للتسهيل للقارئ متابعة مضمون الورقة سوف أضع مكونات الورقة في قالب إستراتيجية
مكونة من ثلاث أجزاء رئيسية وهي:
(1) فرضيات أساسية: تمثل الظروف المستقبلية المتوقعة والتي بموجبها يرى
عبدالرحيم ضرورة تبني رؤيته.
(2) أهداف: تمثل نتائج ينبغي تحقيقها.
(3) سياسات: تمثل الآليات التنفيذية التي من خلالها يمكن تحقيق الأهداف.
عندما ننظر للورقة من خلال هذه المكونات الثلاث نلاحظ أن السيد عبد الرحيم حمدي
ليست لديه معرفة بكيفية إعداد إستراتيجية على مستوى الإقتصاد الكلى حيث يتعامل
مع الأمر وكأنه دراسة جدوى لمشروع تجارى أحيل لمكتبه الإستشارى ببرج البركة،
حيث يجهل تمييز الأهداف من السياسات والفرضيات من الأهداف بل تتضمن الورقة
مسميات خاطئة لمصطلحات معروفة لدى الاقتصاديين وتهويل ومبالغة في النتائج التي
ترتكز على فرضيات غير واقعية. الأمر الأخر الذي يحق لي أن استنتجيه يبدو أن
المؤتمر الوطنى الحاكم يعاني من أزمة كفاءات مهنية في مجال الاقتصاد والمال إذا
كان ذلك هو مستوى القائمين على رأس قيادة القطاع الاقتصادي في الحزب.
فيما يلي نستعرض تحليل لمكونات الورقة لتوضيح الأخطاء الفنية التي تضمنتها.
فرضيات الورقة:
بالنظر إلى فرضيات الورقة يمكن ملاحظة التناقض وسذاجة الطرح الذي تضمنته
الورقة.
تبدأ الفرضية الأولى بضرورة إيجاد سياسات فاعلة لجذب استثمارات بحجم كبير إلى
السودان ، وهذا بالطبع يعتمد على فاعلية السياسات التي وضعها في الورقة. عندما
نأتي لتقييم هذه السياسات سوف نلاحظ التناقضات وعدم صلاحيتها كسياسات جديرة
بتحقيق الهدف المذكور. بل عندما نقرأ هذه السياسات نلاحظ وكأنه نسى موضوع
الورقة وأصبح يطرح ما يتماشى مع مصلحته الشخصية كرجل أعمال.
أما الفرضية الثالثة تفترض ذهاب الاستثمارات العربية الإسلامية إلى الشمال
الجغرافي (أي محور دولة حمدى الجديدة) نسبة لتجانس عروبته وإسلامه واعتماداً
على تأثير قادة المؤتمر الوطني في تحريك الاستثمارات العربية تجاه دولتهم
الجديدة.
بالطبع هذا الافتراض ينطوى على قدر كبير من السذاجة واستخفاف بعقول الذين كلفوه
بمهمة إعداد الورقة. متى كان العروبة والإسلام عامل من عوامل جذب رؤوس الأموال
العربية والإسلامية. إذا كان ذلك هو الحال كان اليمن وموريتانيا أحق برؤوس
الأموال العربية من دولة حمدي التي تجمع مجموعات إفريقية مستعربة. من المعلوم
أن نتائج البحوث المنشورة في هذا المجال توضح أهم العوامل الرئيسية وراء حركة
رؤوس الأموال الأجنبية على مستوى العالم هي:
1- وجود موارد طبيعية قابلة للتصنيع.
2- الكفاءة المهنية أو الأيدي المدربة.
3- البنية التحتية من كهرباء وطرق ووسائل نقل.
4- السوق أو القدرة الشرائية.
5- الإستقرار السياسى
أين وضع السودان بالنسبة لهذه المتطلبات وكيف يمكن توفيرها قبل نهاية الفترة
الإنتقالية كما يفترض ذلك حمدى.
الأهداف :
تتمثل الأهداف الأساسية لمشروع عبد الرحيم في نصه: ( نريد استثمار سريع جداً
كبير جداً وحتى يأتي الاستثمار سريعاً وبحجم كبير لا بد أن يكون مردود
الاستثمار الداخلي والخارجي مغرياً جداً وجاذباً) بخصوص هذا الهدف ملاحظتين
أساسيتين الأولى نلاحظ أنه يستخدم مصطلحات خاطئة. هناك في أدبيات الإدارة
المالية ما يعرف بمعدل العائد الداخلي للاستثمار إذا كان المقصود بمردود
الاستثمار الداخلي هو معدل العائد الداخلي نجد سياق الجملة أعلاه لا ينسجم مع
هذا المصطلح. كما أنه لا يوجد في علم الاقتصاد ما يعرف بمردود الاستثمار
الخارجي.
أما الملاحظة الثانية هي كيف يمكن التحكم في مردود الاستثمار. بالنظر إلى واقع
الحال نجد متوسط العائد للاستثمار في القطاع الزراعي بالسالب وهذا واقع كل أو
معظم دول العالم الأخرى ، الأمر الذي جعل هذا القطاع في معظم دول العالم يعتمد
على الدعم المباشر والغير مباشر. إذاً ما هي المعجزة التي سيتعبها عبد الرحيم
حمدي لتغيير هذا الواقع بصورة دراماتيكية (أو حسب مصطلحة) وخاصة ان الركيزة
الأساسية لإقتصاد دولته الجديده هو القطاع الزراعى.
إلى أين يجب أن توجه هذه الاستثمارات؟
يجيب عبد الرحيم على هذا السؤال بقوله:
(يجب أن ندعو ونعمل له لتركيز الاستثمار الداخلي والخارجي [ربما المقصود هو
الاستثمار الوطني والأجنبي] والأخير هو الأهم والأكبر والأكثر رجاء لتحقيق
النتائج المرجوة، في أولاً : المحور الشمالي ثم بعض من هذه الاستثمارات إذا
توفر الاستقرار إلى شرق ..و.. جنوب...).
في هذه الرؤية يخطط عبدالرحيم وكأن المستثمر الأجنبي الذي يحمل معه مليارات
الدولارات يتحرك وفقاً لتوجيهات عبد الرحيم في تحديده مجالات وأماكن
الاستثمارات وليس على حسب رؤى المستثمر المسنوده بدراسات الجدوى وقياس المخاطر
المحتملة وطبيعة الإستثمار. ومن المستثمر الذى سيأتى بأمواله إلى السودان
الحالى مع علمه أن هذا البلد خلال الخمس سنوات القادمة قابل للتجزئة إلى دويلات
صغيرة بغض النظر عن الموقع الجغرافى لإستثماراته آنذاك.
السياسات :
في سبيل جذب الاستثمارات الكبيرة جداً والتي هي تمثل مصدر التمويل الأساسي
لبناء الدولة الجديدة، يحدد عبد الرحيم آليات أو سياسات ومنها:
- تشجيع الصادر وذلك بإعفاء شركات المساهمة الخاصة المحلية والأجنبية
العاملة في مجالات الزراعة من كل الضرائب.
حسب رؤيته المشكلة التي تواجة الصادرات السودانية هي الضرائب فقط وليست ضعف
مقدرتها التنافسبة الناتجة من نوعيتها وعدم جودتها.
- دعم إنتاج وتصدير اللحوم والخضر والفاكهة والبقوليات مالياً
واقتصادياً.
- دعم زراعة القمح ودعم إنشاء صناعات الطوب ومواد البناء.
الملاحظة في البندين أعلاه : أولاً : لا يوجد في أدبيات الاقتصاد ما يعرف
بالدعم الاقتصادي. هناك دعم مالي ودعم فني... ثانياً : كيف يمكن أن يتوافق
الدعم المالي مع متطلبات انضمام السودان لمنظمة التجارة العالمية والمنظمات
الإقليمية التي يمثل فيها السودان عضو. بالطبع سياسات الدعم لا تتفق مع عضوية
المنظمة الدولية والمنظمات الإقليمية. إذا كان لا يدري عبد الرحيم ذلك هذه
كارثة حقيقية.
من أين يوفر عبد الرحيم الالتزامات المالية وأعباء الدعم أعلاه. يجيب عبد
الرحيم على ذلك في الآتي :
- زيادة إصدارات الأوراق المالية الحكومية زيادة هائلة مع زيادة ربحها وتطويل
أجلها لتخدم غرض التمويل للمشاريع المشار غليها.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو كيف يمكن أن تزيد هذه الأوراق زيادة هائلة وفي
نفس الوقت تزيد من ربحيتها وخاصة أننا نتحدث عن إقتصاد ركيزتها الأساسية
الزراعة. من المعلوم أن متوسط ربحية القطاع الزراعي في عام 2004م، بالسالب
ومتوسط ربحية القطاع الصناعي كانت (2%) في نفس العام. أيضاً ينبغى أن ندرك أن
كل المحاولات الحكومية حتى الأن لم تنجح في استحداث أوراق مالية (خلافاً
لشهامة) مغرية ومجزية للاستثمار فيها. أما شهامة في رأي لا تمثل أرباحها أرباح
حقيقية بل هي أرباح حسابية (هذا موضوع أخر يمكن تناوله بالتفصيل في وقت لاحق).
- تحويل أغراض دمغة الجريح لمحاربة العطالة وسط الخريجين.
ما علاقة هذه البند ليكون مصدر تمويل للبرامج المذكورة؟ لا توجد علاقة واضحة.
- إلغاء دمغة رأس مال إنشاء الشركات العامة والخاصة والرسم المتراكمة
عليها.
- تخفيض الرسوم الحكومية والحد من تكاثرها.
- الاستمرار في خط تخفيض الضرائب خاصة ضريبة أرباح الأعمال...
- تخفيض الجمارك حسب الاتفاقات المتعاقد عليها.
البنود الأربع الأخيرة تمثل سحب موارد من ميزانية الدولة ولا تمثل مصادر تمويل
كما هو محدد في الورقة. يبدو لي عند البنود الأربع الأخيرة نسي عبد الرحيم
موضوع الورقة وأخذ يطرح مطالبه الخاصة كرجل أعمال.
عموماً الورقة تمثل استخفاف بعقول قيادة الحزب أو جهة التكليف حيث أنها تحتوى
على أخطاء في مفاهيم أساسية وتناقض في بنودها و لا تخلومن حب لفت الأنظار عملاً
بالمثل القائل خالف تذكر.