ظلت متكررة ولم تفلح التقانة المتطورة في إخفاء هذه الأزمة وظلت الحرب والتهديد بالحرب أكثر وسائل الإستغلال عنفاً – هي السمة الملازمة للامبريالية وكما كانت في التشيكيلات السابقة لها- وسيلة الاغنياء للارهاب مرة – يقصد تحطيم المعنويات الثورية للعاملين- وللنهب المباشر لثروات الشعوب. وبهذا تفرض على الوعي الاجتماعي للطلائع رؤى ساذجة وسطحية تؤجج بها الصراعات فيما بينها حتى تغيب وحدة القوى العاملة في مواجهة نهب القيمة الفائضة.
وبناء القوة واستعراض العضلات واستخدام التقدم في وسائل الاتصال من اجهزة الإعلام المرئية وإقامة مؤسسية انتاج المعلومات السوداء التي تشكك الانسان في قدراته وتسلمه للخوف والخرافة وحالة الإستلاب المادي في الإغتراب النفسي امام منجزات الحضارة الإنسانية حتى يصاب بداء الانكفاء على الذات والغطرسة الجاهلة بالاحساس بملكية المستهلكات التقنية.
نهاية العالم
وفي الحرب الايدلوجية تخرج من فترة لاخرى كتابات تبشر بقرب اتنهاء العالم بواسطة قوى الشر وبالتالي فان الامبريالية هي كقلعة متقدمة في البناء المادي للحضارة الانسانية. هي حارس المثل والقيم الانسانية لأجل الإستمرار. وهذا ما قدمه جورج اوريل في كتابه 1984 وهو يحدد في تلك السنة نهاية العالم ويقدم ارليك القنبلة السكانية وبرنشتاين ما بعد المجتمع الصناعي. وتزداد ضربات العاملين لاساليب النهب الامبريالي في داخل قلعة الامبريالية المتقدمة الولايات المتحدة بالملاحقات القضائية والمظاهرات المضادة للحرب وتنظيم الشركات غير الربحية ومنظمات المجتمع المدني ولجان المدن وتكسب حركة الحقوق المدنية والسياسة وقضايا المساوة الجنسية والعرقية مواقع جديدة وكلما تقدم النضال الاجتماعي نحو تعميق وإعطاء الديمقراطية البرجوازية بعداً إجتماعياً وبالتالي ضاقت الهوامش الربحية واجبر الرأسمالي على التخلي عن المزيد من القيمة الفائضة لصالح منتيجيها كلما صارت قوى الرأسمالية واجهزتها القمعية اكثر شراسة فصارت تبحث في اضابير التاريخ عن اكثر الاساليب الايدولوجية عنفاً وتجري لها المساحيق تستخدمها لتخويف حركة العاملين فتلك الدعاية التي اطلقتها باسم الاصولية الدينية باعتبار انها ضد الشيوعية الملحدة في افغانستان استخدمتها ايضاً كتطرف يميني ضمنت استمرار الفزع في قلوب شيوخ البترول في بلدان الخليج والشرق الاوسط وبالتالي هرعوا نحو البنتاغون يسلمونه الاموال الطائلة لشراء الاسلحة وفرق الحماية من قوات المارينز وكلما دارت الصناعات الحربية فاعادت اموال البترول مرة في شكل براميل الزيت الرخيص ومرة اخرى في شكل سيولة نقدية تدخل في حسابات البنوك الامريكية لتضخم اسعار الفائدة التي تدعم جذب الاستثمارات النقدية الهائلة في حركة تواتر رأس المال المالي. حتى ان الفجوة بين البترودولار لم تعد اكثر من الترابط بين هذه الحروف. واستخدمت الاصولية الاسلامية في احداث سبتمبر لتعيد الماكرثية وتستكمل اليمينية الامنية داخل الولايات المتحدة بسبب مكافحة الارهاب ان مركز قوى الطاقة والصناعات الحربية والمؤسسة العسكرية الامريكية تؤجج التناقضات داخل الامبريالية.
.الحروب الاقليمية بعد انهيار المعسكر الشرقي
وبانهيار الدولة السوفياتية عادت التناقضات الثانوية لتتجذر من جديد داخل اطرف الامبريالية تلك التناقضات التي افرزت حربين كونيتين-حروب الاسواق- عادت لتتعمق اكثر فاكثر في شكل حروب اقليمية بتحالفات تعمق من الخلافات الثانوية بين تكتلات راس المال المالي وهذه االحروب الرجعية تفرض شكلاً للتطور الحقوقي الدولي يضع اساساً لنظام اكثر ديمقراطية وعدالة رغماً عما يظهر في السطح من ان الة الحرب الامريكية قد انتصرت فان نصرها في العراق مثلاً يشكل هزيمة على المدى الطويل اذ انها ذراع التاريخ غير الواعية في هدم احدى قلاع الدكتاتورية التي صرفت عليها الملايين لتجعل منها سلطة برجوازية يمينية بمسحة يسارية تكبح الوعي الديمقراطي ذى المحتوى الاجتماعي لبنية تحتية صناعية متطورة وذات امكانات مالية واسعة. ويفرض التطور الرأسمالي المؤسسي حالة من الانتقال من ادارة الشأن العراقي من الاجهزة الامنية- لمكافحة الشيوعية مثلاً- للادارة السياسية.
ومعلوم ان الادارة السياسية تتجدد مرات ومرات- من خلال وحدة نضال الاضداد- حالة التناقضات الثانوية- في حين ان الاجهزة الامنية بروقراطية واكثر بطئاً في مواكبة التغيرات. فالبلدان التي انتقلت للتحالف السياسي وبالتالي التكامل الاقتصادي للسوق الامبريالية نحو بناء القاعدة الصناعية وتدخل بقوة المنافسة مع ربيبتها الامريكية فما يجعلها تدخل مرحلة الثورة الاجتماعية بوجود طبقة عاملة منظمة – ووطنية ولديها مصلحة في مقاومة الامبريالية – ان النضال بين الرأسمالية المنتجة الوطنية والشركات المتعددة الجنسيات التي تحاول ان تجعلها طفيلية مقابل رأس المال المالي الامريكي هو اهم ملامح الانتقال الازمة الرأسمالية العامة في انهيار بورصات شرق اسيا في السنوات السبع الماضية.
عداء الامبريالية للديمقراطية عداء فريد
وفي حالة الهوس والسعر التي اصابت الامبريالية لم تعد تحتمل وجود الديمقراطية الاجتماعية حتى بين احزابها فعداء الامبريالية للديمقراطية عداء فريد لا مثيل له في التاريخ. فهي خرجت من احشاء الرأسمالية من خلال توفر الديمقراطية الاقتصادية التي ادت لسيطرة قطاع المال على الجهاز السياسي للدول الصناعية على حساب بقية الشرائح الراسمالية (حرب الاسواق) وحين بلغت مستويات تركيز رأس المال ما نشاهده اليوم صارت تعلم ان السلم الذي صعدت به واسع الدرجات بحيث يصعد معه النضال الاجتماعي المضاد لموضوع التركيز المالي – القيمة الفائضة- وفي محاولاتها العنيدة لنفي نفسها عن الخروج عن قواعد اللعبة الديمقراطية توفر الظروف الموضوعية لأزمة ثورية ستفتح آفاق جديدة للثورة الاجتماعية الصاعدة استجابة لمطالب السلام والعدالة الاجتماعية والفرص المتكافئة. وبالتالي تفتح المزيد من الفرص للنضال السلمي الديمقراطي والذي كلما كان ديمقراطياً كلما عمق ازمة الامبريالية. لذا فان العقود الاخيرة من القرن العشرين شهدت صعود اجهزة المخابرات الامبريالية واستخدامها الواسع النطاق لاساليب الثورة المضادة كمنهج وترياق مضاد لفرض الركود في بنية الدولة الكونياليه التي تركها الاستعمار في بلدان العالم الثالث. واستخدام اسلوب الثورة المضادة للتخريب من الداخل حتى لمجرد الخط الوطني الاستقلالي المعادي للامبريالية في احزاب غاندي وسوكارنو ومصدق في ايران وعبد الكريم قاسم في العراق ولوممبا في الكنغو. فقد ترك الاستعمار اجهزة امنية معادية لشعوبها ورثت المعاداه للشيوعية وكافة التيارات الوطنية الأخرى ذات الإستقلالية النسبية عن الرأسمالية او حتى تلك التي تفتقد بضرورة حماية الرأسمالية الوطنية المنتجة كما انها كانت مركزية تخطيطها مما سهل على الامبريالية ان تهيمن على كافة القطاعات الاقتصادية من خلال القروض والمنح مما ادى لتحول في مستويات التبعية. فكلما كان القطاع معتمداً على التمويل الاجنبي (المصارف مثلاً) او معتمداً على السوق الاجنبي (المنتجات الاولية) كانت الاسواق لتلك الدول الاستعمارية هي سيدة الموقف في الدولة "المستقلة" ولم يكن السودان مختلفاً عن بقية بلدان العالم الثالث. ولكن كان الاعتقاد لدى الشهيد القائد عبدالخالق- في الماركسية وقضايا الثورة السودانية (الألفية الثانية)-ووثيقة حول البرنامج- ان السوق السوفياتية ستحدث في توفير السلع والمنتجات الرأسمالية مما يساعد التحول في بناء الدولة المركزية من مركزه مورثه لصالح السوق الخارجي لمركزه لصالح السوق الداخلي والتنمية. ولكن السياسة الخارجية للمساعدات الدولية الكتلة السوفياتية ركزت فقط على عسكرة التنمية من خلال هيمنة القوات المسلحة- من خلال الدعم بالاسلحة والمعدات والتدريب- فجعلت المركزية اكثر عرضه للتحول نحو الشمولية بسبب الطبيعة النظامية للقوات المسلحة مما فرض تزمتاً في خطوط العلاقة المتداخلة والمعقدة بين الخدمة المدنية والخدمة العسكرية وصار التنافس داخل اطراف الخدمة العامة هو اكثر التنقاضات الثانوية في الدول النامية مدخلاً لحصول الامبريالية على كرت ذهبي لممارسة فرق تسد. وكان محتوى الديون تلقتها بلدان العالم الثالث هي عن الاسلحة والاغذية في اغلبها. وكليهما سلع غير منتجة.
(2) اساليب الهيمنة الإمبريالية
مارس هذا الخط كلما هو مشروع وغير مشروع لتجميد هذه الاحزاب وتسريع سيرها نحو اليمين وتطويق الرأسمالية الوطنية المنتجة وتصفيتها واحلال رأسمالية وطنية طفيلية في مكانها ونمت هذه الحركة لتعرف فيما بعد بالاقتصاد العالمي هذا الاقتصاد الذي في السطح هو عبارة عن سرعة تحركات رؤوس الاموال- الموبايلات سلسلة محلات الوجبات السريعة وحجز الطائرات والرحلات السياحية عبر الانترنت وما خفي كان اعظم. والنتيجة سرعة ارتفاع معدلات الفقر وحين يموت يومياً ستة الآف طفل بسبب الاسهال لعدم حصولهم على مياه نقية. وصارت برامج اليونيسف بدلاً من ان تطالب بتوفيرالمياه النقية تجرب في الاطفال حديثي الولادة نظريات الاعتماد على لبن امهاتهم فقط.
في هذا العالم تفرض مؤسسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي برامج اعادة الهيكلة التي تعني رخص اسعار المواد الاولية والخدمات مقابل ارتفاع اسعار العملات الدولية والخدمات. وترزح اكثر من 90 دولة فقيرة لشروط مجحفة اسهمت في توسيع الهوة بين الفقراء والاغنياء ليس داخل البلدان فحسب بل صار اغنياء هذه البلدان انفسهم فقراء لان ثرواتهم يمكن ان يفقدوها بين ليلة وضحاها او تنتقل من ايديهم لاناس اكثر طفيلية وفق رغبات اوربا واليابان والولايات المتحدة وفق التعليمات الصادرة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والخزانة الاميريكية وتمكنت هذه المؤسسات من ان ترهن هذه الدول بديون – سنعود للنظر في محتواها لاحقاً- يمكن القول بانها ابدية حيث تعود للدائنين الغربين مبلغ مائة مليون دولار يومياً. ونتج عن ذلك ان اقل من بليون نسمة هم سكان تلك الدول المرابية يسيطرون على 80% من الثروة الانسانية وتمركزت الشركات بحيث ان شركة فورد لصناعة السيارات اكبر من اقتصاد جنوب افريقيا كلها وان شركة جنرل موتوز اغنى من الدنمارك.
وحين حاولت الامبريالية ابراز هذا التركيز في ثروات حفنه من الشركات بانه اضمحلال للدولة تمكن الاقتصادي الروسي بوريس كفراتيسكي – في دراسة ممتعة باللغة الانجليزية (في مواجهة الازمة) (راجع مجلة Links العدد 19-سبتمبر- ديسمبر 2001 ان يوضح ان كل ما حصل للدولة الامبريالية انها نفت عن نفسها الدور الاجتماعي مقابل تصعيد الدور القمعي والالتفاف على الحريات الديمقراطية).
وهكذا نخلص لنتيجة مهمة وهي ان الامبريالية في مطلع الالفية صارت تكيل الضربات للتوجهات الديمقراطية من خلال وسيلتها المالية والقمعية ولكنها مواجهة باساليب واشكال نضالية متقدمة ومعقدة ابتدعتها الشعوب والفئات العاملة امكنها ان تمنع وتعرقل سير الامبريالية المضاد للديمقراطية الاجتماعية وفي مرات عديدة تم تصفية رؤوس جسور الامبريالية لصالح قوى الثورة الاجتماعية كما يحدث في فرنسا والبرازيل وفي الكيفية التي تعزز بها الجماهير الصينية مواقع الديمقراطية داخل الحزب الشيوعي الصيني وحركة السلم والمعاداة للحرب التي صارت لديها القدرة على وضع اكثر من عشرين مليون نسمة في يوم واحد للاحتجاج ضد الحرب.
وما قدمته وثيقة الماركسية والثورة السودانية من انه فقط العمل الدؤوب والخلاق للشيوعين هو الذي يودي بحياة الامبريالية ويفتح الطريق امام التطور الوطني الديمقراطي تظل هذه المقولة هي الدرس والمطلوب الخروج باجندة عملية له في مطلع الالفية الثالثة كتحد يواجه الماركسية في مسيرة الثورة السودانية في الالفية الثالثة.
ونحاول هنا ان نتابع بقية خطوط وتعميمات الماركسية ومسيرة الثورة السودانية في الالفية الثالثة بعد ان تأكد لنا ان الطبيعة الامبريالية وادواتها لم تتغير بل صارت اكثر سفوراً نحو استخدام العنف وشراء وتخريب الذمم داخل الاحزاب الرأسمالية واكثر استخداماً للاساليب المخابراتية داخل الاحزاب اليسارية بقصد تفريغها من محتواها الثوري وفرض الجمود والخوف والسرية كوادرها او شرائهم للتعاون وتدجين حركة الجماهير او فرض الإنزواء والشمولية فقدان الاتجاه بحيث تغيب الديمقراطية عن داخل الحلقات القائدة وبين القاعدة والقمة. وكلها امراض يبدأ وينتهي علاجها باتساع الديمقراطية. كيف اثر هذا على الوضع في البلاد؟!..
(3) الصراع بين القوى الديمقراطية والشمولية
تميز انقلاب الجبهة الاسلامية بانه مخلب قط لصالح الامبريالية شكلاً ومضموناً. وقد شكل هذا الانقلاب المرحلة الثانية من الردة الوطنية التي بدأت منذ يوليو 1971 ففي المرحلة الاولى تمت التصفية الجسدية للقيادات الماركسية الناضجة فكراً وممارسة وترك الحزب في يد قيادة ضعيفة اقرت بنفسها الجمود واعترفت صراحة بتدني قدراتها القيادية فتواكب المد اليميني الامبريالي مع وجود قيادة ضعيفة نظرت لمسألة بقاء واستمرار الحزب في اضيق زاوية وهي (بقاء واستمرار طبقة المتفرغين). ذلك وضع النضال المثابر في هامش حركة المجتمع العسكري وبالتالي نجح مخطط الامبريالية الذي ظل هدفه اقصاء (الحزب الشيوعي) بكافة الوسائل من ان يكون ذا اثر في اتخاذ القرار السياسي وذلك بانحسار تأثيره في الحياة العامة فشكل هذا العجز الظرف الذاتي لنجاح مخطط اليمين.
وبدلاً من ان (التحالف اليميني) كان يستند على قوى شبه الاقطاع والبيوتات القبلية كما اوضح المؤتمر الرابع صارت قاعدة الرأسمالية الطفيلية.. فعاد بذلك الاسلامي القديم (فتياً) وظهر كانه قد عاد بالتاريخ للوراء فالتجربة التي كانت (حلماً) صارت حقيقة باداة الدستور الاسلامي. (جاء في تقرير المؤتمر الرابع 1967م: ان مسودة الدستور الاسلامي برنامج لتلك القوى ينضح بمعاداة الحقوق الأساسية ووثيقة تشهر الافلاس السياسي..الخ).
العمل القيادي بعد الانتفاضة
في فترة الديمقراطية بعد الانتفاضة لقد ادار جهاز المتفرغين الحزب دون افق علمي في منهج التركيبة السياسية ولم يوفق البته في استغلال المساحة التي اتاحتها الانتفاضة لقوى الديمقراطية في التحرك الفاعل نحو ضرب الاساس المادي للدولة اليمينية باسم الدين. وجرى تجديد الطاقات الثورية للجماهير في قضايا ثانوية وترك الجوهري في الامر وهو تعبير عن الضعف الفكري والسياسي التنظيمي للقيادة ومن القضايا الجوهرية (البنوك الاسلوربوية و شبكات منظمات المجتمع المدني التي قامت باسم الدين او قطع الطريق اسلمة اجهزة الدولة بتلك البرامج التي كان يتم اعدادها وتجهيزها للانقضاض على النظام).
ان الامبريالية كانت لها مصلحة في وجود حكومة موغلة في يمينيتها حتى لا تعترف بمبدأ سيادة الدول الذي اقرته المواثيق الدولية وميثاق جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الافريقية فاذا اخذنا العلاقات مع اثيوبيا وارتريا فان جهاز الحزب الشيوعي تحت ظل القاسم المشترك للتحالف اليميني الدولي هو العداء للشيوعين لم يهتم باي جهد اصلاحي او ثوري. فالاصلاح كان يتطلب الوصول للتنظيمات الاثيوبية والارترية وهذا لم يحدث بسبب موفق البلبلة والتذبذب الذي اعلنته الميدان السرية باسم السكرتير المكلف للحزب الذي قدم تنازلاً عن مبدأ حق تقرير المصير اعلن في مؤتمر الاحزاب الشيوعية العربية وهو خط الحزب تاريخياً بترك الشعوب لتقرر مصيرها فاعترف بحق الشعب الاريتري في اطار اثيوبيا الموحدة وبالتالي هذا الموقف حرم الحزب من تخفيف الضغط على اثيوبيا والسودان معاً بالحوار مع الفصائل المسلحة ومساعدتها لاقامة دولة وطنية ديمقراطية يتم فيها التداول السلمي للسلطة بين حزب الشعب الاثيوبي ويبعد بالتالي ارتريا واثيوبيا من ان تكونا سوقاً تابعاً وذليلاً للامبريالية تحكمه طفيلية رأسمالية في تحالف مع تكنقراط يمينين.
تحالف اليمين الجديد لفظ حتى القوى المحافظة التي شاركت مع الحزب الشيوعي كتفاً بكتف وتعاملت معه بنديه واحترام متبادل وتقف معه حتى الان في خندق النضال لاستعادة السيادة الوطنية والتداول السلمي للسلطة في برنامج التجمع الوطني وهناك ايضاً بدلاً من ان يقود الحزب – باعتباره نظرياً الاكثر ثورية وديمقراطية في التاريخ ظل يراوح مكانه لافتقاد الجماعية بين افراد جهاز الحزب فصار هناك رأسان لجسد واحد احدهما بالخارج والاخر بالداخل وعلى مستوى الداخل تضرب الفوضى اطنابها. وبالتالي بافتقاد الديمقراطية داخل الحزب وبالتالي فقدان المبادرة لدى الطلائع الثورية عاد برنامج اليمين الرجعي الذي اشهر افلاسه منذ حاول التسربل بالدين ومحاولات اقامة حلف معادي للشيوعين في مؤامرة حل الحزب الشيوعي. (وهي بالطبع مؤامرة معادية للديمقراطية ووجهت نحو بؤرة ومركز قيادة الفعل الديمقراطي).
ان الطلائع الوطنية عمقت جراحات ذلك الافلاس في ازمة وطنية اطلقت للتنظيمات اليسارية الانتهازية الفرص لتنقض على النظام التعددي الديمقراطي ويبدأ مخطط تصفية الديمقراطية بمنهج يختلف عن المنهج السابق بالنتائج المعروفة من تغيير مسار النظام المايوي من دولة ابتذال برنامج الحركة الوطنية الديمقراطية وتفريغه من محتواه لاستخدامه كمظله وغطاء لبناء قواعد الاسلوربوية في مسار متعرج من الصراعات الثانوية بين قوى اليمين الرجعي (الاتجاه الإسلامي) وانهاك قدرات القوى التقليدية المحافظة الممثلة في تيارات الختمية والانصار وطلائعها السياسية في تحالف الجبهه الوطنية. وكلها صراعات وقف فيها جهاز الحزب موقف المتفرج.
وعلى الرغم من ان الوثائق الحزبية قد واكبت الاضراب السياسي الا ان العمل القيادي من ما هو مكتوب. فالدور التاريخي للنقابات العمالية والمهنية وتجاربها الثورية التي اختزنتها معروف, وتمثل رأس الرمح لك اية مراجعات للدور القيادي الحزبي في انتفاضة 1985م توضح مدى عمق ازمة القيادة وضعف نوعيتها. وان العمل القيادي لم يحدث ميثاقاً سياسياً مع أي من الاحزاب قبل الانتفاضة(التي وقفت قيادة حزبية نافذة ضدها عملياً وبما هو موثق وواجب بيان التفاصيل والمحاسبة في المؤتمر العام) ولذا حاول العمل القيادي لاحقاً عن طريق ميثاق الديمقراطية.
وللاسف اوضحت الممارسة انها الورقة التي تسوغ الاستمرارية لخط الانسحاب من الحياة العامة. فعادة ما تقوم الاحزاب الثورية برص الصفوف للدفاع عن الديمقراطية وتقوم هي بتحضير عمل صدامي يكون خط تفجر الازمة عند الانقلاب فيدور تصعيد صدامي للازمة يجعل الجماهير تثق في قيادتها فتستميت معها.
اليمين الاسلامي في طريق تصعيدي
وامام اعيننا وبمهادنه تصل لدرجة التآمر الصامت انتفضت قوى الامبريالية من صدمة حركة الشارع فساقتها بعيداً عن التاثير على مجمل الحاجيات المشروعة. كما عرضنا سابقاً. واستمر دفع قوى الرجعية الاسلامية في طريق تصعيدي ثم حشد قواهم في الباكستان وافغانستان وتحركت البنوك الاسلوربوية لعرقلة الانتخابات ولم يكن للقوى الوطنية تلك القيادة المهلمة فامكن تشتيت قواها وانقضت الجبهة القومية الاسلامية بقواتها المسلحة على كافة جبهات العمل الوطني تسريحاً للقوى الوطنية وخاصة في الجيش والنقابات واقامت مؤسسات ارهابية لا وازع لها ولا ضابط فالأمن صار اكثر من ثلاث مؤسسات وقوات طالبان من العرب الافغان واسامة بن لادن والجنود الذين يحرسون النظام وهنا عبرت القوات الاثيوبية والاريترية بدعم الحكومة وهزمت نظام منقستو المعزول منذ زمن وانهارت الحركة الشعبية وبدأت عملية خلخلة منظمة لكوادرها اليسارية الحقيقية انتهت بتفكيكها تارة قبلياً ومرة على اساس الدين او التشهير بالمساندة للدولة الشمولية ونقلت عناصر واسعة من كوادرها لمعسكر اليمين الكنسي الذي يرفع راية العداء لوحدة السودان التي فرضتها السياسة التسويقية لبريطانيا على الكنيسة بعد ان كسبت في عصر جون مافي 1922-1930 قانون المناطق المقفولة.
ولكن الوحدة الوطنية السودانية تحرسها ما أنجزته الشعوب السودانية من لغة قومية واحدة صالحة للاستعمال كوسيط بين مختلف القبائل والمجموعات فقد صارت لغة التواصل بين القبائل الجنوبية وشرق السودان والغرب والشمال والوسط وذلك انجاز لسوق وطني واحد. وظلت المناطق التي تحتلها الحركة مرتعاً خصباً للاغاثة في عملية شريان الحياة. والتي جعلت القادة الميدانين للحركة وكلاء توزيع الإغاثة التي تخلق الاعتماد على الغذاء المستورد. ويكفي ان دعم الولايات المتحدة للاغاثة (95% لشراء اغذية من السوق الامريكية او اسواق موالين ولتأجير الطائرات والبقية للموظفين الاجانب والوطنين) بلغ في العقد 89-99 حوالي بليون واربعمائة مليون دولار وفي السنوات التالية على النحو الأتي :-
1999 – 231.1 مليون دولار
2000- 93.7 مليون دولار
2001- 154.7 مليون دولار
حتى مايو 2002- 83.9 مليون دولار
(المصدر: تقارير الكونجرس الامريكي).
فاذا كان يقيم بجنوب السودان اربعة ملايين نسمة فان مبلغ اي سنة منها كان كافياً لتحويل جميع الجنوبين بلا فرز اثرياء. اين تذهب هذه الاموال؟؟
انها تعود ادراجها للسوق الامريكية ويبقى المواطن الجنوبي رهن الحاجة الماسة والتدجين وتستمر الحرب وموت الشباب في الشمال والجنوب. والامبريالية هي التي تمول الحرب وتمول الاغاثة .. ويتواصل الضغط في الشمال والجنوب ولا صوت يعلو فوق صوت الحرب وعندما يطالب العمال بزيادة اجورهم يجدون من يتصدى لهم مستنكراً الحديث عن الاجور في وقت يقدم الشباب ارواحهم فداء للدين والوطن .. ان هدف الامبريالية هو الضغط على الرأي العام الوطني لتقديم المزيد من التنازلات لهذه او تلك الاطراف الممالئة لحماية اسواق الامبريالية.
وتضعف مطالب الجماهير بحقوقها المشروعة.. وتكون الحالة مبرراً الالتفاف على مجانية التعليم والصحة وخدمات المدن , كما يبرر الصرف الخرافي على الحرب فانقلاب الجبهة القومية الاسلامية خدم مخطط الحرب الباردة لصالح الامبريالية.
ولأجل مغامرة الوصول للسلطة خرقت الجبهة الاسلامية كل المحرمات السياسية الوطنية والقوانين والمواثيق الدولية سواء باستلام السلطة السياسية بعمل عسكري او الخرق المنهجي والمنظم لكافة حرمات الحقوق المدنية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية للمواطن السوداني لضمان استمرارية السلطة.
لان الامبريالية هي نفسها تضربها التناقضات ولان الشعب السوداني يملك وعياً سياسياً متقدماً نسبياً على بقية الشعوب بما فيها الكثير من الشعوب الاروبية وشعوب الدول العظمى فان نظام الجبهة رغماً عن ما توفر له من امكانيات مادية بناء لكوادره وقدراته المالية والسياسية (بدأت داخل رحم النظام المايوي الذي أنجز التحول اليميني الانتهازي مع تخلي الامبريالية عن القوى التقليدية والضعف الذاتي للحزب الشيوعي) رغم ذلك فان الجماهير السودانية فرضت على نظام الجبهة طوقاً من العزلة السياسية بسبب ان الجماهير السودانية تقاوم الظلم بايمان عميق بالعدالة والمساواة.
فحملات التشريد من العمل للخدمة المدنية والعسكرية وتنفيذ برامج اعادة الهيكلة بانانية مفرطة نقلت العديد من مؤسسات القطاع العام لمؤيدين من الداخل والخارج لم تتوقع يوماً مكنها في فرض المزيد من العزلة.
رسالة الشيخ العالم
وحين ادرك شيخ النظام ومنظره الاول ان السير في طريق الشراكة لقوى الاستعمار الحديث لم يعط المساحة للعمل "لتدويل الاسلام" داخل بلدان العالم الاسلامي, حاول كمغامر تبرر غايته وسائله ان يناكف باستخدام القدرات الارهابية التي امتلكها النظام في شبكة اقليمية ممتده من افغانستان والشيشان والسعودية ودول الخليج وشمال افريقيا وحتى صعيد مصر وسفوح الهضبة الاثيوبية. حاول استغلال هذه الشبكة ليبعث برسالة للاجهزة الأمنية الدولية بانه يرغب في تغيير توازن القوى بدخوله على خط السياسة الاقليمية.
كان يعتقد انه سيظهر وحدة وطنية سودانية بتلك الرسالة وبالطبع نسى تماماً ان الشعب السوداني شعب لا يحب المعتدين فكانت تلك المغامرة التي فرضتها حالة العزلة, وحال فشلها اتجه الحديث في الة الاعلام اليميني نحو الحقوق العامة للمواطنين .. وبين الضجيج منح (الخليفة) الرعية دستوراً لكن التحرك نحو الجماهير السودانية لفك العزلة الداخلية لم يساعد الشيخ في الهيمنة داخل التنظيم فتحركت مذكرة العشرة وازدادت ضراوة الهجوم على الشيخ بعد سبتمبر لان نمط الاسلام المغامر الذي اوجدته انظمة المخابرات الغربية اراد ان تعرض لعبة الدومينو على اربابه فصارت القشة التي قسمت ظهر البعير.
وفي سبعة سنوات فقط اضطرت اكثر قطاعات الامبريالية غلواً في معاداة الشعوب وفرض انظمة سوداء ( في امريكا اللاتينية) اجبرت على مهادنة الشارع السوداني. وتحولت الجبهة القومية الاسلامية الى جزر وفئات مصالح لا يجمعها في المحصله النهائية سوى قسمة المعاش فحيثما كان ذلك ضرورياً لم يحدث ما يسمى بانقسام الشعبي الوطني.
وعملياً فان الانقسام نسبي اكثر من انه حقيقي اي خرجت مجموعات من النظام مثقلة بكل خروقاته للحقوق ووالغ في المال العام ومنتهكاً لكل الحرمات ولكنه تمكن من ان يفتح كوة في التاييد الجماهيري بانه اكثر وطنية من بقية اقسام الحركة الاسلامية وبالتالي صار لديه هامش مناورة اعطت الاسلام السياسي فرصة للادعاء بانه جزء من الحركة المعارضة للنظام وبالطبع نحن لسنا حكماً على اي تيار سياسي وننتظر مع بقية شعبنا ان يحكم له او عليه ولكننا لن نكون طرفاً في صفقات تمنع محاسبته ككل وفق الصيغة التي سيحدث بها التغيير او وفق حالة توازن القوى. ننتظر ان يؤكد جديته في ادانة موقف الحركة الاسلامية من العداء للشيوعيين السودانيين فانه يتعارض مع وجود حركة اسلامية موحدة او مفككة ما دامت وطنية وتقبل التداول السلمي للسلطة بما فيها وصول الحزب الشيوعي منفرداً او في اطار تحالفات للسلطة وتقبل بالديمقراطية السياسية والاجتماعية وتدعو الى سبيل ربها بالموعظة الحسنة.
. وحدة التراب السوداني
ان كثيراً من الجماعات المسيحية والإسلامية تسعي لمصالح دنيوية محضة باسم التدين. وترفيع هذا وذاك من قيادة المتعلمين ليفرضوا رأي الاقلية باسم المسيحية والاسلام او السودان الجديد والقديم وهذا ما يفيد. المفيد هوالحكم الراشد القائم على عدالة توزيع الفرص. واليمين المسيحي ممثل في (اريك ريفغر) و الآخرين من دهاغنة الأيدلوجية اليمنية في عصر جورج بوش يجهد نفسه لتفريغ الحركة الشعبية من محتواها اليساري ودورنا هو السعى للجم الميل نحو اليمين كحد أدنى من خلال الكشف المنهجي في الممارسة, و في نفس الوقت تقديم طلائع و قادة يعتنقون مبادئ العدالة و المساواة ليكونوا القدوة و المثل بالتحالفات العريضة.
ولذلك فاننا نعمل مع كل الذين لديهم مصلحة في (إنقاذ الريف السوداني) من الفقر لاسباب مختلفة و لصياغة برامج عملية و تنظيم من المجموعات القبلية و حتى قوى السوق المنتجة التي لها مصلحة في إبعاد الأساليب السوداء و أساليب إغراق الأسواق بالفائض ( تناقض ثانوي قد يتحول إلى رئيسي يؤدي إلى القتال الفتاك بين أوروبا و أمريكا) و نستفيد من اتجاه قوى السوق العالمي للتوحد فالإنتاج السلعي و البضائعي لا يعرف التجزئة .
وحدة التراب السوداني التي نص عليها إطار مشاكوس لم و لن تكون منحة للسودانيين ووحدة التراب السوداني هي إقامة الحكم الراشد والذي نعني به:
1/ الدولة المستقلة عن الدين و العرق و الجنس
2/ سيادة حكم القانون
3/ الفصل التام للسلطات بإقامة نظام قضائي مستقل و حرمة للقضاء
4/ التداول السلمي للسلطة
5/ استقلال منظمات المجتمع المدني (الأحزاب + النقابات و الجمعيات التطوعية الخيرية و الرياضية و الدينية)
6/ مبدأ تكافؤ الفرص
7/ الدعم للمحتاجين و المناطق المهمشة و الفئات الخاصة
8/ المساواة بين الأعراق و الجنس و المرأة و الرجل و سد الفجوة التاريخية الماثلة
9/ مبدأ المشاركة و نبذ العنف و العزل و الحكم بالطوارئ
10/ ديمقراطية القواعد و الشراكة على مستوى القواعد و المركز(الفيدرالية) .
إن أي شكل من الصفقات ( بعيداً عن جماهير الشعب) كما حدث في حصر المفاوضات بين الحركة و الحكومة يقاس ناتجها بما خرجت به من اتفاق متوازن في هذه النقاط العشر. و لذا فإننا نرحب بأي نوع من الاتفاق لوقف الحرب ولينفتح الطريق أمام العمل الجماهيري لتطوير الاتفاق الثنائي و نفي سلبياته بجعله أكثر ديمقراطية و محتوى اجتماعياً يسير في طريق العدالة و يلجم السير نحو الدولة البوليسية.
و على ذلك يقع عبء التوجه نحو الجماهير المنظمة و تنويرها حتى لا يتم استقطابها بمواقف اليمين الانتهازية سواء كان اليمين المسيحي أو الإسلامي و اللذين هم أساس التذبذب بعيداً عن الديمقراطية الاجتماعية. ففاقد الشيء لا يعطيه فالديمقراطية الأمريكية لا تصلح لغير الأمريكان و من يعتقد يصدق و شرف الوساطة الأمريكية يكون مخطئاً فأجهزة الأمن الأمريكية (لن تخل إصبعها في عينيها) هي التي بنت مشروع الأصولية الإسلامية منذ سنة 1976 ولا يمكن التخلي عنه ببساطة وعلى ذلك لا بد أن يستمر المشروع الأصولي الإسلامي و لا بد أن تتم زعزعة القوى الوطنية و الديمقراطية الجنوبية داخل الحركة الشعبية من خلال مجموعات الضغط الكنسي. ويكون امام الشرائح المتقدمة داخل الحركة الشعبية أن تندفع في إتجاة تمتين تحالفها و ترفع رايات الوطنية السودانية. و الانفصال تهديد و تهويش من قوى اليمين لاتطاله, لان التناقض الدولي بين قوى السوق يسعى نحو الوحدة بعيداً عن البلقنه.
و أثبتت القوى الديمقراطية الوطنية قدرتها الثابتة و المبدئية (رغماً عن إختلاف التيارات بين اليمين و اليسار) على إقرار مبدأ وحدة التراب السوداني. و ما اتفق السودانيون عليه لا توجد أي قوة تستطيع أن تمنعهم عن تحقيقه.
(5) انهيار نموذج رأسمالية الدولة الشمولية
يضعون صيغ أسئله هي تعميمات ماركس وبرنامج لينين للإنتقال بروسيا وما أحرزته بلدان أسيا الرأسماليه ثم النتائج المأساويه للتجربه الستالينيه والدروس المستخلصه. ومالنا وكل هذا في قضية الإصلاح.
أن قضيه المركزيه هي قضية الديمقراطيه في السودان ولكن لأننا اتبعنا نموذج التجربه السوفياتيه وصارت قيادتنا مرهونه بنجاح او فشل التجربه. وكان أمامنا نموذج التجربه الشيوعيه الغربيه ولكن تحجر فكر البيروقراطيه الحزبيه السودانيه تماماً كربيبتها السوفاتيه لم تحاول قبول تلك التجربه والإستفاده منها فإنهار نموذج الرأسماليه المركزيه المعتمده تسويق الأسلحه كمدخل لإحداث تنميه عامه (رأسماليه الدوله السوفياتيه) ولكن الرأسماليه المركزيه (رأسمالية الدوله) المتعددة الأحزاب (الدول الإسكندنافيه) لم تنهار مما يؤكد انها قضية الديمقراطيه هي محور أساسي في تنظيم الدول والمجتمع تتفاوت سعة التشوهات والإخفاغات والنجاحات (فوق هذا وذاك) مستويات التذبذب والقطع والإستمرار بمستوى اداء هذه الديمقراطيه.
.اشتراكية طبقة المتفرغين
إنهارت رأسمالية الدوله السوفاتيه رغم ما أهلك السوفيت من دعايات مضاده حمقاء ورغم الإدعاء الكاذب بالإنتقال لمراحل عليا من الإشتراكيه. انها إشتراكية في اذهان الموظفين (المتفرغين) الحزبيين القابضين على دولاب الأجهزه القمعيه التي برعت فقط في إخماد جذوة الثوريه والمصداقيه المتقده ولو بدرجات رياء تتسم بالصدق احياناً والمصادفه احايين عددا , كما تفعل مؤسسات الإيدلوجيه الرأسماليه.
تحول إيقاع التنميه الماديه الى حالة استلاب ينعم بخيرها من يحرق البخور في معابد مؤسسات الحزب لتلك الفئه القائده بإسم نستالجيا الطبقه العامله لتسلبها حقها في خدمات تتسع لصالح تطور القاعده الماديه عالية التقانه والمنتجه للأسلحه ومعات الإنتاج الضخمه فتسلب تلك القيمه الفائضه وتصرف على مؤسسات الأمن والتسلح وتدخل في سباق لخزن ترسانات الاسلحه التي لم يكن هناك سبب لخزنها أصلاً.
بالتفكير المغلق الذي اشاعته القياده السوفياتيه وأحدث التراكم تحولاً نوعياً في أبعاد التأييد الجماهيري وإنحسار المد الثوري. ففرض على القاعده البحث عن أساليب عملية براجماتية للخروج من أزمة التمويل الحاده للمؤسسه العسكريه الصناعيه في الإتحاد السوفياتي (السابق) وذلك في إقرار تام برأسمالية الدوله وليس الإشتراكيه كما ادعت الوثائق الرسميه المهزومه تاريخياً والمعتمده بواسطة مؤسسات بوقيه من صنع بيروقراطيه حزبيه تنتفع برفع الشعارات الثوريه والإشتراكيه ...الخ.
ان النموذج الشيوعي الغربي الملتزم فيه الأحزاب بالديمقراطيه وآلية التداول السلمي للقياده لم تميد الأرض تحت أقدامه او يتشكك في شيوعية انتمائه المسئول للمستقبل.
فالأسم (الحزب الشيوعي) هو اسم يستشرق آفاق المستقبل عندما يصبح ممكناً بان تردم الهوة بين المدن والريف وبين العمل الذهني واليومي. ماركس نفسه لا يعرف كيف ستحدث ولا من هي الطليعه الثوريه في اطار الفئات الاجتماعية التي ستحقق ذلك لكن كشف عن قوانين التطور الإجتماعي.
.كيف انهار بناء الحزب من قمته
أي حزب أفتراضي يلهم أعضاءه المتحدين والمنحدرين من ثقافات وأعراق ومستويات مهنيه وفنيه مختلفه ويصوغ برامج تتحد فقط بالمشاركه والإعتراف الكامل بدورها وآليات عصرها فالمصالح الفئويه قضيه مرسله لن تنتهي. والطلائع تتمثل ثقافاتها التي تنحدر منها دينيه كانت او عرقيه وتحاول ان تستخدم نور العلم كل حسب قدرته ثم ترص صفوفها بتحالفات كتلك التجارب الثره في حياة المعلم عبدالخالق التي أثرت أرض الواقع بعد أكتوبر1964 وفرضت على التاريخ نفسها بأن تستولى البرجوازيه الصغيره من فصائل القوات بإسمها على السلطه في مايو 1969.
وعندما تجاذبت هذه الفئات طريقان للسير التقدمي احداهما مرتبطه بحركة الثوره الوطنيه الديمقراطيه. ارتبك الحزب وبان الضعف الذاتي باللجنه المركزيه فانقسم وتخفى دون ان يبدئ رأياً قاطعاً.. ويمتد الضعف ويبرز الاتجاه اليميني.. وقام يسار اليمين العالمي المتدثر والمتخفي بشعارات الثوره التقدميه المسنوده بالإتحاد السوفياتي بوأد قدرات عبدالخالق لم يستوعب ضرورة وجود التيارات لممثلي الفكر الواحد, وأصر على النقاء والطهر الثوريين حتى اللذين (تآمروا وثاروا) في وجهه كان يرى دائماً انهم محتاجون للمساعدة وعلى الحزب ان يساعدهم وكل اعضاء الحزب عنده ثوريون ومفترض ان يكونوا انقياء.
لم يكن مخطئاً لكنه لم يقدر واقع المقدرات القياديه الى جانبه ولذلك فانها حين نازلته في المؤتمر التداولي1970 أدركت كوادر الحزب الوسيطه حجم الخلل في التركيبه القياديه.
ان عبدالخالق رغم فكره الثاقب لم يكن حميمياً في صنع آلية تنظيميه تداول وتلاقح وتحاسب بالصرامه الكافيه وظل الجهد التربوي لليناء الحزبي مدرسياً وقاثياً يعتمد على فتات مدارس الكادر الحزبيه الروسيه, والتي لا تنتج سوى انتهازيين يلوكون شعارات فجة ويصلون بها قطاعات واسعه من العضويه ويستغلون مكانتها ونفوذها الإجتماعي.
ان ما تفعله الديوانيه بإستغلال بشع لفائض القيمه من العاملين تمارسه قيادة جهاز الحزب ايضاً على العضويه النقيه وبإسم تطلعهم المشروع للتغيير الحضاري تتم صناعة أصنام ضعيفه المستوى العلمي ولا تهتم كثيراً بالفعل الجماعي للحزب وتختار من بين العضويه بعض فاقدي الثقه في انفسهم فتسلمهم مقاليد الجبايه والإتصال وما على الآخرين الا السمع والطاعة.
. ازمة النظرية واداة التستر
يتساءلون هل نستطيع القول ان هناك أزمه للماركسيه؟ ان وضع السؤال من الناحيه العلميه المحضه والمجرده يتطلب القول أزمة أساليب إقامه نظم ذات توجه ماركسي وهذا يعني البناء المؤسسي للنظم على منهج البحث العلمي المادي التاريخي ومنهج الإقتصاد السياسي وفق ما طوره ماركس.
هل هذا سؤال لشخص ينشد تطوير المؤسسه التي ينتمي اليها وكان متعنتاً حميمياً في إضهاد الرأي الآخر داخل المؤسسه؟ ويواصلون الحديث تبسيط ساذج الي السؤال: ما هو مستقبل الفكر الإشتراكي على اختلاف مشاربه في متغيرات العصر .. هل انتهى دور النظريه العلميه في التطور الإجتماعي ليحل محلها الفكر التجريبي البراغماتي؟
وهذا امر غريب أين ومتى كان الفكر الإشتراكي في تاريخه مربوط وهو جنين الوعي العلمي – بالفكر الوصفي التجريبي وأسلوب تنفيذه المسمى براغماتي؟ ان مواقع الوعي التاريخي الإشتراكي إقتلعت (انجلز) من وسط الطبقه الصناعيه الناهضه في بريطانيا وجعلته أحد أعمدة الفكر الإشتراكي ووصلت البراغماتيه كأسلوب في تنفيذ الأفكار مداها عند يلسن ليصبح ميكافيليا يصل أهدافه فوق تحالفات تمتد من سهول سيبيريا وحتى البيت الأبيض دون ان ينفي شيوعيته.
معروف بان الاحزاب الشيوعية في فرنسا وإيطاليا و اسبانيا و حتىالحزب الشيوعي الروسي الحالي لم يتطرق لهم هذا الشك ولكن الهدف الحقيقي قد يكون ان الأفنديه من متفرغي الحزب أفلسوا تماماً في تناول قضايا الثوره السودانيه فرغبوا في إستخدام أزمة الشيوعيين الروس لجعلها أزمة النظريه ومن ثم التستر ورائها كأداه جدل بيزينطي.
ان ما يطرحه الاتجاه اليميني, قيادة جهاز الحزب الشيوعي السوداني هي قصاصات غير علميه ذات المنهج الأحادي والمليئه بالثغرات الفكريه والمنهجيه وذلك لأنها جهد شخص واحد او عدد لا يتعدى أصابع اليد الواحده وهذه المجموعة لا تؤمن بالتلاقح مع العضويه قبل إجازة الوثيقه التي لها حقوقها وهي تمثل مختلف الأجيال.
ان ما نراه من ديوانيه مقيته هي الشريك الصغير للديوانيه الروسيه التي اودت بتجديد الإتحاد السوفياتي (العظيم!). لم يكونوا يعلمون ان التراكمات الكميه تؤدي لتحول نوعي!!
ان الفكر الإشتراكي به جملة تيارات لأن مستويات الوعي الإجتماعي داخل الطبقه الواحده متفاوت حسب ليس موقع الطبقه من الإنتاج فحسب بل ايضاً بمدى تفاوت او تطابق هذا الوعي مع الفئه الإجتماعيه التي يمثلها كطليعه لها فالأحزاب هي تنظيم للطلائع.
ما قدمته قيادة جهز الحزب من اسئلة وتساؤلات لا تصلح لمعالجة قضية الإصلاح التنظيمي وقضايا الماركسيه ( الفكر التاريخي العلمي) والثوره السودانيه.
ولكن تلك التساؤلات هي هروب من الاقدار بالاخطاء والنقد والنقد الذاتي والمحاسبة. وان اساليب العمل القيادي الراهنة لا تساعد في بحث الاجابات لعزلة القيادة عن دور البحث العلمي وادارة العمل بمنهج علمي ضررورة, لان مثل هذه الدراسات تقوم بها فرق بحثية , وبعد ان تنتهي يتم إستخلاص النتائج الحزبيه منها ومن ثم صياغتها حزبياً. ان وضع العجله امام الحصان تجعل الفكر الذي أوجده ماركس يقف على رأسه بعد ان أوقفه على رجليه
هل تمت دراسة طريق التطور غير الرأسمالي (الإشتراكيه الديمقراطيه) في أدبيات الحزب الشيوعي الإيطالي والفرنسي وتجربة نيكاراغوا في التداول السلمي للسلطه بين السندنستا واليمين؟ وتجربة كمبوديا ما بعد الخمير الحمر؟ وتجربة رأسمالية الدوله المركزيه الصينيه مع تجربة اندماج هونغ كونغ (نظم متعددة مع سيادة واحدة)؟ وتجربة فيتنام والنصر الذي حققته تحالفات يساريه.
. ديمقراطية الحزب
ان القياده الفرديه لا ترغب في طرح الموضوع محور الصراع الدائر وهو ديمقراطية الحزب وتوسيع قاعدة المشاركه من تحت لأعلى والعكس صحيح مطلقا ًوتوسيع قاعدة المشاركة من ادنى الى اعلى, وحصر الموضوع في القوالب التي وضعها في جهاز الحزب في 1997 هو تعبير عن العجز عن استيعاب قضايا العصر وحل اشكالياته المنهجية بالمنهج التاريخي. ان المسلك القيادي لجهاز الحزب الشيوعي السوداني لا يختلف عن مسلك غورباتشوف وشركاءه من أمثال يلسن وشفرنادزه : اطلاق البراغماتية من عقالها كاملاً. وعلى ذلك سيتم الانشقاق البراغماتي في السودان كما حدث في الاتحاد السوفيتي السابق..الخ
ان تحول القياده الممسكه بدست السلطه الحزبيه تقترح كحكماء طرق الرشاد وتضع الوصفات العشبيه المنتقاة سعياً وراء التستر من استخدام النقد والنقد الذاتي. كان من الأجدر بها ان تعترف بقصورها الفكري وضعفها في مواجهة تراكم أخطاء الماضي التي بدأت منذ اتمرأت الاستمرار في سلطه الحزب بمختلف المسميات وكانت تبعد عن القياده حتى بعض الزملاء المستنيرين الذين جاءوا في لحظات تحولات وانعطافات حاده كان بينها ان يطرح موضوع ان نكون او لا نكون هذه الفئات التي تمثل أصالة العضويه التي تلقت معارفها من مصادر علمية مسئوله بمنهجية التجربة المثابرة والناضجه مع قدرة الإنفتاح على الآخرين لتجويد الموقف المبداء.
ان الحل الاقرب والاسلم هو اعتراف جهاز الحزب بقصوره الفكري وضعفه في مواجهة تراكم اخطاء الماضي واستخدام النقد والنقد الذاتي, والآن ومنذ 1997 موطرح قصة (نظرية جديدة) و(حزب جديد) الم تظل قيادة جهاز تراوح مكانها؟ هل تضع امامها اية مهمة بخلاف التخطيط في الاضابير لاجل استمرارية هيمنتها؟ هل هذه ايضاً من قضايا العصر؟
. الديمقراطية المركزية
في هذا الجو المفعم بالأمل في تغيير ينتظم حياة الحزب الداخلية لتنفيذ مهامه
التاريخية , فان جوهر تغيير الحياة الداخلية هو من خلال الديمقراطية الحزبية وحل إشكالية جهاز المتفرغين.
قضية الديمقراطية المركزية هي بحق القضية المركزية ومن ينفيها كقضية يصيب قضية التنظيم (أي تنظيم ) في مقتل ومن ينقدها بمعنى دحض عملية تراكم الأخطاء لضمان تحول نوعي في الممارسة يدفع بها ايجاباً للصدارة.
. الاحكام النهائية للخاتم عدلان وما اسبابها
يصف الاستاذ الخاتم عدلان في ورقتة بعنوان حانت لحظة التغير
المركزية الديمقراطية بأنها " داء الحزب العضال" ويقول:
ثمة عقبة ذاتية داخل الحزب ذاته تعيق نموه وتطوره وهي تتمثل في المبدأ التنظيمي الذي يحكم حياته الداخلية أي المركزية الديمقراطية, فسيادة هذا المبدأ هي المسئولة عن عقم حياة الحزب الداخلية وضيقه وبرمه بالرأي المستقل والشخصية المستقلة.
وواصل الاستاذ الخاتم عدلان بانها مبدأ لينين وليس ماركس وانها افرزها الواقع الروسي المتخلف. فاصدر بذلك حكماً قاطعاً ونهائياً بأنه لا فائدة منها, منافياً الفهم العالمي المبني على جدلية المادية التاريخية.
لا مفر امامنا الا ان نبدأ بالبديهي لأنه قد تم دحض البديهيات, والبديهي ان هناك وحدة جدلية بين المركزية والديمقراطية. والاستاذ الخاتم دائماً يعبر بما ذكر عن موقفه الذاتي, فأي شخص حين يصف ظاهره يشترك في سلبياتها ولا يكون لديه الإستعداد النفسي لنقدها منهجياً.
فأي تنظيم, يميني او يساري, خدمي او اهلي, حتى فريق كرة القدم فيه احتياج لدرجات من المركزية ودرجات من الديمقراطية وآلية التنظيم أي تنظيم هي وحدة وصراع الأَضداد وكل ظاهره هي تاريخها.
وعلينا ان نتتبع مظاهر الإيجاب ومظاهر السلب والإستلاب في الظاهرة المسماه المركزية الديمقراطية وبالطبع سنحاول التركيز على التجربة السودانية عامة وتجربة الحزب الشيوعي السوداني خاصة دون اغفال للتجربة العالمية.
. مع جيل الثوريين
جيل الثوريين الذين الهموا المركزية الديمقراطية افترضوا ومارسوا فعلاً افتراضهم بان المركزية الديمقراطية اداة لتنظيم علاقاتهم مع بعضهم لمصلحة الثورة في عصر الثورة, فهي بالتالي اداة الثورة لتصفية الفكر الرجعي وتحقيق وحدة الفكر لتحقيق وحدة الإرادة او التحرك كجسم واحد لتنفيذ المهام الثورية, فخضوع الهيئات الدنيا للهيئات العليا ليس خضوع الرئيس والمرؤوس في الخدمة العامة, بل هو في نظام النقد والنقد الذاتي, وفوق هذا نقاء القيادة والأمانة الثورية والروح الرفاقية, وهي قيم تنمو لدى الفرد الثوري من ادمانه الإحساس بالخير وثقته في نفسه وفي المستقبل وفي مشروعية اختياره لإنتماءه .. والأطلاع الناقد للفكر والممارسة.
كذلك قدرة الطليعه على تصحيح أخطائه هي الإفتراض الأسمى عند من يتولون القيادة, فكوارث التاريخ لم يحدثها ان القادة يخطئون, بل احدثها اما اصرارهم على الخطأ او تعاليهم على اراء الخبراء والمتخصصين من مستشاريهم ومشاريكهم في المبدأ. فالسلطه مفسده, والسلطه المطلقة أكثر إفساداً.
كان القادة التاريخيون للحزب الشيوعي السوداني حريصين على مثل وقيم التربية الثورية التي تجعل هناك انسجاماً بين الفكر ووسائل تنفيذه (المركزية الديمقراطية) جوهر الشيوعية كما ابان ماركس هو ان يصبح العدل عادة, واظن اننا ندرك مدى تعلق الناس بعاداتهم (جميلها وقبيحها) والنقد والنقد الذاتي هو مسار نجاح وهبوط وتدني مستوى ممارسة الديمقراطية المركزية فكلما تدنت درجة الممارسة الثورية للنقد والنقد الذاتي اختفت الديمقراطية وصارت المركزية دكتاتورية الطغمه الحاكمه في التنظيم.
إذن ليست الديمقراطية المركزية هي الداء العضال بل الأساليب والمناهج التي استخدمت فغيبت النقد والنقد الذاتي فكان هذا زمان الإنهيار الذي نعيشه.
نواصل في الجزء القادم النقد الذاتي للاستاذ التجاني الطيب والنقد الذاتي لموقف قيادة الحزب من اتفاقية الحكم الذاتي, ومتابعة مسألة مبدأ الديمقراطية المركزية.
و (انني لا افرض, انني لا اقترح, انني اعرض).
. الاقرار بخطأ الموقف من الاستقلال
عندما نتابع عرض ونقد الاستاذ الخاتم عدلان لمبدأ الديمقراطية المركزية والذي حكم بانه داء الحزب العضال في رؤيته: آن اوان التغيير, فكانما نعرض في ذات الوقت مبررات جهاز الحزب افتراضياً حيث ان الجهاز استبد في دستوره الجديد الديمقراطية المركزية كمبدأ لسير الحزب, دون الولوج في بيان الدواعي الفكرية التي استند عليها فهو فقط أخذ نتيجة الاستاذ الخاتم, ويفهم من خلال المقدمة التي صاحبت الدستور ان المبدأ هو الذي كرس (المركزية الستالينية) والنظام الشمولي في الاتحاد السوفيتي السابق الذي كان من نتائجها. وهذا امر غريب.
من ناحية فان السادة في جهاز الحزب هم ستالينيون حتى النخاع, وهم حتى في مشروعهم الجديد قدموا الدستور وهو دستور حزب مركزي باعتباره (ديمقراطي ساكت).
من ناحية أخرى واهم فانهم مطالبون ببيان اسباب وآثار المركزية الستالينية في الحزب السوداني لا الروسي ونقدها.. الخ (وساعرض لذلك اكثر تفصيلية مع الجزء السابع من المقال).
وقد اوضحت في العرض السابق ان اختلافنا مع الاستاذ الخاتم يكمن في اننا رأينا ان الخطأ ليس في المبدأ ولكنه في الاساليب والمناهج في الممارسة وان النقد والنقد الذاتي هو مسار نجاح او هبوط مستوى ممارسة المبدأ وان الانهيار الحالي هو بسبب غياب المسار.
دعمنا وجهة نظرنا بالتجربة العالمية ودروسها 1908 – 1920 في الجزء الاول من المقال وكذلك بالتجربة في السودان واعتمدنا في ذلك على الوثائق الحزبية لا سواها وبالذات مساهمات القائد الوطني عبدالخالق محجوب في الجزء الثاني من المقال وقد ادهشني الاصدقاء بالتعليق على الجزء الثاني بانه قاسياً .. ان الذي قسى عليهم هو الحزب بوثائقه بتجاربه واكدت لهم انني لا افعل شيئاً غير العرض لماذا لا يصدقون؟!.
لكن الملاحظة الرئيسية ان اسهام الاستاذ الخاتم عدلان فيما يختص بنقد مبدأ الديمقراطية اهمل اعمال قوانين الجدل على ازمة القيادة في الحزب وبالتالي لن تنجح آلاف الصفحات في اخفاء الضعف الذاتي للقيادة .. وهو نفسه وصل الى هذه النتيجة كما نلاحظ انه قرظ المبدأ تارة معتقداً بصلاحه للعمل السري, ثم التف عليه ورأى عدم جدواه وان تخلي الحزب عنه يجعله حزباً ديمقراطياً تارة اخرى.
قيادة الحزب (ونحن نعرض للمارسة ونضع امامنا القول ان النقد والنقد الذاتي هو مسار نجاح او هبوط مستوى الممارسة لابد من تسليط الضوء عليها في التجربة السودانية) عندما قيمت موقفها من اتفاقية الاستقلال (اتفاقية الحكم الذاتي) التي فرضتها وبعد ايام قليلة من تبنيها لخطأها عادت وتراجعت عن هذا الموقف الخاطئ وانتقدته امام الجماهير. قبلت الجماهير واعضاء الحزب النقد لانهم يثقون في صدق واخلاص القيادة وعبدالخالق لقضية الوطنية السودانية والتي لم يتوقف نضالهم من اجلها.
لكن الأهم ان ذلك النقد اكد على حقيقة ان الأفكار الماركسية التي يسترشد بها الحزب ليست عقيدة جامدة وانما هي علم يتطور من واقع الاحتياجات اليومية للنضال مرة يسير امامها ومرة يسير خلفها فيسرع الخطى ليلحق بركب التاريخ الزاحف نحو التقدم وان النفع دائماً في عرض الوقائع التحريض الدائم على التدقيق فيها وتحريرها من الجانب الشكلي كوقائع من الماضي مجردة من الحيوية.
. نقد التيجاني الطيب
النقد الذي قدمه التيجاني الطيب بابكر عضو القيادة المركزية المنتخب حول مشاركة المرحوم عوض عبد الرازق في افكاره, فرق فيه بين افكار التيار اليميني ومن تمر به لحظات يحمل فيها افكاراً يمينية ويخلصه منها الصراع الفكري المستهدف رفع القدرات بسلاح النقد والتي حين يقتنع بها الفرد يمارسها ذاتياً.
( قام عبدالخالق والوسيله والجنيد بمساعدة التيجاني حتى تخلص من الأفكاراليمينية الخاطئة وعاد الي الجادة, كما اثبتت الممارسة التزامه بما جاء في نقده فمعيار الحقيقة هو الممارسة. وكما هو معروف فان طبيعة الأيديولوجية ان تعكس الأفكار في ممارستها فبإسم الثورية والفكر الثوري تتم تصفية الفكر الثوري, وبإسم الرجعية قد تتم ممارسات في منتهى الثورية والفكر الثوري, وبإسم الرجعية قد تتم تصفية الفكر الثوري وتحت راية التجديد قد يتم انجاز المراجعات والعكس.
ان الاستاذ التيجاني الطيب في نقده لأفكار عوض عبدالرازق أكثر إبانه لما جرى في ذلك الصراع ومواقف أطراف عن الصراع عن أي وقت حمل فيه التيجاني تلك الأفكار وكان موقف الرفاق في القيادة من التيجاني موقف المساند والمساعد لتخطي فترة ممارسة النقد بعيداً عن أي اساليب غير مشروعة.
. التجياني الطيب مرة اخرى
مرة أخرى وخلال الحقبة المايوية يخطئ الاستاذ التيجاني وهذه المره بسبب التهاون والغفلة في التأمين الذي تسبب في إعتقاله ومره أخرى يقدم نقداً علميا ًمتقدماً لمسلكه ويشرح مسبباته يستخلص دروسه كان ذلك النقد مفيداً لكل العضوية والقيادات في قلب العمل السري.
واستشرى التعيين واقامة مراكز القوى برص المحاسيب وحارقي البخور وبالتالي ابتعددت الأجهزه العليا عن الرقابة القاعدية وانتهى الحرص على التعليم والتعلم وكانت البيروقراطية المقيته.
.عبدالخالق قال: لن يستقيم الحزب دون المبدأ
الحياة الداخلية في بعض منظمات الحزب لا تسير على اسس سليمة وخاصة في موضوع المركزية الديمقراطية اذ ان بعض الرفاق يدوسون على هذا المبدأ الذي لن يستقيم الحزب الشيوعي بدون تطبيقه انهم يضعون السلطة التنظيمية محل الصراع الفكري والاقناع انهم يحترمون رأي الاقلية, انهم لا يناقشون سياسة الحزب بقدر ما يصدرون الاوامر العسكرية هذا الاتجاه خطير جداً وهو صادر عن عقلية فوضوية, عقلية مغامرة لا علاقة لها بالعقل الماركسي والاضرار الجمه تلحق بالحزب نتيجة لهذا الجو الخانق.
فالرقابة على القرارات تعني التحقيقات المستمرة. وتعبئة الاعضاء حول خط بعينه تعني التبليغات العسكرية والاختلاف في الرأي يعني العداوة والاحقاد والطرد من العضوية.
فاذا كان هذا هو المسلك من الاعضاء فما املنا في خلق صلات بالجماهير.
وعلى الشباب ان يتأمل هذه الكلمات قبل اربعين عاماً هل تغير واقع الحزب او تحرر من الجو الخانق؟ ان التحقيقات اصبحت جمع المعلومات والتبليغات ثم تجديدها بالمواجهات.
فما هي مسؤولية المبدأ هنا؟ هي اساليب الممارسة الخاطئة ونتائجها المعروفة ولتفادي المحاسبة وتحمل مسؤولية الأخطاء ونتائج الممارسة فقد تقرر استبعاد المبدأ نفسه استبعاد مبدأ الديمقراطية المركزية.
. التنظيم الحديدي..!
ان المركزية الديمقراطية هي علاقة جدلية في فعل الطليعه الثوريه بين مركزة الممارسه الثوريه أي ضبط إيقاع وتناغم الفعل الثوري وحرية الحركه للمناضلين المتساوين في الحقوق والوجبات والمتحدين اختيارياً في الحزب الشيوعي. هي علاقه بين الذاتي والموضوعي, الذاتي في سلوك القيادة والموضوعي في السلوك الأيدولوجي للطبقات المعادية للطبقه العامله.
فالتنظيم المركزي لإنتاج مصنع هو في تكامل الالآت مع الجهد البشري الذي يديرها ويصنعها ويصلحها عند العطب. هذه هي العلاقه الماديه التي اختزلتها الماركيسيه لتقيم بها تنظيماً حديدياً.
وارجو من الشباب العودة للآيه الاخيرة الكريمه في سورة الفتح:( محمد والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم...).
.الاستبداد الشرقي
أزمة المركزية الديمقراطية تفاقمت ايضاً بظلال الواقع الإجتماعي الماثل في الشرق كله وهو ان المجتمعات الشرقية ( وليست روسيا وحدها كما رأى الاستاذ الخاتم عدلان قامت كل حضارتها على العشائريه الأبويه او ما أسماه ماركس "الإستبداد الشرقي" والذي يتمثل في السودان في المثل الشعبي "اكبر منك يوم اعرف منك دهر") فعصر البرجوازية وآليتها الصناعية يمثل عملية قطع لهذه التجربه التاريخية.
واستفاد الإستعمار القديم والحديث من هذه الأبويه السائده فنسج سلطته من اختزالها لصالحه فبدلاً من ان يكون الشيخ او العمده او الناظر متسلطاً لصالح رعيته اصبح متسلطاً لصالح السلطه الإستعمارية وصارت البرجوازية الصغيرة (خريجي المدارس العسكريه والمدنيه) صنائع للإستهلاك البضاعي واسع النطاق المربوط بمركز الإنتاج البضاعي والسلعي الكبير في البلدان الإمبرياليه.
فحدث في العالم الثالث تناقض مزمن بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل حيث يتخرج الطالب من المدرسه بمعارف لا علاقة لها بدولاب الدوله الحديثه وفي نفس الوقت يكون متعالياً على واقع الإنتاج اليدوي البسيط والزراعي المتصبب عرقاً.
فان لم يجد الوظيفة يدخل السوق ويعمل بالتجاره في عصر الإمبرياليه هذه (سيطرة رأس المال المالي) تتجه الإمبرياليه نحو المزيد من الهيمنه بإدارة العرض وإدارة الطلب. صار الهم الأول للحكومات الإمبرياليه هو إيجاد الأسواق والتنافس في دعم ميزان المدفوعات لتحسين القوه الشرائيه للبلدان المستهلكه وبالتالي يذهب الدعم والثراء للفئات البنكيه والتجاريه وتضمر الزراعه وخاصة المحوله للصناعه, فالمهم ليس ان تكون هناك خصائص راقيه للقوى البشريه المنتجه بل ان يكون لديها قوه شرائيه.
. برنامج التصنيع الواسع
كان برنامج عبدالخالق محجوب في التصنيع الواسع النطاق وذلك لأن الصناعه هي تخلق الطبقه الجديده سواء من العمال المهره او غير المهره وهي التي تربط الإنتاج بالعرض الحديث وهي الفئات صاحبة المصلحه في التغيير الإجتماعي هذا السبب الذي إستدعى عبدالخالق ليقبل دخول الحزب في المجلس المركزي الذي أقامه عبود فدمج بين وسائل النضال القانوني الذي يحمي قاعدة الدوله الماديه والنضال السري ضد الممارسه السياسيه للإمبرياليه التي قطعت الطريق على القوى الحديثه بخلق تناقض بينها بإستخدام الجيش ادآه لقمع الديمقراطيه فقرر ان يطاح بها بالإضراب السياسي هل منعت المركزيه الديمقراطيه هذا التكتيك المزدوج؟
فالثوري يكون في وسط الأحداث لا خارجاً عليها ينظر لها من أعلى او يكون تحتها. فهل منبع مبدأ الديمقراطية المركزية قيادة جهاز الحزب من ادراك حجم مقدراتها وان تقدم تقسيماً للعمل يستفيد من خبرات الكادر في التنظيم؟ هل منبع الديمقراطية المركزية ان يتفهم المتفرغ انه, انما هو عضو في الحزب فكلف بالوصول بالاعضاء المنظمين في الحزب كلهم لدرجة من المشاركة في التفكير والتخطيط والتنفيذ؟ هل منبع مبدأ الديمقراطية المركزية المتفرغ من ادراك انه ليس من مهامه التفكير والتنفيذ نيابة عن الاخرينالا في حدود المسؤولية التقصيرية؟!.
ان مبدأ الديمقراطية المركزية في عصر جموده وباسمه تم البطش والتصفية والنفي ومحاكم التفتيش والارهاب واشانة السمعة.. تحول الى اداة الاحكام القضية القيادية والتأكد من السيطرة وتحولت الديمقراطية المركزية لاداة قمع.
اذن هو الانقلاب الذي عصف بالمبدأ وحوله من اداة ثورة لقيادة منظمة للنضال الفكري والطبقي لاداة ميتة وجامدة. اذن نحن امام المركزية الستالينية وجهاً لوجه!!
ان للمركزيه الديمقراطيه منهج في الممارسه الديمقراطيه الثوريه يتحكم فيها القاده وكل ارتفاع في تطورها إيجابي التطوير لا ينفي المبدأ نفسه, ولا التجديد. التطوير عبارة عن مقدرات الكادر نفسه والتزامه بالدييمقراطيه.
ولكن ان تناقض مصالح الكادر بوعي او بغير وعي مع الديمقراطية المركزية فالبديهي ان الأزمه في الكادر وليس في المبدأ .. الأزمه في الجمود.
. بديهيات الاختلاف
الشيوعيه فكر وممارسه لا علاقه لها بالقدسيه وليس في الفكر والمبادره الفكريه احتكار لأحد هيئه كان او فرد, ويجب ان يحس كل ثوري جاد بمسئوليه تجاه الفكر والممارسه الثوريه واننا متكاملين بالاساليب المختلفه.
إكتشاف الذات ومراجعتها عمليه مستمره ومتجدده التعبير العملي لقانون نفي النفي والتراكمات الكميه والتحولات النوعيه فهي تحدث داخل الفرد في حياته حسب انعكاسات معقده لواقعه الإجتماعي على فكره وتنتهي هذه العمليه فقط بالتناقض الرئيسي وهو الموت في حالة الافراد والركود والتحول النوعي في حالة المؤسسات والمجتمعات (التناقض الرئيسي).
الإصلاح طريق ملئ بالصعوبات الفكريه ويجب ان يتحلى من يتصدون لقيادته بالأمانه والموضوعيه وحين نكتب يجب ان نتذكر ان للقراء عقول واننا نتفاوت في مقدرتنا, وحين يتم النقد العلمي الخالي من الغرض الشخصي نتذكر انه يستهدف تطوير الامكانات. علينا الا ننظر للأساليب الثوريه بلغة المطلق في رفضها او تأكيد جدواها بل ننظر في مقدرتنا ومدى تأثير هذه المقدرات سلباً او ايجاباً على الأساليب والمناهج الثوريه وهذه هي القاعده الذهبيه في الإصلاح التنظيمي.
انه دون ان يلتزم كل من يرغب في الاسهام النظري بهذه الخصائص العامه للأساليب يقدم لنا مسخاً مشوهاً لأنه يحاول ان يخفي عنا رغبات في الإستمرار في موقعه الذي ربما لا يكون اهلا له.
. التفاؤل التاريخي للشيوعيين
في غرب أوربا نفت التجربة سلبيات المبدأ لصالح ايجابياتة من خلال الممارسة الواعية و (الواعي) مسألة ضرورة فعدم الوعي بقانون الجاذبية قبل اكتشاف نيوتن لم يمنع القانون من العمل لكن اكتشاف القانون جعل من الممكن ان نسرع أو نبطئ تأثيرة هذا ايضاً صحيح بالنسبة لقانون الصراع الطبقي الذي استخدمته الماركسية من قانون وحدة و صراع لاضداد في الطبيعة فالقانون يعمل و لا يمكننا منعه لكن يستطيع الثوريون ادارته لمصلحة الفئات المستضعفة و تسريع الحركة. و الذين لا يزعجهم ما يظهر على السطح من انفلات عاصف و ميل في ميزان القوى لصالح القوى المستقلة (الامبريالية و الرأسمالية الطفيلية).
ايضاً فان الامبريالية تسير هذه القوانين لابطاء التدهور و اطالة عمرها و تتصاعد أزمة المبريالية باجتقارة للملايين حيث تتدنى قدرتهم الشرائية فتخسر اسواقها.
كما نلفت النظر للتجربة المتقدمة للشيوعيين في جنوب افريقيا و الذين استطاعوا الاحتفاظ بحزبهم كأنضج فصيل ثوري في قلب المؤتمر الافريقي متحالفاً مع فئات اجتماعية واسعة بما فيها الرأسمالية الوطنية (سوداء و بيضاء) اضافة الى تجارب الاحزاب الشيوعية في ايطاليا و فرنسا و اسبانيا.
اننا نتطلع بتفاؤل للمتغيرات الرهيبة التي تنتظم العالم حالياً (التفاؤل التاريخي للشيوعيين) فالشيوعيون هم حملة الوعي العلمي المنهجي و الأكثر جرأة في فهم التناقضات و التعايش معها و مساعدتها للتراكم..
. اعادة البناء !
ان الماركسية هي احدى اعقد حلقات العلم الاجتماعي لانها تحاول ان تجعل من اكثر ظواهر الطبيعة تعقيداً (المجتمع) ان يتسارع في تطورة نحو العدالة و المساواة . و قدر الماركسي ان يستوعب علماً عالي التعقيد، بل ان ينزلة على واقعة بدراسة هذا الطريق ملئ بالاهوال و المعاناة.
ان (الاثر الاجنبي) نهتم به حين انه ليس سراً ان حركة المجاهدين الافغان و حركة الكونترا في نيكاراغوا و حركة يونيتا في انجولا و تصعيد مستويات الانحراف في فصائل الثورة الاريترية و حركة الاورمو ..الخ كانت بسبب الاثر الاجنبي و بالذات الامريكي و نلاحظ بعد ذلك هبوطها من مستوى الحليف الاستراتيجي الي الثانوي ..
وان اي حديث عن التزام جانب الشعب يكون فاقداً لأى معنى من غير ادارة بناء التنظيم بمبدأ و مساهمة الاستاذ نقد حول احتياج المرحلة الوطنية الديمقراطية للتعددية الحزبية (النهج 1989) مساهمة جادة في الصياغة البرامجية و النقد العلمي.
نستطيع ان نستعيد مبدأ الديمقراطية المركزية عندما يتعدل الانقلاب الذي احدثتة قيادة جهاز الجزب و الذي كرس هيمنة الأقلية على الأغلبية و نستعير عبارة الاستاذ الخاتم عدلان (نظرون لتأمين جمسة مختفين ايام الردة السوداء على أنها التجسيد الحي لحياة الحزب و يغفلون أو يتغافلون عن الالاف داخل السجون و المشردين .. لا يرون شيئا) ..
ثم مراجعة الأخطاء و نقدها بقوة و تصحيحها و انجاز المحاسبات اللازمة من خلال متابعة منهجية دقيقة باعادة البناء على أساس مبدأ الديمقراطية المركزية من القواعد و حتى أعلى الهرم .
ان اعادة الكتلة الحية من بعد اعادة بناء الحزب تستطيع أن تعيد للديمقراطية رونقها باستعادة حرة العمل النقابي و جعل النقابات متصالحة مع مصالح عضويتها لحماية الأجور و بيئة العمل و الحماية الاجتماعية التي أخلت بسبب سياسات الجبهة القومية الاسلامية الخرقاء التي اتضح أن كوادرها التي دفعتها داخل جهاز الدولة لاتعرف سوى البذخ بحكم أن اغلبها عائد من الاغتراب أو السوق و في الحالتين هي طفيلية منفلتة .. ان النضال القانوني هو الذي سيعطي الجماهير ثقة في نفسها .
تستعيد الحركة الطلابية وجهها التقدمي والذين أقصد بعملهم و هم في سن الانفعال و الحركة و النشاط السلحفائية و ضعف الكوادر القيادية و فقدان الاتجاه و السيطرة عليها من الخارج بقيادات ميتة. و تربط حركتها بالعمل الثقافي و الوطني العام و بالرموز الأدبية والعلمية.
. الخطر الذي يواجه الثورة السودانية
الخطر الماحق الذي يواجة مستقبل الثورة السودانية هو الامبريالية و القوى المتحالفة معها بما في ذلك قوى الثورة المضادة الملتحفة أثواب اليسار و السفلية الأصولية الاسلامية. و يجمعهم جميعاً العداء للشيوعية و قبول دور التعبيئة للسوق العالمي الامبريالي فتكون المهمة هي رص الصف الوطني في اتجاة الوطنية السودانية المرتبطة بالكادحين و الرأسمالية الوطنية.
الاستاذ الخاتم عدلان لم ينظر للجبهة القومية الاسلامية في نسق قوى الثورة المضادة و هذا أضعف مساهمتة. ان الضعف الذاتي لقوى الثورة و التقدم و تراكم على مدى سنوات و انحسر ما كان يعرف بالمد الثوري في ادبياتنا، و كل انحسار تملأة جدلياً و احياناً ميكانيكا قوى الثورة المضادة.
من يرغب في دراسة و فهم الظاهرة المسماة بالجبهة القومية الاسلامية علية أن يدرسها في وضعها داخل منظومة الثورة المضادة.
من يرغب في دراسة و فهم الظاهرة المسماة بالجبهة القومية الاسلامية علية أن يدرسها في وضعها داخل منظومة الثورة المضادة الية قوى السوق و كيف ارتفعت شرائح الطفيلية البنكية و التجارية من بين قوى السوق المنتجة و قادت الرأسمالية التابعة في السودان لمصلحة الامبريالية و ان أسباب الحدث الأدنى (الانقلاب) لا يحتمل الصادق المهدي وحده مسؤوليتة فكل القوى الوطنية و اليمقراطية و الشيوعيون المقدمة يتحملون المسؤولية و علينا ان نقارن بين التكتيكات من بعد ثورة اكتوبر 1964 و بعد حل الحزب الشيوعي (مجلس الدفاع عن الحريات) و الذي استفاد من قوة دفعة و بين (ميثاق الدفاع عن الديمقراطية) بعد انتفاضة ابريل 1985 تلك الوثيقة التي أثبت التاريخ أنها ميتة .
و الامبريالية نظام مهزوم تاريخياً بسبب التنافس المزمن (الملكية الخاصة لوسائل الانتاج) مما يجعل خل التناقض (اصلاحياً) أو (ثورياً) ليس في مصلحة ملاك وسائل الانتاج و ادواتة.
التراكم الاصلاحي يعني تقليل نسبة العائد للفرد المالك ليوازي دخل أي فرد أخر، و لأن الامبريالية التي هي سيطرة رأس المال المالي وقيادتة لكافة الفئات الرأسمالية الاخرى فان واجب الدول الامبريالية المقدم هو (ايجاد الاسواق) و لأجل حرية السوق و حرية نهب المنتجين الصغار تجيش الجيوش.
و لأجل ان تبيع الولايات المتحدة الحبوب لفلاحيها يتوجب أن تحرم الفلاح الأفريقي و الآسيوي من الانتاج و تحوله الى متسول أو بائع متجول للسلع و البضائع ليصبح لدية قوة شرائية مستمدة من مشاركته في شبكة توزيع السلع و المنتجات و بالتالي يستطيع أن يشتري غذاءه (تابعوا مشروع توطين القمح في السودان.. و تابعوا مقترح المصريين بزراعة القمح في السودان.. و تابعوا نشاط الشركات الزراعية الأمريكية القادمة هل سنقوم بزراعة القمح أم زراعة الخضروات و الفواكة و التي يرغبها الأمريكان طازجة لتقليل نسبة الاصابات بالسرطان؟).
الثورة العلمية و التقنية، تلك القوة الهائلة التي تدفع بالعلاقات الاجتماعية المتخلفة لمزبلة التاريخ تناقض قوة اندفاعها مصالح الامبريالية فتحجبها عن القوى المنتجة و تحتفظ بها كأسرار عسكرية في أضابير مراكز البحث العلمي و تستخدم منجزات العلم التي تصيب الناس في مناطق هامش التاريخ بالفزع خوفاً من خطر أمريكا فأفزعوهم بضرب مصنع الشفاء من البحر الأحمر عن طريق (متدربة) .. و مع ذلك يتم تفتيش (ضهريات) العربات.
و تلاحظون أيضاً (أنني لا أفرض .. أنني أقترح.. أنني أعرض).
ونواصل...
Not on my bed
فيلم أمريكي قديم شاهدتة قبل أكثر من ثلاثة عقود حيث كانت السينما وقتها أحد منافذ الثقافة.
لا اذكر عنة شيئاً بخلاف المشهد الذي علق بالذاكرة، ولا أرى سبباً لذلك بخلاف أنة يتكرر في الحياة اليومية بصورة مختلفة ووجدتة مدخلاً مناسباً لما تبقى من المقال و يحكي المشهد:
1/ يجئ الزوج بعشيقتة الحسناء و لكن زوجتة أكثر جمالاً .. الى المنزل ليمارس معها الحب (أو كما يرد في الكتب المترجمة الى العربية و قد أدهشني الأستاذ الحاج وراق عندما كتب في مساربه عن الوطء للرجل و تلك السكين. )
2/ تحضر الزوجة (الزوج) و التي كانت بالخارج و تتوجة نحو غرفة النوم و بالطبع معها المفتاح. يصدمها ذلك المشهد الذي هو مفزع حقاً و عند أخرين محرج حقاً..
3/الزوجة تصرخ.. لا تتمالك نفسها تبكي بحرقة شديدة.. لا ليس في بيتي Not on my bed نعم الترجمة على الشريط ليس في بيتي تلك الزوجة الفاتنة في حالة انهيار عظيم.
4/الزوج يطلب من العشيقة بصوت خافت و في صيغة أمر قاطع بالصمت و ارتداء ملابسها و الخروج و هو يرتدي ملابسه أثناء ذلك و في سرعة شديدة الزوجة لا تزال تنتحب بعد أن ألقت بنفسها على الكرسي ووجهها بين يديها تغسلهما الدموع.
5/في هذة الأثناء تغادر العشيقة و يتوجة الزوج نحو زوجته يجلس بجانبها على الأرض يمسك بيديها وينثر كلمات عتاب لولا أننا رأينا كل المشهد لشهدنا له بصدق العتاب و من ذلك: كيف تتصور يوماً أن يقيم علاقه مع أخرى و هو الذي لا يحب سواها.. و كيف يطرأ على بالها أنه يمكن أن يتخلى عنها.. و أن استبعادها من حياته هو ضرب من الجنون..الخ.
6/الزوجة تبكي.. و تقول أنها رأت بعينيها يقول لها: أنتِ متعبة حبيبتي ما تقولين ليس له أي وجود في الواقع و يقول أنظري الى السرير هل ترين أحداً فيه؟
انظري الي الغرفة هل يوجد أحد سوانا؟
لا حبيبتي انت متعبة و تحتاجين للمساعدة و سأتصل بالطبيب ((يتصل
هاتفياً بالطبيب)).
حضر الطبيب استمع الي الزوجه لا تزال ترتعش و لا تزال تحت تأثير الصدمة الطبيب يبدأ مهمته بعد كلمات قليلة حقنها بما يهدئ أعصابها
انتهى المشهد
اذن الزوجة عليها أن تختار بين أن تكذب ما رأت و تصدق كذب زوجها و بين انها مريضة بسبب ما تعاني من متاعب نفسية تدفعها الى توهم وقوع أحداث.
لكن اياً كان اختيار الزوجة فكل الذين شاهدوا الفيلم منذ بدايته و هذه هامة يعرفون الحقيقة... حقيقة خيانة الزوج العلنية و العلنية هنا ان ممارسة الحب حدثت في مخدع الزوجية.
أما المشكلة الكبرى فهي تكمن في موقف مشاهدي الفيلم الذين حضروا متأخرين لصالة العرض و بدأت مشاهدتهم مع عتاب الزوج و الغرفة خالية الا من الزوجين أنهم هنا يصدقون الزوج الا اذا اقتنعوا برواية المشاهدين الذين دخلوا الصالة قبل المناظر أو يشاهدون الفيلم عند عرضه مرة أخرى... الخ
*الكلمات السبع المنجيات
أشكر د/خالد على مشاركته و التي اشتملها العرض في الاجزاء من الثالث الي السادس من المقال و امل ان اكون قد وقفت في العرض حيث كانت مساهمتة في أكثر من مائة صفحة.. و الوقت دائماً لا يسعفنا.
تحدثت في مقال مصائر التنظيمات الديمقراطية بعد التحلل من النظرية و التنظيم عن تلك اللعبة المسلية: تجميع الأفكار المتطابقة و الالفاظ المتماثلة و الكلمات المتشابهة و النتائج المنطقية لذلك التطابق و هو أمر معروف للكافة و لايحتاج لبيان.
و أسعدني كثيراً القول الشجاع للانسان الخاتم عدلان ان مشروعه ليس من داخل البنية الماركسية بعد سقوطها وطنياً و عالمياً و ان مبدأ الديمقراطية المركزية هو داء الحزب العضال و ان الاخرين عادوا الى رؤيته و ان افكار و نصوص الدستور تتطابق معه لولا أنهم لم كونوا واضحين بشأن العدالة الاجتماعية و ما كتب عن استشراف الاشتراكية و هم يسبحون بكلمتين انت استعجلت تم فجأة يؤكدون انهم لم يتخلوا عن الماركسية و ان رؤيتهم من داخل البنية الماركسية.
و هذا يحفز لممارسة اللعبة الجديدة للترويج و هي لعبة الجمل و الأفكار المتوازية أو المتناقضة لذات القائد و الاخرين ايضاً بما يمكن أن نطلق علية اقوال ما قبل و ما بعد النشر.. و النشر مقصود به نشر قيادة جهاز الجزء السوداني لدستور حزبها الجديد. مثال تطبيقي.
قال ((قبل النشر)): اسقطنا كل الفكر الماركسي.. و نتمسك بالمنهج
قال ((بعد النشر)): استبعاد الماركسية كمرشد للعمل و الاتجاة لتصفية الحزب فلا محل له من الاعراب
و هكذا..
و هم أمامهم طريقان لا توسط بينهما. و هذه القضايا لا تحتمل الشرح لمعاني الكلمات أو الاستقراء أو التلاعب بالالفاظ أو الغالطات و الاختلاف في التفسيرات .. الخ هي سبع كلمات منجيات وواضحات (قولوها) ليتخذ الحديث منحى اخر:
حزب العامليين نظرية الماركسية و مبدأ الديمقراطية ينظمة
المركزية الفولاذية
قالوا: تجربة انهيار المعسكر الاشتراكي تؤكد ان الشمولية مصيرها الى زوال و ان المركزية الستالينية ضمن، عوامل اخرى عديدة هي التي مهدت الطريق الى انهيار و فتحت الباب للعديد من الافرازات السلبية مثل الجمود و عبارة الفرد و عدم احترام الرأئ الاخر.
و لا نختلف معهم في ذلك. و هي من النتائج المتفق عليها. غياب الديمقراطية ينتج عنة الجمود و عبارة الفرد.. الخ كل ذلك مفهوم. وان الحزب فاقد الديمقراطية الداخلية عندما تمتزج سلطة الدولة تنتج عنها الشمولية او الديكتاتورية و ايضاً هذا مما هو متفق عليه.
اذن ماهو وجة الاختلاف؟
الماركسية حقاً لا يكتفون بالنتائج و التراجع بل البحث و التعمق حول المركزية الستالنية في تجربة الحزب السوداني: أسبابها، اثارها، رموزها، مقومتها، ضحاياها، ثم من بعد ذلك تصحيح الأخطاء.
و معروف ان المركزية الستالنية من القضايا القديمة على مستوى الحركة الشيوعية العالمية و بدأ طرحها علناً خلال الفترة 1953-1961 فهي قامت و هيمنت و بدأت خطوات تراجعها قبل ان يسمى الحزب نفسة الحزب الشيوعي السوداني.
اما اليمينيون التصفويين و هم صناع المركزية الستالينية في السودان يبحثون عن شماعة لتعليق أخطاءهم. و الذين شيدوا قلاع المركزية الستالينية في السودان يتشرفون بأنفسهم على نزعها ..! و هكذا فعل قبلهم الرفاق الروسي و هو موضوع هذا الجزء من المقال..
ان ((أشكال الجمود)) و تفريغ الحزب و مواقف الحزب من كافة الأحداث الكبرى: 25 مايو و 19 يوليو و 6 ابريل و 30 يونيو.. الخ ما بين المؤتمرين هي القضايا التي تهم الشيوعيين السودانين و على ضوء تقييمها تكون النتائج لكننا نرى أنه لا محل لها من الاعراب.
و قال ان المركزية الستالينية منهج في التفكير و الممارسات ترسب في جسد الحزب و كل خلاياه لسنوات طويلة و بطبيعة الحال يحتاج الحزب للخلاص النهائي منها لبعض الوقت.
و هنا ايضاً لا اختلاف مع القول الاختلاف في أن الماركسيين يقولون بوضوح من الأهمية فضح الممارسات و بيان جذور المنهج في التفكير. ان المركزية الستالينية هي نتيجة الممارسات الخاطئة لمبدأ المركزية.. و ان الجمود و العزلة و الضعف.. الخ هي نتائج منطقية و طبيعية للمركزية.
لكن اليمينيون التصفويون يصلون بعد هذه النقطة مباشرة لاستبعاد المبدأ باعتباره الداء العضال للحرب.. و الماركسيون يرون العكس تماما.. ان استبعاد المبدأ هو اضعاف للتنظيم.. الخ.
و لأن المركزية الستالينية سترد كثيراً في هذا الجزء و الجزءين القادمين و للتخفيف على القراء الاعزاء الذين احتملونا بأكثر مما نتصور فانني سأطلق عليها المركزية الفولازية ان ستالين اسم حركي و يعني باللغة العربية الفولاذ و الاسم الحقيقي لستالين هو جوزيف يونو فيتش دجوغا شيفلي و الذي إختير في 1912م عضواً مرشحاً في اللجنة المركزية للحزب البلشفي و في ذات العام تم اعتقاله و نفيه الى سيبيريا بسبب وشاية عميل الشرطة السياسية القيصرية و عضو اللجنة المركزية حتى سقوط القيصرية مالينوفيسكي.
و بعد إطلاق سراحة تولى رئاسة تحرير البرافدا و كانت مواقفه دائماً وسطية خاصة في المناقشات حول مستقبل الثورة و هو ما اطلق علية لينين بعد وصولة موسكو الفكر المساوم المرفوض و سرعان ما تراجع ستالين وأيد منذ ذلك الوقت بثبات تام لينين كما أيده في التحضير للانتفاضة ثلاثة ضد إثنين كتب عنه لينين:
تشكل العلاقات بينهما و المقصود ستالين و تروسكي خطر الانشقاق الرئيسي.
و ان ستالين فظ جداً
و لقد مركز الرفيق ستالين بين يديه سلطة غير محدودة، انا لست متأكداً انه سيحسن دائماً التصرف بهذه السلطة..
• ماهو سبب الخوف؟
مبدأ الشيوعية هو إقامة حكومة الطبقة العاملة أو العاملين و هذا المبدأ هو الذي يفرق بينها و الافكار الأخرى و ان للعاملين حزبهم أو الطبقة العاملة الذي هو الحزب الشيوعي أو أي اسم اخر المهم ارتباطه بالمبدأ فهل إلغاء المبدأ هو من قبيل التطوير أم باب التصفية؟
و ديكتاتورية البروليتاريا التي تثيرالخوف و الفزع في قلوب يمين الحزب الشيوعي أي حزب شيوعي هي بالنسبة لماركسي مفهوم نظري طرحه مقابل ديكتاتورية البرجوازية. أي ان المقصود بالشباب هو بيان المضمون الطبقي للدولة الجديدة. لذلك كتب في كتابة الحرب الأهلية في فرنسا: حكومة الطبقة العاملة التي أعتبر ان نموذجها موجود في كومونة باريس.
المركزية الفولاذية هيمنت و بدأ تراجعها قبل أن يتخذ الحزب اسمه في السودان
صحيح أن ماركس تحدث عن ديكتاتورية البروليتاريا في رسالة الى ويدماير1852م و كتب عنها كثيرأ في نقد برنامج غوتا 1875 لكنها لم تكن سوى مفهوم نظري لبيان المضمون الطبقي للسلطة في مواجهة الدولة الرأسمالية حيث تسيطر عليها ديكتاتورية البرجوازية.
يعني في المفهوم النظري للماركسيين أن فرنسا اليوم و هي دولة رأسمالية من دول الديمقراطيات الراسخة و تداول السلطة عن طريق البرلمان.
إختار فيها الناخبون سلطة برجوازية فهي من حيث المضمون الطبقي: ديكتاتورية البرجوازية.. واذا استطاع الحزب الشيوعي الفرنسي وحلفاؤه الوصول للسلطة السياسية باقتراع الناخبين لهم فانهم حينها يقيمون حكومة العاملين او حكومة الطبقة العاملة التي هي ديكتاتورية البروليتاريا.
وعلى ذلك فانه يجوز شطب عبارة ديكتاتورية البرلويتاري واستبدالها بحكومة العاملين لإزالة الخوف ثم تبدأ المناقشة لماذا يرفضون حكومة العاملين؟
ولذلك فانه كتب في الحرب الاهلية في فرنسا باصرار شديد على ضرورة ان تلقي الدول العمالية الفرق الخاصة العسكرية والبوليسية وان يكون لها موظفون منتخبون يمكن استبدالهم ويتقاضون رواتب قليلة واصر ايضاً على ان يكون للطبقة العاملة منظماتها الخاصة وبالدرجة الاولى الحزب السياسي المستقل عن البرجوازية لقد ألغت كومونة باريس الجيش المحترف وقللت اعداد الشرطة وفصلت الكنيسة عن الدولة وخفضت رواتب كبار الموظفين .. لا يوجد شئ اشتراكي خاص في هذه الاجراءات فقط انها تحققت عن طريق حكومة الطبقة العاملة.
ان الديمقراطية فرضتها الطبقة العاملة منذ ثورات 1948م وان النسيج الديمقراطي تشكل – مثلاً – في فرنسا عن طريق ثورة 1789م وحتى النفوذ الواسع للاشتراكية الديمقراطية واحزابها في القرن التاسع عشر ولذلك قال لينين:
ان الرأسمالية وفرت ثقافة ديمقراطية وتنظيماً ديمقراطياً للجميع حتى آخر رجل.
ولعبت الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية دوراً مؤثراً في نشر الافكار الاشتراكية بين الجماهير اجتماعياً وسياسياً اكثر من جانبها النظري واستخدمت الديمقراطية لخلق منظمات عديدة وقوية وانطلقت تلبي تطلع الجماهير الى المزيد من المساواة والعدل لربط العمل الديمقراطي بالوعي الاشتراكي.
وان الانتخابات السياسية جعلت من تلك الاحزاب احزاباً جماهيرية متجذرة في الواقع الوطني كان الحزب الاشتراكي الديمقراطي الالماني يضم عام 1914م مليون وسبعمائة الف عضواً ونال 35% من الاصوات وله 110 نائب واربعمائة الف متفرغ حزبي.
• المركزية الفولازية.. والاتحاد السوفيتي السابق
ملابسات التاريخ السوفيتي التي قادت لازدهار المركزية الفولاذية معروفة وتاريخ الديمقراطية الهش في روسيا معروف ايضاً وهناك ضعف لا يخفى في نسيجها الديمقراطي من المؤكد ايضاً ان لمضمون الطبيقي الجديد والأساس الاقتصادي
والاجتماعي للدولة الجديدة وكذلك استهدافها من قبل الامبريالية التي ساعدت في تقويتها.
فما هي قصة المركزية الفولاذية التي ولدت الشمولية التي كانت احد اسباب انهيار الاتحاد السوفيتي والتي بسببها استبعد في السودان مبدأ الديمقراطية المركزية الذي يسير تنظيم الحزب؟
بايجاز شديد:
ان الحزب الشيوعي السوفيتي افرغ من جوهرة الديمقراطي عبر عملية بطيئة وطويلة ودقيقة ولكنها كانت فعالة وعندما قالوا ان المركزية الفولاذية والتي هي في الحزب قد نتجت عنها الشمولية التي هي في الدولة.
فان اصل الموضوع هو تطابق سلطة الدولة مع سلطة الحزب مع سلطة ستالين في المؤتمر العاشر 1920 للحزب الشيوعي السوفيتي اتخذ قرار منع التكتلات واتخذت اجراءات ترمي الى تطوير النقاش الديمقراطي داخل الحزب ولكن في نهاية العشرينات وبداية الثلاثينات فقد اصبح انتقاد الحزب والذي هو خيانة (هذا المفهوم الذي ساد في روسيا 1920م لا يزال هو السائد في السودان 2004م فمن المعروف للقاصي والداني اننا مثلاً ننتقد قيادة جهاز الحزب والتي ترى ان انتقادها هو انتقاد الحزب وعلى ذلك فنحن اعداء الحزب ومع ذلك يقولون انهم تعلموا من المركزية الفولاذية).
انتقل الوضع في روسيا من قيادة الحزب الى مجموع الحزب جهاز الدولة, النقابات , الاتحادات الشبابية , والنسوية.الخ وغابت حرية التعبير ولم تعد هناك رقابة على أعمال السلطة التي وسعت هي جائرة رقابتها وقمعها لتطال المجتمع كله. واستوعبت الدولة كل لحظات حياة الفرد منذ لحظة الميلاد وحتى طرق التسلية وازجاء الوقت.
ومن بعد الحرب الأهلية حدث التداخل الكامل بين اجهزة الحزب والدولة فالوظائف في جهاز الدولة معظمها لا يسمح بالمساهمة في السلطة لكن الابعاد لا يعني عندهم فقط الفصل من الخدمة او (الاحالة للصالح العام) الابعاد هو فقدان الحرية بل فقدان الحياة.
( قارنوا يا شباب بين المركزية الفولاذية في الاتحاد السوفيتي السابق والمركزية الفولاذية ايضاً على عهد حقيبة الانقاذ.. فما ذنب مبدأ الديمقراطية المركزية هنا؟)
ومنذ 1925 اصبح الغياب الكامل للنقد ماسوياً داخل الحزب وقيادته وكما نعرف فانه على النقد والنقد الذاتي يعتمد تطور مسار مبدأ الديمقراطية وتحول كل نقد لأي من خطوات القيادة واللجنة المركزية الى مجازفة بخسارة الموقع الحزبي والوظيفة في الدولة فلم يعد النقد ممكناً هل اختلف وضع 1925م في روسيا عن وضع السودان حتى اليوم؟
والمركزية الفولاذية من مكوناتها الهامة عبارة الزعيم وانه الوحيد المنتج فعندما يقول قائد حزبي في السودان 2003م بعد الجديد ان عمل الحزب ضعيف لكن اذا خرج الزعيم من الاختفاء واعتقل او حدث له مكروه لا قدر الله فانه لن يكون هناك شئ يعني حتى ذلك النشاط الضعيف سيتلاشى .. هل نستطيع القول هنا ان ذلك من اشكال عبارة الزعيم؟
هل نستطيع القول ان المركزية الفولاذية لا تزال القابضة؟
فالماركسيات تحت ظل المركزية في روسيا او السودان تحولت من فلسفة نقدية الى بناء دوغمائي متخصص لتقديم اطار ايديولوجي وتم تجميد الماركسية وتعقيمها وتحويلها من منهجية بحث الى نظام يمنع كل بحث حر وكل نقد وهذا ليس قولي هو قول القادة البارزين في روسيا والسودان.
لكننا نجد ان موريس توريز الامين العام للحزب الشيوعي الفرنسي وفي 19 نوفمبر 1946م اي بعد اقل بثلاثة شهور من قيام الحركة السودانية للتحرر الوطني في السودان سجل موقفه وانتقد الستالينية النظرية بالقول:
انه كان يمكن اختيار طريق الى الاشتراكية غير التي اختارها الشيوعيون الروس وعلى كل حال ان الطريق يختلف بالنسبة الى كل بلد.
الغى ستالين سكرتير اول وثاني او كما يحبون القول حتى يفهم المواطن رجل او رجل ثاني بل الغى اللجنة المركزية نفسها عملياً و عند موتة حاول مالينكوف الاستيلاء على السلطة بدعم من بيريا مسؤول وزارة أمن الدولة فأعلن قبل اجتماع الهيئات القيادية للحزب رئيساً لمجلس الوزراء 6 مارس و لكن في 21 مارس أعلن أن خرتشوف سيحل محل مالينكوف كامين أول و اتخذ القرار في 41 مارس و اعتقل بيريا في 26 يونيو 1953م و أعلن عن ذلك في 10 يوليو و يجدر بالذكر أنة اعدم في نفس يوم اعتقالة.
المركزية الفولاذية بدأت تتراجع في الاتحاد السوفيتي منذ يوليو 1953م فكانت الدعوة للقيادة الجماعية مثلما يحدث الان في السودان. و عند القول بالتراجع فاننا لا نعني نهايتها فحتى ذلك التاريخ ظلت معسكرات العمل الشاق قائمة كلما حدث ان منعت وزارة أمن الدولة من الحصر في استخدام اليد العاملة في تلك المعسكرات و اصبحت الوزارات الصناعية المعنية هي المسؤولة عن ذلك لكن التراجع نفسة ووقف الاستبداد العلني يفسر انحطاطها.
و تم رد الاعتبار للبعض و هذا مطلب ابتدائي و قديم ان يتم رد الاعتبار لضحايا الآلة الجهنمية و المركزية الفولاذية في الحزب السوداني تم وقف تنفيذة بعد انتفاضة 1985م بقرار من اللجنة المركزية.
لكن القيادات الحزبية السوفيتية لم تسر في الطريق حتى نهايتة فهم ارتبطوا بالمركزية الفولازية في كل عاداتهم و ممارساتهم خافوا اخطاء الماضي و لذلك قالوا نبداء من جديد و هذا لا يوجد في الماركسية.. الجديد من القديم.
و على الرغم من ماضي خرتشوف و الذين أيدوه فإن ايجابياتهم كبيرة: الحد من نشاط الشرطة السياسية أفرغ المعتقلات التقليل من البيروقراطية. اعتمد خرتشوف في تصرفاتة خلال الفترة 1953- 1956م علي التعديلات المتعاقبة لا التغيرات العميقة و أعلن خرتشوف في المؤتمر
في المؤتمر العشرين فبراير 1956م. عن عودة الشرعية الاشتراكية و رد الاعتبار للابرياء. لكنه القى بكل أخطاء الماضي على عاتق عصابة بيريا و كان ستالين و خرتشوف و جماعته الذين كانوا حول ستالين لا يد لهم و ظل يشدد على القيادات في مكانتها بعد موت ستالين و هذا نقطة هامة ان عدداً كبيراً من أعضاء مجلس الرئاسة عارضوا أي نقد للمركزية الفولاذية، خاصة النقد العلني.
خرتشوف يعلق اخطاء الماضي علي بيريا
أول الذين هاجموا ستالين هو ميكويان عندما اعترف انه لم يكن لنا أيه قيادة جماعية منذ ما يقارب العشرين عاماً. ومساء 24 فبراير 1956م و أمام جلسة سرية تلا خرتشوف تقريره السري حول فضح عباءة شخصية ستالين و لم ينشر يا شباب هذا التقرير في الاتحاد السوفيتي لعقود من الزمان بما يعني ان هناك صراعات داخلية في القيادة.
و لكن تلاحظ ايضاً ان خرتشوف بعد ان قام بتعليق أخطاء الماضي على بيريا الذي اعتقل و اعدم في نفس اليوم دون محاكمتة عاد و رمى بما تبقى من أخطاء على مسؤولية عباءة الشخصية البست هذه جميعها من الطرق الستالينية؟
انه غض الطرف عن مسؤوليات القيادات وعن المركزية الفولاذية وعن مبدأ الدمقراطية المركزية وممارستها الخاطئة التي نتجت عنها عبادة الشخصية هو لم يغض الطرف جالباً خوف المحاسبة فهم شركاء ولذلك جاء تحليله بائساَ نظرياً وسياسياً.
ان مثل هذه القضايا لا تحتمل انصاف الحلول ولا التبريرات وعلي الذي اختار طريقه السير فيه بقوة ووضوح وشجاعة نعم وصحيح، بعد المؤتمر العشرين وتحسنت حياة الناس وتم رفع الاجور وتم تخفيض المتفرغين بالهيئات المركزية وابعد اكثر من يبقي في حدود الاجراءت لذلك لم يكن غريباَ ان يتحول خرتشوف اي اقلية في مجلس الرئاسة اربعة ضد سبعة مما اضطره لدعوة اللجنة المركزية لمواجهة خصومه وابعادهم لكن ذلك لم يحدث ولذلك ظلت المركزية الفولاذية موجودة تحت ظل ظروف جديدة و مخفضة بذات طاقم القيادات حول ستالين لذلك لم يرد اعتبار ضحايا المحاكمات في موسكو و تم تفادي طرح قضية الديمقراطية في الاتحاد السوفيتي الحزب الواحد.
اعاد المؤتمر الثاني والعشرين 1961 فتح النقاش حول المركزية الفولاذية و جاءت اعترافات جديدة و تم تحويل اسم مدينة ستالينجراد الى فولغوغراد و نقل جثمان ستالين من الضريح رقم اثنين الى مكان امام حائط الكرملين. و تحدث خرثشوف عن نشر ونتائج لجنة التحقيق في اعتبال كيروف و ذلك لم يحدث و اقترح اقامة نصب لشهداء الارهاب الستاليني..الخ.
بل دستور الاتحاد السوفيتي 1936م لم يتم تعديلة وهو اطار شكلي لا جدوى فعليه له على مستوى الممارسة السياسية و لذلك ايضاً كانت أحداث تشيكلوسوفاكيا 1968م ثم افغانستان الخ الخ
• فرنسا
لكننا يجب ان ننتبه مثلا لموقف الحزب الشيوعي الفرنسي من المركزية الفلاذية
1/ أيد قرارات المؤتمر العشرين و طالب بتحديدات و تفسيرات أعمق لاسباب الوضع الذي كشفة المؤتمر العشرين و ادانه
2/ رفض مناقشة تقرير خرتشوف السري و كانت رؤيتة: من الافضل اعادة النظر في المركزية الفولاذية عن طريق المسيرة السياسية و النظرية للحزب الشيوعي الفرنسي و ممارساته
و تدركون أنني لا ارفض. أنني لا أقترح. أنني أعرض.
و نواصل العرض
مراجع الجزء من المقال:
- تاريخ الظاهرة الستالينية ((جان اللتشيني))
- مشروع دستور الحزب الجديد المقدم للمؤتمر الخامس
- صحيفة الأضواء ((اعداد مختلفة))
نواصل عرض حكاية (المركزية الفولاذية) في الاتحاد السوفييتي السابق و قد اتضح من خلال العرض السابق ان الذين حاولوا نزع المركزية الفولاذية خرتشوف و الذين معه هم من اربابها و قد اضطروا لذلك لأسباب كثيرة! أما الممارسة فقد اثبتت التراجع بعد الفضح و لم يتم تصحيح الأوضاع الخاطئة. و لم تجر المحاسبات اللازمة. و لم يمض وقت طويل حتى مارس خرتشوف نفس ما كان يحدث على أيام ستالين باعتقال بيريا و اعدامه يوم اعتقاله، ثم تعليق أخطاء الماضي على عاتقه بعد ذلك.
وما يجب ملاحظته ان العدو الاستراتيجي للمركزية الفولاذية و سدنتها من اليمينيين التصفويين في روسيا او السودان و كل أنحاء الدنيا هم الشيوعيين حقاً لا أعداء الشيوعية. ان كل الذين اعدمهم ستالين هم الشيوعيون حقاً. ان الاعدامات لم تطل اعداء الاشتراكية و كل الوان العسف في امبراطوريات أوربا الشرقية، كان ضحاياها هم الشيوعيون حقاً و هذه الملاحظة يجب وضعها في الاعتبار دائماً.
ان أهم اضاءات العرض هو ما قرره الحزب الشيوعي الفرنسي برفض مناقشة تقرير خرتشوف السري الذي فضح فية المركزية الفولاذية و أنة من الأفضل اعادة النظر في المركزية الفولاذية عن طريق المسيرة السياسية و النظرية للحزب الشيوعي الفرنسي و ممارساته.. نحاول في هذا الجزء باختصار عرض مقاومة المركزية الفولاذية في الاتحاد السوفيتي السابق.
• ليست هي الأصل
ان المركزية ليست أصلاً، و لا هي المبداْ لا في القرن التاسع عشر و لا اليوم و من الكتب الصفراء المفيدة مقال لينين الذي كتبة 1918 عن الديمقراطية و الدكتاتورية المجلد 28 ص 386. هو لم يقل بتحطيم البنى الديمقراطية بل افترض خلقها اذا لم تكن موجودة، كما كان الوضع في روسيا و حذر و الا فان خطر الحكم الاستبدادي قائم و هو الذي يطلقون علية اليوم الشمولية فكانت المركزية التي أصبحت طريقة.
مات ستالين في 1953 و لكن الطريقة لم تمت لكن ليس بسبب المبدأ اذن مات ليس في 1953م و لكن الطريقة لم تمت.. لكن ليس بسبب المبداء.. اذا فالحل هو تصفية الأساليب التي تنتج عنها لا تصفية المبداء.
ان خرشوف الذي فضح المركزية كان جزاء منها الذي فضح المركزية كان جزءاَ منها فهو الذي قاد عمليات التطهير الكبرى في موسكو واوكرانيا . وتم الخلط بين الحزب والدولة وانتصرت البيروقراطية والدوغمائية مع المركزية وان اعدام بيريا من بعد منوت ستالين كان جزءا من من التعمية ذات الاساليب الستالينينة الخادعة بيريا كان المنفذ لرغبات ستالين والذي خلال فترة حكمه اعدم ثلاثة من قادة الشرطة السياسية(الامن) لاسباب مختلفة ليس من بينها الخطأ او الخيانة ولكن كانت تتم التضحية بهم وتحميهم الاضرار وكل شئ بحساب .
وكل ذلك معروف لكن الغريب ان تستمر في السودان قيادة تعلق اخطاءها علي المركزية الستالينية وعلي الاتحاد السوفيتي الذين اتبعوا نموذجه لااحتاج لتقديم براهين فوق ما قدمه القادة البارزون بانفسهم تطوع من انهم جاهدوا لتخفيف المركزية والتي نتج عنها الجمود وعدم جماهرية الحزب وعدم تحقيق الشعار اجعلوا من الحزب الشيوعي قوة اجتماعية كبري . مثلما اقروا بخطأ عدم انعقاد المؤتمر وانه لا يوجد من يدافع عن ذلك الخطأ. فكيف تتصور هذا التحول بين ليلة وضحاها من انتقاد للاخطاء فالاعلان عن الخطأ لايعني انتقاده والاقرار بالخطأ لايعني تصحيحه وكما عرفنا قبل ذلك الفرق بين التراجع عن الخطا وتصحيح الخطأ.
ان سيادة المركزية في الاتحاد السوفيتي السابق وحتي علي عهد ستالين لم تمنع الاحزب الشيوعية الغربية من التفكير المستقل وتجديد السياسات وهناك تجربة الوحدة ضد الفاشية بل انه في يوليو 1934 تم توقيع ميثاق العمل المشترك الاشتراكي – الشيوعي وظلت الوحدة تتسع بمبادرة الحوب الشيوعي الفرنسي واصبحت اكثر ايجابية. ودفع الخيار الديمقراطية او الفاشية الشيوعيين سواء في حد ذاتها ام في علاقاتها مع الاشتراكية .
وحتي داخل الاتحاد السوفيتي نفسه فان الشيوعيين حقا لم يتوانوا في النضال ضد المركزية الستالينية وقدموا ارواحهم تباعاً .. لكن كل الدماء لم ترو ظمأ المركزية الفولاذية , هي مثل جهنم, تطلب دائماً المزيد.
• خطأ الانحناء انتظاراً للوقت المناسب
لكن الاهم: استيعاب اسباب وازدهار المركزية وكذلك استيعاب دروس مقاومة المركزية في الاتحاد السوفيتي السابق والتي تفيد بانه على الشوعيين حقاً الثبات على المبدأ السليم والدفاع عن المواقف المبدئية الصحيحة. ان الانحناء للعاصفة اياً كانت ومهما كانت تبريراتها لن تفيد الصراع , بل تساعد المركزية الفولاذية التي هي الاكثر قدرة وامكانات وتجارب في التآمر والخداع.
فالمؤتمر السابع عشر للحزب الشيوعي السوفيتي دبر ستالين ان يأتي لصالحه ودم كثيراً من التنازلات حتى يتجاوز المؤتمر ونجح. في ذلك المؤتمر رأى قادة كثيرون ان الوقت المناسب لم يأت بعد , وهم للاستمرار انحنوا للعاصفة انتظاراً لذلك الوقت المناسب الذي ظل معلقاً حتى وفاة ستالين وخلال تلك الفترة اعدوا جميعهم او اجبروا على الانتحار.
ولنا ان نتصور ان ذلك المؤتمر حضره 1966 مندوباً والذي انعقد في يناير 1934 بقاعة الكرملين الكبرى لكن بعد المؤتمر وخلال سنوات قليلة فقد 1108 من المندوبين حياتهم باوامر من ستالين من بينهم 98 من اصل 139 عضواً باللجنة المركزية تم انتخابهم في اليوم الأخير للمؤتمر.
وكل الذين قدموا مداخلات من المعارضين السابقين والذين انحنوا للعاصفة واستاعدوا عضويتهم وبعضهم استعاد حتى مواقعه السابقة اعدموا جمعياً ما بين 1936 – 1938.
انظروا الى بوفارين مثلاً والذي بدأ مداخلته بمدح ستالين وتقديم نقد ذاتي مخلص الى حد يدعو للسخرية من فرط ماساويته عندما قال:
ان شروط انتصار حزبنا هي اولاً صياغة خط صائب من قبل اللجنة المركزية والرفيق ستالين وثانياً التطبيق الشجاع لهذا الخط وثالثاً السحق الكامل للمعارضات والمعارضة اليمينية بصفتها خطراً رئيسياً مع انها المجموعة التي كنت انتمي اليها. ان ستالين هو افضل ممثل وملهم لخط الحزب استطاع ان ينتصر في معارك الحزب الداخلية لانه استند على سياسة لينين. وكل ذلك لم يشفع له شيئاً.
في ذلك المؤتمر قدم خرتشوف المكتب ثم صعد ستالين الى المنصة التي كان يوجد حولها القادة كيروف, كالينين, تشوبار, قوروشيف, رودز وتاك, اوردجو نيكدزه, واخرين وفي حين ان الاخير انتحر في 1935 واغتيل الاول في 1934 فان كل اللذين حول المنصة اعدموا رمياً الرصاص.
وكتب رودز وتاك قبل اعدامه: يوجد في مفوضية الشعب الداخلية مركز واحد لم يصف بعد ينتزع الاعترافات من الابرياء ويفبرك المحاكمات بطريقة مصطنعة وترغم وسائل الاستجواب البشر على الكذب الوشاية باشخاص ابرياء تماماً. ومما يزيد الطين بله اذا كانوا متهمين سابقين.
ومقصود بالمتهمين السابقين الذين يفترض ستالين معارضتهم له.. اقول يفترض اي انه لم يحث منهم فعل ولا يسالون فيكون الانحناء هو الخطأ والوقت المناسب دائماً هو الان.
• الممارسة معيار الحقيقة
واهم دروس مقاومة المركزية فهم خدعة (الانفراجة) فعندما تضغط الظروف العالمية والوطنية تضطر المركزية لتقديم وعود بالديمقراطية الحزبية ووعود بالتجديد ..الخ والمؤمنون من الشيوعيين يصدقون القول ويرتبون اوضاعهم على الاقوال او ما هو مكتوب من القرارات الجديد ومن ذلك تعديل النظام الداخلي للتأكيد على الديمقراطية داخل الحزب وتكون الية المناقشات التحضيرية والمداخلات في المؤتمر هي الشراك المنصوبة وهذا ما اثبتته التجربة في الاتحاد السوفيتي السابق.
على كل ستالين يواجه صعوبات مع انعقاد المؤتمر السابع عشر 1934 فقد قبل كل القرارات وايدها وهي:-
1- انعقاد مؤتمر الحزب كل ثلاثة سنوات.
2- يتوجب على اللجنة المركزية اطلاع منظمات الحزب على عملها.
3- انعقاد اللجنة المركزية كل ارعة شهور.
4- تنظيم اللجنة المركزية من اجل العمل السياسي (المكتب السياسي)
5- تنظبم اللجنة المركزية من اجل القيادة العامة (المكتب التنظيمي).
6- تنظبم اللجنة المركزية من اجل العمل التنفيذي والتنظيمي اليومي (السكرتارية المركزية).
7- لا يطرد عضو اللجنة المركزية الا بعد اجتماع لها وللجنة الرقابة المركزية وبشرط موافقة ثلثي الحضور.
وان المؤتمر اتخذ تلك القرارات بهدف تكريس (القرارات الجماعية) والحد من القمع الموجه ضد الشيوعيين. وان الحقيقة الجديرة بالاهتمام ان المؤتمر العام في 1934 تميز بالصراع غير المعلن وتطور الامر من مواجهة معارضة لستالين الى مواجهة بين الحزب وستالين.
اذا كان ستالين قد انتصر بعد ذلك فلأنه لجأ من اجل سحق الحزب الى الاستفزاز والخداع والارهاب وافتقاده للاخلاق السياسية باستخدام كل الوسائل غير الشرعية للحفاظ على سلطته وتركيز ديكتاتوريته. كان الحزب بعد المؤتمر يعمل بطريقة شكلية واللجنة المركزية تجتمع احياناً
• التحضير للمؤتمر الثامن عشر والخامس
بدأ التحضير للمؤتمر الثامن عشر للحزب الشيوعي السوفيتي من ناحية ستالين مع نهاية المؤتمر السابع عشر حيث تحولت المعارضات لسياسات لموقف متحد داخل المؤتمر لكن القيادات الحزبية المترددة وتلك التي ظنت ان قرارات المؤتمر والقيادة الجماعية قادرة على كبح الانفلات الفولاذي كان تقديرها خاطئاً فهي قد مارست فعلياً تجزئة المبدأ (مبدأ الديمقراطية المركزية) وذلك بقفل اخطاء الماضي وتفادي تبعات النقد والنقد الذاتي والمحاسبة.
لم يضع ستالين الفرصة وبدأ في التحضير للمؤتمر الثامن عشر وفي 1935 حث التطهير الواسع الذي طال عشرات الالآف من الشيوعيين والذي لم يعتمد على شئ بخلاف الوشايات والتي اتقنها مكتب الرقابة الداخلية الذي لم يمنح الشيوعيين حق الدفاع عن النفس ولكن من اهم الملاحظات ان ذلك التطهير استهدف قدامى الشيوعيين.
وعن طريق مكتب الرقابة الداخلية فان الشيوعيين كانوا يشون ببعضهم (البلاغات) وتم اعدام معظم قادة الحزب خلال ثورة اكتوبر. ولم يسلم ايضاً الجيش الاحمر والذي افاد ستالين انه جرى اكتشاف انقلاب عسكري وتم اعدام كل الضالعين فيه في الحقيقة لقد تمت ابادة الجيش الاحمر.
في حزب الشيوعيين السودانين كان يوجد ايضاً مشابه هو مكتب الرقابة المركزية وفعل ما فعل ولم يسلم منه اقوى واشجع قادة الحزب. القائد العمالي الشيوعي قاسم امين والقائد الوطني عبدالخالق محجوب وان موت ذلك المكتب بعد 1971 كان موتاً شكلياً فهو ظل يواصل مهماته باشكال جديدة وتم ايضاً افراغ الحزب السوداني من جوهره الديمقراطي عبر عمليات طويلة وبطيئة.
وكان موقف القيادات الوسيطة في الحزب السوداني من انتفاضة مارس ابريل 1985 مؤشراً خطيراً للقيادة المركزية الفولاذية فتلك القيادات الوسيطة وضعت امامها وحدة الحزب والمحافظة على المركز الواحد هدفاً وقاومت القيادة الثانية كل الافكار التي تكرس قيام مركز ثان بتجريد القادة المركزيين ليس فقط بسبب مناهضة انتفاضة الجماهير والزج بعشرات الشيوعيين في المعتقلات..الخ.
وهنا ايضاً في السودان لم يضيعوا الفرصة وبدأت استعداداتهم للمؤتمر الخامس بعدم توصيل كادر وعضوية لجسد الحزب والهجوم المباشر على كل القيادات الحزبية التي افرزها النشاط العملي خلال الحقبة المايوية واعادة تركيب القيادات واعادة النظر في تركيبة الحزب وفتح الابواب لكل العناصر اليمينية التي كانت خارجة بل وتصعيد بعضها للمواقع القيادية وفرض اساليب القبضة القيادية بالتعيين والاشراف .. الخ ما هو معروف خلال فترة الديمقراطية الثالثة وعلى كافة الجبهات.
• مشروع حملة الخاتم عدلان ورفاقه
ولان النظم الشمولية او الحكومات العسكرية تساعد المركزية الفولاذية في الحزب بالغاء صراع الافكار والاعتماد على الاجراءات الادارية فانها تبني اجراءاتها تحت مسميات الحماية والتأمين ولم يكن غريباً ان يقود الاستاذ الخاتم عدلان اول حملة للتصفية بعد ثلاثة اسابيع فقط من انقلاب 30 يونيو 1989 والتوصية للسكرتارية المركزية بطرد كادر وقيادات مع عدم اجراء أي تحقيق مع افراد المجموعة وعدم ابلاغهم بالطرد بسبب الحفاظ على وحدة وتأمين الحزب وبعد اقل من عامين يكتشف سوء الديمقراطية المركزية.
لكن تأكد ان الضعف قد اصاب المركزية الفولاذية في الحزب السوداني تماماً في 1992 عندما صدر ولكن الخطاب الداخلي الذي يعيب الحديث عن الديمقراطية الحزبية وشرعية القيادات والعمل المضاد لسلطة الجبهة القومية الاسلامية ليس ذلك فحسب بل ان قيادة سكرتارية المديرية قامت بتقريظ الوشاة وحثت العضوية على الرقابة ورفع البلاغات اولاً باول وهو مسلك غير شيوعي وعندما يكون تحت ظل حومة الجبهة القومية الاسلامية فهم يقدمون خدماتهم المجانية لحكومة الجبهة الاسلامية لذلك قلنا هو حزب الجبهة الشيوعي.
وقد أكدت التجربة الروسية والسودانية ان الآلة الجهنمية تستطيع ارغام القيادات والكادر على النقد الذاتي أي ان الوشاية هنا اكثر تطوراً واقوى حبكة لدرجة ان القائد ازاء الادلة لا يجد امامه الا النقد وهذا امتداد لعملية ابتزال النقد احد نتائج الممارسات الخاطئة لمبدأ الديمقراطية.
فنجد ان ستالين في 1935 اتبع اسلوب ارغام الخصوم المحتملين ولندقق جيداً في ذلك, قيادات يفترض انهم سيخالفونه الرأي.. لم يخالفونه بعد وهذه تذكرني بالقائمة المنتقاة التي اعدتها المركزذة الفولاذية في قيادتها للقيادات التي يحتمل لانها تؤيد ما نكتب في الصحف 2003م.
ومن اشهر النقد بالارغام ما كتبه ايتوكيوزة على جريدة البرافدا ذلك النقد المؤثر وقد كانت تلك هي وسيلة ستالين لابعاده من اللجنة المركزية والمواقع المختلفة التي كان يشغلها.
وعلى نطاق التجربة الوطنية عرضت قبل ذلك كيف كان ارغام قاسم امين لتقديم النقد تلو النقد وهي ايضاً كانت وسيلة ابعاده كما هو معروف حتى تنبه عبدالخالق بعد وقت طويل فاقترح في المؤتمر التداولي 1970 ان يكون قاسم رئيساً للجنة التحضيرية للمؤتمر الخامس وعلق اليمينيون على ذلك ان عبدالخالق يقتل القتيل ويمشي في جنازته لكن القاتل كان من بينهم ويضحك عليهم او كما اثبت الشهود بعد ذلك.
• تمزيق الدستور .. ثم دستور جديد
اعتمدت المركزية الفولاذية في الاتحاد السوفيتي على الظروف الاستثنائية سواء الحروبات او المصاعب الاقتصادية وجعلت ذلك مدخلها لتمزيق النظام الداخلي.
1- انعقد اخر مؤتمر للحزب الشيوعي السوفيتي في العام 1939 بعد ان استتب الامر تماماً ولم ينعقد أي مؤتمر عام للحزب حتى اكتوبر 1952 التاسع عشر وما بين تلك السنوات مات كل اللذين كانو ينتظرون الوقت المناسب.
2- لعدة سنوات لم تجتمع اللجنة المركزية.
3- لعدة سنوات لم يجتمع المكتب السياسي.
4- كان ستالين يقود الحزب عن طريق لجان يقوم بتعيينها ويحدد لها مهامها من لجنة االائحة الى لجنة البرنامج الى المكتب الاقتصادي.
5- ولانه وعلى الرغم من كل ذلك فان الحزب ظل موجوداً في التنظيمات القاعدية والمناطق والجمهوريات الفيدرالية فقد كانت وزارة الداخلية تفرض رقابتها على كافة المستويات أي مستويات التنظيم القاعدية والمحلية مما كان يمنع المناقشات الفعلية.
وفي المؤتمر التاسع عشر قدم خرتشوف الدستور الجديد ودار النقاش في (جو اكاديمي) بحيث ان اياً من القضايا الرئيسية لم يتم نقاشها بعمق. اما ستالين ففي مداخلته القصيرة جداً والموجهة للاحزاب الشيوعية الاجنبية قفد اشاد بالاممية والسلم والنضال من اجل الديمقراطية والاستقلال الوطني كلمة جديدة تتناقض مع كل ممارساته السياسية اذن كيف لا يقول القائد البارز انهم لم يتركوا الماركسية وان الماركسية كمرشد فان تركها لا محل له من الاعراب بل وللمبالغة يعيدنا الى دستور حزبه الجديد ستالين لم يمت.
ان تجديد الدستور في المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي السوفيتي كان بمضاعفة اعضاء اللجنة المركزية واستبدال لفظ المكتب السياسي بمجلس الرئاسة وزاد عددهم من 11 الى 25.
(ملحوظة هامة: غير ان مكتباً منبثقاً من هذا المجلس لا يعرف احد تركيبته هو الذي يتولى القيادة الفعلية. وجاء في الدستور الجديد ان اللجنة المركزية تجتمع كل ستة اشهر بدلاً عن ثلاثة شهور والمؤتمر ينعقد كل اربع سنوات بدلاً عن ثلاثة كما بدأ ايضاً الاعداد للبرنامج الجديد عن طريق لجنة البرنامج برئاسة ستالين واختتم المؤتمر اعماله في 14 نوفمبر 1952 و (الحمد لله).
كتب سير بوتوف عضو اللجنة المركزية للحزب السوفيتي 1961.
اجتاحت موجة الاجراءات القمعية ولمدة اربع سنوات رجال لم يرتكبوا اي عمل مشين واعدم الكثيرون من غير محاكمة او اتهام ملموس وعلى قاعدة معلومات مفبركة على عجل وتعرض للقمع ليس فقط هؤلاء العمال بل حتى عائلاتهم واطفالهم.
كما كتب د. لازوركينا: اي مناخ هو الذي خلق في 1937 لقد ساد الخوف الذي لم يكن لنا نحن اللينيين اي دور في ايجاده لم يعد ثمة ثقة وبدأ البعض يشي بالبعض الاخر.
• من تجارب مقاومة المركزية
اكدت التجربة التاريخية ان المقاومة المركزية عن طريق لائحة اي حزب مصيرها الفشل وان بعض القيادات التي قاومت تلك المركزية باتباع اساليب الصمت او الانحناء او التآمر لم تؤثر على المركزية لان المهيمنين على المركز بالتضامن مع معظم موظفي الحزب الذين يساعدون في تجهيز القزائم يتبعون اسلوب افتراض الخصوم وعلى ذلك فان الاسماء التي خارج اجنحتهم هم الخصوم المفترضين للمركزية.. الخ بل ان تلك الاساليب تساعد في تقوية شوكة المركزية وتقديم خدمات لها فيتم حجب القضايا عن التنظيمات القاعدية التي تكون بعيدة عن الحقائق .. وتتيح الفرصة لاسكات اي صوت يرتفع ويكون مصيرهم التشهير و الطرد و الاحقاد و العداوة.. فالمركزية الفولاذية علاجها الوحيد أن يتم كنسها و الا فانها ستشرف بنفسها على تصفية التنظيم..
عندما قال الخاتم عدلان ان القيادات تتفق معه خارج الاجتماعات و تتخذ مواقف اخرى داخلها فانني اصدقه.. و كل من قال للخاتم من القيادات أنت استعجلت هو حامل لافكاره و خارج عن التنظيم و مبادئة و لندع الاتفاقيات و أقول:
في مرة كتبت رسالة طويلة قمت بتلاوتها داخل اجتماع قيادة الخرطوم و اساسها جرائم الآلة الجهنية.
ولم يدهشني ان الرسالة لم تجد حظها من النقاش او حتى اتخاذ اي اجراء اداري بتكوين لجنة تبحث حقيقة ما كتبت لكن اهشني الزميل ضمن حضور الاجتماع كيف تقول ذلك داخل الجتماع؟ فالذي ساد ان الاجتماعات يقال فيها ما يرضي المركزية والحمد لله.
ففي نوفمبر 1923 رفع ستة واربعين من قيادات الحزب السوفيتي من بينهم سميركوف وانطونوف.. الخ رسالة اللجن المركزية مطالبين بتصحيح المماراسات الخاطئة في مبدأ الديمقراطية المركزية, وتوسيع الديمقراطية. وقررت اللجنة المركزية لوم موقعي هذه الرسالة بتهمة تشكيل تكتل داخل الحزب فماذا حدث بعد ذلك؟
- تم تنفيذ اجراءات بحل هيئات
- واجراءات بانزال قيادات من مواقع ومسؤوليات.
- لكن كل اللذين وقعوا على المذكرة وخلال ثلاثة سنوات فقدوا حياتهم
وفي المؤتمر الرابع عشر انتقد كامينيف ستالين فتم عزله واللذين ايدوه.
وفي يناير 1926 طرد ترونسكي وآخرين من الحزب وانتحر ايوف احتجاجاً على طرد ترونسكي.
مقاومة الشيوعيين حقاً وصلت الى حد التنظيم حقيقة العمال والحقيقة العمالية وتمت مواجهتها بالاعتقالات واجبار الاعضاء على الادلاء بمعلومات عن نشاط الشيوعيين حقاً المعادية للحزب الشيوعي.
ولذلك عندما تطلق المركزية على احدهم انه عدو الحزب في السودان نعرف انه شيوعي حقاً.
ومن اهم خطوات تحضير ستالين للمؤتمر الخامس عشر ترتيب ما عرف بقضية المطبعة حيث كان الشيوعيون حقاص من المعارضين يطبعون برنامجهم للمؤتمر الخامس عشر فقضي على من يريد القضاء عليه.
(هدف المركزية دائماً .. مؤتمر على نظيف) هذا بخلاف مما هو معروف عن عزل للأعداء الطبقيين وقانون تنظيم الاشغال الشاقة..الخ.
وفي السودان وفي يوليو 1989 التقى عدد من كادر الحزب وناقش الاوضاع الحزبية العامة بعد انقلاب الجبهة القومية الاسلامية بل ان اللقاء الاول كان مساء 30 يونيو 1989 وهي مسؤولية العمل القيادي في انقلاب الجبهة القومية الاسلامية الاختفاء الجماعي للكادر من دون قرارات الهروب من دور الحزب ومقارة وترك الممتلكات والاوراق شرعية القيادات, الاختراقات في التنويم, الديمقراطية الحزبية.. الخ وقرروا اعداد مذكرة بتوقيعات من الكادر في صورة رسالة للجنة المركزية لكن الرسالة لم يتم اعدادها ولا تسليمها للمركز فالسيدة التي كان الورق في حرزها نصحها (....) بتصويره بعد ان قامت بابلاغه كذلك كان يفعل الشاب الذي يشرف علة تداول المراسلات بعد اقراره وسلم لقيادة الجهاز وهذه من اشد الوشايات وطأة التي واجهتني مما دفع لتغيير الاسلوب. لكن كل اللذين حضروا المحاضرة نزلت عليهم العقوبات الا واحد وهذا الواحد لم يتبق الا ان يعين شيخ الوشاة او سكرتير مكتب الرقابة فهو كان مع مجموعة المذكرة مع مجموعة حركة الاصلاح الآن ومع مجموعة الخاتم عدلان ويوهم نفسه بان المتآمرين يعتبرونه واحداً منهم والظريف ان سدنة المركزية لا يحبونه انني منتظر به الديمقراطية لان الحروف انقضى زمانها.
والمركزية الستالينية في السودان هي كما في كل مكان: الطرد من العضوية, التشهير واغتيال الشخصية, الارغام على النقد. الدفع للانتحار والدفع للادمان, الخفيض والانزال من المواقع, حل الهيئات, الفصل من الخدمة ..الخ عشرات الصور.
وكل اساس عملها يقوم على الوشايات وفبركة الوقائع وافتراض معارضين وتوهم تنظيمات ..الخ.
و...
(انني لا افرض , انني لا اقترح .. انني اعرض)
ونواصل عرض (الاخيرة) وممارسة المركزية الفولاذية في السودان.
- نقد الظاهرة الستالينية.
يعبرون عن ارائهم وسط الشلل وخارج اجتماعات التنظيم عبدالخالق: بالتفاوت في مستوى وقدرات الكادر فان (العمل القيادي) يعبر عن (التفاوت) لا عن مستوى العمل الجماعي كتب عبدالخالق محجوب: يواجه حزب الطبقة العاملة قضايا عديدة, وهو يتصدى لهذه القضايا المعقدة يعاني من وجود انحرافات في قطاعه القيادي تعوقه عن القيام بواجباته الثورية, لابد من القضاء عليها وتمتين وحدة صفوفه على أساس الماركسية..
انها انحرافات يمينية تشمل استراتيجية الحزب وتكتيكاته ولا تقتصر عليها وانما تتعداها لتصل الى مستوى الطرح النظري والممارسة العملية لتصفية الحزب.
انتقاد الخاتم في 1991 رد عليه عبدالخالق في 1963
اعتمدت قيادة جهاز الحزب الشيوعي في السودان على انهيار الاتحاد السوفيتي السابق وان احد اسبابه هي المركزية الفولاذية او الستالينية خاصة وانهم اتبعوا النموذج السوفيتي ( وهذا ليس صحيحاً بصفة مطلقة). وان كل ما حاق بالحزب السوداني هو ايضاً بسب تلك المركزية بالتالي اقترحوا مباشرة (استبعاد مبدأ الديمقراطية المركزية) ولكن ذلك لم يكف الجماعة التي خرجت او استعجلت الخروج.
وكتب الاستاذ الخاتم عدلان:
ثمة عقبة ذاتية داخل الحزب ذاته تعيق نموه وتطوره وهي تتمثل في المبدأ التنظيمي الذي يحكم حياته, اي المركزية الديمقراطية فسيادة هذا المبدأ هي الميؤولة عن عقم حياة الحزب الداخلية وضيقه وبرمه الرأي المستقل والشخصية المستقلة.
ويرى الشيوعيون حقاً واللذين يطلق عليهم (المرتدون) الشيوعيين السلفيين ان عقم الحياة الداخلية سببه الممارسات الخاطئة للمبدأ, مبدأ الديمقراطية, وان ما كتبه القائد الوطني والذي يعتبره المرتدون الجدد من الكتابات الصفراء وكذ1لك ما كتبه قادة الحركة الشيوعية فانما يعبر عن تحللهم.. ونكرر ما كتبه عبدالخالق في 1963:
ان بعض الرفاق يدسون على مبدأ الديمقراطية المركزية هذا المبدأ الذي لن يستقيم الحزب الشيوعي بدون تطبيقه .. انهم يضعون السلطة التنظيمية محل الصراع الفكري والاقناع انهم لا يحترمون رأي الاقلية .. هذا اتجاه خطير جداً وهو صادر عن عقلية لا علاقة لها بالعقل الماركسي. الرقابة على القرارات تعني التحقيقات وجمع المعلومات والاختلاف في الرأي يعني العداوة والاحقاد والطرد من العضوية.
لذلك يهمنا مناقشة المبدأ من واقع التجربة السودانية بايجاز ليس بهدف حوار مع حركة حق او قيادة جهاز الحزب فكلاهما تركا الماركسية وطردا المبدأ طرداً وهو امر طبيعي ورفضا (حكومة العاملين) وكلاهما غير طبيعة الحزب وكلاهما اكد ان حزبه لا هو حزب الطبقة العاملة ولا حزب العاملين في السودان .. فلا يهم في شئ المبدأ الذي يسير عليه تنظيم الحزب الشيوعي في السودان الذين لم يعودوا عملياً اعضاء فيه الذين خرجوا والذين سيخرجون. ان الهدف هو مساعدة الشباب لفهم القادة المحتملون للحزب الشيوعي في السودان. والوسيلة الوحيدة امامنا هي عرض واقع الممارسة بعمومية لنستطيع الحكم بعد ذلك على مبدأ الديمقراطية المركزية وهذه هي الدواعي العملية التي نعتمد عليها مع بيان النظرية التي نستند عليها في صلاحية الممارسة.
ما معنى الديمقراطية المركزية؟
عندما يعلن قادة جهاز الحزب استبعادهم لمبدأ الديمقراطية المركزية كمبدأ لتنظيم الحزب فاننا نؤكد بالادلة انهم قاموا بالغائه عملياً في حيز الممارسة منذ عشرات السنين. وانهم قلبوا النتيجة فالذي اثبت فشله خلال العقود الماضية ليس المبدأ بل الغاء المبدأ وهذه مسألة هامة. ان المعنى البسيط او الهدف من وجود لائحة الحزب او دستور تنظيم انشطة الحزب المختلفة والسؤال ما معنى مبدأ الديمقراطية المركزية؟ المعنى ببساطة شديدة هو تنفيذ الاقلية لرأي وقرار الاغلبية من مركز واحد المعنى هو ادارة الصراع او الحوار اذا كانت لفظة صراع تثير ذعراً بهدف الوحدة مع المشاركة الاوسع للعضوية مما يتيح عنه تطوير النشاط ونمو التنظيم. المعنى هو: القيادة الجماعية.
فما هي العناصر الخاطئة هنا؟ وما هي الدواعي الفكرية المناقضة لمعاني المبدأ ولذلك تم استبعاده؟ وهل للمبدأ بصورته علاقة بالمركزية الستالينية؟!.
القائد الوطني عبدالخالق محجوب ذهب اكثر للامام عندما تحدث عن محتوى القيادة الجماعية التي هي معاني مبدأ الديمقراطية فماذا قال: القيادة الجماعية لا يمكن ان تقتصر على شكل وحدة دون المحتوى فاجتماعات الهيئات المنتظمة وتقديم التقارير الدورية وتوسيع العمل القيادي في شكل مكاتب تخصص للجنة المركزية وللقيادات الاقليمية امر حسن ولكن لن يؤدي الى تحقيق القيادة الجماعية بالفعل.
مستوى الكادر وقدرته على المشاركة الحقيقية في رسم سياسة الحزب هما اللذان يحددان محتوى القيادة الجماعية وطالما بقى التفاوت واسعاً بين مستويات الكادر من ناحية قدراته النظرية وطالما بقى تطوره في مستوى القيادات معتمداً طاقاته الذاتية فان فان العمل القيادي سيعبر عن مستوى هذا التفاوت هذا التفاوت لا عن مستوى العمل الجماعي.
. ما معنى تجزئة المبدأ ؟
هي ان يصبح مركز الحزب غير ديمقراطي وتصبح ممارسة الديمقراطية غير مركزية وما هي مخاطر تجزئة المبدأ؟
(أ) نشوء مراكز متعددة على مستويات مختلفة.
(ب) الخروج من التنظيم.
(ج) الخروج على التنظيم.
وجميع هذه المخاطر تهدد مباشرة وحدة التنظيم. الم تتحقق كل هذه المخاطر امام اعيننا؟.
شهدنا نشوء المراكز المتعددة على مستويات مختلفة, وشهدنا الخروج من التنظيم والخروج عليه, وكل ذلك لا يحتاج لبرهان. وعلى ذلك تكون تجزئة مبدأ الديمقراطية قد تم تكريسها فعلاً. اذن فان الممارسة الخاطئة للمبدأ حقيقة. اذن المشكلة ليست في المبدأ.
. ما هي اهم الممارسات الخاطئة؟
اهم الممارسات الخاطئة التي حاقت بمبدأ الديمقراطية المركزية هو عدم انعقاد مؤتمرات الحزب لثلاثة وثلاثين عاماً ومعروف ان المؤتمر العام هو السلطة الحزبية العليا وهو الذي عن طريقه يتم تصحيح الاخطاء والاتفاق الجمتعي حولها بما في ذلك تصحيح الممارسات الخاطئة لمبدأ الديمقراطية المركزية نفسه وتعليق لائحة الحزب او النظام الداخلي كل هذه العقود من الزمان يكون قد الحق اضرار بالغة بقضيتي نمو الحزب ووحدة الحزب. فمن الذي أخطأ هنا: النظام الداخلي القديم او مبدأ الديمقراطية المركزية ام قيادة جهاز الحزب؟.
. ما هي حقيقة مبدأ الديمقراطية؟
يقتضي المبدأ ان تلتزم الاقلية بقرار او رأي الاغلبية (ديمقراطية) وان تمثل الهيئات الدنيا للهيئات العليا (مركزية). جوهر المبدأ يكمن في افتراض ديمقراطية تشكيل الهيئات الحزبية بحيث تكون الهيئة معبرة بصدق لجموع العضوية التي تمثلها. وبهذا تكون الهيئة الحزبية الأعلي تعبر فعلاً عن قطاع واسع العضوية مقارنة مع الهيئة الحزبية الاقل من حيث الترتيب الاداري.
اذن الهيئة الحزبية تكون منفذة لارادة العضوية وليس العكس.
بمعنى اخر فان الهيئات العليا تستمد اجندة عملها من نشاطات الهيئات الادنى بحيث يكون الاصل بين العضوية والمركز مروراً بالهيئات الوسيطة تواصلاً من اتجاهين.
من ان يستمد المركز موجهات عمله؟
الممارسة السليمة للمبدأ تقتضي تشكيل الهيئات على كافة المستويات. وهذا لن يتأتى ما لم تشارك التنظيمات القاعدية (الهيئات الدنيا) بدءاً من العضوية في تشكيل الهيئات العليا على يكون المركز ملبياً لارادة الهيئات الدنيا بما فيها العضوية التي كونته. يتواصل معها كمركزها دون تهميش لها (التهميش ينفي ديمقراطية الممارسة) ودون الانعزال عنها اذ ان للانعزال مخاطره (تعدد المراكز).
فتكون موجهات عمل المركز هي التي يحددها نشاط ولأن هذه القواعد هي قواعد المركز فيجب ان تبعاً لنشاطها. وهذا هو الطريق الوحيد الذي يستطيع المركز من خلاله ان يرسم سياساته بحكم تمركزه على نشاط قواعده.
ان ابداع القيادة وسعة خيالها مستمد من ابداع القواعد التي تكون متفاعله مع الواقع الحي ومن السخرية تصور قيادة مبدعة تستمد اجندتها من قواعد ضيقة الأفق. ان مثل هذه القيادة خارج التاريخ, تاريخ ايقاع الواقع الحي (لذلك سخرت عندما اوردت سكرتارية مديرية الخرطوم في 1988 ان ما دونها من قيادات فشلت في هضم افكارها)!!.
وفي ذات المعنى من غير الممكن تصور قيادة متبلدة تستمد اجندة عملها من قواعد متدفقة النشاط والحيوية واسعة الخيال والموهبة. ان مثل هذه القيادة ليست فقط غير مؤهلة بل معوقة لتدفق هذا النشاط.
اذن الممارسة السليمة لمبدأ الديمقراطية هو صمام الامان لقيادة خلاقة تتفاعل مع قواعد ذات حيوية وذات ابداع وتتيح للقيادة اعادة انتاج كل الابداع.
- كتب عبدالخالق محجوب:
ادى ضعف الديمقراطية المركزية في الحزب وعدم اشراك العضوية اشراكاً نشطاً في حياته الداخلية , وفي حياة فروعه الى انكماش كبير في عضوية الحزب لدرجة عاقت قدراته الذاتية وهو يواجه مهام ثورة اكتوبر 1964. وقد اسهم هذا الوضع في تقوية روح الحلقية وسيادة البيروقراطية في العمل والانغلاق الذي يصعب كسره لاستقبال الجديد.
ان عجزنا الذي نسجله في استقبال الطلائع وتحويل الحزب الى قوة جماهيرية بعد ثورة 1964 لا ترجع الى عقم الحياة الداخلية والى الخلل الناتج عن ضعف مبادئ الديمقراطية المركزية.
. متى وكيف تتم الممارسة الخاطئة عندما يتم افراغ المبدأ من معناه خلاف لما ينادي به النظام الداخلي للحزب.. وذلك عن طريق تجزئة مبدأ الديمقراطية المركزية.
. تعطيل العمل بالنظام الداخلي
اعتادت القيادات الحزبية في ظروفه السرية وتحت حجج التأمين والمحافظة على سلامة جسم الزب والدفاع بقاء الحزب على تعطيل العمل بدستور الحزب وهذا التعطيل ينتج عنه انقلاب قاعدة المثلث الهرمي للتركيبة الادارية لممارسة المبدأ او ينتج عن ذلك:
(أ) تحل التعينات محل الانتخاب.
(ب) تحل الاقلية محل الاغلبية.
(ج) يتم تهميش الفروع والعضوية.
(د) تفرض الوصايا على قواعد الحزب وفروعه وهيئاته.
ويترتب على ذلك : ان تكون الهيئات الادنى وحتى قواعد الحزب في الفروع متلقية للذين يسيطرون على الهيئات العليا على نشاط وهموم الهيئات العليا عن نشاط وهموم الهيئات الادنى حتى العضوية وجماهير الشعب. وبذلك يصبح المركز المهيمن في اتخاذ ما يراه من قرارات وسياسات (في اتجاه واحد) فرضاً وبغض عن مجرى نشاط القواعد والعضوية. رويداً .. رويداً تفتقد الكوادر والعضوية المبادرة بعد تحولها الى متلقية. هنا يصيبها الجمود.
- ملحوظة هامة: في فترة الديمقراطية الثالثة اقتضت قيادة الحزب ان الحزب لا يزال سرياً فكانت شبه العلنية بما يتيح لها ات تظل بعض بنود الدستور الديمقراطية مجمدة بسبب تلك السرية في الخيال!!.
. افتقاد المركز للديمقراطية
تستمر هذه الآلية في عملها وبمزيد من تراكم التعيينات تنفصل الديمقراطية عن مركز ادارتها وبالتدرج البطئ يتجزأ مبدأ الديمقراطية حتى يكتمل الانفصام ما بين المركز وممارسة الديمقراطية.
وتغيب ممارسة الديمقراطية حتى داخل الهيئة الحزبية نفسها (امامكم حالة تصعيد عضو سابق بالسكرتارية المركزية تحمل مسؤولية تعيينه فرد واحد وامامكم حالة تعيين عضوين بالسكرتارية المركزية دون ان يكونا عضوين باللجنة المركزية).
فاصلاً لا يكون هناك معنى لممارسة الديمقراطية داخل اللجنة المركزية وهي فاقدة لاستقلاليتها ومتلقية مثل غيرها التوجيهات..! لما تراه من توصيات وآراء..
لذلك جاء في مقدمة دستور الحزب الجديد اعلاء شأن اللجنة المركزية بما يجعلها قولاً وفعلاً القيادة الفكرية والسياسية والتنظيمية للحزب وهي اصلاً كذلك.. وكذلك قال السوفييت في 1934. فلا تجديد هنا. وهي لن تكون كذلك الا عن طريق الممارسة السليمة لمبدأ الديمقراطية الذي تم استبعاده في ذات المقترح.
ان الآف النصوص ات تغير من الحقيقة شيئاً. وان المركز فقد الديمقراطية قبل عشرات السنين بحكم آلية التعيينات.
. ماهي مشاكل الممارسات الخاطئة؟
الممارسة الة الخاطئة المزمنة للمبدأ في حزب السودانيين نتجت عنها مشاكل شائكة ومتداخلة اضرت بوحدة الحزب ولا تزال , واضرت بنمو الحزب ولا تزال , واقعدته عن القيام بدوره التاريخي كحزب ثزري ولاتزال, ومن بين تلك المشاكل:
(أ) فقدان الاستقلالية والقيادة الجماعية.
(ب) تفشي الشللية.
(ج) فساد القيادة في ظل التجزئية.
(د) ابتذال النقد الذاتي.
(ه) القيادات الوسيطة كمراكز غير معلنة.
. فقدان الاستقلالية والقيادة الجماعية
( من المؤشرات التي فرضها التطور الموضوعي تجديد النظام الداخلي..
خامساً: المهمة الاستراتيجية للعمل القيادي في كل مكاتب وهيئات الحزب ومتابعة نموه وتطوره قولاً وفعلاً ممثلاً للحزب في مجاله..).
هذا ما جاء في مشروع دستور الحزب الجديد. ولم اجد تجديداً الممارسة الخاطئة لمبدأ الديمقراطية هي التي تسببت في فقدان الفروع لاستقلاليتها.. والان تقرر استبعاد المبدأ.
فمن المعروف ان تجزئة الديمقراطية المركزية تؤدي الى ان تفقد الفروع والهيئات الحزبية استقلاليتها تدرجياتً من ادنى الى اعلى. فيكون أي نشاط مستقل هو خروج عن خط الحزب وتكون حرية التفكير من اعمال التخريب ويكون الذي ينتقد ممارسات القيادة هو عدو الحزب فيتردى العضو مستمعاً متلقياً يفزع من التفكير فيتفشى الخمول الذهني وتسود الطاعة وتكف الهيئات عن بناء التنظيم ويصبح خط الحزب نفسه هو تعبير عن مجموعات متناقضة راجعوا يا شباب مواقف قيادة الجهاز من اتفاق جدة بين الميرغني والحكومة تجددون
1- الشفيع خضر بعد اربع وعشرين ساعة يؤكد علم ومتايعة وموافقة التجمع على الاتفاق
2- بيان اول من قيادة الجهاز قالوا انه طبع ووزع عن طريق الخطأ
3- بيان ثان من قيادة الجهاز انتقد الاتفاق بالتفصيل
4- تصريح للناطق الرسمي للجهاز بقبول الاتفاق
5- اجازة هيئة قيادة التجمع للإتفاق في اسمرا
6- اسماء منتقاه من التجمع الوطني لتفعيل الاتفاق من بينهم افراد منتمين لقيادة الجهاز مع استبعاد الاشخاص الاعضاء في التجمع والمعارضين للإتفاق!! وهذا ما نعني به ان خط الحزب هو تعبير عن مجموعات متناقضة.
وبمرور الزمن يصبح خط الحزب يمثل رؤى فرد واحد ان لم يكن افراداً محدودين في أحسن الأحوال. وبذلك نكون امام انقلاب اخر هو نتيجة طبيعية للمركز الا ديمقراطي والديمقراطية الامركزية.
. تفشي الشللية
بفقدان الهيئات والفروع لاستقلاليتها لا تكون البيئة ملائمة لحرية التفكير والنقاش. وتصبح هناك حاجة لرؤى صدى الافكار التي تفشل الهيئة او الفرع توفير مناخها. فتنشأ ما يبدو على السطح صداقات تتفق بدرجة او أخرى فيما هو مجاله الهيئات والفروع فاقدة الاستقلالية.
فالشلة تتيح لأفرادها التحدث بحرية تامة فليس هناك رصد او رقابة او بلاغات .. انها تبدو كحلقات لتزجية الوقت حيث تكون القطيعة ورصد نقاط الضعف البشري والتلذذ بها احياناً من هموم الشلة الا ان هذه الشلل لا تخلو ان تتناول مسائل جادة وتنتج آراء نيرة ولكنها للأسف لن تجد طريقها للوصول الى المركز.
. وكتب عبدالخالق محجوب
يعوقنا.. انخفاض مستوى الحياة الداخلية في حزبنا وابتعادها عن اسس التنظيم الحزبي.. ان كثيراً من الرفاق يعبرون عن آرائهم وسط (الشلل) وخارج الاجتماعات الحزبية مما يجعل الاختلاف في الافكار غير مثمر ويضعف نمو حزبنا ان هذه الظاهرة اصبحت متفشية بين عدد من كادر الحزب القيادي.. وهي تعكس نمط الفكر البرجوازي الصغير الذي يرفض النقد والنقد الذاتي ويهرب منها الى اسلوب الهمس فيتحول صراع الافكار الى تذمر ونميمة.
و (بلاش موسكو يا شباب.. هناك اكثر فائدة.. فانتم القادة).
ومن اهم الوثائق الجديدة بالاعتبار ذلك الخطاب الداخلي الذي اصدرته السكرتارية المركزية في مارس 1979 (يعني موسكو الطلاب قديمة جداً) وكان بعنوان حول اخلاقيات ومسلك الشيوعيين ومما جاء فيه:
( هموم الحزب ومشاغله لا تسمح باهدار الوقت والصحة والمال في حفلات وجلسات قوامها الثرثرة ومناقشة قضايا ومسائل حزبية او سياسية مكانها الطبيعي الهيئات الحزبية.. ظروف السرية وضيق مساحة النشاط الجماهيري ليست رخصة للتجمعات العطلة والحلقية والعزلة واجترار المشاكل والمتاعب)
(المستوى المطلوب من الانضباط الحزبي الصارم يستوعب مواجهة هذا التحلل والتسيب الليبرالي بحزم تربوي شيوعي ينتشل أي شيوعي وصديق للحزب من خطر الانحدار.. لا يشرف الحزب الشيوعي ان يكون في صفوفه مثل هذه النوعية).
و (.... يتساوى في الخطورة غش النفس وخداع الجماهير في ازدواج الشخصية والعيش بشخصيتين, فمن جهة دعوة للنضال والعدالة للكادحين ومن جهة أخرى ممارسة حياة خاصة كلها ترف برجوازي وجري وراء جمع المال..)
وذكر الخطاب الداخلي العضوية بدستور الحزب:
في صفحة 58 من دستور الحزب فقرة واضحة وقاطعة محدد اهم قسمات الحزب كحزب جديد في تنظيمه يحكم الاهداف التي يناضل من اجلها ويحكم الاعضاء الذين ينتمون اليه ويناضلون لتحقيق تلك الاهداف. تقول الفقرة:
(لهذا يضع الحزب الشيوعي شروطاً عالية لعضويته فيقصرها على ابناء شعبنا واشدهم اخلاصاً لقضية الثورة واكثرهم استعداداً للتنظيم واقدرهم على التضحية ونكران الذات..).
وتنص الائحة صفحة 14 واجبات العضو فقرة (ك) ان على عضو الحزب اتخاذ مثلاً شريفاً في كل تصرفاته وسلوكه..الخ
(ارجو ان اتمكن من عرض النظرية الاخلاقية التي لا تقل اهمية عن النظرية التنظيمية).
. فساد القيادة في ظل التجزئة
عندما يحل المزاج الشخصي محل الانتخاب في تقييم مقدرات ونشاط ومواهب العضو الحزبي ويصبح التصعيد بالتعيين والانزال نوعاً من الترقي والعقاب تصبح القيادة فاسدة مهما حسنت نواياها.
يبدو ذلك واضحاً للعيان في التكريس المحموم لرسم هالة من التقديس للمركز وهيئاته العليا وينتج عن ذلك التهيب والحذر محل علاقات الزمالة والعلاقات الرفاقية. ولذلك فانه يصبح تصيد الاخطاء ونقاط الضعف البشري هو المعيار لتقييم الاداء.. وهكذا تكون البلاغات والوشايات والتباري في كشف عيوب الناس او حتى اصطناعها وتحل قيم الاستهلاك محل قيم الانتاج وهو شكل آخر لتجزئة مبدأ الديمقراطية.
. عندما يكون النقد موازياً لتصيد الأخطاء
من البديهي ان من لا يعمل لا يخطئ ان الابداع والاستقلالية والوقوع في الخطأ والتعلم من الخطأ هي اشطة متلازمة لكل ناشط يريد المشاركة في ملحمة الحياة, وتغيير الواقع الحي على ضوء فلسفة وبرامج واضحة ومتفق عليها. اذ بدون تلك الانشطة تصبح الحياة نفسها مسرحية يكون المركز مع اطراف اخرى ابطالها ويصبح مجموع العضوية روادها.
ان مبدأ النقد والنقد الذاتي يصبح له مدلولاً مختلفاً تحت ظل تجزئة الديمقراطية فالمعروف ان النقد والنقد الذاتي هو عمل ابداعي وشاق وشجاع وهو التدريب الثوري الذي يؤهل الفرد لمواجهة مواطن ضعفه بهدف كشفها بذاته او مساعدة زملائه حتى يستطيع التحرر من او القضاء على ذلك الضعف لا اخفائه لتكتمل بناء الشخصية الثورية.
بهذا المعنى لا يكون النقد الذاتي منقصة بل مرحلة في بناء الشخصية وتطورها, اما عندما يكون النقد الذاتي موازياً لتصيد الاخطاء وضعف الفرد, ومادة لإنتقاص الشخصية وإبتزازها وتصيدها من ناحية وعربوناً للرشوة والفساد تنزيلاً وتصعيداً من ناحية اخرى فتكون الكارثة.
فضلاً من تحديد الخطأ ودراسته ومعرفة مسبباته لتحاشي الوقوع فيه وبدلاً من النزاهة والتجرد في الادلاء بالمعلومات والقوائع تسود روح التبرير الزائف لتحل محل النقد الذاتي.
. القيادات الوسيطة والطريق الصعب..
تمثل القيادات الوسيطة لحمة التنظيم التي بها يتواصل المركز مع هيئات الدنيا وقواعده وجماهير الشعب. ان أي خلل يصيب القيادات الوسيطة يؤدي الى ارتباك هذا التواصل. ويعزل المركز عن القواعد.
ان مبدأ الديمقراطية المركزية يتوقف عن العمل في غياب القيادات الوسيطة اذ لن يتسنى ملء هذه الفجوة التي تمثل رابطاً عضوياً بكل بكل العضوية تحت ظل التجزئة يكون امام القيادات الوسيطة خياران:
الأول: التعبئة للمركز فتتلقى التعليمات وتقوم بنقلها القواعد فتفقد استقلاليتها.
الثاني: ان تعالج خطأ المركز فتصبح هي نفسها مركزاً بديلاً وجديداً بعد ان تتبنى قضايا القواعد.
ان القيادات الوسيطة امس واليوم وتحت ظل الممارسة الخاطئة لمبدأ الديمقراطية المركزية هي في الحقيقة مراكز غير معلنة بينما في الاصل هي الرابط بين القواعد والمركز. واليوم فان امام هذه القيادات دوراً تاريخياً بالغ الخطورة بالغ التعقيد فمن بين هؤلاء القيادات من يرون الاشياء على حقيقتها ويستشعرون بحكم مواقهم ان هناك (ازمة) في الديمقراطية ومشروعاً (للتصفية) وان عزلة المركز عن عضوية الحزب وعزلته عن القوى الديمقراطية حوله وعن جماهير الشعب في تزايد مستمر. هؤلاء يشهدون بحكم مواقعهم ولا سواهم (ضمور الحزب) وضعف تأثيره وهي تدرك ايضاً ان نفس المبررات التي ادت لمصادرة الديمقراطية ستكون ذات المبررات التي تمنع قيام مؤتمر عام ديمقراطي باتجاه الفرصة للنظام الداخلي للعمل.. وهؤلاء الفرص امامهم محدودة.
طريقان:
الصمت والانزواء.. او التضامن مع قواعد الحزب والتواصل مع جماهيرها وجماهير الحزب..
ارجو ان اكون بذلك قد اجبت على استفسارات الشباب من بعض طلاب الجامعات عن طريق العرض.. واقدر لهم اهتمامهم ومتابعتهم المستمرة.
و (انني لا افرض. انني اقترح.. انني اعرض)
والحمد لله كثيراً
المراجع
- كتاب نقد الظاهرة الستالينية
- اعمال اللجنة المركزية سبتمبر 1963
- الماركسية وقضايا الثورة السودانية 1967
- مؤتمر الحزب التداولي 1970
- مقال (الديمقراطية المركزية بين الممارسة والتطبيق) الفاتح الرشيد حمزة 1986م..