اللون الرمادي هو مزيج او خليط من اللونين الاسود والابيض او هو المنطقة الوسطى ما بين اللونين، فهو في السياسة اقرب الى الاعتدال اي بين اليمين واليسار او بين التطرف اليميني و اليساري ، او هو بين الخير والشر، والاسلام كدين اقرب الى اللون الرمادي او هو اللون الرمادي نفسه فهو دين الوسط( وكذلك جعلناكم امة وسطا) فهو اقتصاديا بين البخل وبين الاسراف( ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا) وجمع بين الماديات والروحيات.اذ المعروف ان الانجيل قد غلبت عليه الروحيات في حين غلبت الماديات على التوراة.
والبشر بطبيعتهم يحملون اللونين في نفوسهم اي الخير والشر في آن واحد( ونفس وما زكاها الهمها فجورها وتقواها) والانسان هو المفرد لكنه في حقيقة الامر هو المثنى اي من النفس والعقل والانس هو الجمع (وما خلقنا الجن والانس الا ليعبدون) والنفس امارة بالسوء أي تأمر الا من سيطر عقله على نفسه .اذن لا يوجد انسان كله خيرا او كله شرا الا القليل منهم اي ان معظمهم يتصفون باللون الرمادي .
صحيح ان هناك مناطق لا يوجد بينها لون رمادي اي لا توجد منطقة وسطى ما بين الجنة والنار كما يقول الشاعر الراحل نزار قباني . كذلك لا توجد منطقة وسطى بين الوطنية والخيانة او بين الاخلاص والحرص وبين التدمير والتخريب ، ولا يوجد نصف وطني او نصف خائن او نصف مخلص او نصف مخرب ، فالوطني ، وطني ، والمخلص ، مخلص ، والخائن خائن والمخرب، مخرب.
لكن هذا لا يعني انه لا توجد هناك مناطق وسطى ففي مجال الثقافة هناك مناطق وسطى فهناك المثقف وهناك نصف المثقف او ربما ربع المثقف وهناك عبقري وجاهل ونصف جاهل . وكما يقول الشاعر( علمت شيئا وغابت عنك اشياء)
ما نشاهده في بعض الفضائيات العربية التي تستضيف احيانا اشخاصا معظمهم من ذوي اللونين الابيض والاسود وقليل منهم يحمل اللون الرمادي فمعظمهم متطرفين في تناولهم الشأن العراقي وما اكثر موضوعاته التي اصبحت المادة الرئيسة لهذه القنوات التي أخذ الشان العراقي حيزا كبيرا ومساحة واسعة وساعات طويلة من ساعات البث اليومية.
فالمشاهد لطريقة الحوار والتداخلات والسجالات بين العراقيين الذين هم في داخل الاستديو او من خلال المتصلين من الخارج يجد كلها بعيدة عن الروح الديمقراطية بل واصول وآدب الحوار الى درجة ان بعض المتصلين يستخدمون عبارات بذيئة غير لائقة ومهذبة تصل احيانا الى حد الشتائم والسباب.عكس ما نشاهده في حوارات اخرى عن قضايا غير عراقية في الفضائيات نفسها او غيرها من الفضائيات وعلى سبيل المثال الحوارات بين الاخوة السودانيين الذين يتناولون قضايا بلدهم صاحب الكم الهائل من المشاكل التي لا تقل عن مشاكل العراق او الاخوة اللبنانيين الذين يناقشون قضايا بلدهم الذي سبقنا بعشرات السنين في الاغتيالات والتفخيخ وهو المجروح منذ عام 1975 الحوار الهادىء مع الاخذ والرد بمستوى لائق واخلاق عالية وعبارات ومفردات محببة ومهذبة تدل ليس على حجم الرقي والثقافة التي يتمتعون بها بالرغم من حجم المشاكل التي يعانون منها مما يزيد المشاهد تشوقا لمتابعة الموضوع والتعاطف مع قضاياهم ومشاكلهم عكس الحوارات العراقية التي تصيب احيانا المشاهد بالخيبة والاسف لما وصلنا اليه من ابتعاد عن الحوار الهادىْ واعتماد العقل والحجة الدامغة وانجرفنا وراء العواطف معتمدين الصراخ ودخلنا معارك وصراعات اشبه ما تكون بصراع الديكة واخذنا نساهم بصورة مباشرة او غير مباشرة بتمزيق الوحدة الوطنية العراقية وهتك نسيجها الملون.
* صحفي عراقي بصحيفة الزمان لندن