وافقت معركة الجزيرة أبا من حيث التاريخ معركة بدر الكبرى وإتفقت ظروف أنصار الله في هذه الواقعة تماماً مع ظروف مجاهدي بدر من حيث العدد وربما العتاد .
إن في أبا ، كما في جميع معارك الثورة المهدية ، دروساً وعبر لأولي النُها أهمها أن قوة الحق المعنوية تفوق بمراحل قوة الباطل المادية مهما عظم شأنها : لم يكن للأنصار في واقعة أبا سلاحاً يذكر سوى إيمانهم العميق بربهم وبعدالة مطالبهم وعزة أوطانهم وحق أهلهم في العيش الكريم دونما تسلط من أجنبي ، وفي الجانب الآخر كان العدو مزوداً بترسانة حربية عاتية ومتطورة ، ولكن رغم قوة العدو المادية انتصرت إرادة أنصار الله المدفوعة بالقوة المعنوية .
إنتصر الإمام المهدي لقضيتيه مؤيداً برجال أقوياء آمنوا بربهم وحقهم في العيش الكريم بعيداً عن التسلط والصلف الاستعماري .
كانوا خليطاً وفدوا من جميع أنحاء السودان ، ومثلوا صورة رائعة من صور التآلف والتضامن والتكاتف فأسسوا دولة قومية إتسعت لجميع أبناءها ولو قدر لها البقاء لما كنا فيما نحن فيه اليوم .
وفي السابع عشر من رمضان ،ذكرى أبا ، تقفز إلى الأذهان ذكرى رجال ونساء وقفوا خلف الإمام الثائر في كل معارك التحرير، من أبا مروراً بشيكان وانتهاء بالخرطوم . ورجال ونساء وقفوا خلف خليفته عبد الله ود تورشين ذادوا عن دولتهم ووقفوا يقاومون تيارات عاتية من تكالب الأعداء،ومن أجل ذلك الهدف سالت دماءهم الطاهرة من جبال كرري إلى سهول أم دبيكرات فروت أرضاً بكراً طاهرة أخرجت فرساناً حافظوا على الدعوة وكانوا الأكثر بلاء والأقوى عزيمة وصبراً في مواجهة الطغاة عبر التاريخ .
الأمير نقدالله بلا شك أحد أبرز فرسان الوطن في الماضي القريب وفي الحاضر والمستقبل بإذن خالق الأكوان ، آمن أميرنا البطل بما آمن به السلف ، آمن بحرية السودان وأهله ، وبحق أبناء وبنات السودان في العيش الكريم ، أحراراً على أرض وطنهم الحرالكريم ، آمن بوحدة السودان وعمل لها مع أحبابه ورفاقه في تجرد ونكران ذات ، آمن بالديمقراطية ودافع عن حقوق إنسان السودان في صبر وشجاعة وإحتمالاً للأذى الجسيم ، كان الأكثر بلاءاً وعطاءاً من بين القيادات الوطنية الشابة، وكان الأشد بأساً في مواجهة نظام الطغيان الإنقاذي ، لم تلن له قناة ولم يساوم ذات يوم في ثوابت أهله الوطنية ، كان كما جاء في وصف فارسنا المغوار:
النور عنقرة بقة عقود السم جسمو بحالو بالرصاص موسم
فقد لاقى الأمير نقد الله في سبيل قضية أهله صنوفاً من العذاب وتجرع كؤوساً من الآلام في بيوت الأشباح وسجون هذا النظام الذي فاقت جرائمه جرائم المستعمر التركي ، قتلاً وتنكيلاً بأهل السودان وإغتيالاً لآمال وطموحات أبناء وبنات الوطن ونهباً لموارد وخيرات البلد الذي حولوه لمقبرة كبيرة ، ورغم التشابه الدقيق في ظروف السودان وأحوال أهله وظروفه وأحوال أهله في عهد الأتراك إلا أن هؤلاء الحكام فاقوا الأتراك غباءاً وشقاء ، أغبياء لأنهم لم يدرسوا التاريخ وأشقياءلأنهم لم يعتبروا بعبره ، فكياننا كما قال الأمير، ولد ليعيش ما بقي في جسد الوطن قلباً نابضاً . لم تقتله نيران كتنشر ولم يمته إستشهاد خليفة المهدي وأمراءه وفرسانه ،ولم تضعفه عمليات التضييق طيلة حكم الإنجليز ، وحملات عبود لم تزيده إلا ثباتاً، لم يرعبه بطش النميري ، واليوم رغم القتل والبطش والإفقار سوف نعود كما كنا بل أقوى مما كنا , هكذا خبروا عنا في التاريخ قديمه وحديثه ، لم تشوهنا أعمال تشرشل ومن نحا نحوه ، ولم تفقدنا خزعبلات النميري ومن حذا حذوه الثقة في أنفسنا أو ثقة الناس فينا ، وهؤلاء لم يألوا جهداً ولم يدخروا وسعاً في فعل كل ما من شأنه إضعافنا ولكن رغم ذلك مازلنا أحياء وسنظل كذلك ، طالما بقي بيننا الأمير نقد الله وشبان وشابات في بأسه وقوته وشجاعته الفريدة . لعل الأمير يعلم يقيناً أن الوطن يحتاجه اليوم أكثر من أي وقت مضى . ولعله يعلم حاجتنا إليه في هذه الأوضاع الموجعة وفي هذا الظرف الحرج الذي قرر فيه دعاة الشمولية ورعاتها إبعادنا وتغييب إرادتنا التي تمثل إرادة أهل السودان . سوف ينهض الأمير وسوف ننهض من كبوتنا، وليكفينا الله شر الحاجة إلى الآخرين، أولئك الذين ساهموا مساهمة فاعلة في كل ما أصاب الوطن من شرور وفي كل ما أصاب أهلنا من بطش وتنكيل وتشريد وإفقار ، ولتكن لنا في خليفة المهدي أسوة حسنة : فقد جاءه وفد فرنسي ليعرض عليه رغبة بلاده في معاونة السودان لصد العدوان الإنجليزي ،وقد فطن خليفة المهدي بذكائه إلى ما وراء هذه الرغبة الفرنسية في مساعدته فجاءت قولته الشهيرة رداً على العرض الفرنسي: ( فلتسقط الدولة ، ولتبقى الدعوة ) . أما اليوم فلنسقط جميعاً وليبقى المبدأ .. ولينهض الأمير نقد الله ... اللهم بفضلك وبفضل هذا الشهر الكريم وبحق حمزة والصديق والفاروق وبحق بدر وأبا ومهدي الله سليل المجتبى نسألك أن تشفي الأمير نقد الله وأن تقيل عثرته .