سألتُ عنك يا مدينة
خرجتُ من أزقة حزينة
درجت ُ نحو كاهل القوافي
سألتُ عنك في المقاهي
و تارة أخاف أن أبوح بالكلام
أخاف أن تسمعني الحجارة
لأنها تدبُ بالحياة
المجد لا يباع
لكنه علي رزاز بندقية
علي حساب طفلة تنهّدتْ في مشارق الهوية
لنبقي نحن من سلالة القضية
لتركع الخرطوم قبل إعلان الصلاة
نصطفُ حولها كالأتقياء
فنادى صاحب العمامة المأموم للإمام
تناجيا وحدهما في جامع المدينة
النيل كان يرشها بمائه
تتصاعد الخرطوم فتهطل الأمطار
فتقذف الحجارة و الحديث في المقاهي
الله يشهد أنها بلا صداق
و الشعب يطلق صراحها
هابيل أنها شقيقتي
قابيل أنها شقيقتي
و لم يمت أحداهما قتلاً هنا
فمات قاضي المدينة
لتنجب الخرطوم طفلا ناقص التكوين
ليسعى في ربوعها في ساعة و يوم
في السر قال البعض عاهرة
قاضي المدينة لا يريد العبارات السخيفة
خذوني بينكم رفاقي
البوح بينكم علي إنزواءة بعيدة
فيخرج الرفاق واحدٌ فواحدة
ينم في دواخلي أنين ساعة عن شيء
أحسستُ ساعدي يدق خلف ساعة تدق
تراجع الرفاق واحدٌ فواحدة
وقفتُ في بوابة الدخول
الحارس الأمين مات قبل عام
فدمدمتْ عليه في بوابة المدينة
لتمنح المارين كوب شاي
فينبش الدخول قصة ... فضحكة
يقلّبُ الخروج سيرة و مذبحة
و آخر النهار تقص قصة القطار
تقصُ قصة الحكيم
لكنها تحدّثتْ فنشرت الأسرار
في داخل الأكواب
و كل طالب شرب من كوبها اللعين
ثم يخرجوا ...
فيدخل التشرُّد
ليكتبوا رسائل مسجلة
إلي عواصم البلاد الأجنبية
مدينة مومس
تمارس الأخطاء في جلاء
شهيق المارة بين ريقها الحلال و الحرام
لتصبح الدعوات فيها ذنب
و الحق لا يقال إلا بعد أن ينام الناس
القلم الحر يلعنه الجندي
و الحديث الحر مرتعه الحقائب السرية
و الجُدر أصبحت رسالة في عمق أُمهاتنا
فقُسّم الميراث
و الموطن لم يزل يصطف واقفا للخبز و البنزين
يدور في طقوس حيث بابها بلا إطار
و الزمن يستدير داخل حبلها السري
و البشارة لم تعد
و انفعال الأرض حين يوُلد البشر
الشمس داخل الظروف
و القمر يُغطّى بالأيادي المرتعشة
و انقطع تواصل الخطوط و الدوائر الكونية
و الساعات لا تقاس من هنا
ثم يرجع للدهاليز المخيفة
معبأ بانفضاض الحياة
ثم كل فكرة لحظية
تستجير بعبق المارة الرث
فالرجوع قد يكون إلي سجادة الصلاة
كانقطاع نقطة الدم المراق
و احتدام ساعة الوغى المصير
الأخبار ... كوب ماء ... طبق سخيف
تُقدّم من خارج المدى
و لكنّا لنخرج من هنا ... لندخل من هناك
من حنطة الحقل التي لا ترفض التكوين
و في الحقيقة قد لنتِ يا خرطوم
و الآن بقعة حمراء في ثياب المصليين
مات كل شيء
طيف ريفك صوب فرعك النيلين
حيث النزول في الممررات
البحث عن ملاهي
و الاندفاق في روضة الكُتب
الله كانت من مدينة
الله عبّقها بحبه
ثم كان المهرجان
و الناس تنظر في المكان
في ملامح الحركات
و الإشارات المطلقة في الشوارع
جئتم هنا
لكنكم قيد الوقوف
و الناس تخرج من بعيد
اقبضوا هذا الشريف
اقتلوا محترف الحلال
قطعوه يا عسس
ثم التعاقب و الرجوع
الكون كله مدندن
و الكلام لا مباح
ثم جاء الملك عبقر
فعطل كل الحياة
فسرق النفوس من دواخل الخفا
و يستميح المارة عذرا كالغباء
و الناس ترضى بالحرية المنقبة
الخرطوم يا لقيطة
يا جبة الإملاق يا جسد معرّى
هكذا يقول صوت الحادي الذي مضى
كنا نقسم المسافة بيننا مع الزمان
و الزمان يطلق الفضاء بيننا نقود
ثم يستطيل .. فيستدير برهة فتمنع الأحلام
ثم يرضع المفطوم جرعة مع البلوغ
و الأمهات لا يدرن غير آلة الإحساس
آه منك يا وطن
كلما لمحت جسدك الطويل
جلست ُ في فرائك النهم
فيرجع الزمان آهة
لكن عبقر الزمان واجم
الخرطوم طفلة ترعرعت علي وسادة الهناء
تنام ثم تصحو فتهمس التأمل
فتمنح الذين يرقدون في أمان
وسادة من بندقية
ليصبح الصباح في غياهب المزار
و الخرطوم تنتحب
فتشرق الشموس حيث منبع الإشارة اللعينة
فتنطق الخرطوم رغم أنها تموت
هناك سارق يريد خط الاستواء
و الطفل يبكي حيث يُذكر المطر
و الموت لا محال
فماتت الخرطوم عند كل مأتم يموت فيه طفل
عند كل مزلقة تغادر الكرامة
فقدت ُ فيك كل شيء
مدرستي مهيرة
صديقتي أحلامي .. حبيبتي أفكاري
و كل جانب سواك لا يدوم
هناك في مدائن السراب في الضباب
و كل باب يدقه سقيم
يقرن الوجوه و النهاية
ثم فجأة نبأ العزاء
لتأتي في نهاية الوتيرة الأخيرة
بارقة ...
الحرب و الخرطوم
مدائن الجنوب تفقد البداية
تفقد الحروف الأبجدية
ثم حرمة الحقوق
دخلنا في مدارس جديدة
عبارة حروفها مسروقة
و البدء يا خرطوم
حتى تفي الغيوم
ننتظر يا خرطوم
سنلتقي المطر
سيثمر الشجر .
الاستاذ / احمد يوسف حمد النيل
السعودية - الرياض