![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
فالمعروف مثلاً أن الإنسان السوداني يتميّز بالطيبة الفائقة عن كل جيراننا من الشعوب في إفريقيا و الوطن العربي، و تجد أن السوداني يكون على أتم إستعداد للتنازل عن حقه بسهولة (مذهلة) لأي غريب بمجرد أن يشعر بأن (هذا الغريب) ضعيف أو مسكين. و لكنك لن تجد هذا الإستعداد منه إذا كان هذا الشخص المسكين أو الضعيف قريبه أو من بني وطنه السودان، إذ أن (سايكولوجيته) تقول أن التنازل عن الحق للقريب يعتبر ضعفاً و عدم رجولة، خاصة بالنسبة لأخواننا الشماليين. و لم تسلم مناحي الحياة السودانية الأُخرى الإقتصادية منها و السياسية من هذا التناقض العجيب. و نجد أن التحالفات و الإئتلافات السياسية لأسيما تلك التي قامت في عهد حكم تنظيم الأخوان المسلمين المعروفة (بثورة الإنقاذ) نالت القسط الأكبر من مسلسل التناقضات السياسية في السودان. ففي هذه الفترة شهدت الساحة السياسية في السودان تقلبات و (إنشقاقات) طالت تنظيم الجبهة الإسلامية نفسها. بدأت هذا المسلسل بإنشقاق الناصر في مطلع التسعينيات بين الجنوبيين في الحركة الشعبية و إنقسامهم إلى إنفصاليين ينادون بإنفصال الجنوب، و وحدويين ينادون بالحرب من أجل وحدة المهمشين على إمتداد السودان. الغريب في الأمر هو أن الجبهة الإسلامية الحاكمة في الخرطوم سارعت في التحالف مع الإنفصاليين في تناقض عجيب مع برامجها المعلنة و (الغير معلنة) و الرامي إلى الحفاظ على وحدة السودان و من ثم تنفيذ مشروعها الحضاري الداعي لتكوين دولة عربية إسلامية في السودان تمتد حدودها من حلفا إلى نمولي!!! و كانت كبرى المفاجئات إنشقاق مجموعة الترابي عن مجموعة العسكر في الجبهة الإسلامية و تكوينهم ما عرفت لاحقاً بالمؤتمر الشعبي الإسلامي! و كانت أمراً مستغرباً أن يتحالف هذه المجموعة (أي مجموعة الترابي) و المعروف أيضاً بمجموعة الكتاب الأسود مع الحركة الشعبية لتحرير السودان التي ظلت تجاهر بمحاربة التعريب و الأسلمة القسرية للشعوب المهمشة، و فوق كل ذلك كانت و ما زالت هدفها الإستراتيجي هو ليس فقط تحقيق حق تقرير المصير للجنوب، بل الإعتراف بحق مناطق جبال النوبة و الإنقسنا في تقرير مصيرهم. و هذا هو المبدأ ذاتها التي قامت الجبهة الإسلامية بقيادة الترابي بإنقلاب عسكري في يونيو 1989 لتحول دون تضمينها في أي إتفاق للتسوية مع الثوار الجنوبيين. و في نفس الفترة إبتدعت الجبهة الإسلامية برناجاً غريباً عرفتّها ببرنامج السلام من الداخل و التي إستغربت الناس منها كثيراً حيث كانوا يتساءلون في أن كيف يمكن لإنسان أن يصنع سلاماً مع نفسه؟ و سخر آخرون من ذلك البرنامج و شبهوها برجل يريد أن يخلف طفلاً بدون أن يكون له إمرأة!!! و بتدقيق النظر إلى التناقاضات السياسية التي صاحبت حكم الأخوان المسلمين في السودان، يجد المرء تفسيراً واحداً لكل ذلك، و هو أن مبادئي هذا التنظيم و مثيلاتها المنتشرة في العالم مثل القاعدة و حزب الله و البعث العربي مبنية بشكل أساسي على ثقافة الأعراب و الآية القرآنية التي تقول (أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)، و الخلاصة الوحيدة هي أن إذا كان إغتيال الإرهابيين و منعهم من دخول آراضي إسرائيل هو وسيلة دولة إسرائيل التي تبرر غايتهم في إسترجاع أرضهم من إحتلال العرب، فغاية الأخوان المسلمين في تعريب و أسلمة الشعوب المهمشة و إحتلال أرضهم هي التي تبرر وسائلهم في الإبادة الجماعية لشعب الجنوب و الفور!!!
ظهرت أقلامٌ و أراء في الآونة الأخيرة، و تحديداً بعد إغتيال القائد الشهيد د. جون قرنق دي مبيور تتحدث عن تناقضات غريبة داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان. جاءت مجمل هذه الآراء متحدثةً عن مخاوف بإندلاع صراعاً مسلحاً في الجنوب على قيادة الحركة الشعبية، وبعد أن خابت ظنهم و (أمنياتهم)، تحدثت نفس الأقلام عن خوفهم الشديد على مصير من أسمتهم بالشماليين في الحركة من إنفصالية القائد العام الجديد للجيش الشعبي لتحرير السودان القائد سلفا كير ميارديت!! و أخيراً ظهر إلينا (الأخو) خالد التيجاني النور (بإجتهاداته) عن خارطة تحالفات جديدة في الساحة الجنوبية و تيار قرنق يتململ (قال)!!! في (نبؤته) الجديدة هذه، نبه الأستاذ خالد الذين كانوا مقربون من الشهيد د. جون من أن سلفا كير مقدمٌ على إبعادهم من القيادةالجديدة وأن الشماليين، وخاصة القائد ياسر سعيد و د. منصور خالد ليس لهم مكان في الخريطة الجديدة للقيادة في الحركة!!!
من الواضح أن (الأخو) خالد لم يعرف الحركة إلا عندما وصل الشهيد د. جون و رفقاءه إلى الخرطوم في التاسع من يوليو الماضي، و كل ما يعرفه عن القائد سلفا و حتى القائد ياسر ليس أكثر من تقارير رجال الإستخبارات العسكرية و أفراد أمن الجبهة الإسلامية. و في الحقيقة أنا مسرور من (إنهم) لأ يعرفون عن القائد سلفا كير غير أنه كان القائد في عمليات تحرير ياي و رومبيك و يرول و تونج، وإنه كان رئيس هيئة الأركان العامة منذ عام 1993، و قبله كان أقرب الأقربين للشهيد د. جون قرنق دي مبيور و ظل كذلك إلى أن إغتالته إستخبارات الجبهه و القاعده في الثلاثين من يوليو الماضي. و للمعلومة، فأن القائد ياسر سعيد عرمان إجتاز (منصب) الناطق الرسمي للحركة ليصبح زعيم الكتلة البرلمانية (كما كان علي عثمان أيام الترابي كان في الجبهة)، و إذا خرج من هناك فستراه مسؤولاً عن ملف الشئون الخارجية التي تزعم أن دينق ألور كان يتولاه، أما عن دينق ألور، فهو المسؤول عن ملف إعادة أبيي إلى السودان الجديد و تحريرها من إحتلالكم و إستيطان المسيرية فيها. أما الدكتور منصور خالد فهو المستشار الأول للقائد سلفا كير ميارديت وهو يستشيره في شؤون العلاقات الخارجية و الداخلية بخصوص مخططات الجبهة الإسلامية. و القائد نيال دينق نيال أقسم اليمين أن لأ يشرب أو ينام مع العرب الذين قتلوا أبوه في خمين، و حاولوا إخباء الجثة حتى يدفنوا الجريمة.أما بقية الرفاق الذين ذكرتهم فإنتظر تشكيل حكومتنا في الجنوب حتى تراهم على رأسها!!! فمن قال لك أن سلفا كان بعيداً من قرنق؟ الأ يكفيك أن الرجل كان نائباً (بحق و حقيقة) لأكثر من عشرة أعوام؟ الأ تعرف أن سلفا كان وراء كل الإنتصارات التي حققناه و د. جون كان قائدنا الأعلى.
و حتى لأ تنسى عنوان المقال (أخينا) خالد، أقول لك و للقراء الكرام إنني أردت أن أقول أن غايتك في زرع فتنة جديدة وسط الحركة الشعبية، هي التي تبرر وسيلتك في نشر و إختلاق الأكاذيب، و إنشاءلله الإنشقاق القادم سيكون للمرة الثانية من نصيب الجبهة الإسلامية بعد أن قرر عمر البشير تقريب د. غازي صلاح الدين منه، و أبعد علي عثمان و الطيب سيخة. و لي عودة مع الإنقسامات في الجبهة الإسلامية بخصوص تهميش أبناء الشرق في الحكومة الجديدة!!!