ما يمكن أن يقال نحو تواصل العلاقة الرسمية بين الدولتان مؤخراً وباختصار ودون ضجيج أو انفعال مخل ، هو إنها إحياء وتأكيد لعلاقة كانت بين دولتان، وليس لبناء علاقة جديدة محتمل لها أن تكون كما تخيل بعد الوسطاء، كما أنها ليست إشكالية جديدة وخطيرة لا يمكن رصدها ومعالجتها عند الضرورة التاريخية و الموضوعية المتعلقة بفك رموزها وتحديد مسار بوصلتها، خصوصا بزوال أسباب تناقضاتها الخاصة أو المباشرة التي قابلتها في مرحلة هامة للدولتين و الشعبين، العلاقة في تدهورها لم تكن مصل التناقض التي واجهتها دول المنطقة من قبل، حيث لم نرى أو نسمع عن تدهور العلاقة لدرجة القطيعة المطلقة كما شاهدته بعض الدول في المنطقة العربية بعد مبادرة السلام المصرية الإسرائيلية و لا بعد غزو بغداد أو ما قابل العلاقة الإريترية الإثيوبية في منطقة القرن الأفريقي من تدهور مخل. القاعدة كانت أن العلاقة خاصة وقانونها مشترك في المشكل و الحل. لهذا كانت المبادرة الأريترية التي وجدت القبول السوداني ولم تكن تلك المبادرات الطيبة الأخرى من دولة قطر و الجماهيرية الليبية سبب النجاح . مما يؤكد بهذا أن العلاقة خاصة وأن أهل مكة أدرى بشعابها كما يؤكد المثل العربي.
من هذه القاعدة الموضوعية، أجد أنه من البديهي بمكان أن نسعد لسماع خبر تطور العلاقة وانفتاحها باتجاه الممكن و المحتمل ؛ حيث يبدو شرطها المركزي بعد الاستماع للتصريحات المنقولة عبر الأنباء بعد وصول الوفد الإريترى الهام و المعني بالملف " الإريترى السوداني " للخرطوم تحت ما عرف بين الإعلاميين " بالمبادرة الأريترية" والسماع مؤخراً لوزير خارجية السودان الجديد، السيد الوزير لام أكول - الذي يمثل معادلة جديدة في العلاقات السياسية فيما يعرف بتوازن العلاقات السودانية المحلية و الدولية - الأمر الذي جعلنا نتأمل نحو حتمية التأكيد على الاستمرارية و التواصل للعلاقة السودانية الأريترية. وهذه القناعة في الفهم لا تنبع من فراغ ، حيث في الأصل نابعة ومنطلقة بل متجانسة مع ؛ حقائق التاريخ و التجارب وحالات المد و الجزر والرؤية المستقبلية الموضوعية للعلاقات المتداخلة و المتفاعلة بين الأنظمة السياسية المتداخلة الحدود ، عكس تلك التي ليس لها علاقات يومية ومباشرة في أجزاء كثيرة من العالم ، وللتأكيد على هذا المنطلق ، علينا التمعن بدقة لما هو عليه الحال بين دول المنطقة في القرن الأفريقي دون استثناء، ومن يدرك الحراك المتفاعل لمثل هذه العلاقات من خلال فهم دقيق لصيرورة التناقضات الثانوية والرئيسية في منطقة القرن الأفريقي و منطقة البحيرات والحدود السودانية الغربية، سيدرك ما أرمي إليه من مرمى وتبيان. حيث جدلية العلاقات السياسية، دوماً تحكمها مصالح استراتيجية وأخرى تكتيكية. ما يبدوا للمراقب من على بعد - دون الولوج نحو دائرة التفاصيل التي يقبع داخلها الشيطان كاحتمال- هناك تأكيد من معظم الحادبين على جوهر العلاقة على حقيقة أن هناك بشائر مرحلة جديدة عناصرها أكثر من حقيقة موضوعية. هذا التفاؤل لا يعني عدم تباين الرؤى في بعض الجوانب الخلافية و لا يعني بالضرورة عدم تكامل الرؤى و الفهم فيما يخص بعض الثوابت الأخرى. لهذا أجد أن القاعدة المباشرة هنا: هو تطور وتقدم في التحكم في التعامل مع قوانين تداخل العامل الثانوي والرئيسي في العلاقة و"مقياس " قدرة تفعيل مسار المد و الجزر في الزمن الخاص و العام للأطراف المعنية بالصراع نحو الممكن و المحتمل في جانبه الإيجابى . حيث هذا يدفعني من جانب أخر لتفهم موقف الغير متفائلين ؛ بل الذين وصفوا الموقف الجديد باتجاه الموقف المعاكس لما هو الحال عليه أو ما بدأ كذلك للبعض منا، نحن الذين نصب في دائرة " التفاؤل الموضوعي و الحذر الإيجابى" و ذلك لإدراكنا لحقيقة التغير و التطور الذي تشهده المنطقة على المستوى المحلي و الإقليمى و الدولي" وما يفرضه ذلك على القوى السياسية الفاعلة في حركة التاريخ المعاصر وليست تلك التي انحصر موقفها في دائرة رد الفعل السلبي.
- إن توقيع اتفاقية السلام التاريخية بين جبهة الإنقاذ الإسلامية والحركة الشعبية خصوصاً التجربة التي قادها الدكتور الراحل جون قرن و الأستاذ علي عثمان محمد طه و التي أعقبتها تواصل معظم و لا أقول كل القوى السياسية في جبهة المعارضة السودانية تحت مظلة التجمع الوطني الديمقراطي ، حيث قادتها تركت المهجر،الذي كانت اسمرا أحد محطات قادة المعارضة ضمن القاهرة و لندن وبعض العواصم الأخرى ، متوجهة للعاصمة الخرطوم ؛ على أمل التغير من الداخل وعبر التحكم في دائرة الحراك الاجتماعى وفق قاعدة " مؤتمر القضايا المصيرية" الذي قنن للعملية السياسية الجديدة إستراتيجيا ؛ و التي شاركت فيها معظم القوى السياسية بكل ألوان طيفهم أو معظمهم ، مضافاً لذلك إيجابيات التفاعل بين الحكومة الجديدة في شكلها المتآلف بعد الاتفاقية، رغم اعتراض بعض القوى السياسية. والحراك الجديد في جبهة الغرب والشرق المهمشتان و التي ستشكل الحركة الشعبية لتحرير السودان والقوى السياسية الديمقراطية الأخرى خلفية أمان وثقة لتلك القوى المهمشة في تحديد مستقبل السودان و القضايا المصيرية. مما سيحتم استمرارية التفاؤل المرحلي ؛ خصوصاً أن الحركة الشعبية أكدت للسودانيين و العالم إجمالاً، بالتزامها الموضوعي بنص وشكل الاتفاقية التي عبر عنها منذ الوهلة الأولى بعد رحيل القائد دكتور "جون" القائد المحنك السيد / سيلفا كير ورفاقه، خصوصاً ذلك التأكيد الخاص في خطابهم الشمولي الذي تضمن قضايا كل المهمشين و السلام الإقليمى و التعايش الدولي المسؤول و ماهية السـودان الجديد.
إن هذه العناصر الإيجابية مجتمعه والتي كانت لإريتريا من داخل وخارج منظمة" دول الإيقاد" بجانب الدول الصديقة والداعمة لمشروع السلام في السودان دوراً مناصراً وفعال ، بجانب الحكومة السودانية التي أكدت على مصداقية هامة بعد منعطف تدهور العلاقة في مرحلة سابقة؛ خصوصاً بعد تحول الملف لنائب الرئيس السوداني السيد علي عثمان محمد طه ، الذي قاد عملية السلام بمنهج متعادل مع القائد الراحل دكتور " جون" .
هنا للمتابع بعمق للتجربة الخلافية ومستوى التداخل بين الأطراف المعنية ودرجة الالتزام و التنسيق الهام مع دول المنطقة و القوى الدولية التي نحت من التجربة - المبادرة الليبية المصرية لصالح مبادرة الإيقاد - وتلك المواقف من بعض أطراف الإيقاد التي لم تسمح للدول العظمى أن تحول مسار المساعي الأفريقية التي باركها " الاتحاد الأفريقي " لصالح مواقف دول الإيقاد بقيادة الدور الكيني الخاص ومساعدة بعض الدول الأفريقية و التي كانت إريتريا أحد الحادبين و لا أقول المتشددين كما يحلوا للبعض وصفها " لنفسٍ في شيئى يعقوب" ، لتنجح مساعي اتفاقية السلام. وسيكون من السابق بمكان الحديث عن تفاصيل أهم مشروع سلام لأطول معركة بين شعوب أفريقيا شكلاً وموضوعاً. لكن الحقيقة الموضوعية فقط تؤكد أن الدولة الإريترية اعتبرت مشروع السلام السوداني السوداني كان ومازال أهم المحطات الإستراتيجية للدولة الأريترية.
لهذا كان عظيم للشعبين و الدولتان وقيادات العمل السياسي و الحادبين على تطور العلاقة التاريخية ، أن نقرأ البيان الذي وقع في الخرطوم يوم 13 أكتوبر 2005 م. حيث وددت أن أنقله في مقالتي هذا نصاً ، حتى أن ندرك مستوى فحوى الفهم والإدراك عند القيادتين.بعيداً عن تدخل الأخريين ، مما ينبئ عن توجه جديد في المنطقة لأهمية تطوير العلاقة ، التي نتمنى لها بمسؤولية تجاوز المطبات التي هي نتاج لأزمات تاريخية، حيث اليوم تجد طريقها نحو الأمام بخيار قيادة العملية السياسية في المنطقة ضمن منطق السيادة و التطور الاجتماعى والاقتصادى لصالح الشعوب و مستقبلها. بحق أن النص رغم عموميته ولغته الدبلوماسية الرصينة ، ينبئ عن ضرورة جديدة وفهم أعمق بادراك طبيعة القوى التي قامت عليه وحجم المعرفة بالتاريخ المعاصر للصراع . لهذا يجب أن نعيد تحديث فهمنا للعملية السياسية بآفاق جديدة وبروح تحمل للشعبين مصداقية الرغبة في تقدم شعوبها نحو السلام و التقدم الاجتماعى و التطور الاقتصادى .
- للنص مع الدعوة و العزيمة لمستقبل جديد للمنطقة ، وليكون هذا أول عربون للسلام ولأفريقية كلها:
"انطلاقا من الروابط التقليدية والعلاقات التاريخية بين الشعبين الشقيقين السودانى والأريترى والتزاما بالقوانين والأعراف الدولية التى تنظم التعايش السلمى وعلاقات حسن الجوار ، وبمبادرة كريمة من دولة إريتريا ، زار وفد إريترى عال المستوى السودان فى الفترة 10-14 أكتوبر 2005 ، بهدف التواصل مع حكومة السودان ، اذ التقى صباح يوم الاثنين الموافق 10/10/2005 فى الساعة الحادية عشر صباحا الدكتور لام أكول وزير الخارجية السودانية ، وعقد فى مقر وزارة الخارجية السودانية سلسلة لقاءات ترأس الجانب السودانى فيها السيد السمانى الوسيلة الشيخ السمانى وزير الدولة بوزارة الخارجية وضم فى عضويته السيد السفير محجوب الباشا وكيل وزارة الخارجية بالإنابة والسفير عبد الرحمن الحاج مختار مدير إدارة الشؤون الأفريقية ، فيما ترأس الجانب الإريترى السيد عبد الله محمود جابر مستشار السيد رئيس دولة إريتريا وعضو المكتب التنفيذى ومسؤول الشؤون التنظيمية للجبهة الشعبية للديموقراطية والعدالة ، يرافقه السيد السفير محمد عمر محمود وزير خارجية إريتريا بالوكالة ..
بحث الجانبان بصراحة وموضوعية التجربة التى مرت بها العلاقات الرسمية للبلدين خلال العشر سنوات الماضية ، وتطرقا لآفاق العلاقة المستقبلية بين البلدين والسبل الكفيلة بتطويرها على ضوء المعطيات السياسية الراهنة فى البلدين وعلى المستوى الإقليمى والقارى . وفى ختام الجلسات التى سادها جو من الود والصراحة اتفق الطرفان على الآتى :-
1- الترحيب بالخطوة التى اتخذتها الحكومة الإريترية وبالتجاوب الإيجابى والسريع من الحكومة السودانية باعتبار ذلك خطوة أساسية تمهد الأرضية المناسبة للنهوض بالعلاقة نحو آفاق جديدة ورحبة .
2- التأكيد على الروابط التاريخية والاجتماعية والثقافية الوطيدة بين الشعبين والعمل من اجل تعزيزها وترشيدها بما يخدم المصالح المشتركة للشعبين الشقيقين .
3- التأكيد على رغبة الطرفين لطى الصفحة الماضية وبدء صفحة جديدة تتعزز فيها العلاقات بإرادة المشتركة فى ضوء المعطيات السياسية الراهنة
4- اتخاذ التدابير العملية اللازمة لتهيئة المناخ بما يكفل تعزيز جسور الثقة .
5- وقف الحملات الإعلامية بين البلدين .
6- تشكيل لجنة مشتركة برآسة وزيرى الخارجية فى البلدين تنبثق عنها لجان فنية تنعقد فورا بهدف إزالة المعوقات وبحث القضايا المشتركة والعمل على تطوير وتمتين التعاون فى المجالات كافة .
7- التأمين على أهمية التواصل المستمر بين الطرفين وعلى كل المستويات لبناء وتعزيز الثقة وتطوير آفاق العلاقة المستقبلية بما يخدم المصالح المشتركة ويحقق السلام والاستقرار .
8- الاتفاق على أن يزور وفد عالى المستوى من الحكومة السودانية دولة إريتريا لمواصلة الحوار ولدفع عجلة التواصل بين الطرفين فى أقرب فرصة ممكنة ."
انتهت المقالة لحين وصول الوفد السواد نى لاسمرة واستكمال المبادرة !