عبد الماجد عباس محمد نور عالم
إن الأبنية التنظيمية هي أجساد مصنوعة بجهد الإنسان بغرض الانسجام مع البيئة لتحصيل أقصي فائدة منها و تحقيق اكبر قدر من المصالح و التحكم فيها ثم توجيهها لخدمة أغراض الإنسان الذاتية سوى إن كانت في صورتها الفردية أو الجماعية و إذا استخدمنا لغة الرياضيات و اصطلاحاتها فهي عبارة عن دالة متغيرة و نازعة بأصلها للحركة و الصيرورة و محكومة بحركة البيئة و تغيرها ... و وعاء ٌ قائمٌ على التحالفات المبنية على التوازنات و الاتزانات بين عناصر مكوناتها تتحرك و فق شروط التحاكك تحت قانون التنافس و التصارع وقد تحافظ على تكوينها , و قد تتجاذب عناصره و تنازع بغرض الهيمنة على إطار التنظيم فيتصدع الإطار الذي يشد عناصره المكونة فتتفرق باحثة عن إطار ٍ جديد يحقق لها الانسجام و التأقلم مع شروط البيئة الجديدة و ظروفها المصاحبة لتحقيق أقصى فائدة ... هذه محاولة تشريحية لاكتشاف بواطن الهياكل التنظيمية و شروط حركتها و نقاط اتزانها و تسليط الضوء على مكامن عللها و أمراضها و تبيان نقاط ضعفها و لعله محاولة للمعالجة ... تتخذ من حركة تحرير دارفور نموذجاً ... و نستهلها بالأرضية القبلية لانها اساس كل التنظيمات السياسية و هي التيار المهيمن و الام في السياسة السودانية و هي مجموعة من العلاقات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية تربط و تؤسس بينها علاقات الدم و القربى المباشرة بين أفرادها و هي التطور الناتج عن تعدد الأسر من ذات الأصل الواحد فالقبيلة نتيجة طبيعية وحتمية للتطور الأسرى علي مستويين أولاً على مستوي القيمة الفردية المتحولة لقيم التعدد الجماعى و المستوي الثاني هو التكاثف الكمي على امتداد و تراكم عدد أفرادها و القائم علي الخصوصية الفردية في صورتها الجماعية و التي تتركز فيها خصائص الاعتداد بالنفس مما يجعلها تضيق بالمنافسة لافتقادها لحدود المرونة تلك علة تعيق تحول البناء التنظيمي القبلي القائم علي رباط الدم و المشدودة إليه إلى حين ... فتعرض لها العوارض و تتغولها الغوائل ثم يتصدع ذلك الرباط بعوامل البيئة المتمثلة في اقتصادها و روابط حركتها و شروط تنافس مواردها و نفوذها بفعل مجموعات القبائل المتماثلة و الكائنة في محيطها الجغرافي مما يعجل بالمحاككة و لعل المحاككة هذه تعتبر الطاقة الدافعة لخلق إطار أوسع يجمع شتات شعث القبائل و يصهرها في إطار اشمل و اعمق من حدود الدم و رباطه و هكذا يمضي ينظم و يلضم سلكها و يصهر كتلها ليحولها إلى قيم و خصائص ثقافية و جغرافية و مصالحة مشتركة ثم يقذف في حناياها روح الشعب وإحساس الأمة المؤمنة بوحدة المصير..إن تلك الحركة العنيفة السريعة و كل ذلك التبديل المزلزل و المدمر هي عرض ٌ من أعراض التغير و شرطٌ من أشراطه و تعبيراً عن طاقته المتمددة الهائلة و في نفس الوقت علامة من علامات ضيق الجسد التنظيمي القديم المرتكزة على جسم القبيلة و جسده وهو عرضٌ من أعراض مقاومته العنيفة للجديد المنطلق بقوة دافعة حتى لا يبقى له طاقة في مقاومته فيترنح متصدع ٌ متشقق مهتز الأركان لتنصهر أنقاضه و يطمرها معلناً ً بداية واقع تنظيمي جديد يستطيع أن يستوعب هذه الطاقة و يحمل هذه الروح فلم تعد القبيلة تصلح لاستيعاب التعدد و التنوع خارج إطار جلدها مع إنها كثيرة و متنوعة بتنوع و كثرة القبائل المحيطة بها و تتشارك معها في الموارد سكناً و حركة ً و تتقاسم معها المصير وهكذا يبعث التحاكك قوة هائلة و يطلق طاقة من المتغيرات و فق محددات أوسع من هياكل العشائر و أبنية القبيلة المتهالكة و تدفع تلك التكوينات دفعاً للبحث عن مواعين أوسع و يهشم تيبسها ويحطم ذلك الوعاء المنكفئ على ذاته و المتحنط في مواقفه فلا يستطيع أن يصمد في وجه عواصف التغير و سنن التحول و يخضع لقوانين التبادل و التبديل ولن تجد لسنة الله تبديلا و لن تجد لسنة الله تحويلا... تتوق هذه الصيرورة المتغيرة نحو غايات تسمو و تنطلق باحثة عن جسد ٍ ارحب ينظم المتشابه فيها و يهندس جل آمالها و ينسج و يطرز الزاهي و الباهى من أحلامها و تدوزن بها قيماً و مبادئ توحد الجميع و توجهه نحو غاية واحدة متناغمة ٍ منسجمة ويبذر فيها الألفة و الاحترام و تنثرها درر من رواكيب المحبة و قطاطي الطمأنينة و الدعة لتترعرع فيها هذه العاطفة و تنمو مارداً يشب عن طوق القبيلة و يخرج من قماقم ضيقها و جمودها إلى سعة و رحابة جسد الشعب و الأمة فهي اوسع درجة و اكبر و في نفس الوقت تخرج بحصيلة المرونة المكتسبة من المحاككة و تتعرف وتتعلم من التمازج كيفية إدارة فن التناغم فيسري بين دفتيها و جوانحها طاقات هائلة للتفاعل و القدرة علي التلائم مع البيئة و تركيباتها ... ليصبح جينتها جينة التفاعل و التمتازج هو الساس و الأساس و النبراس للتحول و آن شئت فهي التطور ... و لعل بعض الحقيقة التي لا جدال فيها تؤكد بأن الإنسان هو كائن ٌ متغير متبدل و متحرك ٌ من حالة إلى حالة و هو يظل في حركة دائمة دائبة لتحقيق التلائم و التوازن مع البيئة و يسعى من خلال ذلك لتحقيق المصالح و الغايات الذاتية سوى إن كانت فردية ً أو جماعية لأجل هذا تراه ينشئ الأبنية و يشكل الأنظمة و يغيرها لتتلازم مع طبيعة هذه الحركة و متلازماً معها في تحولها و تطورها طوراً بطور وهو نازعاً للتغير عبر مراقي الفردية ثم نزوعها إلى الجماعية و تتوسع إلى أقصى سعة ممكنة حتى تلتصق مع تخوم الأممية و إننا لنجد الاشارة على ذلك في قول الله عز وجل ما يؤطر لهذا الفهم المتحرك عن الإنسان و نجد فيه ما يقرر تحوله المطرد و ركضه اللاهث نحو الغايات المترقية أبتدأ من أربطة الدم مروراً بتمام التعارف في اتصالها بالقيم الإنسانية السامية ثم تدافعها إلى كمال المعرفة المنسقة و المتثقة بصلة الاتقاء و إفراد العبادة لله الواحد القهار ( يا آيها الناس إنا خلقناكم من ذكر ٍ و أنثى و جعلناكم شعوباً و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم ) تلك إذن ملامح عن محطات التغير و كنن كنهها في الصيرورة و الحركة و مشوار المسافة المبتدئة و المتبدلة من نقط الفرد و المتجهة إلى الجماعة ثم انبثاق الجماعات الصغيرة المنطلقة لتخوم الجماعات الكبيرة ... كل خطوة تدفع إلى محطة يتشكل فيها بناءٌ و ينتظم فيها قانون يحكم مدارها و يقنن سنن حركتها وهكذا تتشكل الملامح و تتحدد شروط التفاعل فيها و هكذا تتأطر القنوات الموصلة للأهداف و تقوم الأجسام التنظيمية المصنوعة ٌ بجهد الناس و عزيمة الرجال و تقاس فعاليتها بقدرتها علي الدنو من غاياتها و إنجاز وظائفها الكبرى و على رأسها مهمة الحفاظ على كيانها و إنشاء القنوات التي تحقيق الأهداف المتنوعة و المتحركة في تجددها .... نواصل