نادرا ما ترتكب الدبلوماسية الأمريكية - المعروفة بالحصافة والكفاءة – حماقة مهنية علي غرار تلك التي أرتكبها في الاسبوع الماضي السفير جون بولتون John Bolton المندوب الأمريكي لدي مجلس الأمن حينما عبر بطريقة شاذة ومثيرة للأستغراب عن أمتعاض بلاده من فشل وتلكؤ المجتمع الدولي في وضع حد للعنف المتفاقم بإقليم دارفور.
غرابة الموقف الأمريكي تكمن في أنها وقفت بجانب روسيا والصين والجزائر – وهي الدول التي عارضت دائما وبإستمرار سياسة الولايات المتحدة المتشددة تجاه السودان – حيث رفضت الإستماع لتقرير كان من المفترض أن يقدمه أمام مجلس الأمن المستر خوان منديز Juan Mendez مستشار الأمين العام لشئون منع الأبادة الجماعية، وهو تقرير ما كانت ستفرح به الحكومة السودانية خصوصا علي ضوء تصريحات المستر منذيز والتي نقتطف منه الآتي:
“The situation is more dangerous and worrisome…….there hasn’t any move to disarm the Jingaweit, not even a plan……No one even talks about Jingaweit any more …. They are still operating….We have assumed the African Union is taking care of the business. In a way, we are setting up the AU to an impossible task …. The international community must stop paying lip service and put pressure on the government of Sudan”
حسب اللوائح الداخلية لمجلس الأمن فأن التقرير لايمكن قراءته حتي ولو لم تعترض علية الولايات المتحدة طالما هناك دولة أو دول أخري غير راغبة في الأستماع وذلك عملا بمبدأ الإجماع المعمول به في الأحوال المشابهة، رغم ذلك فقد آثرت الولايات المتحدة الأعتراض علي طريقتها الخاصة لترفع بذلك حرجا كبيرا عن كاهل الحكومة السودانية المثخنة بالأدانات الدولية المتكررة.
جاءت المعارضة بحجة أن المنظمة الدولية إستمعت الي ما يكفي من تقارير ومن ثم ينبغي عليها التفكير في خطوات أخري غير الحديث الممجوج طالما أن المحافظة علي الوضع الحالي السئ ليست هي الأجابة التي يتطلع إليها شعب دارفور، قال بولتون بغضب شديد:
“The Council should consider steps other than talking…….. maintaining the present uneasy status quo is not the answer”
ثم إستطرد قائلا بلهجة لاتخلو من السخرية والمرارة معا:
“We have got to decide if we are going to do something or sit around here hearing briefings and issue another press statement and wash our hands for another four or five months”.
هذا الموقف غير الطبيعي يبدو طبيعيا إذا ما ادركنا لوازمه – كما يقول الدكتور منصور خالد – وأول هذه اللوازم ماهية مجمل السياسة الأمركية حيال الوضع العام بالسودان مقروءة مع الجزئية المتعلقة بدارفور.
قبل حوالي ثلاثة أسابيع وفي جلسة جانبية للجنة الشئون الدولية بمجلس النواب إلتقي السفير بولتون مع الدبلوماسي كاميرون هومي الذي عين مؤخرا قائما بالأعمال لدي الخرطوم وهو رجل إستخبارات متخصص في حل النزاعات المحلية حيث عمل بنجاح في كل من جنوب أفريقيا والجزائر، وقد حضر اللقاء المستر هنري هايد Henry J. Hyde الذي يأتي ذكره لاحقا، وكان الحديث غير الرسمي يدور حول سياسة الولايات المتحدة لتحقيق السلام والأستقرار بالسودان.
هنا أشار كاميرون هومي – يفترض أن تقلد منصبه الآن بالخرطوم – أشار الي تقرير كان يحمله وهي دراسة أعدها في فبراير من عام 2001 مركز الدراسات الأستراتيجية والدولية بواشنطن Centre For Strategic & International Studies (CSIS) وذلك تحت عنوان " سياسة الولايات المتحدة لإنهاء الحرب بالسودان" “US Policy To End The War In Sudan”
رغم أن التقرير مقتضب ومختصر – فقط ثلاثة عشر صفحة – إلا أن عدد الذين شاركوا في إعداده بلغ أكثر من خمسين فردا و مؤسسة شملت أعضاء بالكونغرس وأكاديميون ومحامون وخبراء في حقوق الأنسان والحريات الدينية ودبلوماسيون لعل أبرزهم البروفسير فرانسيس دينق المحاضر بجامعة سيتي بنيويورك City University – New York وقد إستغرق إعداد التقرير حوالي سبعة أشهر أي من يوليو 2000 وحتي يناير 2001.
تبرز أهمية التقرير في أنه خلص الي خمس حقائق جوهرية وأساسية عن الوضع السياسي العام وعلي نحو أخص طريقة عمل وتفكير حكومة الجبهة الأسلامية القومية، وإنطلاقا من هذه الحقائق صاغ التقرير عشر توصيات محددة هي التي وضعت الأطر الهيكلية لسياسة الولايات المتحدة منذ ذلك الوقت وحتي تاريخه.
أخرج المستر هومي هذا التقرير من حقيبته الجلدية وأشار الي مستمعيه بأن التوصيات التي أشتملت عليها التقرير كانت الدافع وراء إبرام أتفاقية السلام بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية وبالتالي لا يري سببا يمنع من تحقيق السلام بدارفور عبر بوابة هذه الدراسة. هنا صاح المستر هنري هايد والذي يرأس حاليا لجنة العلاقات الدولية بمجلس النواب Committee On International Relations ، صاح قائلا " ونحن بدورنا أعتمدنا علي هذا التقرير في أعداد وصياغة مشروع القانون رقم H.R.3127 والمعروف بمشروع قانون سلام دارفور Darfur Peace & Accountability Act of 2005
في هذه النقطة ربما من المفيد التذكير أنه وبعد التوقيع علي الأتفاق الأطاري بماشاكوس في عام 2001 تخوفت الولايات المتحدة من أن الحكومة السودانية والحركة الشعبية قد تكونا غير راغبتين أو جادتين في التوصل لأتفاق عاجل وقد تحاولا شراء الزمن بتمييع الإتفاقية كما حدث لأتفاقية إعلان المبادئ بأسمرا في عام 1995‘ وتحسبا لهذا الإحتمال عمدت الولايات المتحدة الي إستشراف وتحديد أنجع السياسات لحمل الأطراف علي التفاوض بجدية وحسن نية فكان هذا التقرير الذي موله معهد الولايات المتحدة للسلام US Institute For Peace”
في البند الأول من التقرير دعا المشاركون إدارة الرئيس بوش الي التركيز بوضوح في سياستها تجاه السودان علي هدف واحد لا غير وهو إنهاء الحرب.
“The Bush administration should explicitly concentrate U.S policy toward Sudan on the single, overriding objective of ending the war and achieve a just peace ”.
ولأجل تحقيق هذا الهدف الجوهري والأساسي دعا التقرير في التوصية الخامسة علي إعتماد سياسة الجزرة والعصا لأغراء وتهديد الأطراف للإلتزام بالسلام حيث جاء:
“The negotiation will need to elaborate and bring into force carrots and sticks that effectively influence both Khartoum and the southern opposition”
الولايات المتحدة دائما تتبع أقوالها بالأفعال خاصة عندما تقتضي مصالحها ذلك، لذا وعندما شعرت ببطء سير العملية التفاوضية بضاحية نيفاشا، بادرت فورا بتفعيل البندين السابقين وترجمتهما علي ارض الواقع حيث أودعت مشروع قانون سلام السودان لعام 2002 أمام مجلس النواب وذلك في يوم 7/10/2002 والذي أجيز سريعا باغلبية 359 صوتا مقابل ثمانية ثم رفع المشروع في نفس اليوم لمجلس الشيوخ والذي أجازه بالأجماع في أقل من ثلاثة أيام اي في 10/10/2002.
مهما كان حسن ظننا بالأطراف المتفاوضة او صدق رغبتهما في التوصل لما توصلا إليه فأنني شخصيا أعتقد أنه لو لا العقوبات التي لوح بها القانون المذكور وإعتماد سياسة الجزرة والعصا لظل السيدين إدريس عبدالقادر ونيال وليم دينق يتفاوضان حتي الآن في التفاصيل الشيطانية لملف السلطة والثروة.
إدراكا من الإدارة الأمريكية لهذه الحقيقة وأثر هذا القانون في حمل أطراف الصراع - رغبة وكرها - لتوقيع إتفاقية نيفاشا، فقد إرتأت تكرار ذات التجربة وإنتهاج نفس السياسة لجهة تعاملها وتعاطيها مع أزمة دارفور وذلك عن طريق أصدار تشريع مماثل.
في هذه المرة تبني المستر هنري هايد Henry J. Hyde مشروع القانون، والسيد هنري عجوز جمهوري دخل البرلمان لأول مرة عام 1975 عن الدائرة السادسة بولاية ألينوي ويرأس حاليا لجنة العلاقات الدولية الذي يضم خمسون نائبا وقد ذاع صيته إبان قضية كلينتون – مونيكا حيث أبدي عنادا شديدا في ملاحقة الرئيس قضائيا وبرلمانيا، هذا وقد ساند المستر هايد في تبنيه لهذا المشروع تسعة من أميز أعضاء مجلس النواب – Cosponsors – وأكثرهم تعاطفا مع قضية دارفور وعلي رأسهم دونالد بيني Donald Payne ممثل الدائرة العاشرة بولاية نيوجرسي وهو النائب الذي طرح أمام الكونغرس لأول مرة مسألة الإبادة الجماعية ونجح في الحصول علي قرار الكونغرس والزنجية شيلا جاكسون ممثلة الدائرة (18) بمدينة هيستون وهي محامية متخصصة بالشئون الدولية ومهتمة بقضايا السود.
أودع مشروع القانون لدي قلم كتاب مجلس النواب في 21/7/2005 حيث أخذ الرقم المسلسل H.R.3127 ثم أحيل حسب المتبع الي اللجنة البرلمانية المختصة وهي لجنة العلاقات الدولية والتي قامت بدورها باحالتها الي لجنة برلمانية مصغرة معنية بقضايا أفريقيا وحقوق الأنسان تعرف ب Subcommittee on Africa, Global Human Rights & International Operations وهذه اللجنة المصغرة تتكون من 13 عضوا برئاسة كرستوفر إثمس Christopher Smith وهو محامي من ولاية نيوجرسي.
جرت العادة أن تأخذ مشاريع القوانين Bills صورتها شبه النهائية لدي اللجان الفرعية حيث تتعرض لدراسات فنية مستفيضة من حيث الشكل والمضمون والصياغة والتأكد من عدم تعارضها مع القوانين السارية، وعملا بهذا التقليد البرلماني العريق فقد أخضع المشروع للدراسة من قبل أعضاء اللجنة الفرعية حيث أبدي حتي الآن ثلاث عضوات تعديلات جوهرية علي المسودة وهن السيدة بربارا لي من كاليفورنيا والسيدة بيتي مالكوم من مينوستا والسيدة داني واتسون من كاليفورنيا أيضا وعلي القراء التكهن بأسباب هذه الحماسة النسائية.
قبل التطرق للملامح الأساسية للمشروع يبقي من المهم ان نقف علي الأهداف التي أراد تحقيقها من تبنوا أو وقفوا وراء هذا المشروع. الأهداف حسبما وردت بديباجة القانون هي:
أولا: فرض عقوبات محددة ومختارة علي الأفراد المسئولين عن إرتكاب جرائم إبادة جماعية أو جرائم حرب أو جرائم ضد الأنسانية بأقليم دارفور.
ثانيا: دعم وتعزيز الجهود المبذولة لحماية المدنيين وعمليات الإغاثة الأنسانية.
ثالثا: تشجيع عملية السلام الجارية بالسودان.
رابعا: أغراض أخري!
ربما يلاحظ القارئ المتابع أن أهداف هذا المشروع أشمل من أهداف المشروع رقم 495 والمطروح أيضا أمام مجلس الشيوخ تحت أسم Darfur Accountability Act of 2005 والذي أقتصر فقط علي الهدفين الأول والرابع.
الشاهد أن المشروع والذي هو الان في مرحلة القراءة Mark Up جاء في تسع فقرات شملت اسم المشروع، التعريفات، الحيثيات، ما توصل إليه المجلس، العقوبات المقترحة، إجراءات إحتياطية، التقارير الدورية الخ.
الي ذلك فقد وردت بالفقرة الثالثة والمتعلقة بالحيثيات والوقائع الثابتة ما يلي:
أولا: في 22/7/2004 أعلن الكونغرس الأمريكي – بمجلسيه – أن الأعمال الوحشية التي وقعت بدارفور ترقي الي جريمة الإبادة الجماعية.
ثانيا: في 9/9/2004 أدلي وزير الخارجية الأمريكي بشهادة أمام لجنة العلاقات الدولية بمجلس الشيوخ أفاد فيها بأن المعلومات التي لديه والمستقاة من مصادر إستخباراتية ودبلوماسية عدة تؤكد جميعها أن جرائم إبادة جماعية قد أرتكبت بدارفور وأن الحكومة السودانية ومليشيا الجنجويد يتحملان مسئولية هذه الفظائع.
ثالثا: في 21/9/2004 وفي خطاب له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أمن الرئيس بوش علي حديث وزير خارجيته قائلا:
“At this hour, the world is witnessing terrible suffering and horrible crimes in the Darfur region of Sudan, crimes my government has concluded are genocide”
رابعا: في 30/7/2004 اصدر مجلس الأمن القرار رقم 1556 والذي طالب فيه الحكومة السودانية بنزع سلاح مليشيا الجنجويد وتقديم قادتهم للمحاكمة.
خامسا: في 18/9/2004 أصدر مجلس الأمن قرارا ثانيا بالرقم 1564 أعلن فيه أن الحكومة السودانية فشلت أو غير راغبة في الوفاء بإلتزاماتها وتعهداتها الدولية الواردة تحت القرار السابق ومن ثم دعا لحظر جوي فوق دارفور وتشكيل لجنة دولية لتقصي الحقائق.
سادسا: في 1/2/2005 أفرجت الأمم المتحدة عن تقرير اللجنة الدولية لتقصي الحقائق والذي سبق وأن رفع لمجلس الأمن في 25/1/2005.
سابعا: أكد تقرير اللجنة الدولية لتقصي الحقائق أن الحكومة السودانية ومليشيا الجنجويد ضالعتان في إرتكاب جرائم ضد الأنسانية وربما جرائم إبادة جماعية.
ثامنا: حسب المعلومات التي توفرت أمام اللجنة فأن هناك بعض المسئولين الحكوميين وأفراد من الجنجويد والحركات المسلحة شاركت في إرتكاب هذه الجرائم وأنها – أي اللجنة – تمكنت من تحديد عدد من المتهمين المحتملين الذين تم تسليم أسماؤهم لأمين عام الأمم المتحدة.
تاسعا: في 29/3/2005 أصدر مجلس الأمن قراره الثالث رقم 1591 والذي وسع فيه العقوبات العسكرية المنصوصة بموجب القرار 1556.
عاشرا: في 31/3/2005 صدر قرار مجلس الأمن الرابع رقم 1593 وهو أول قرار في تاريخ المنظمة الدولية تحيل فيه قضية لمحكمة الجزاء الدولية بلاهاي داعيا – بلغة واضحة وحاسمة - كافة الأطراف للتعاون الكامل مع هذه المحكمة.
ذلك كان مبتدأ مشروع القانون أما الخبر فقد جاء بالفقرة الرابعة من المشروع والتي حددت – علي خلفية الحيثيات السابقة – ماينبغي علي الحكومة الأمريكية والمجتمع الدولي عمله والمتمثل في:
أولا: بما أن الأعمال الوحشية التي تجري بدارفور كانت وما زالت جرائم إبادة جماعية فأن علي المجتمع الدولي القيام بواجبه في إدانة ووقف هذه الجرائم وتقديم المسئولين عنها أمام العدالة.
ثانيا: علي الأتحاد الأفريقي أن يقوم فورا بتوسيع حجم قوة بعثة الأتحاد وتعديل مهامها حتي تتمكن من حماية المدنيين وأعمال الأغاثة الجارية.
ثالثا: علي المجتمع الدولي بما فيه الأمم المتحدة، حلف الناتو، الأتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية العمل فورا لتأمين الدعم السياسي والعسكري والمالي الكافي لبعثة الأتحاد الأفريقي حتي تتمكن من السيطرة علي الموقف ووضع حد لهذه الأعمال.
رابعا: في حال فشل بعثة الأتحاد الأفريقي في مهمتها فعلي المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة إتخاذ تدابير حاسمة وجازمة لإيقاف المجازر.
خامسا: عملا بأحكام المادة (5) من ميثاق الأمم المتحدة، يتعين علي مجلس الأمن تعليق عضوية السودان بالجمعية العامة للأمم المتحدة وكافة المنظمات الدولية الأخري لحين قيام الحكومة السودانية بالوفاء بتعهداتها في هذا الشأن.
سادسا: دون الأخلال بأحكام ونصوص قانون حماية العسكريين والجنود الأمريكين، علي الولايات المتحدة أن تقدم المساعدة اللازمة في دفع جهود محكمة الجزاء الدولية لمحاكمة المتهمين بارتكاب جرائم ضد الأنسانية بأقليم دارفور.
سابعا: علي رئيس الولايات المتحدة الأمريكية تعين مبعوث رئاسي خاص Presidential Envoy للمساعدة في تحقيق السلام والأستقرار بالسودان.
ثامنا: علي الحركة الشعبية لتحرير السودان – بوصفها شريكة في حكومة الوحدة الوطنية – أن تلعب دورا إيجابيا وبناء في تحقيق السلام بدارفور.
يتضح من كل ما تقدم أن الأمور في السياسة الأمريكية لا تجري مصادفة أو تقوم علي أمزجة ذاتية وإنما بتسلسل عقلاني ومنطقي وهادف ضمن أستراتيجية محددة وممرحلة، فالمسالة بدأت بتصريحات صحفية عابرة إنطلقت من وزارة الخارجية لتنتهي داخل أروقة محكمة الجزاء الدولية في أقل من عام وعلي صهوة أربعة قرارت من مجلس الأمن مما يعني قطع الطريق أمام أية إمكانية للتراجع.
وقبل أن ننتقل لطبيعة العقوبات الواردة بمشروع القانون يجدر الإشارة الي أن الذين تبنوا المشروع صاغوه بعناية شديدة لضمان عدم التأثير السلبي لهذا القانون – في حال إجازته – علي مجمل العملية السلمية الجارية بجنوب البلاد، وفي هذا الصدد أشار المشروع الي أن المقصود بالحكومة السودانية هو حزب المؤتمر الوطني الحاكم والمعروف سابقا بالجبهة الإسلامية القومية.
“Government of Sudan means the National Congress Party, formerly known as the National Islamic Front”
وإستثنت صراحة حكومة جنوب السودان قائلة:
“Except that such term does not include the government of Southern Sudan”
كما ذهبت الفقرة (ب) من المادة (2) في القول الي أن عبارة "أعضاء الحكومة السودانية" لا تشمل أي فرد لم يكن عضوا بالحكومة السودانية قبل 1/7/2005 أو أي عضو بحكومة جنوب السودان بغض النظر عن تاريخ عضويته.
ولتاكيد دور الولايات المتحدة في عملية سلام الجنوب ألزم المشروع الحكومة الأمريكية بدعم إتفاقية السلام المبرم بنيفاشا والسهر علي تطبيقها. وفي إشارة واضحة لهذا الدعم إقترح المشروع إسقاط كافة الديون المستحقة علي الطلاب السودانين الذين درسوا علي نفقة الحكومة الأمريكية شريطة أن يعمل الطالب بجنوب السودان لمدة لا تقل عن خمس سنوات.
في شأن العقوبات التي لوح بها مشروع القانون، نلاحظ أنها علي مستويين، الأول تتعلق بالعقوبات التي قد تفرض ضد الحكومة السودانية ككيان قانوني معنوي والمستوي الثاني علي الأفراد بحكم مسئوليتهم الجنائية الفردية.
علي المستوي الحكومي يدعو المشروع لطرد الحكومة السودانية من كافة المنظمات الدولية، فرض حظر سلاح، إيقاف كافة المعونات والمساعدات المالية عدا الأنسانية، حظر إستيراد وشراء البترول السوداني، تجميد حسابات الحكومة السودانية والنظر في عقوبات أخري حسب الحال.
أما فيما يختص بالأفراد فالعقوبات المقترحة هي إلزام الولايات المتحدة بالتعاون مع محكمة الجزاء الدولية لضمان مثول المتهمين أضافة الي منع سفر المتهمين وحرمانهم من الحصول علي تأشيرات وتجميد حساباتهم.
كما أشرنا من قبل، فأن القانون الآن في مراحله الأولية اي ما زال مشروعا وينبغي عليه أن يمر بمراحل عدة داخل اللجان الفرعية الي أن تقوم اللجنة الرئيسية برفعها الي المجلس عن طريق ما يسمي بقاعدة Ramseyer Rule وعندئذ يعرض للقراءة الأولي وهي عبارة عن نقاش عام للملامح الجوهرية والأساسية للقانون ثم تبدا القراءة الثانية وهي الأهم و الأعقد حيت تتم قراءة المشروع فقرة فقرة وكلمة كلمة و أخيرا مرحلة القراءة الثالثة حيث أدخال التعديلات - أن وجدت - ثم التصويت وتتخلل هذه القراءات عدة إجراءات تقليدية مطولة ومساومات بالغرف المغلقة ومحاولات تأثير من مجموعات المصالح المتباينة كل ذلك في إطار لوائح داخلية حاسمة تعرف ب Jefferson’s Manualوضعت من قبل الرئيس توماس جيفرسون لأستعماله الخاص حينما كان رئيسا لمجلس النواب خلال الفترة ما بين عام 1797 وحتي 1801.
لا أحدا يستطيع تاكيد أو نفي إجازة هذه المشروع او متي سيتم ذلك، ولكن من الواضح تماما أن المفاوضات التي تجري الآن بابوجا تحت رعاية الأتحاد الأفريقي في حاجة ماسة لمثل هذا القانون أسوة بمفاوضات نيفاشا التي جرت تحت رعاية الإيغاد.
الأتحاد الأفريقي لا يملك جزرة ولا عصا، قدرته علي إقناع أو إجبار الحكومة السودانية محل شك، تأثيره علي الحركات ضعيف إن لم يكن معدوما، إمكانياته العسكرية واللوجستسة محدودة.
أذن وفي غياب رغبة واضحة أو إرادة قوية للسلام من الأطراف المتصارعة فأن التجربة تقول أن الجهة الوحيدة القادرة علي ترغيب وترهيب الجميع للعمل من أجل السلام هي الولايات المتحدة.
فهل ينجح السيد هنري هايد Henry J. Hyde في إقرار هذا القانون قبل نهاية العام الجاري حسبما تنبأ به؟ ذلك ما ستبديه الأيام القادمة.
عبدالرحمن حسن دوسة