اجتمعت مع مجموعة من الإخوة وأدرنا حواراً مطولاً حول اثر التقنيات الحديثة على الحياة وما وصل إليه العالم من تطور وما هي مساهماتنا في ذلك , لم يكن ذلك الاجتماع في مناسبة زواج أو عزاء أو في بوفيه للإفطار في إحدى الوزارات أو في مكان لعب الورق في المدن البعيدة في أوربا أو أسيا إنما كان اجتماعاً فوق العادة من حيث المكان والموضوع فقد كانت مناسبة متطورة بآليات متطورة وكانت أجندة الاجتماع أولا الحديث عن الأثر الايجابي للتقنيات الحديثة على بعض المهن ثم الحديث عن مستقبل المهن الأخرى في ظل التغيير وكيفية مواكبتها لذلك التغيير .
من الأمثلة التي تطرق إليها الاجتماع والتي تطورت بفضل التقنيات الحديثة ما يعرف بالتطبيب من البعد E.medicine ويعرف كذلك ب Telemedicine Systems وهو نقلة عظيمة أعطت مهنة الطب دفعة قوية للإمام كما هو الحال بالنسبة لقطاع التعليم العالي فنحن نعايش اليوم ما يسمى بالتعليم الافتراضي أو التعليم من البعد E.Learning وكيف استطاع الانترنت إن يوفر خدمة عظيمة كانت ترهق الناس في الماضي كما أن البحث عن المعلومة أيضا كان من الأمور الشاقة فقد افتتحت الجامعات الافتراضية Virtual University وصار الناس ينهلون من الفنون والعلوم والآداب وهم جالسون في بيوتهم وفى داخل أوطانهم لا يرهقون أجسادهم ولا جيوبهم ولا يضيعون أوقاتهم في سفر من اجل التحصيل العلمي .
قطاع الإعلام كان له النصيب الأكبر من الحديث عن اثر التقنيات الحديثة على المهن فقد استطاع هذا القطاع أن يستفيد استفادة عظيمة من التطور الذي حدث في الوسائط التقنية فصرنا نقرأ الصحيفة لحظة نشرها ونتبادل الآراء حول الخبر في لحظته حتى صار الإعلام والإعلام الالكتروني بالذات يؤثر على سياسات البلدان والحكومات , ونفس الأمر ينطبق على قطاع الاتصالات والنقل فقد كان أيضا له حظاً كبيراً فعلى سبيل المثال إذا أردت إن تسافر فأنت جالس في مكتبك يمكنك أن تقوم بالحجز على إحدى خطوط الطيران الجوية وتستلم تذكرتك الالكترونيةE.Ticket في اللحظة موفراً أشياء كثيرة .
هناك قطاعات كثيرة أخرى استطاعت أن تدخل تحت مظلة التقنيات الحديثة مستفيدة من وسائطها المتعددة لترقية عملها من ضمنها قطاع الأعمال بصفة عامة وعلى وجه الخصوص المعاملات التجارية والمصرفية والتأمينات فقد شهدت هذه القطاعات نقلة وتطوراً كبيراً مستفيدة أيضا من التقنيات الحديثة ومثال ذلك ما يعرف بالتجارة الالكترونية E.commerce والصيرفة الالكترونية E.banking والتي تمكنك من القيام بالعديد من العمليات التجارية والبنكية والتأمينية والصفقات المختلفة وأنت جالس في مكتبك بكل سهولة ويسر وفى وقت قياسي مقارنة بالطرق والوسائل التقليدية .
لقد دخل حتى الشأن الاجتماعي والديني في منظومة العمل التقني الحديث واستفادت من الوسائط المختلفة في التسهيل والتطوير فنجد إن كثيراً من الناس أقاموا علاقات ناجحة في مشارق الأرض ومغاربها ومنهم من تزاوجوا عبر الشبكة الالكترونية وهناك بعض المواقع الأمريكية شبه الرسمية تقدم خدمات للمواطنين لمساعدتهم في مسائل الزواج والفراق و تربية الأطفال و قد أطلق عليه E. Marriage , كذلك استفادت المنظمات الطوعية والإنسانية من العمل التقني وصارت تجمع الدعم بسهولة بواسطة الشبكة الدولية العريضة , وحتى الطرق الصوفية لم يفوتها قطار التقنيات الحديثة ولم تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه التطورات العالمية فهناك عدة طرق صوفية أقامت لها مواقع على شبكة الانترنت وصار لها WWW ومنها ما ذهبت أكثر من ذلك , فقد ذكر احد الأصدقاء إن له صديقاً كان يتحاور مع بعض الناس في غرف الدردشة PalTalk فصادفه شخص ينتمي إلى إحدى الطرق الصوفية فدعاه إلى الانضمام إليهم (في الله) أي أن يكون من أبناء الطريقة وقابله بالشيخ مباشرة على الانترنت وذكر إن الشيخ قال لصاحبه ( ارفع يدك وشيل الفاتحة ) فكانت أول بيعة الكترونية وربما نسمع في المستقبل ب E.madad , فقلنا لصاحبنا أصبح ليس هناك داعي الآن للسفر إلى الزريبة أو أم ضواً بان أو الشكينيبة فيمكن أن تتم الزيارة عبر الشبكة الدولية وحتى ذلك الشيخ الذي يتربع ضريحه أمام وزارة الخارجية يمكن للمريدين ربطه بخدمات البلو توث Blue Tooth للاستفادة من بركاته بدون عناء السفر أو الحضور إلى شارع الجامعة .
تطرق الاجتماع إلى الحديث عن العمل الدبلوماسي فقد تطورت كل المهن وتطورت أساليبها وطرقها فكان السؤال أين سيكون موضع العمل الدبلوماسي بين هذا التطور ؟ وخلص الحديث إلى أن اى قطاع ليشمله التطور ويدخل في مظلة التقنيات الحديثة لا بد أن يتطور أهله أولاً وتزال الأزمة التي تحل بهم وتستشري في أجسادهم بعد ذلك يمكننا الحديث عن التطور في هذا القطاع وربما نسمع يوماً ما بسفارة افتراضية ويتبع ذلك وجود سفير دولة لدى دولة أخرى مقيما في وطنه مثلاً السفير الامريكى لدى السودان يكون مقيما في واشنطون وربما كذلك نسمع بان السفير المصري يقدم أوراق اعتماده عبر الانترنت لسلطان بروناى , كما أننا سنسمع بان وزراء خارجية الدول العربية يعقدون اجتماعاً ويتناقشون ويخرجون بمقترحات وتوصيات وكل وزير في بلده اى يكون الاجتماع الكترونيا E.Arabic League , كذا الأمر مثلاً بالنسبة لإدارة الشئون الآسيوية بوزارة الخارجية أن تتلقى توصيات مؤتمر الآسيان في كوالالمبور مباشرة بدلاً من بيروقراطية (نحيل لكم ) وحتما حتما سيحدث هذا إن لم يكن اليوم فغداً ... لذلك نقول لسعادة السيد وزير الخارجية ( جهز ناسك قبل أن يدركهم الطوفان !) .
صلاح الدين حمزة الحسن
لاهاي – هولندا