الإهــــداء
إلى الأخ محمد نوبير الاموي، الكاتب العام للكونفيدرالية الديمقراطية للشغل.
إلى الاخوة في المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم التي تعتبر جزءا لا يتجزأ من ك.د.ش.
من أجل بناء نقابة تعليمية مبدئية.
من أجل الفصل الفعلي بين العمل النقابي و العمل الحزبي.
من أجل الربط الجدلي بين النضال النقابي و النضال السياسي.
من أجل الارتباط العضوي بالطبقة العاملة المغربية.
من أجل الاستعداد لمواجهة عولمة اقتصاد السوق.
أقدم هذه المساهمة التي لا أتوخى من ورائها إلا سيادة عمل نقابي صحيح.
محمد الحنفي
تـقـديـم :
تعتبر النقابة الوطنية للتعليم من أقدم الإطارات التي تأسست بغاية الشروع في تصحيح مسار العمل النقابي بعد ما عرف الاتحاد المغربي للشغل أشكالا من التحريف التي جعلت قياداته المركزية و الجهوية، و القطاعية المحلية و الوطنية تتآمر على مصلحة الطبقة العاملة. و نظرا لما أوكل لها من دور تاريخي لعبته فعلا في أواخر الستينيات و خلال السبعينيات من القرن العشرين، فإن المفروض فيها أن تحرص على زيادتها في الحرص على العمل النقابي الصحيح. إلا أن طبيعة قيادتها الوطنية، و انتماءها إلى حزب سياسي معين عرف ما عرف من تحول، و تفكك بسبب ارتباطه بالمؤسسة المخزنية. و دخوله في خدمة مصالح هذه المؤسسة جعل النقابة الوطنية للتعليم تتعرض بدورها لهزات عنيفة قد تجرها إلى الانقسام و التآمر على الشغيلة التعليمية لتفقد بذلك بوصلة التصحيح، و تسقط بدورها في ممارسة التحريف الذي يحتاج من المناضلين المخلصين إلى بذل المزيد من الجهد المضني للمحافظة على مبدئيتها و على هويتها الكفاحية.
و قد تأسست النقابة الوطنية للتعليم منذ البداية على أساس أن تكون منظمة نقابية تقدمية ديمقراطية جماهيرية مستقلة لا من أجل تقسيم النقابة، و شرذمة العمل النقابي كما قد يعتقد البعض، بل من أجل تأسيس عمل نقابي يساهم في تصحيح مسار العمل النقابي.
و سنتناول في هذه المعالجة، بعد أن عاد العمل النقابي إلى الواجهة في قطاع التعليم بصفة خاصة، و في الكونفيدرالية بصفة عامة ظروف تأسيس النقابة الوطنية للتعليم، و المبادئ التي قامت عليها، و الهدف من ارتباطها العضوي بالطبقة العاملة المغربية، و توفرها على جدلية النضال النقابي و السياسي، و اعتبارها منطلقا لتنظيم عدة قطاعات، يتم توحيد عملها في إطار تصور موحد مع ما يعتري ذلك من صعوبات في صفوف الشغيلة، ثم دور النقابة الوطنية للتعليم في تأسيس ك.د.ش سعيا إلى تحقيق أهداف محددة، و علاقة النقابة الوطنية للتعليم بالأحزاب السياسية التي كان يجب أن تكون مبدئية بالارتماء في أحضان الحزب الذي كان يوجه العمل النقابي في إطارها، و يدفع مناضليه إلى السيطرة عليها، مما يجعلها تتفاعل مع تحولات الحزب إلى درجة التفجير من الداخل كما حصل في 2002/6/12 بعد أن عمل قياديوها على تجميد مختلف الأجهزة النقابية على جميع المستويات لتمر بعد ذلك إلى معالجة آفاق تصحيح مسار النقابة الوطنية للتعليم لنضع بذلك أيدينا على الداء الذي لا نريده عضالا بقدر ما نريده قابلا للعلاج.
و إذا كانت النقابة الوطنية للتعليم في تاريخها النضالي الرائد قد لعبت دورا كبيرا في الإعداد للتنظيم الكونفيدرالي، فعلى الكونفيدرالية أن تلعب دورها التاريخي في الحفاظ على هوية النقابة الوطنية للتعليم، و على كفاحيتها، و مبدئيتها، وصولا إلى الحفاظ على الارتباط العضوي للشغيلة التعليمية بالطبقة العاملة المغربية لا باعتبارهم رأس حربة الك.د.ش بل باعتبارهم مرشحين لإمكانية لعب دور حاملي الوعي الطبقي الحقيقي الذي يساهم في جعل الطبقة العاملة بالخصوص تسعى إلى تحسين أوضاعها المادية و المعنوية في أفق انعتاقها من الوقوع تحت طائلة الاستغلال الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي. و إذا تمت المحافظة على هوية النقابة الوطنية للتعليم، فإن استعادة كفاحيتها على المدى القريب أو المتوسط على أبعد تقدير ستكون واردة، لأن الجذور الطبقية لرجال التعليم، و نسائه تعود إلى الشرائح المتضررة من المجتمع المغربي و هو ما يمكن اعتماده مدخلا لفهم : لماذا هذا الصراع داخل النقابة الوطنية للتعليم ؟
النقابة الوطنية للتعليم : النشأة/المبادئ/الغاية :
و قد نشأت النقابة الوطنية للتعليم في أواسط الستينات من القرن العشرين تحت تأثير الحاجة إلى نقابة تقدمية ديمقراطية جماهيرية مستقلة، استجابة لرغبة رجال التعليم، و تحت تأثير الممارسة البيروقراطية في الاتحاد المغربي للشغل، و في جامعتها الوطنية و تفرعاتها.
و تأسيس النقابة الوطنية للتعليم ليس مجرد تأسيس لنقابة عادية كباقي النقابات التي يؤسسها هذا الحزب أو ذاك. كما يحصل الآن. إنه تعبير عن التحول الذي عرفه المجتمع المغربي خلال الستينات، و بداية السبعينات بسبب تفاعل المجتمع المغربي مع ما يجري في العالم اقتصاديا و اجتماعيا، و ثقافيا، و سياسيا. و كنتيجة لارتفاع وتيرة النضال الديمقراطي في بلدان آسيا و إفريقيا و أمريكا اللاتينية. و نظرا لحاجة المجتمع المغربي إلى إطارات ديمقراطية تناضل من أجل الديمقراطية، و بسبب المد الاشتراكي العلمي في ذلك الوقت الذي يفرض استحضار أهمية الشغيلة، و طليعتها الطبقة العاملة، و كنتيجة للحيف الذي يلحق الكادحين بصفة عامة، و الشغيلة و من بينها الشغيلة التعليمية بصفة خاصة. و قد كان ذلك التأسيس نوعيا و هادفا، و كان الطموح توفير الشروط التي تستحضر كرامة الشغيل المهدورة على جميع المستويات و السعي إلى تحقيق الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية باعتبارها ضمانة لاستحضار و تحقيق تلك الكرامة.
و لذلك كان من الضروري أن تكون النقابة الوطنية للتعليم نقابة مبدئية يتم الاحتكام فيها إلى المبادئ لا إلى الأشخاص البيروقراطيين، كما يحصل في الاتحاد المغربي للشغل منذ تأسيسه. و كما حصل الآن في ك.د.ش، و في ن.و.ت بصيغتها الحالية، و باتجاهها الكونفيدرالي الذي يدعي أنه كونفيدرالي.
و مبدئية النقابة تقتضي القطع مع جميع الممارسات التحريفية التي تأسست النقابة الوطنية للتعليم على أساس القطع معها. فالبيروقراطية، و الذيلية، و عبادة الأشخاص و الزبونية، و المحسوبية التي تسود في العلاقات النقابية. و قد ناضل النقابيون من أجل ذلك سواء داخل الاتحاد المغربي للشغل أو حتى في إطار ك.د.ش، و قد قدموا تضحيات كبيرة في هذا الاتجاه. و لا داعي لأن نسترجع مساهمة الشهيد عمر بنجلون، لأنها معروفة عند جميع النقابيين. و لازال عليهم أن يناضلوا من أجل استرجاع هوية النقابة الوطنية للتعليم الأصيلة و المحافظة عليها عن طريق :
1) الحرص على تقدمية النقابة حتى لا تتحول إلى منظمة يمينية. و تقدميتها لا تأتي من مجرد سيطرة المنتمين إلى الأحزاب التقدمية، أو المحسوبة عليها، و إنما من خلال بناء النقابة، و تكوين ملفاتها المطلبية، و برامجها النضالية. و هو عمل، لا يقوم به إلا المناضلون التقدميون الذين لا يمكن أن يكونوا كذلك إلا بحرصهم على مصلحة الشغيلة، و تطور تلك المصلحة، و جعل الشغيلة تمتلك وعيها الطبقي الذي يؤهلها لاستيعاب الشروط الموضوعية لنضالاتها المطلبية، و الاستعداد لخوض تلك النضالات، و الصمود حتى تحقيق المطالب المادية و المعنوية.
2) الحرص على ديمقراطية النقابة على مستوى اختيار الأجهزة، و صياغة المطالب، و وضع البرنامج المطلبي. ففي جميع المستويات يجب احترام إرادة النقابيين في جموعاتهم العامة، و في اجتماعات الأجهزة التقريرية، و التنفيذية، و كل الإطارات النقابية الدنيا أو العليا، و الديمقراطية تتجسد في خضوع الأقلية لإرادة الاغلبية، و أن تكون القرارات المتخذة معبرة عن إرادة الشغيلة على مستوى المطالب، و البرنامج النضالي المطلبي. و بالإضافة إلى ذلك لابد من مساهمة النقابة في النضال الديمقراطي العام من أجل إعطاء الديمقراطية مضمونا اقتصاديا، و اجتماعيا، و ثقافيا، و مدنيا، و سياسيا، و أن تكون من الشعب و إلى الشعب.
3) الحرص على جماهيرية النقابة حتى تبقى مفتوحة على جميع أفراد الشغيلة التعليمية بشرط احترام القوانين النقابية، و مبادئها، و قراراتها، و أن يساهم جميع الأعضاء على أساس المساواة فيما بينهم على مستوى الترشيح لتحمل المسؤولية، و التصويت، و اتخاذ القرارات النقابية التي يجب أن تتخذ بعدا جماهيريا في إطار ما يصطلح على تسميته بربط العمل النقابي بالعمل السياسي.
4) الحرص على استقلالية النقابة التي يجب أن تتحقق على ثلاث مستويات :
المستوى الأولى : استقلاليتها عن تحكم الأشخاص مهما كان مركزهم أو نفوذهم، و كيفما كانت مسؤوليتهم. فالذي يتحكم في سير العمل النقابي هو المبادئ، و الضوابط، أما الأشخاص فتتحدد مسؤوليتهم في حماية تلك المبادئ، و الخضوع للضوابط حرصا على استقلالية النقابة.
و المستوى الثاني : استقلاليتها عن الأحزاب مهما كانت مسؤولية مناضليها في الإطارات النقابية المختلقة. و هذا المستوى من الاستقلالية لا يتأتى إلا بالتزام الحزبيين بمبادئ النقابة و ضوابطها، و هذا الالتزام لا يمنع من تصريف رؤية الحزب من قبل الأشخاص. إلا أن هذا التصريف يأتي في إطار تفاعل الرؤى، و التصورات الأخرى ذات البعد الفردي، و الحزبي. لتتحول بذلك إلى تصور نقابي، يجمع و يوحد كل النقابيين حوله.
و المستوى الثالث : استقلالية النقابة عن الأجهزة الإدارية التي يجب أن تبقى بعيدة عن التحكم في العمل النقابي عن طريق عمالة المسؤولين النقابيين للإدارة ، و هو ما يحصل في العديد من الإطارات النقابية. و هو ما يجب تجنب السقوط فيه.
و هذه المستويات الثلاثة من الاستقلالية يجب أن تحضر في الممارسة النقابية حتى تكون مستقلة فعلا.
و بالحرص على المبادئ المشار إليها يحضر العمل النقابي الصحيح في الممارسة النقابية التي تتحول بذلك إلى ممارسة صحيحة تربط النقابة بالشغيلة التعليمية التي تتوحد في إطارها و تمتلك وعيها بوضعيتها الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، و هو ما يجعلها تستعد للنضال من أجل فرض تلبية مطالبها المادية و المعنوية.
و بالإضافة إلى ذلك، فمبدئية العمل النقابي في إطار النقابة الوطنية للتعليم التي تنظم الفئة الواعية من المجتمع أو التي يفترض أنها كذلك، تقود إلى الانفتاح على فئات الشغيلة الأخرى التي ينتشر بينها الوعي بضرورة المساهمة في بناء ممارسة نقابية صحيحة بواسطة تنظيم يهدف إلى توحيد الشغيلة في إطاره، و هذا التوحيد لا يتم إلا إذا رفعت النقابة الوطنية للتعليم شعار الارتباط العضوي بالطبقة العاملة المغربية الذي لا ترفعه إلا نقابة تقدمية، تسعى إلى تعميم التنظيم النقابي وسط الشغيلة من منطلق تصور محدد يستحضر ما يمارس من استغلال على الشرائح الكادحة من المجتمع.
و الارتباط بالطبقة العاملة المغربية يقتضي امتلاك الوعي الطبقي الحقيقي، و محاربة الوعي الزائف. و الوعي الحقيقي لا يحصل إلا باستيعاب علاقات الإنتاج الرأسمالي التبعي، و ما يحدثه من كوارث في المجتمع المغربي، و أثر تلك الكوارث على مستقبله، و ما يجب عمله لتعبئة الشغيلة و طليعتها الطبقة العاملة للنضال من أجل تحسين أوضاعها المادية و المعنوية، و امتلاك وعيها الطبقي الحقيقي، و الانخراط في الإطارات التقدمية، و النضال من أجل تغيير تلك العلاقات الرأسمالية التبعية بعلاقات إنتاج اشتراكية تضع حدا للاستغلال، و تفسح المجال أمام تمتع الشغيلة بالحرية و الديمقراطية، و العدالة الاجتماعية التي تعتبر من سمات سيادة علاقات الإنتاج الاشتراكية.
فشعار الارتباط العضوي بالطبقة العاملة لا يعني إلا امتلاك الوعي الطبقي، و الحرص على تقدمية النقابة التي تعتبر معبرا لإقناع الشغيلة بالانخراط في التنظيمات التقدمية التي تقود صراعا من نوع آخر.
و في نفس الوقت فإن رفع شعار الارتباط العضوي يقود إلى الربط الجدلي بين النضال النقابي و النضال السياسي الذي لا يتم إلا من خلال الممارسة الصحيحة و اليومية التي تدفع في اتجاه إعطاء المطالب الفئوية و العامة بعدا سياسيا، و رسم البرنامج المطلبي النضالي الذي يستحضر استغلال المناسبات السياسية للقيام بنضالات معينة تسعى إلى انتزاع مكاسب سياسية لصالح الشغيلة.
و لذلك فالربط بين النضال النقابي و النضال السياسي من سمات النقابة الوطنية للتعليم، و هو ما يجعلها مؤهلة تاريخيا و عمليا للوقوف إلى جانب الشغيلة و الارتباط بها، و تنظيمها، و تأهيلها للوعي بدور التنظيم النقابي المبدئي و الوحدوي، و تحمل المسؤولية القطاعية في ذلك، و الاستعداد للانخراط في النضال النقابي، و قيادة ذلك النضال حتى لا تتحول الشغيلة التعليمية من خلال النقابة الوطنية للتعليم إلى وصية على الشغيلة و طليعتها الطبقة العاملة، لأن الشغيلة التعليمية ، حتى و إن كانت هي الفئة القابلة لحمل الوعي الحقيقي، فإنها هي أيضا المؤهلة لحمل الوعي الزائف. و لذلك، فقيادتها للشغيلة ليست مأمونة العواقب، فهي مرشحة في أي وقت لممارسة الخيانة بسبب طبيعتها الطبقية البورجوازية الصغرى المستعدة لممارسة كافة أشكال التحريف كما حصل خلال مسيرة النقابة الطويلة. و كما يحصل حاليا في ك.د.ش. و بالخصوص في النقابة الوطنية للتعليم بجميع توجهاتها المنبثقة عن الأصل، سواء كانت من الإطار الذي يدعي استقلاليته عن الجسد الكونفيدرالي. أو كانت من الإطار الذي يعتبر نفسه جزءا لا يتجزأ من الك.د.ش، أو حتى فيما أصبح يعرف بالخيار الثالث الذي يبحث له عن مكانة أخرى، لأن الانشقاق في حد ذاته دليل على أن الشغيلة التعليمية غير مؤهلة لقيادة الشغيلة في الاتجاه الصحيح، و ما يحصل حاليا ليس إلا تحريفا للعمل النقابي الصحيح الذي يجعل الشغيلة فاقدة لبوصلة النضال الهادف إلى تحريرها من الاستغلال الرأسمالي التبعي.
النقابة الوطنية للتعليم كمنطلق لبناء تصور نقابي جديد :
و انطلاقا مما تناولناه بالمعالجة في الفقرات السابقة، فإن تأسيس النقابة الوطنية للتعليم في أواسط الستينات من القرن العشرين، جاء ليؤسس لتصور نقابي جديد يختلف جملة و تفصيلا عن التصور البيروقراطي الممارس في إطار الاتحاد المغربي للشغل، و عن تصور الاحتواء الحزبي الممارس في إطار الاتحاد العام للشغالين، لأن كلا التصورين تحريفي. و النقابة الوطنية للتعليم جاءت لتضع حدا لممارسة التحريف في المجال النقابي. فما هي دوافع تصور النقابة الوطنية للتعليم للعمل النقابي الصحيح ؟
إن دوافع تصور ن.و.ت للعمل النقابي الصحيح و النوعي يمكن تحديدها في :
1) التحول النوعي الذي عرفه المجتمع المغربي في عهد الاستقلال حيث عرفت عدة قطاعات توسعا ملحوظا ، و خاصة في قطاع التعليم الذي استوعب عددا غير قليل من الفئة الواعية و لو في حدود الوطنية في ذلك الوقت.
2) التفاعل الإيجابي الحركة الوطنية مع حركة التحرر العالمية، و تأثرها بالانتصارات البطولية التي تحققت في آسيا و إفريقيا.
3) التضامن المتبادل بين الحركات المناضلة عبر العالم و تبادل الدعم المادي و المعنوي فيما بينها، و الانخراط في نضال وطني، و قومي، و أممي متكامل.
4) حاجة الشغيلة المغربية إلى تصور يستحضر إرادتها في عمل نقابي صحيح و هادف يمكنها من تحسين أوضاعها المادية و المعنوية، و التخلص من الانتهازية النقابية الممارسة في الاتحاد المغربي للشغل و من الاحتواء الحزبي الممارس في الاتحاد العام للشغالين.
5) غياب المبدئية في العمل النقابي الذي كان سائدا قبل تأسيس النقابة الوطنية للتعليم. فالمبدئية ممارسة يومية تقدمية ديمقراطية جماهيرية مستقلة، ترفع مكانة الشغيلة و تستحضر إرادتها في التقرير و التنفيذ.
6) الحاجة إلى بناء مركزية تستوعب العمل بالتصور النقابي الجديد، و تكون إطارا لتكريس المبادئ، و للممارسة النقابية الصحيحة القادرة على استيعاب الشغيلة، و تنظيمها و قيادتها في الاتجاه النقابي الصحيح.
7) الحاجة إلى إشراك الشغيلة في النضال من أجل تحسين أوضاعها المادية و المعنوية، و من منطلق ما تراه الشغيلة نفسها حتى لا يوظف العمل النقابي لخدمة أهداف بيروقراطية أو حزبية، أو انتهازية.
8) الحاجة إلى الربط بين الحركة النقابية و حركة التحرير الشعبية الذي كان غائبا في التجارب النقابية السابقة، ذلك الربط الذي يعتبر أساسيا، و ضروريا لقيام عمل نقابي رائد في المجتمع المغربي يمكن اعتباره مكملا لعمل حركة التحرير الشعبية الساعية إلى إحداث تحول نوعي في المجتمع المغربي.
9) حاجة المجتمع إلى إطارات نضالية تقود شرائحه المختلفة في أفق إحداث حركة نضالية اقتصادية و اجتماعية و ثقافية و مدنية و سياسية تقف وراء التسريع بعملية التحول الإيجابي لصالح المجتمع المغربي.
10) الحاجة إلى دينامية مستمرة في العمل الجماهيري تقود إلى إعطاء القطاعات الاجتماعية المختلفة حركية تجعل وضعيتها تتحول باستمرار إلى الأحسن، و تقود إلى عملية التحول العميقة في المجتمع، و على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية من أجل مسايرة التحولات العالمية و خاصة في عصر العولمة.
و هذه العوامل و غيرها مما لم نذكر، وقفت وراء تأسيس ن.و.ت في حينها، و وراء استمرارية العمل النقابي الصحيح في إطاراتها المحلية و الإقليمية و الوطنية و وراء تأسيس ك.د.ش بعد تنظيم العديد من القطاعات العمومية و شبه العمومية، و لا يمكن أبدا أن تقف وراء ما يجري من تفتيت للحركة النقابية في إطار ك.د.ش، و خاصة في إطار ن.و.ت و ستقف وراء عملية التصحيح النقابي التي ستستمر لكون الشغيلة ليست عقيمة إلى هذا الحد، و ستعمل على مناهضة كل أشكال التحريف مهما كان مصدرها، و لابد أن توجد صيغة للعمل النقابي الصحيح تتناسب مع تحولات العولمة في اتجاه تعميم اقتصاد السوق في جميع أنحاء المغرب، تلك التحولات التي تقتضي إعادة النظر في القيم التي كانت سائدة من قبل، و خاصة في الحركة التقدمية حتى تنسجم مع ما يجب أن تكون عليه في مواجهة همجية اقتصاد السوق.
و مشكل النقابة الوطنية للتعليم و باقي النقابات الوطنية، و كذلك المركزية التي وقفت هذه العوامل من وراء تأسيسها ليس هو من يقود، بل هو العلاقة بين من يقود و من يوجه في القاعدة، هل هي علاقة مبدئية، أم أنها حادت عنها لترتدي علاقة أخرى لا علاقة لها بالمبدئية، و بضوابط العمل النقابي الصحيح . و الاختلاف الذي يتحول إلى خلاف يترتب عنه تفتيت الإطارات النقابية لا يمكن أن تكون إلا من افتعال شرائح البورجوازية الصغرى التي لازالت لم تتخل عن تطلعاتها البورجوازية التي تربطها بمصالحها التي تقودها إلى استغلال العمل النقابي لصالح تحقيق تلك التطلعات. و كان المفروض أن لا يتحمل المسؤولية النقابية إلا من ثبت تخليه عن التطلعات البورجوازية الصغرى و ارتباطه عضويا بالطبقة العاملة المغربية، لأنه بذلك التخلي، يتم قطع الطريق أمام استغلال الممارسة النقابية لصالح ما هو حزبي، أو شخصي، ليبقى العمل النقابي للشغيلة و بالشغيلة ليس إلا.
و ما يحصل في الإطارات النقابية المختلفة لا تؤدي ضريبته إلا الشغيلة التي تبقى مفتقدة للإطار النقابي المبدئي و المنتج للعمل النقابي الهادف انطلاقا من الضوابط النقابية الصحيحة التي تعتبر ضرورية لسد الطريق أمام الانتهازيين الممارسين للتحريف بكل مستوياته.
و لبناء التصور النوعي، و الهادف، نجد أن النقابيين المخلصين يسعون إلى إشراك القواعد النقابية في إيجاد ملف مطلبي يعكس رغبتها الحقيقية في تحسين أوضاع الشغيلة المادية، و المعنوية، و في وضع برنامج نضالي يراعي إمكانية انخراط الشغيلة المغربية في تنفيذه.
و التصور الذي سعى المناضلون الشرفاء إلى بنائه بتأسيس النقابة الوطنية للتعليم، يتناقض مع كل ما هو قائم على المستوى النقابي بما في ذلك ما تفرع عن النقابة الوطنية للتعليم و كيفما كانت القيادة التي تقود كل فرع ، و من سمات هذا التصور :
1) المبدئية التي تفسح المجال أمام انخراط قطاع عريض من الشغيلة التعليمية في النقابة الوطنية للتعليم، لأنه بدون ديمقراطية النقابة، و تقدميتها، و استقلاليتها، لا يمكن أن تكون جماهيرية تقود إلى وحدة العمل النقابي على المستوى القطاعي ثم المركزي، و تقطع الطريق أمام الممارسة البيروقراطية، و الذيلية و الاحتواء الحزبي.
2) تكريس الممارسة الديمقراطية على مستوى بناء الأجهزة ، و اتخاذ القرارات، و تنفيذها، و العمل على الانخراط في النضال الديمقراطي العام في المجتمع، و اعتبار النقابة جزءا لا يتجزأ من الحركة الديمقراطية المناضلة من أجل ديمقراطية بمضمون اقتصادي، و اجتماعي، و ثقافي، و مدني، و سياسي، من الشعب و إلى الشعب.
3) بث الوعي النقابي الصحيح الذي يعتبر بداية لامتلاك الوعي الطبقي الحقيقي من أجل شغيلة تتحمل مسؤوليتها في إذكاء الصراع الطبقي الهادف إلى اجتثاث الاستغلال من المجتمع، و إحلال العدالة الاجتماعية مكانه.
4) ربط العمل النقابي بالعمل السياسي على مستوى المطالب و البرامج النضالية، و على مستوى العمل المشترك مع تنظيمات أخرى، نقابية و جمعوية و سياسية لتحقيق نفس الأهداف التي تستفيد منها الشغيلة و مجموع أفراد الشعب الكادح.
5) اعتبار النقابة مدرسة لتكوين الأطر المناضلة، و المكافحة و الساعية إلى بناء حركة عمالية مناضلة تتجاوز كل الشروط التيئيسية التي تبثها عمالة بعض القادة النقابيين للمؤسسة المخزنية و للمالكين لوسائل الإنتاج مقابل فتات يمرر إلى العملاء للسكوت عن الاستغلال البشع الذي يستهدف الشغيلة.
و هذه السمات تعتبر ضرورية لوجود تصور نقابي صحيح يمكن تحويله إلى ممارسة يومية بين الشغيلة التعليمية ، و باقي شرائح الشغيلة الأخرى ليصبح العمل النقابي الصحيح سائدا في الإطارات النقابية الكونفيدرالية بالخصوص.
و بناء النقابة الوطنية على أساس التصور الصحيح قاد إلى الدخول مباشرة في بناء التنظيمات القطاعية الأخرى، و خاصة في أواسط السبعينيات.
و التنظيمات التي كان يمكن أن تتمكن النقابة الوطنية للتعليم من تنظيمها هي التنظيمات القطاعية العمومية و شبه العمومية قبل الانتقال إلى بناء تنظيمات القطاع الخاص، و يرجع ذلك إلى عدة عوامل نذكر منها :
1) لكونها في ذلك الوقت متعلمة، و قابلة لنفاذ الوعي النقابي إلى صفوفها بسهولة.
2) قابليتها للتنظيم بسبب انتمائها إلى قطاعات منظمة عموديا و أفقيا.
3) مشاركتها لقطاع التعليم في نفس المعاناة التي تقربها من بعضها على مستوى تدني الأجور، و تدني الخدمات الاجتماعية المقدمة لها.
4) انتماؤها إلى نفس إطار الوظيفة العمومية الذي تتحكم الدولة فيه، لأنها هي المشغل.
5) قيامها بتقديم الخدمات إلى المجتمع مما يؤدي إلى ارتباطها بالشرائح الاجتماعية المقهورة.
و هذه العوامل و غيرها قادت إلى تنظيم القطاعات التي تعمل تحت إشراف الدولة المتجسدة في الهيكل الإداري القائم على المستوى المحلي، و الجهوي، و الوطني مما جعل المطالب الخاصة بقطاع التعليم هي نفسها المطالب الصالحة لباقي القطاعات الأخرى. و هو ما يقتضي نضالا مشتركا، و هو ما يعني إشراف النقابة الوطنية للتعليم على تنظيم قطاعات عمومية و شبه عمومية، و قيادتها للتمرس على التنظيم، و صياغة المطالب بعد تأسيس الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل التي استمرت بتفعيل من النقابة الوطنية للتعليم، في تنظيم الشغيلة، و قيادة نضالاتها المطلبية في القطاعات المختلفة. لقد تم تنظيم قطاعات الصحة، و الفوسفاط، و البلديات، و المالية، و الأبناك، و غيرها بالإضافة إلى قطاعات القطاع الخاص.
و قد وجدت النقابة الوطنية للتعليم، و من بعدها الك.د.ش صعوبة في تنظيم قطاعات الشغيلة المختلفة، و ترجع تلك الصعوبة إلى عدة عوامل نذكر منها :
أن القطاعات الأساسية التي تأسست منها ك.د.ش و بتفعيل من النقابة الوطنية للتعليم، تنتمي إلى القطاعات الخدماتية، و هي قطاعات لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تدرك جسامة الاستغلال الممارس على القطاعات المنتجة. فالقطاعات الخدماتية هي قطاعات غير منتجة، أي أنها تقوم على أساس الاستفادة من جزء من فائض القيمة. و بذلك فهي تعيش على ما تنتجه الطبقة العاملة، أي أنها ليس من مصلحتها قيام تنظيم نقابي صحيح. و طرح المبدئية في النقابة الوطنية للتعليم، و في الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل لا يمكن أن يكون إلا ممارسة تاكتيكية كما تدل على ذلك كل الوقائع المرتبطة ببناء النقابة الوطنية للتعليم، و ببناء الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل. و هو ما يعني قيام تناقض غير مرئي بين القطاعات الخدماتية، و القطاعات المنتجة. و هذا التناقض هو الذي يجعل صعوبة تنظيم القطاعات المنتجة قائما في الواقع النقابي، لأن الطبقة العاملة قد تخدع بعض الوقت، و لكنها لا يمكن أن تخدع كل الوقت، إذ يقودها إحساسها إلى إدراك أنها تقع تحت طائلة القطاعات الخدماتية ذات الطبيعة البورجوازية الصغرى التي تستعد للتسلق و التملق، و القيام بمختلف الممارسات التي تنم عن كونها مريضة بالتطلعات البورجوازية.
2) أن النقابة الوطنية للتعليم، و سائر النقابات الوطنية بقيادة الك.د.ش تحاول ربط العمل النقابي بالعمل الحزبي، و هو ما يعني أن الشغيلة تصبح تابعة لحزب معين بمجرد الانتماء إلى النقابة الوطنية للتعليم، و إلى الك.د.ش كما حصل قبل 2002/6/12 و إذا حصل انشقاق في ذلك الحزب، فإنه سينعكس سلبا على التنظيم النقابي الذي ينشق بدوره. و هو ما يمكن أن نفسر به : لماذا تعاني النقابة الوطنية للتعليم و الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل من الاضطراب التنظيمي ؟ لماذا تلتحق عشرات القطاعات المنتجة بك.د.ش و بعد مدة تنسحب ؟ لماذا لا تعرف ك.د.ش استقرارا تنظيميا ؟
إن القطاعات المنتجة تدرك بإحساسها جسامة الاستغلال الممارس عليها في عملية الإنتاج المباشر. و لذلك فهي لا يمكن أن تنطلي عليها حيلة الابتزاز الحزبي في إطار ك.د.ش، و يمكن أن تكون أكثر حساسية تجاه هذه المسألة التي تدفعها مباشرة إلى مغادرة ك.د.ش. لأن الابتزاز الحزبي يعتبر امتدادا للاستغلال الممارس عليها، خاصة و أن الحزب الذي يمارس الابتزاز هو حزب بورجوازي متوسط أو صغير، يجعل الطبقة العاملة معبرا لتحقيق تطلعات البورجوازية المتوسطة أو الصغرى المشكلة له.
3) عدم الحسم مع المؤسسة المخزنية، فخطاب النقابة الوطنية للتعليم، و الخطاب الكونفيدرالي يراوح بين كونه خطابا عماليا يسعى إلى القضاء على أسس الاستغلال المادي و المعنوي، كما تدل على ذلك مختلف الشعارات التي كانت ترفع في السبعينيات و بداية الثمانينيات، و بين كونه خطابا بورجوازيا صغيرا يتزلف الأعتاب البورجوازية و المخزنية التي حضر أحد رموزها في الجلسة الافتتاحية لأحد المؤتمرات الكونفيدرالية. و معلوم أن الازدواجية في الخطاب لا يمكن أن تكون إلا ازدواجية أيديولوجية و مطلبية و برنامجية، تحاول التوفيق بين حاجة الشغيلة التعليمية، و باقي القطاعات الأخرى في تحسين أوضاعها المادية و المعنوية، و بين تحقيق تطلعات القادة النقابيين في الاستفادة من الأوضاع العامة. و بناء حزب و تقويته عن طريق النقابة لأجل الانخراط في مؤسسات الدولة المخزنية، و الانطلاق من خلال تلك المؤسسات لبناء شبكة من العلاقات التي تتناقض جملة و تفصيلا مع حاجة الطبقة العاملة إلى تنظيم عمالي صحيح.
4) عدم تجسيد المبدئية على ارض الواقع النقابي، خاصة و انه منذ تأسيس النقابة الوطنية للتعليم و المناضلون النقابيون يؤكدون على ضرورة حضور المبدئية في الممارسة النقابية حتى تبقى النقابة مرتبطة بالشغيلة و مستقطبة لها في نفس الوقت. غير أن التحول الذي عرفته ن.و.ت و من بعدها ك.د.ش بقطاعاتها المختلفة، جعل المبدئية مجرد شعار يرفع، لا علاقة له بما يمارس في الواقع النقابي الذي أصبح كل شيء قائما على الاستقطاب الحزبي، سواء تعلق الأمر ب ن.و.ت، أو بقطاعات ك.د.ش أو بمركزيتها، و كأن القادة النقابيين لا يعلمون أن الشغيلة التعليمية و سائر شرائح الشغيلة الأخرى أصبحت تدرك جيدا ممارسة الاستقطاب الحزبي في إطار ن.و.ت، و سائر القطاعات الأخرى على نغمة المشاركة في الانتخابات المختلفة، و التواجد في المؤسسات "المنتخبة" من أجل المساهمة في تحقيق الملف المطلبي للشغيلة. و الواقع أن ذلك لا يخدم إلا تحقيق تطلعات البورجوازية الصغرى، و المتوسطة، و مصلحة المؤسسة المخزنية في إبراز الادعاء بديمقراطيتها. أما الشغيلة فتبقى مستغلة، و متعرضة للابتزاز الحزبي عن طريق النقابة. و بذلك تصبح المبدئية مجرد شعار للاستهلاك في إطار ما يصطلح على تسميته بديمقراطية الواجهة المخزنية.
5) القبول بأنصاف الحلول في المفاوضات الاجتماعية لأن التنازلات التي يقدمها النقابيون مهما كان شأنهم و مكانتهم، لابد أن تكون بمقابل، سواء كانت تلك المفاوضات مع أجهزة إدارة الدولة، أو مع الباطرونا، و سواء حصلت أمام مفتشي الشغل أو لم تحصل، كما يدل على ذلك كون النقابيين المفاوضين ينتقلون من وضعية مادية إلى وضعية أخرى. و هو ما يعني أن العمالة للإدارة، و للباطرونا قائمة في الممارسة اليومية للمفاوضين النقابيين الذين يقبلون بتقديم التنازلات إلى المشغلين على حساب الشغيلة.
و هذه العوامل مجتمعة تقف بصفة مباشرة، وراء صعوبة العمل في صفوف الشغيلة المغربية التي لم تعد تلك الشغيلة الجاهلة التي تنقاد بسهولة وراء الخطابات النقابية التي لا تنطلق من وضعية الشغيلة بقدر ما تنطلق من تطلعات القادة النقابيين ذات الطبيعة البورجوازية الصغرى، و قد ثبتت عمالة قيادة النقابة الوطنية للتعليم قبل الانتفاضة الأخيرة، سواء لحكومة التناوب المخزني أو لبنك الوفاء الذي تعاملت معه في إطار ما يسمى بالتقاعد التكميلي، و التأمين على الحياة، و أشياء أخرى بسبب دور القيادة التعليمية في إقناع رجال و نساء التعليم بالانخراط في ذلك.
و لتذليل الصعوبات المذكورة يجب التعامل مع الشغيلة انطلاقا من التحول الذي تعرفه على مستوى المعرفة، و المواكبة النقابية، و السياسية. و كل نظرة لا تراعي هذا التحول، فهي نظرة بورجوازية صغرى توظف العمل النقابي لصالح القيادة النقابية أو لصالح الحزب الذي تنتمي إليه القيادة، و هو ما تدركه الشغيلة التعليمية بالخصوص، و بسهولة نظرا لمستواها النقابي، و هل هي مبدئية ؟ أم أنها شيء آخر لا علاقة له بذلك ؟
و من نتائج عدم الاهتمام بالتحول الذي تعرفه القطاعات المختلفة، و خاصة قطاع التعليم :
1) العزوف على الانخراط في النقابة الوطنية للتعليم و في باقي القطاعات الأخرى. ذلك أن الشغيلة التعليمية أصبحت تفضل عدم الانخراط في أي نقابة، و إذا فعلت ذلك فلأجل مصلحة آنية، و يمكن أن يكون الانخراط في أي نقابة مهما كانت مغرقة في الحزبية، أو الرجعية أو البيروقراطية.
2) ربط الانخراط في نقابة معينة بالحاجة إلى قيام النقابة بعمل محسوس تجاه المنخرط، و إذا زالت الحاجة توقف الانخراط، و هو ما نفسر به : لماذا تتغير لوائح المنخرطين من سنة لأخرى، و لماذا تتقلص تارة، و تزداد تارة أخرى.
3) أو شرط الالتحاق بحزب معين عن طريق النقابة الوطنية كما حصل خلال العقدين الأخيرين أي منذ 1983 إلى الآن. نظرا لأن الانتماء إلى الأحزاب المشاركة في الانتخابات أصبح وسيلة للارتزاق و التسلق و ليس وسيلة لتحقيق الممارسة الديمقراطية كحق دستوري مشروع.
4) الانخراط في الإضرابات التي تتم الدعوة إليها من قبل أي جهة كانت، و لا علاقة لذلك بالنضال بقدر ما له علاقة بالدخول في عطل غير رسمية ، فلا يعلم المنخرطون فيها ذلك ؟
5) الاستهزاء بالنقابة و النقابيين و العمل على تشويه صورة العمل النقابي بعد أن تتم الاستفادة من النقابة و من النقابيين، و هو ما يعني أن الوعي النقابي، و لو في حدوده الدنيا تراجع إلى الوراء في صفوف الشرائح الخدماتية من الشغيلة، و خاصة الشغيلة التعليمية.
و هذه النتائج ليست إلا إنذارا للنقابة و النقابيين و سعيا إلى جعل النقابيين يعيدون النظر في مجمل الممارسة النقابية التي انحرفت عن مسارها الصحيح و أصبحت تنتج وعيا مقلوبا يقود في نهاية المطاف إلى إنتاج انتهازية نقابية صرفة.
و قد لعبت النقابة الوطنية للتعليم دورا كبيرا في الحركة النقابية المغربية خلال السبعينيات، و ساعدت العديد من القطاعات على هيكلة نفسها قبل و بعد تأسيس ك.د.ش في نونبر 1978 و ذلك لتحقيق الأهداف التي نرى أنها تتلخص في :
1) الارتباط العضوي بالطبقة العاملة المغربية انطلاقا من مصلحتها الطبقية، و من أيديولوجية الاشتراكية العلمية المجسدة لتلك المصلحة، و التي تعتبر الوسيلة الوحيدة لامتلاك وعي طبقي حقيقي يقف وراء توجيه الصراع نحو وجهته الحقيقية، و بأدوات بنيت لهذا الغرض، و التي من بينها الأداة النقابية.
فالارتباط العضوي بالطبقة العاملة المغربية لا يتأتى إلا بتخلي نقابيي النقابة الوطنية للتعليم عن طبيعتهم البورجوازية الصغرى التي يعتبر – من بين سماتها – التطلع نحو البورجوازية الكبرى، و الالتحاق بها، و التخلص من إمكانية الانحدار إلى صفوف الكادحين الذين تأتي في مقدمتهم الطبقة العاملة. فالانتحار الطبقي يمارس في أسمى صوره في تجسيد شعار الارتباط العضوي بالطبقة العاملة المغربية ، و من خلالها الارتباط بالطبقة العاملة العربية و العالمية في إطار وحدة نضالية مصيرية لدحر الرأسمالية التابعة، و الرأسمالية العالمية، و تخليص البشرية من قبول الاستغلال الطبقي في وجوهه الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية.
2) الربط بين النضال النقابي، و النضال السياسي، و هو هدف لا يتم إلا في إطار الارتباط العضوي بالطبقة العاملة المغربية، فهو وحده المحفز على إعطاء البعد السياسي للملف المطلبي، و للبرنامج النضالي، و هو الدافع إلى ربط الحركة النقابية بالحركة العمالية و الحركة التقدمية المحلية و القومية و العالمية، و بحركة التحرير الشعبية.
فربط النضال النقابي بالنضال السياسي يكون من خلال القنوات المشار إليها، و ما سواها من ربط النقابة بالحزب تحت ذريعة العلاقة بين النقابي و السياسي، ليس إلا تحريفا للممارسة النقابية الصحيحة، و هو ما يجب مواجهته و التصدي له حتى لا يستمر في الاستفحال كما حصل في مختلف إطارات ك.د.ش أفقيا و عموديا لدرجة أن المواطن العادي أصبح يتعامل مع ك.د.ش كنقابة تابعة لذلك الحزب.
و لذلك فربط النضال النقابي بالنضال السياسي يقتضي محاربة كل أشكال التحريف التي تقود النقابة إلى الوقوع بين مخالب حزب معين، و العمل على تحرير ك.د.ش و النقابة الوطنية للتعليم بالخصوص من أسر الحزب حتى تتحول إلى نقابة تنتج العمل النقابي الصحيح.
و ربط العمل النقابي بالعمل السياسي لا يتم كذلك إلا في إطار نقابة مبدئية لا مجال فيها للممارسة التحريفية،ويمارس في إطارها احترام إرادة النقابيين الذين يأخذون بعين الاعتبار معاناة الشغيلة، و مدى استجابتها لتنفيذ البرنامج المطلبي.
و كذلك نجد أن الربط بين النضال النقابي و النضال السياسي لا يكون واضحا إلا في إطار النضال الديمقراطي العام الذي تنخرط فيه النقابات، والجمعيات، و الأحزاب، و سائر المكونات الأخرى للمجتمع، من اجل فرض ديمقراطية حقيقية من الشعب و إلى الشعب الذي يفرض دستورا يكرس سيادته، و مؤسسات تعبر عن إرادته، و حكومة تحمي مصالحه انطلاقا من اختيارات تتناقض مع الاختيارات الرأسمالية التبعية، و خاصة في ظل ما أصبح يعرف الآن بعولمة اقتصاد السوق.
3) تحسين الأوضاع المادية والمعنوية للشغيلة التعليمية بصفة خاصة، و سائر الشغيلة بصفة عامة حتى يشعر الجميع بالكرامة الإنسانية التي هي الغاية المثلى من وراء النضال النقابي لينصب الاهتمام بعد ذلك على كيفية حماية تلك الكرامة حتى لا يتم دوسها من جديد.
فتحسين الأوضاع المادية و المعنوية لا يمكن حصره في مجرد الزيادة في الأجور و التعويضات، و إيجاد نظام للترقية الداخلية، إنه اكثر من ذلك بكثير. فالأوضاع المادية و المعنوية تشمل الاهتمام بالمؤسسة باعتبارها مجالا للعمل، و بالتلاميذ باعتبارهم مستهدفين بالعملية التعليمية التربوية. و بالمجتمع ككل على المستوى السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني. و بذلك يترجم هذا الهدف إلى ممارسة يومية تجعل رجال و نساء التعليم يشعرون بمكانة سامية ضمن بنية المؤسسة و بنية المجتمع ككل، و حينها لا يمكن إلا أن يكون العطاء في مستوى تلك المكانة.
4) الدفع في اتجاه تأسيس نضال مطلبي نوعي في القطاعات العمومية و شبه العمومية و الخاصة لأن النضال المطلبي هو المدخل الحقيقي لكل صراع طبقي أيديولوجي و تنظيمي و سياسي، و هو المؤسس لأي عمل سياسي جاد و مسؤول، يسعى إلى استحضار مكانة الشغيلة في المجتمع، لا باعتبارها معبرا للوصول إلى المؤسسات لتفريخ اتجاهات لا علاقة لها بالحركة العمالية .
فالمكانة التي يجب استحضارها تكمن في كون الطبقة العاملة هي المحرك الأساسي لعملية الإنتاج. و هذا المحرك لا ينقصه إلا امتلاك وعيه الطبقي، و أن حامل ذلك الوعي لابد أن يكون مثقفا عضويا حتى يكون ثوريا، و أن فئة الشغيلة المرشحة لنقل ذلك الوعي هي الفئة التعليمية المرتبطة بالفكر العمالي، و بأيديولوجية الطبقة العاملة، و بالتنظيم العمالي الذي يلعب دوره في جعل الطبقة العاملة تلعب دورها التاريخي في جعل عملية الإنتاج تخدم مصلحة الشغيلة ككل، ثم مصلحة المجتمع بجميع طبقاته.
و الدفع في اتجاه تأسيس نضال مطلبي حقيقي لا يتم إلا في إطار الارتباط العضوي بالطبقة العاملة المغربية، لأنه بدون ذلك الارتباط لا يكون دفع في اتجاه قيام نضال مطلبي. كأنه لا يتم إلا في إطار ربط النضال النقابي بالنضال السياسي، أي انه ليس إلا تجسيدا لذلك الربط الذي لا يكون إلا جدليا.
و لذلك فتخلي النقابة الوطنية للتعليم عن هذا الدور الذي من اجله تم تأسيسها، فقوة النقابة الوطنية للتعليم في توحيد نضال الشغيلة، و رفع وتيرة ذلك النضال، و استمراريته حتى يتحول ميزان القوى لصالح الشغيلة، و لصالح الشعب الكادح.
5) و انطلاقا من رفع وتيرة النضال المطلبي في صفوف الشغيلة، و طليعتها الطبقة العاملة، استطاعت النقابة للتعليم أن تعمل على تأسيس المركزية النقابية الك.د.ش لقيادة ذلك النضال، و نقل معركة الصراع المطلبي من صفوف شغيلة القطاع العام، و شبه العام إلى القطاع الخاص، و العمل على استعادة شرعية العمل النقابي الصحيح في صفوف العمال المنتجين الذين يفتقرون إلى امتلاك الوعي النقابي الحقيقي في أبعاده الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية. و عمل كهذا لا يتم إلا بواسطة مركزية نقابية قوية تكون إطارا للممارسة النقابية الصحيحة القائمة على المبدئية، و الربط الجدلي بين النضال النقابي و النضال السياسي، و اعتبار التنظيم وسيلة لا غاية في حد ذاته، و القطع مع كل أشكال التحريف المتمثلة في الممارسة البيروقراطية، و الاحتواء الحزبي، و الذيلية، و أسماء أخرى تفرزها الممارسة اليومية.
فسعي النقابة الوطنية للتعليم إلى تأسيس الك.د.ش جاء تحت دافع حاجة الشغيلة إلى إطار نقابي مبدئي و قوي و قادر على قيادة النضال المطلبي، و ليس برغبة من المؤسسين، لأن رغبة المؤسسين وحدهم بدون تلك الحاجة الموضوعية تجعلهم يبقون منفصلين عن الواقع الموضوعي، و هو ما يتناقض مع مبدأ جدلية الذات و الموضوع.
و الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل التي جاءت نتيجة لتلك الاستجابة الموضوعية لواقع الشغيلة المغربية في مرحلة تاريخية معينة، و انطلاقا من التصور العلمي الصحيح للعمل النقابي تحولت إلى نقابة تخدم أهدافا أخرى غير معلنة سواء على مستوى القطاعات أو على المستوى المركزي، و لا علاقة لما أصبح يمارس بواسطتها بالأهداف المعلنة. فقد تحولت إلى إطار لتفريخ أتباع حزب معين. و هؤلاء الاتباع يتخندق معظمهم في توجه معين تحول فيما بعد إلى حزب سياسي. فتفريخ حزب سياسي سيترتب عنه انقسام ك.د.ش إلى توجه انقسام الكونفدرالية إلى توجه يفرخ في اتجاه الحزب الأصل. و توجه آخر يفرخ في اتجاه الحزب الفرع. و في كلتا الحالتين فالك.د.ش تكون قد انحرفت، و من ضمنها ن.و.ت عن العمل النقابي الصحيح الذي تأسست من اجله.
6) و النقابة الوطنية للتعليم لم تكتف بمجرد تأسيس الك.د.ش لتنسحب من الميدان، بل إن مناضليها المخلصين استمروا في قيادتها حتى تنجح في تأطير قطاعات الشغيلة. و قد أبانت قيادة الك.د.ش في السنوات الأولى الموالية للتأسيس عن حنكتها، و أهليتها لقيادة نضالات الك.د.ش إلا أن تلك الحنكة، و الأهلية لم تكن مصحوبة ببث الوعي الطبقي في صفوف الشغيلة كما كان متوقعا بقدر ما كانت تؤهل ك.د.ش لتلعب دورا آخر غير ما تأسست من اجله. و هذا الأمر يتجسد في مناهضة التوجه العمالي بعد محطة 8 ماي 1983، و تهميش المقتنعين بممارسة الخط النضالي الديمقراطي، و الدفع بالمنتمين إلى الخط الانتخابي إلى تحمل المسؤولية النقابية لقطع الطريق أمام المناضلين المخلصين. و قد كانت الممارسة هي بداية التخلي عن الأهداف التي من أجلها تأسست الك.د.ش، والشروع في خدمة أهداف أخرى لا يمكن وصفها إلا بالتحريفية، و من جملة الممارسات التي سادت :
أ – ربط العمل النقابي بالعمل الحزبي في إطار ما كان يسمى بالمعارضة البرلمانية التي تمخظت مخاضا عسيرا لتلد حكومة التناوب المخزني الذي أثبتت الممارسة انه كان أكثر خدمة للطبقة الحاكمة، و للمؤسسات المالية الدولية.
ب- تحويل النقابة إلى إطار بديل للحزب، و هو عمل يهدف إلى خدمة توجه سياسي معين، لا يمكن وصفه إلا بالفوضوية النقابية التي سادت خلال التسعينيات بالخصوص.
ج- عبادة شخص القائد، و التبرك بأقواله التي أصبح يرددها الاتباع كما تتلى آيات القرآن الكريم. لا لأنها تحمل شحنة من الوعي الطبقي التي يمكن توظيفها لجعل الشغيلة تتمسك بمطالبها، و تصمد من أجل تحقيقها، كما قد يعتقد البعض ، بل من أجل التأسيس للانقياد وراء ذلك الشخص لتحقيق أهداف أخرى لا علاقة لها بالطبقة العاملة.
د- توظيف النقابة في الصراع الحزبي بشكل مثير للانتباه، و هو ما أثمر انقسام الحزب إلى أحزاب و انقسام ك.د.ش إلى نقابات قد تدخل في حرب مع بعضها البعض.
ه- ركوب الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل لتأسيس حزب معين، قد يعتقد البعض أنه حزب عمالي، بالمعنى الصحيح لهذه الكلمة كما كان مفترضا بينما الواقع يؤكد غير ذلك فهو مجرد حزب بورجوازي صغير يفتقد كل أسس حزب الطبقة العاملة المتمثلة في الاقتناع بأيديولوجية الاشتراكية العلمية، و في التصور التنظيمي المنسجم معها، و في الموقف السياسي القائم على تلك الأيديولوجية.
و- جعل الك.د.ش منبرا لتصريف خطاب التزلف إلى المؤسسة المخزنية التي يتم التمييز بينها وبين الحكومة مع أن الحكومة في عمقها، و مهما كانت هويتها. و في ظل الشروط القائمة ليست إلا واحدة من الأدوات المخزنية الموظفة في تكريس السيطرة المخزنية.
و هذه الأهداف التي سعت النقابة الوطنية للتعليم إلى تحقيقها، كان يمكن أن يستمر تفعيلها في الساحة النقابية لجعل الشغيلة قادرة على فرض إرادتها على الجهات المشغلة إلا ان التحريف الذي تعرضت له تلك الأهداف جعلها مصادرة من قبل جهات معينة، لتحقق بدلها، و عن طريق النقابة، أهدافا أخرى لا يمكن وصفها إلا بالأهداف الحزبية الضيقة التي لم تعد تنطلي على الشغيلة التعليمية التي انسحبت من العمل النقابي رفضا لخدمة تلك الأهداف الحزبية الضيقة، إلا أنها لازالت تستجيب لتنفيذ الإضرابات، و لا ترفض ما هو مبدئي، و ما له علاقة بمصلحتها، و هو ما يستوجب إعادة النظر في الممارسة النقابية حتى تنسجم مع الأهداف الحقيقية التي تعتبر وحدها وسيلة لربط الشغيلة التعليمية بالنقابة الوطنية للتعليم.
علاقة النقابة الوطنية للتعليم بالأحزاب السياسية :
و تحريف الممارسة النقابية الصحيحة في اتجاه خدمة أهداف حزبية ضيقة، يجعلنا نطرح السؤال :
ما هي العلاقة السليمة و الطبيعية التي يجب أن تقوم بين الحزب و النقابة ؟ هل هي علاقة احتواء النقابة للحزب ؟ أم أنها علاقة جدلية بين الحزب و النقابة كامتداد للعلاقة بين النقابي و السياسي بصفة عامة ؟ أم علاقة احتواء الحزب للنقابة ؟ أم أنها شيء آخر ؟
إن ما يمارس في النقابة الوطنية للتعليم منذ عقدين من الزمن، يبرز بوضوح تكريس تحزيب النقابة، و جعلها جزءا لا يتجزأ من حزب معين مما جعل العلاقة القائمة بين ن.و.ت بصفة خاصة، و ك.د.ش بصفة عامة و الحزب علاقة احتواء كما كان يظهر للمتتبع البسيط، و كما يمكن أن يظهر في الوقت القريب. و إذا كان لابد من الممارسة المستقلة عن الحزب، فإن ذلك يقتضي أولا و أخيرا، فضح و تعرية علاقة احتواء الحزب للنقابة.إلا أن ذلك الفضح و تلك التعرية لا يحصلان أبدا، و لا يخضعان للتشريح و المناقشة حتى نتعود على تجاوز حالة التحفظ، و قول الحقيقة مهما كانت مرة. لأن القول باستقلالية النقابة و ممارسة الاحتواء لا يجتمعان أبدا، و إلا فإن إحداهما غير موجودة.
و قد كان المفروض أن تحافظ النقابة على مبدئيتها التي يجب أن تحضر بشكل مكثف في إطار العلاقة مع جميع الأطراف الأخرى، سواء كانت منظمات نقابية، أو جمعوية، او حزبية، أو كانت جهازا من أجهزة الدولة.
و انطلاقا من تلك المبدئية، فإن التنظير الحزبي الذي يمكن أن تلتقي معه النقابة على أساس الندية حول التبعية أو الاحتواء، هو التنظيم الحزبي التقدمي الذي يهتم بالخصوص بقضايا الشغيلة بصفة عامة و قضايا الطبقة العاملة بصفة خاصة في الممارسة الأيديولوجية التي تنطلق من استحضار الاقتناع بأيديولوجية الطبقة العاملة و هو ما يمكن اعتباره -إن حصل- ممارسة نقابية صحيحة.
أما التنظيم الحزبي البورجوازي الصغير فهو لا يمكن أن يكون تقدميا إلا إذا أعلن صراحة أنه يقتنع بأيديولوجية الطبقة العاملة، و يتبناها. و يبني تنظيما متناسبا معها، و يتخذ مواقف سياسية تنسجم مع ذلك التنظيم. أما إذا لم يفعل ذلك، فهو لا يمكن أن يحسب على الصف التقدمي، و سيجر النقابة إلى المزيد من الويلات التي قد تعصف بها. لأن تنظيما حزبيا من هذا النوع لا يرى في النقابة إلا مجالا للاستقطاب الحزبي، و لذلك فهو يعمل باستمرار على جعل النقابة تابعة له، إن لم يعمل على احتوائها شأنه في ذلك شأن الأحزاب البورجوازية و الإقطاعية، و الإسلاموية التي تكون نقابات تعتبرها جزءا لا يتجزأ من أحزابها، حتى تلعب دورا في تضليل الشغيلة من جهة، و حتى تسعى إلى استقطاب الشغيلة عن طريق النقابة إلى تلك الأحزاب من جهة أخرى.
و ما دامت النقابة الوطنية للتعليم تتعامل مع الأحزاب التي لا علاقة لها بالاقتناع بأيديولوجية الطبقة العاملة و لا تهتم بشؤونها، فإنها تقع باستمرار ضحية سقوطها في التبعية أو الاحتواء من قبل حزب معين، ليحصل في بنيتها ما يحصل في بنية ذلك الحزب، و تتحول إلى نقابتين بدل نقابة واحدة كما حصل على أرض الواقع.
و لذلك يجدر بالقيادات النقابية أن تحرص على عدم السقوط في التبعية أو الاحتواء الحزبي مستقبلا إن أرادت أن تحافظ على مبدئيتها، و بالخصوص على استقلاليتها.
و أسلم علاقة بين النقابة و التنظيمات الحزبية التقدمية تكمن في تبادل الدعم، و خاصة في المحطات النضالية التي تنخرط فيها النقابة أو ينخرط فيها الحزب حتى يكون ذلك الدعم المتبادل وراء قوة كل منهما، سواء في الأحوال العادية، أو في الأحوال الاستثنائية، و سواء كان ذلك الدعم عاديا أو معنويا. و على النقابة الوطنية للتعليم أن تحرص على دعم الحركة التقدمية مهما كانت، و أن تتقبل دعم تلك الحركة لها كيفما كانت لتتقوى بذلك، و تساهم بقوتها في قوة الحركة التقدمية و هو ما يمكن أن نسعى إليه كنقابيين، و كحزبيين تقدميين.
غير أن عملية التحريف التي تعرض لها العمل النقابي في إطار ك.د.ش، و في النقابة الوطنية للتعليم بالخصوص جعل تقدمية النقابة موضع تساؤل. فإلى ماذا يرجع ذلك ؟ هل إلى الطبيعة البورجوازية الصغرى التي تشكل بنيتها ؟ أم إلى عدم اقتناع منخرطيها بتقدميتها ؟ أم إلى ردة قادتها ؟ أم إلى عملية الاحتواء الحزبي التي تعرضت لها من أحزاب غير تقدمية ؟ أم إلى لجوء المنتمين إلى تلك الأحزاب إلى محاربة التقدمية في الإطارات، و في البرامج النقابية ؟ أم إن التقدمية أصبحت موصدة لأبواب النقابة في وجه الشغيلة التي لا تقتنع بها ؟
إننا عندما نمعن النظر في هذه الأسئلة و في غيرها نجد أنفسنا مضطرين للقول بأن استناد النقابة إلى أحزاب غير تقدمية يؤدي إلى قيام إفرازات مسمومة تعمل على جعل النقابة غير قادرة على العمل المبدئي، و غير مستجيبة له، و غير ساعية إلى بلورته على أرض الواقع.
و بناء على ما رأيناه، فإن تبعية النقابة الوطنية للتعليم لحزب سياسي معين، و خلال العقدين السابقين حولها إلى مفرخة للعمل النقابي التحريفي، و جعلها مجالا للصراع القائم بين تيارات ذلك الحزب، و ساعد على انشقاقها تبعا للانشقاق الذي حصل فيه. و كل قسم من النقابة سواء كان يعتبر نفسه جزءا لا يتجزأ من ك.د.ش، أم كان يعتبر نفسه مستقلا عنها، فإنه سيبقى مجالا لتفريخ تحريف العمل النقابي عن مساره الصحيح. و سيلجأ كل تيار داخل كل نقابة إلى مقارعة التيارات الأخرى المنتمين إلى نفس الحزب، و سيقف ذلك وراء ترشيح كل نقابة إلى الانقسام مستقبلا باعتبار ذلك الانقسام ممارسة بورجوازية صغرى، تساعد على التخلص من الطرف الذي لا تستطيع تلك البورجوازية إقصاءه بطرق عادية، و هو ما يؤدي إلى التشرذم النقابي الذي ينعكس على الشغيلة التعليمية التي عليها أن تؤدي ضريبة الانقسام الحزبي.
و يقف وراء توالد الانقسام النقابي حرص كل توجه على جعل النقابة مجالا لتصريف التوجيه الذي يناسبه، و نظرا لأن مجمل التوجهات لا علاقة لها بالفكر العلمي، فإن الجدل غير وارد في منطق كل منها. و لذلك فهي تلجأ إلى فرض توجهها بالقوة، و هو ما يحول الصراع الذي يفترض فيه أن يكون ديمقراطيا من صراع ديمقراطي إلى صراع تناحري، فتصبح المقرات النقابية، و المؤسسات، و حتى في الساحة و أمام وسائل الإعلام السمعية و البصرية، مجلا لاستعراض العضلات، و حمل الهراوات، و تبادل اللكمات و ممارسة الضرب، و بواسطة أسلحة معينة من أناس قد يكونون حزبيين نقابيين أو حزبيين فقط ضد حزبيين نقابيين أو نقابيين فقط، لا يقبلون ممارسة توجه معين و الانقياد وراءه، و دون اقتناع به، و ممارسة كهذه لا يمكن وصفها إلا بالممارسة البورجوازية الصغرى التي تتميز بالفاشستية و بكل الصفات الانتهازية، و الوصولية، و التوفيقية، و التلفيقية. فشروط الانقسام النقابي قائمة في الواقع الذي يتميز بتحكم طرفي الصراع في النقابتين المتفرعتين عن النقابة الوطنية للتعليم. لأن كل طرف يحمل في بنيته عوامل التمزق و التشرذم الناتجة عن غياب الناظم بين المنتمين إلى نفس الحزب، و الذي لا يكون إلا أيديولوجيا و سياسيا و تنظيميا و سيادة التعلق حول الأشخاص في كل حزب و تحول الرؤيا لدى الحزبيين بين فينة و أخرى دون أن يرتبط ذلك التحول بالواقع الموضوعي، أو يكون نتيجة للتحليل العلمي لذلك الواقع.
و كنتيجة للصراع التناحري – و الصراع التناحري لا يكون إلا طبقيا – بين التوجهات (الطبقات) الحزبية داخل النقابة، فإن النقابة الوطنية للتعليم لا تسلم من التأثر بالخلاف القائم بين التوجهات التي كانت قائمة، أو التي ستقوم في المستقبل داخل الحزب المتحكم في الأجهزة النقابية في مختلف المحطات الانتخابية، مما يدل على أن الخلاف القائم ليس من أجل إثبات الإخلاص إلى الشغيلة بصفة عامة و إلى الشغيلة التعليمية بصفة خاصة. بل من أجل من تثبت جدارته، و أهليته للتقرب من الطبقة الحاكمة، و من المؤسسة المخزنية عن طريق التحكم في الأجهزة النقابية و العمل على قيادة النقابة في اتجاه ممارسة الضغط على الطبقة الحاكمة. و التفاوض معها على هذا الأساس، حتى يتم تقديم التنازلات من الجانبين، و الإرضاء المتبادل، و العمل على تضليل الشغيلة و إبراز التنازلات على أنها انتصار على الطبقة الحاكمة و على المؤسسة المخزنية، ليبقى الحزب متحكما في النقابة، و لتبقى الممارسة الحزبية المتزلفة للطبقة الحاكمة قائمة في الواقع، و ليكون ذلك التزلف وسيلة الاستفادة من أصوات الشعب في مختلف الانتخابات، و الجرائد الممولة من تلك الأموال و هذا الارشاء و الارتشاء الممارس بين الطبقة الحاكمة من جهة و بين الأحزاب المشاركة في الانتخابات و المتحكمة في أجهزة النقابة الوطنية للتعليم و في أجهزة سائر النقابات الأخرى، و في أجهزة الك.د.ش المحلية و الإقليمية و الوطنية من جهة أخرى . و هذا النوع من الارشاء و الارتشاء لابد أن ينتج خلافات بين جميع التوجهات داخل الحزب الواحد، و هو ما يمكن اعتباره أساسا ماديا لذلك الصراع الذي تتأثر به النقابة، فتتحول إلى مجال لممارسته، فتتأثر الشغيلة به على المدى القريب و المتوسط و البعيد. و الانقسامات التي تتعرض لها ليست إلا نتيجة لتلك الصراعات، و النزيف الذي تعرفه صفوفها لا يمكن أن يكون إلا مترتبا عنه، و لا نشك قيد أنملة أن كل نقابة متفرعة عن النقابة الأصل ستفرز توجهات أخرى تتصارع فيما بينها بقدر ما يرتمي الحزب المتحكم في أجهزتها بين أحضان الطبقة الحاكمة، ما لم تحدث انتفاضة داخل ذلك الحزب، و تحوله فعلا إلى حزب عمالي يتخلص من رواسب البورجوازية الصغرى و المتوسطة، و من أمراضها المختلفة، و يستحضر أيديولوجية الطبقة العاملة و أسلوب تنظيمها، و موقفها السياسي، و حينها تصير النقابة متماسكة بسبب توقف إفراز التوجهات التي لا تستند إلى العلمية في التحليل، و لا ترتبط عضويا بالطبقة العاملة في الممارسة.
و هذا التحول المشار إليه لا يمكن أن يكون إلا تعبيرا عن الانعتاق النقابي، غير أنه سيبقى بعيدا عن الوقوع بسبب طبيعة الحزب المتحكم في أجهزة النقابة الوطنية للتعليم على المستوى الوطني و المنضوية تحت لواء ك.د.ش، و التي تعتبر جزءا لا يتجزأ منها، فهو ذو طبيعة هيمنية و انتهازية و شعبوية. و لذلك لا ينتظر منه إلا أن يعمل على إقصاء الأحزاب العمالية و الحد من تأثيرها في الحركة النقابية كما حصل في المؤتمر الاستثنائي التنظيمي في 16 و 17 يوليوز 2002 و هو ما يرشح هذا التنظيم النقابي (ن.و.ت بعد المؤتمر الاستثنائي التنظيمي) الذي سموه تصحيحا إلى الانقسام على المدى المتوسط إن لم يكن ذلك على المدى القريب.
و قد لعب الصراع الحزبي/الحزبي دورا أساسيا في تفجير النقابة من الداخل في مسيرة النقابة الوطنية للتعليم منذ تأسيسه و إلى يومنا هذا، أي أن التفجير في البداية كان يظهر باهتا بسبب تجسده في انسحاب العناصر الغاضبة من النقابة و من الحزب في نفس الوقت، لأن طبيعة البورجوازية الصغرى في ذلك الوقت لم ترق إلى تشكيل تيارات أو توجهات، و لم تتمرس على التحلق حول الأشخاص، و هو ما يحصل الآن في الاستفادة من المؤسسات المزورة، سواء كانت جماعية أو برلمانية، فشروط قيام توجهات أصبحت قائمة أكثر من أي وقت مضى بسبب التحولات التي أصبحت تعرفها شرائح بورجوازية صغرى دون أخرى.
الواقع الراهن للنقابة الوطنية للتعليم :
و ما تناولناه في الفقرات السابقة يجسد إلى حد كبير واقع النقابة الوطنية للتعليم الذي أصبح يتميز بالسمات الآتية :
1) التعارض بين النظرية و الممارسة اليومية لأننا عندما نرجع إلى أدبيات ك.د.ش بصفة عامة، و أدبيات ن.و.ت بصفة خاصة نجد أننا أمام تنظيم نقابي عظيم بمبادئه و ضوابطه و أهدافه و غاياته و مراميه قبل أن يكون عظيما بمناضليه.
فعلى مستوى المبادئ نجد أن النقابة منظمة تقدمية، انطلاقا من طبيعة مطالبها، و برنامجها النضالي المطلبي و ربطها النضال النقابي بالنضال السياسي، و ديمقراطية تحرص على استحضار إرادة منخرطيها في انتخاب الأجهزة و اتخاذ القرارات و تنفيذها، و جماهيرية تفسح المجال أمام مختلف الشرائح التعليمية للانتظام في إطارها على أساس المساواة فيما بينهم، و على أساس الالتزام بمبادئ ن.و.ت و مستقلة عن أجهزة الدولة، و عن الأحزاب في صياغة برامجها و اتخاذ قراراتها، لتكون بذلك النقابة الوطنية للتعليم متميزة فعلا.
و على مستوى الضوابط، لابد من استحضار ما هو منصوص عليه في القوانين الأساسية و النظام الداخلي باعتبار ذلك القانون، و ذلك النظام مجموعة من الضوابط التنظيمية التي تحدد المسؤوليات، و كيفية المحاسبة الفردية و الجماعية و مستويات المهام الموكولة إلى مختلف الإطارات سواء كانت تقريرية أو تنفيذية.
و على مستوى الأهداف نجد أن النقابة الوطنية للتعليم و منذ التأسيس تسعى إلى :
أ – تنظيم الشغيلة التعليمية من أجل الدفاع عن مصالحها المادية و المعنوية.
ب- تحسين الأوضاع المادية و المعنوية للشغيلة التعليمية.
ج- العمل على تنظيم القطاعات الأخرى عن طريق نشر الوعي التنظيمي في صفوفها.
د- الارتباط العضوي بالطبقة العاملة المغربية.
ه- العمل المشترك مع الحركة التقدمية، و إلى جانبها من أجل ديمقراطية بمضمون اقتصادي و اجتماعي و ثقافي و مدني و سياسي.
و هذه الأهداف المعلنة منذ البداية و التي يتم التنصيص عليها في القانون الأساسي و في النظام الداخلي بطريقة أو بأخرى هي التي ساعدت على إعطاء ن.و.ت بعدها الجماهيري و رسخ في الوجدان نضاليتها.
و على مستوى الغايات فإن التنظيم النقابي يسعى إلى ترسيخ :
أ – وحدة الشغيلة التعليمية، التنظيمية، و المطلبية، و البرنامجية.
ب- وحدة الشغيلة في إطار قطاعاتها، و في إطار المركزية النقابية ك.د.ش حتى تكتسب قوتها بتلك الوحدة.
ج- ربط الحركة النقابية بالحركة التقدمية في إطار وحدة نقابية سياسية متكاملة.
أما على مستوى المرامي، فإن النقابة الوطنية للتعليم و في إطار وحدة الشغيلة، و بتنسيق مع الحركة التقدمية تسعى إلى تحقيق ديمقراطية حقيقية في مجتمع حر و عادل.
و لكننا عندما نرجع إلى بنية النقابة الوطنية للتعليم في واقعها العالي سواء تعلق الأمر بالشق الذي يقول باستقلالية القطاع التعليمي عن ك.د.ش، أو تعلق بالشق الذي يرى أن ن.و.ت جزء لا يتجزأ من الك.د.ش سنجد :
أ – عدم احترام المبادئ، و خاصة مبدأ الاستقلالية مما يجعل شقي النقابة تابعة لهذا الحزب أو ذاك.
ب- الممارسة في الإطارات النقابية التي لا ترتبط لا بالقانون الأساسي، و لا بالنظام الداخلي، بقدر ما ترتبط بالمزاج الشخصي للقائد النقابي المحلي، أو الجهوي، أو الوطني الذي يصدر تعليماته إلى حاشيته بدل الالتزام بتنفيذ القرارات.
ج- و انطلاقا من تلك الممارسة المنحرفة نجد السعي إلى تنظيم القطاعات المختلفة قائما على علاقات المحسوبية و الزبونية و اختيار القادة المناسبين و المنحرفين أصلا و الذين لا علاقة لهم بالممارسة المبدئية الصحيحة.
د- عدم الارتباط بالحركة التقدمية، و الحيلولة دون ارتباط الشغيلة بها، و توظيف جميع الوسائل بما فيها النقابة للفصل بين النقابة الوطنية للتعليم، و سائر القطاعات و بين الحركة التقدمية.
و- التخلي عن الانخراط في النضال الديمقراطي العام جنبا إلى جنب مع الحركة التقدمية … الخ
و بذلك تتناقض الممارسة جملة و تفصيلا مع ما هو في الأدبيات النقابية.
2) التعارض بين حاجة الشغيلة التعليمية إلى حركة مطلبية رائدة، و بين جمود الأجهزة النقابية على جميع المستويات، و في معظم الأحيان. فالشغيلة في حاجة إلى نقابة قوية، تحدث و تقود حركة مطلبية رائدة، و تتجلى هذه الحاجة في وضعية الشغيلة الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و السياسية التي تتسم بالتردي و الخمول، و التعرض لأبشع أشكال الاستغلال المادي، و المعنوي، و بصفة مستمرة، و على مدى عقود الاستقلال السياسي بالإضافة إلى كون الشغيلة تحرم من مختلف الحقوق. و في مقدمتها : الحرمان من ممارسة الحريات العامة و النقابية كما يدل على ذلك تدني انخراط الشغيلة في النقابات، و في الأحزاب نظرا للقمع الذي يتعرض له المنتمون من الشغيلة، سواء كان ذلك القمع من الإدارة المخزنية أو من المشغلين. و في ظل هذه الوضعية المتردية نجد أن الأجهزة النقابية لم تلعب ذلك الدور النضالي الرائد، و لم تعد تحرص على الاستجابة لإرادة المنخرطين. فما بالنا بالاستجابة لإرادة الشغيلة. إن الأجهزة النقابية التي يسيطر عليها المنتمون إلى حزب معين منشغلة بهاجس جعل النقابة تابعة لذلك الحزب، و جزأ لا يتجزأ منه حتى لو أدى الأمر إلى التنكر لقضايا الشغيلة جملة و تفصيلا، و العمل على جعل الاهتمامات الحزبية حاضرة في ممارسة الشغيلة حتى يكون ذلك الحزب حاضرا في ممارستها، و تصبح محسوبة على ذلك الحزب. و عمل كهذا لا يعني إلا التعارض المطلق بين ما تقتضيه وضعية الشغيلة، و بين ما عليه الأجهزة التي يمكن اعتبارها في حالة جمود على المستوى النقابي مادام اهتمامها بالقضايا النقابية متراجعا إلى الوراء، و خاصة في المحطات الانتخابية التي تجعل أعضاء تلك الأجهزة منسحبين إلى العمل الحزبي، و معطلين العمل النقابي إلى حين الوقوف على جني ثمار العمل النقابي لصالح حزب معين. و هذا التعطيل في حد ذاته يتعارض مع :
أ – الحرص على مبدئية النقابة التي لم يعد الحديث عنها واردا.
ب-ربط العمل النقابي بالعمل السياسي الذي انحرف عن مساره الصحيح ليتحول إلى ربط العمل النقابي بالعمل الحزبي.
ج- الحرص على الارتباط العضوي بالطبقة العاملة المغربية.
د- العمل على تحقيق الأهداف المرسومة في أدبيات النقابة و الصادرة عن أجهزتها التقريرية.
ه- جعل العمل النقابي لا يتخذ صبغة السيرورة التي تتناسب مع توالد المشاكل، التي تقتضي تدخل النقابة في كل وقت و حين.
و هذا التعارض لا يعني إلا التخلي عن حاجة الشغيلة إلى حركة نقابية تكون لها إرادة في إيجاد حل للمشاكل المستحدثة و القائمة. هذا التخلي عن المهام النقابية الموكولة إلى تلك الأجهزة من قبل المسؤولين فيها، و المنتمين إلى حزب معين.
3) التعارض بين الحاجة إلى وحدة الشغيلة التعليمية و بين تمزيق جسد النقابة بفعل الصراعات الحزبية/الحزبية، و بفعل طبيعة الحزب/الأحزاب المسيطرة على الأجهزة النقابية. فكل حزب يسعى إلى فرض توجه/تصور معين ضدا على باقي التوجهات/التصورات الأخرى المتعارضة معه، و بالتالي فإن تلك الممارسة ستقود دون شك إلى قيام صراع غير ديمقراطي بين التوجهات/التصورات المتناقضة، و الهادفة إلى تفتيت النقابة، و تقسيمها كما حصل يوم 2002/6/12، و كما يمكن أن يحصل مستقبلا في كل قسم منها، مما يجعل الشغيلة التعليمية تفقد بوصلة توجهها نحو التوحد و الاندماج في إطار النقابة الوطنية للتعليم. و يبتعد قسم عريض منها نحو المجهول، و اللاانتماء النقابي، أو الانخراط اللاوعي في عملية تكريس شرذمة النقابة الوطنية للتعليم.
و قد بينا من خلال ما رأيناه في الفقرات السابقة مدى الانعكاسات السلبية على وحدة النقابة، و العمل النقابي بسبب الصراع الحزبي/الحزبي في إطار النقابة في الوقت الذي تفتقر فيه الشغيلة التعليمية إلى وحدة نقابية، تقف وراء قوة الشغيلة التعليمية في نضالاتها المطلبية من أجل :
أ – تعليم وطني شعبي متحرر و متفتح على المحيط في أبعاده المختلفة، لإعداد الأجيال لاقتحام الآفاق المستقبلية.
ب-توحيد التعليم و تعريبه، و جعله قادرا على استيعاب جميع مستجدات العصر الذي نعيش فيه مع استثمار ما هو إيجابي في التاريخ البشري، و الانفتاح على الآفاق المستقبلية.
ج- تحسين الأوضاع المادية و المعنوية للشغيلة التعليمية في إطار الارتباط العضوي بالطبقة العاملة المغربية، و سائر شرائح الشغيلة التي تسعى النقابة الوطنية للتعليم – نظريا على الأقل – إلى دعمها و مساندتها في نضالاتها المطلبية.
د- رفع مستوى وعي الشغيلة بضرورة الانخراط في العمل النقابي الجاد و المسؤول مساهمة منها في فرض تكريس العمل النقابي الصحيح.
فحاجة الشغيلة التعليمية إلى فرض وحدتها في إطار النقابة الوطنية للتعليم سيقودها إلى نبذ سيطرة حزب معين على الأجهزة النقابية، و ستفرض احترام الحزبيين للإطار النقابي و ستحمل احترام النقابة، و المبادئ النقابية، و احترام إرادة الشغيلة، و الالتزام بالقرارات الصادرة عن الأجهزة النقابية مقياسا للعمل النقابي الصحيح، و لتحمل المسؤولية المحلية، و الوطنية، و ستضع حدا لممارسة الاستقطاب الفج لصالح حزب معين، إنها مسألة وقت فقط، ريثما يتوضح للشغيلة التعليمية ما يجري، و ريثما تدرك الطبيعة الحقيقية لكل حزب يستهدف السيطرة على الأجهزة النقابية من أجل توجيهها لتحقيق أهداف حزبية صرفة.
4) التعارض بين ادعاء مبدئية النقابة، و الإصرار على دوس المبادئ النقابية الصحيحة، فكل القوانين التي صادقت عليها الهيئات التقريرية في جميع مراحل تاريخ النقابة الوطنية للتعليم يتم التنصيص على المبادئ العامة التي يجب أن تحكم النقابة و النقابيين في ممارسة العمل النقابي و تأطير هذا العمل. فالنقابة ديمقراطية محكومة بالممارسة الديمقراطية الداخلية في اختيار الأجهزة، و اتخاذ القرارات، و كيفية تنفيذها و المساهمة إلى جانب الديمقراطيين الحقيقيين من اجل الديمقراطية الحقيقة التي تكون من الشعب و إلى الشعب، و العمل على توفير الضمانات الدستورية و القانونية من أجل ذلك، و هي تقدمية تسعى إلى رفع مستوى الشغيلة ماديا و معنويا،و تساهم في إكسابهم وعيا متطورا باستمرار، و تسعى إلى جانب الحركة التقدمية بمختلف فصائلها إلى رفع المستوى المادي و المعنوي لجميع شرائح المجتمع المغربي الكادح، و الدفع في اتجاه امتلاكه للوعي الطبقي الحقيقي الذي يقوده إلى الانخراط بقيادة الحركة التقدمية في الصراع ضد كل أصناف الاستغلال و المستغلين، في أفق القضاء النهائي عليه على المدى البعيد، و هي جماهيرية لانفتاحها على جميع نساء و رجال التعليم من أجل الانخراط، و المساهمة في بناء التنظيم ، و اتخاذ القرارات و تنفيذها، بالإضافة إلى تبني الدفاع عن القضايا الجماهيرية التي تلامس مجال اهتمام النقابة الوطنية للتعليم، و هي مستقلة عن كل الأجهزة الرسمية و الحزبية، و حرة في اتخاذ قراراتها دون توجيه من أي جهة كانت حتى تكون عامل وحدة للشغيلة التعليمية.
و على عكس ذلك، فالأجهزة النقابية لم تعد تهتم بالمبادئ و لم تعد تستحضرها، مما يجعل التنصيص عليها في القانون لا يتجاوز مجرد الادعاء. أما الواقع، فلا وجود للديمقراطية في سير الإطارات النقابية، و لا وجود للتقدمية في الممارسة اليومية للنقابة، و لا وجود للجماهيرية المنشودة، و لا وجود لاستقلالية النقابة لاعتبارات نذكر منها :
أ – كون القائد النقابي المحلي أو الجهوي أو الوطني يعتبر نفسه بطلا، لا يناسبه ابدا الانضباط لتلك المبادئ فيدوسها، و بكل ثقة في النفس، و هو يعلم أن لا حسيب و لا رقيب.
ب- كونه ملتزما بتنفيذ التوجيه الحزبي في النقابة حتى تتم سيولة الانتماء إلى حزبه، و التزام من هذا النوع يتناقض مع الممارسة النقابية المبدئية.
ج- أو كونه ملتزما بتنفيذ توجه المؤسسة المخزنية الهادف إلى تدجين النقابة و النقابيين.
و جميع هذه الاعتبارات لا يمكن أن نستفيد منها إلا دوس مبادئ النقابة الوطنية للتعليم، و هو ما يستوجب الوقوف، و التأمل فيما يجري، و الإجابة على السؤال : إلى أين نسير ؟
5) التعارض بين ادعاء استقلالية النقابة، و بين تبعيتها لحزب معين، أو السعي إلى تبعيتها لحزب آخر. فالاستقلالية عن المبادئ التي ناضل الشرفاء من اجل تكريسها و عدم الحياد عنها في إطار النقابة الوطنية للتعليم ، ثم في النقابات الأخرى التي ساعدت النقابة الوطنية للتعليم على تأسيسها و بنائها قبل تأسيس ك.د.ش. و في الك.د.ش بعد التأسيس، الأمر الذي يمكن اعتباره من شروط قيام عمل نقابي صحيح. إلا أن تمكن المنتمين إلى حزب معين من السيطرة على أجهزة النقابة من الإجهاز على مبدأ الاستقلالية الذي لم تعد ممارسته واردة في عرف المنتمين إلى ذلك الحزب لتناقضه مع جعل النقابة تابعة لذلك الحزب الأمر الذي حولها إلى مجال للاستقطاب المضاد إلى توجه آخر ترتب عنه جعل النقابة الوطنية للتعليم مجالا للصراع بين التوجهين قاد في النهاية إلى انقسام النقابة إلى نقابتين، نقابة تابعة للتوجه المسيطر على الأجهزة السابقة الذي انفرد بالحزب و اصبح مسيطرا عليه. و نقابة تأسست بنفس الاسم في إطار مؤتمر استثنائي تنظيمي في يوليوز 2002 لتقع مباشرة تحت تأثير و سيطرة التوجه الآخر الذي أسس حزبا آخر و هو واقع أصبح يفرض نفسه في الساحة لتكون النقابة الوطنية للتعليم منفلتة من اسر حزب معين في انتفاضة 12 يونيو 2002 لتقع في أسر حزب آخر، و بين مخالبه، و هو أمر يقود إلى التساؤل : هل ساهم المناضلون الشرفاء في الانتفاضة المذكورة من اجل تمكين توجه معين من السيطرة على النقابة. و مساعدة ذلك التوجه على ذلك؟ أم أن الانتفاضة كانت تسعى إلى جعل النقابة الوطنية للتعليم منفلتة من عقال الاحزاب، و متمرسة على الاستقلالية؟
إن الذي يظهر أن النقابة الوطنية للتعليم و الك.د.ش ستعانيان من الأسر الحزبي على المدى المتوسط. و قد يقول قائل : إن الك.د.ش أنشأت حزبها، و هذا غير صحيح، فالدين أنشأوا الحزب المنشق عن الحزب السابق هم الذين كانوا يشكلون توجها متميزا داخله، يوظف النقابة للسيطرة على ذلك الحزب. و لما لم يتمكن، انسحب ليؤسس حزبه باسم آخر ليكرس المنتمون إليه نفس الممارسة الهادفة إلى جعل النقابة تابعة للحزب، و هو ما تكرس بامتياز في المؤتمر الاستثنائي التنظيمي المنعقد في مدينة الدار البيضاء بتاريخ 17/16 يوليوز 2002.
و لذلك فمبدأ الاستقلالية لازال يتردد في الإطارات النقابية، و الذي تردد بقوة في قاعة المؤتمر المنعقد في مركب المعاريف، و الذي نجده في أدبيات ن.و.ت الصادرة عن نفس المؤتمر كما تجلى ذلك من خلال تعويم اللجنة الإدارية، و المكتب الوطني بالمنتمين إلى ذلك الحزب.
و انطلاقا من الممارسة التي جرت في المؤتمر الاستثنائي التنظيمي. فإن التعارض القائم بين استقلالية النقابة كمبدأ، و على المستوى النظري، و بين تبعية النقابة لحزب آخر، سيبقى قائما في الممارسة اليومية، سواء تعلق الأمر بالنقابة الوطنية للتعليم أو بالنقابات الوطنية الأخرى، أو بالمركزية النقابية الك.د.ش، و هذه التبعية ستتكرس بموافقة المنتمين إلى الأحزاب الأخرى، و خاصة التي تتبنى أيديولوجية الطبقة العاملة، و تكتفي بقبول موقع قدم مكبل بالأغلال لا يستطيع النفاذ إلى عمق النقابة، و في جميع المستويات الأفقية و العمودية، و مهما اتضح أنها تنفذ إلى عمق الشغيلة في بعض الجهات التي تقع تحت طائلة التكبيل الوطني.
و على أساس هذا الواقع القائم نرى أن النقابة الوطنية للتعليم ستبقى رهينة بتماسك هذا الحزب الذي نرى أنه كباقي أحزاب البورجوازية الصغرى لا يمكن أن يكون إلا مرشحا لبروز التوجهات داخله لافتقاده أسس التماسك الحزبي التي يأتي على رأسها الأساس الأيديولوجي.
و نظرا لورود هذا الاحتمال على المدى المتوسط و البعيد، فإن النضال من أجل احترام مبادئ النقابة الوطنية للتعليم و في مقدمتها استقلالية النقابة الوطنية للتعليم، يبقى مهمة مركزية، يجب أن يعمل النقابيون المخلصون على فرض احترامها عن طريق التصدي لكل الممارسات الهادفة إلى مصادرة تلك الاستقلالية. و في هذا الأفق يجب إخضاع ما يصطلح على تسميته ب "لجنة الترشيحات" للمناقشة الواسعة. هل تبقى صالحة في المجال النقابي، أم أن التطورات المتلاحقة تقتضي إلغاء هذه الصيغة، و اللجوء مباشرة إلى الانتخاب المباشر الذي أصبح يخيف المنتمين إلى الحزب المسيطر على أجهزة النقابة، لأنه قد يؤدي إلى إقصائهم من الأجهزة المحلية و الجهوية و الوطنية.
و هكذا وجدنا أن الواقع الراهن للنقابة الوطنية للتعليم يتسم بسمات ترشح النقابة للمزيد من الانحسار و التشرذم على جميع المستويات، ما لم تتم المراجعة الجذرية لكل الممارسات المؤدية إلى ذلك، و مهما كان مصدرها، و خاصة من أولئك الذين تمرسوا على مصادرة المبادئ، و الذين لازالوا يعملون على مصادرتها من أجل فرض التمكن من ناصية النقابة حتى تبقى مجالا للاستقطاب الحزبي الفج سواء كان ذلك قبل الانقسام أو بعده، و هو ما يقتضي التصدي له من أجل نقابة مبدئية تنتج عملا نقابيا صحيحا يهدف إلى تحسين الأوضاع المادية و المعنوية للشغيلة التعليمية.
آفاق تصحيح مسار النقابة الوطنية للتعليم :
و النقابة الوطنية للتعليم التي تعاني من هذه الوضعية المتردية الناجمة عن سيطرة الحزبيين على أجهزتها و جعلها ذيلية لهذا الحزب أو ذاك، تحتاج إلى انتفاضة حقيقية، و تهدف إلى استعادة مجدها وقوتها اللذين يكمنان في مبدئيتها، و نضاليتها، و تعبئتها للشغيلة التعليمية انطلاقا من قراراتها الصادرة عن أجهزتها بعيدا عن تحكم أي توجه حزبي، أو تحكم حزبي في ذلك الجهاز. و تتمثل الانتفاضة التي يجب خوضها في صفوف الشغيلة التعليمية في :
1) الفصل المطلق بين النقابي و الحزبي لأن المغالطة الكبيرة التي سادت خلال العقدين الأخيرين هي أن الربط بين العمل النقابي و العمل الحزبي عن طريق احتواء الحزبي للنقابي، يعبر عن ربط العمل النقابي بالعمل السياسي و هو اعتبار تحريفي بالدرجة الأولى، لأن العمل السياسي في النقابة لا يتأتى إلا من خلال الملف المطلبي الذي يتضمن مطالب نقابية، و مطالب سياسية في نفس الوقت . و كذلك الشأن في البرنامج المطلبي الذي يعطي الاعتبار للحركة النقابية في محطات سياسية معينة إلى جانب امتلاك الوعي النقابي الصحيح الذي يعتبر إطارا و أداة لامتلاك الوعي الطبقي.
فلماذا يلجأ الحزبيون إلى ربط العمل النقابي بالعمل الحزبي عن طريق سيطرتهم على الأجهزة النقابية ؟ إن الإجابة على هذا السؤال تقتضي منا أن نحدد من هم الحزبيون الذين يقومون بهذا التحريف ؟ إنهم المنتمون إلى الأحزاب البورجوازية الصغرى و المتوسطة، الذين ليس من مصلحتهم الطبقية امتلاك الشغيلة للممارسة النقابية الصحيحة، لأن تلك الممارسة قد تقود إلى إدراك الشغيلة لحقيقة الممارسة التحريفية البورجوازية الصغرى، و تعمل على مقاومتها، و تقطع بذلك الطريق أمام كل سيطرة للحزبيين المنتمين إلى الأحزاب البورجوازية الصغرى و المتوسطة على الأجهزة النقابية لينتهي بذلك ربط العمل النقابي بالعمل الحزبي و جعل النقابة تابعة للحزب أو جزء لا يتجزأ منه. و للوصول إلى وضع حد لذلك نرى أنه من الضروري بناء النقابة بناء سليما حتى تصير منتجة للعمل النقابي الصحيح المنتج لربط العمل النقابي بالعمل السياسي، و هذا البناء يجب أن يتجسد في الاعتبارات الآتية :
أ – فرض احترام المبادئ النقابية في الممارسة اليومية، و خلق أجهزة موازية للمراقبة تكون مهمتها رصد ممارسة الحزبيين المتحملين للمسؤولية في الأجهزة، و رصد ممارسة الأجهزة نفسها و دراسة القرارات الصادرة عنها، و مقارنتها بالأدبيات الصادرة عن المؤتمرات، و الوقوف على مدى احترامها للمبادئ، و مدى ممارستها لربط العمل النقابي بالعمل السياسي وفق التصور الصحيح. و هذه الأجهزة تمتلك حق الدعوة إلى عقد اجتماعات الأجهزة التقريرية لعرض ما تقوم به الأجهزة التنفيذية من ممارسات تحريفية فيما يخص ربط العمل النقابي بالعمل الحزبي.
ب- تحويل المقرات النقابية إلى مدارس لتكوين الأطر النقابية بصفة خاصة، و تكوين الشغيلة بصفة عامة من أجل امتلاك الرؤيا الصحيحة للعمل النقابي، و من أجل المعرفة العلمية بالواقع الاقتصادي، و الاجتماعي، و الثقافي، و المدني ، و السياسي، باعتبار تلك المعرفة وسيلة لامتلاك وعي معين لذلك الواقع، و من أجل امتلاك تصور عن الطبقات الاجتماعية المختلفة، و خصائص كل طبقة على حدة، و من هي الطبقة المستفيدة من استغلال الشغيلة، و الطبقات المرتبطة بها، و من هي الطبقة التي يمارس عليها الاستغلال المادي و المعنوي ؟ و ما هي الوسائل التي تساعد على مقاومة ذلك الاستغلال ؟ وما هو الدور الذي تقوم به النقابة ؟ و ما هي حدود هذا الدور ؟ و ما هو الفرق بين دور النقابة و دور الحزب العمالي بالخصوص ؟ و هل يمكن أن تتحول الأحزاب البورجوازية الصغرى إلى أحزاب عمالية ؟
ج- الحرص على الانخراط في الحركة التقدمية المناضلة في إطار جبهة وطنية للنضال من أجل الديمقراطية بمضمونها الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي من اجل فرض ديمقراطية من الشعب و إلى الشعب باعتبار تلك الديمقراطية الوسيلة الوحيدة التي تمكن المواطنين من ممارسة حرياتهم العامة و النقابية مما يعتبر دعما للعمل النقابي و تقوية له.
و استحضار هذه الاعتبارات يعتبر أساسيا لتكريس الفصل الفعلي بين العمل النقابي و العمل الحزبي تجنبا للممارسة التحريفية في العمل النقابي و العمل السياسي في إطار النقابة الوطنية للتعليم لتسترد بذلك عافيتها.
2) الحفاظ على العلاقة بين النقابي و السياسي، لأننا إذا لم نسع إلى ذلك ستتكرس الأمراض التحريفية التي تنخر كيان النقابة و النقابيين، و تفسد الممارسة النقابية الصحيحة و تعمل على انحسار الانتماء إلى النقابة في صفوف الشغيلة. و للوصول إلى الحفاظ على العلاقة السليمة بين العمل النقابي و العمل السياسي لابد من تحقيق الأهداف الآتية :
أ – جعل احترام مبادئ النقابة شرطا للانتماء إليها، و إعطاء الصلاحية للأجهزة المحلية من أجل الإشراف على تحقيق هذا الهدف، و اتخاذ الإجراءات الزجرية في حق كل من لا يلتزم باحترام المبادئ، سواء كان منخرطا عاديا، أو كان يتحمل المسؤولية في إحدى مستوياتها، حتى و إن كانت المسؤولية الأولى في التنظيم المحلي أو الجهوي أو الوطني، و الدعوة إلى جمع الأجهزة المعنية لاتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية العمل النقابي من التحريف.
ب- احترام القوانين التنظيمية، والالتزام ببنودها حتى تكون حكما بين أعضاء النقابة، و تنظيم العلاقة بين المنخرطين و بينهم و بين الأجهزة النقابية سواء كانت تقريرية، أو تنفيذية، فاحترام القوانين يعني في عمق العمل النقابي احترام إطار النقابة و جعلها مصدرا للتمرس على الالتزام الذي يقود إلى التعود على الانضباط إلى القرارات التي يساهم النقابيون في اتخاذها انطلاقا من مستواهم التنظيمي، الأمر الذي ينعكس على مسار حياة النقابيين في الحياة العامة فيتحولون إلى مثال للاقتداء، و نموذجا للتربية على الالتزام و الانضباط.
ج- الالتزام بتنفيذ القرارات الصادرة عن الأجهزة التقريرية في أبعادها المحلية، و الإقليمية، و الجهوية، و الوطنية، والتي غالبا ما تتعرض للتعطيل إذا كانت تتعارض مع مصالح الأجهزة التنفيذية، و ضرورة قيام الأجهزة التقريرية بمحاسبة الأجهزة التنفيذية التي تتلكأ في التنفيذ، و اتخاذ الإجراءات الزجرية، في حق كل ممتنع عن تنفيذ القرارات، و مهما كان شأنه. فالالتزام بتنفيذ القرارات هو معيار الاقتناع الحقيقي بالإطار النقابي و بمبادئه، و بأهدافه. و إلا فإن تغيير الإطار سيكون مسألة سهلة يمكن أن يلجأ إليها النقابي الذي لا يلتزم بالقرارات ، أو ببعضها على الأقل. كما حصل مؤخرا في النقابة الوطنية للتعليم، و كما حصل من قبل في النقابة الوطنية لعمال الفوسفاط، و كما يمكن أن يحصل على مستوى ك.د.ش التي لم يعد بعض النقابيين يلتزمون بقراراتها.
د- إخضاع الممارسة النقابية للتقويم في الإطارات النقابية المختلفة من أجل استثمار الإيجابيات، و العمل على تجنب السلبيات، لأنه بدون ذلك قد تطغى السلبيات على الإيجابيات إلى درجة الاختفاء. فيصبح التحريف هو القاعدة و يصير العمل النقابي محققا لأهداف أخرى. و لذلك كانت و لازالت ضرورة التقويم على جميع المستويات مهمة للحيلولة دون وقوع النقابة في أمور قد تقودها إلى الانطواء و التقوقع، إن لم نقل الاختفاء، لأن التقويم هو لإزالة الأسباب التي تقود إلى ذلك، و تغذية الأسباب التي تقوي النقابة.
ه- الاستفادة من التجارب النقابية الرائدة على المستوى التاريخي، و على مستوى الواقع. و استلهام تلك التجارب في التماس قوة النقابة العمومية و المطلبية و البرنامجية لتحقيق الوحدة النقابية على المستوى التنظيمي و المطلبي و البرنامجي، بالإضافة إلى الاستفادة من تجارب الحركة التقدمية على المستوى المحلي و القومي و العالمي حتى تكون تلك التجارب ملهمة للنقابة و النقابيين في المسيرة النضالية الطويلة .
و بتحقيق هذه الأهداف تستطيع النقابة أن تضمن الحفاظ على العلاقة بين النقابي و السياسي في إطارها الصحيح، و أن تسعى إلى تطوير تلك العلاقة في الاتجاه الذي يقف وراء إذكاء الصراع الطبقي في المجتمع الذي يستفحل فيه الاستغلال إلى درجة مصادرة جزء مهم من القوت اليومي كما يحصل في المجتمع المغربي. و بذلك التطوير يصبح السياسي حاضرا في النقابي، و النقابي حاضرا في السياسي إلى درجة التماثل، و لكن في إطار الجدل القائم بينهما. و تصبح النقابة بذلك أداة رائدة من أدوات الصراع الطبقي الحقيقي في مستواه الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي من أجل حركة عمالية رائدة، و مجتمع متقدم و متطور من أجل ترسيخ الخطوات الأولى في اتجاه تهييئ الشغيلة و معها الشعب الكادح من أجل الانخراط في الحركة التقدمية المناضلة من أجل القضاء النهائي على أسباب الاستغلال الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي، و تحقيق مجتمع متحرر، و ديمقراطي، و عادل، تنعم فيه الشغيلة بكل أسباب الرخاء الاقتصادي و الاجتماعي.
3) الحفاظ على الصرامة في احترام المبادئ، تلك الصرامة التي تبقى غائبة في مجمل الأوقات، و في معظم الإطارات، خاصة و أن جميع النقابيين يتحدثون عن ضرورة احترام المبادئ في الوقت الذي يتساهلون فيما بينهم فيما يخص عدم احترام تلك المبادئ. فالمسؤولون في إطارات النقابة الوطنية للتعليم قد يكونون غير مقتنعين إما :
أ – بمبدأ الديمقراطية التي لا تلقى أي اعتبار في ممارستهم اليومية. و في إطار الأجهزة المسؤولة. فهم يتصرفون، و كان النقابة تابعة للحزب الذي ينتمون إليه أو جزء لا يتجزأ منه، أوكأن النقابة في ملكهم. و مع ذلك لا نجد من يقاوم تلك الممارسة، و حتى إذا حصلت هناك انتفاضة، فإن المنتفضين لا يستطيعون أن يكونوا ديمقراطيين لأنهم يسعون إلى تحويل تبعية النقابة لحزب آخر أو يسعون إلى جعلها جزءا لا يتجزأ منه، أو فرض ملكية النقابة لشخص معين، و هو ما يعني أن مبدأ الديمقراطية غير وارد في الممارسة الفردية و الجماعية، كما حصل في المؤتمر الاستثنائي في يوليوز 2002 حيث تم إجهاض مبدأ الديمقراطية من جديد بدعوى إعلان الثورة ضد جهاز النقابة الوطنية للتعليم السابق الذي يقر الجميع على أنه لا يمارس الديمقراطية.
ب- بمبدأ التقدمية الذي تدل كل الوقائع اليومية على أن استحضار هذا المبدأ غير وارد، فلا البرنامج، و لا المطالب، و لا الأشخاص الذين تسند إليهم المسؤولية في طرح الملف المطلبي، و تنفيذ البرنامج النضالي يمكن لأي منها أو منهم أن يتصف بالتقدمية، خاصة و أن نعرة البورجوازية الصغرى حاضرة في المسلكية الفردية و الجماعية لمعظم الأعضاء القياديين الوطنيين و المحليين الذين يعتبرون أنفسهم المبتدأ و المنتهى. و يعتبرون توظيف النقابة لصالح حزب معين بمثابة مبدأ من المبادئ، كما حصل في مؤتمر يوليوز 2002، و كأن الانتفاضة التي قامت في يونيه 2002 لم تقع ضد توظيف النقابة لصالح حزب آخر. و لذلك فالممارسة المعتمدة في النقابة الوطنية للتعليم التي تعتبر جزءا لا يتجزأ من الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل لا علاقة لها بمبدأ التقدمية لأنها لا تراعي أن يكون العمل النقابي مستهدفا رفع وعي الشغيلة الطبقي، و ربط النقابة بمجمل الحركة التقدمية و قطع الطريق أمام إنتاج الممارسة الرجعية، و أمام الرجعيين، و لأن التقدمية تتناقض مع كل ذلك.
ج- بمبدأ الجماهيرية الذي أخذ يختفي بسبب تعمد جعل النقابة تابعة لهذا الحزب أو ذاك، أو جزء من هذا الحزب أو ذاك، و بسبب تكريس القيادة الفردية التي تفرض تلك التبعية، أو جعل النقابة جزءا لا يتجزأ من الحزب. فمبدأ الجماهيرية لا يتحقق إلا بتحقق المبادئ الأخرى. و هو لذلك يختفي عندما تختفي الممارسة الديمقراطية، و تختفي التقدمية و الاستقلالية. فالجماهيرية المستهدفة بالعمل النقابي، و خاصة في قطاع التعليم لم تعد تلك الجماهير التي لا تحلل، و لا تناقش، و لا يكون لها رأي فيما يجري. إنها تدرك الممارسة و خلفياتها، و تقرر الانخراط فيها، و الابتعاد عنها، فبقدر ما تحترم المبادئ تتحقق جماهيرية النقابة، و بقدر ما يتراجع احترام المبادئ أو يتوقف تتراجع الجماهيرية أو تتوقف.
د- بمبدأ الاستقلالية الذي لا يتحقق إلا في إطار الاحترام الكامل لديمقراطية النقابة، و تقدميتها و جماهيريتها. فالاستقلالية ممارسة نقابية تقدمية تتعارض مع سيطرة القائد و مع تبعية النقابة لحزب معين، و مع جعلها جزءا منه، ، كما تتعارض مع الممارسة البيروقراطية، و هو ما يجعل الشغيلة التعليمية تنسحب من النقابة، و تتوقف عن التعاطي مع الإطار النقابي. لأن المسؤولين في الأجهزة النقابية المنتمين إلى حزب معين يعملون على جعل النقابة مجالا لتصريف التوجه الحزبي أو إطارا حزبيا خالصا لتختفي بذلك الاستقلالية فيشعر النقابيون وكأنهم وجدوا تلقائيا في حزب لا يقتنعون بالانتماء إليه فينسحبون من النقابة تعبيرا منهم عن الانتماء إلى حزب معين . و لذلك فاستقلالية النقابة تعتبر عصب المبادئ الأخرى، لأنها إذا تحققت تصبح النقابة مجالا لاحترام المبادئ الأخرى. و إذا لم تتحقق يختفي حضور المبادئ الأخرى.
و الصرامة في احترام المبادئ الأربعة يعتبر أمرا ضروريا لتجنب تقزيم النقابة و انحسارها، و للعمل على تحقيق مبدأ الوحدة النقابية على جميع المستويات التنظيمية، و المطلبية، و النضالية، و مبدأ الوحدة النقابية الذي لا يعني إلا التعبير السليم عن إرادة الشغيلة التعليمية، و التجسيد الفعلي لتلك الإرادة على المستوى التنظيمي و المطلبي و النضالي من أجل نقابة مناضلة، من أجل تحسين الأوضاع المادية المعنوية للشغيلة التعليمية التي أصبحت تفتقد القدرة على الصمود نظرا لما آلت إليه وضعية النقابة الوطنية للتعليم.
4) احترام الضوابط المنظمة للعمل النقابي، لأن كل ما هو منصوص عليه في القوانين التنظيمية يدخل في إطار تلك الضوابط التي يجب احترامها سواء تعلق الأمر بالأجهزة التقريرية أو التنظيمية محليا و إقليميا و جهويا و وطنيا. و من تلك الضوابط التي يجب استحضارها، و احترامها في الممارسة النقابية اليومية في إطار النقابة الوطنية للتعليم نجد :
أ – ضرورة احترام المهام الموكولة إلى كل إطار تنظيمي و عدم تجاوزها إلى المهام الموكولة إلى الإطارات الأخرى. فالمهام الموكولة إلى لجنة المؤسسة منصوص عليها. و المهام الموكولة إلى مجلس الفرع ليست هي الموكولة إلى مكتب الفرع، و المهام الموكولة إلى المجلس الوطني تختلف عن مهام اللجنة الإدارية و المكتب الوطني. لأن القيام بمهام غير المهام المنصوص عليها في القانون الأساسي و الداخلي يوقع في أمور غير الأمور التي كانت متوخاة من تحديد المهام، و بالتالي فإن التنظيم النقابي سيعرف تعثرا، و سيعرف فوضى عارمة تجعل النقابة و العمل النقابي غير قابلين للتطور.
ب- خضوع الأقلية لإرادة الأغلبية، باعتباره ضابطا تنظيميا يهدف إلى ترسيخ الممارسة الديمقراطية القائمة على الوضوح النظري. لأن كل ما يطرح في النقابة يخضع للنقاش و يهدف إلى جعل كل عضو في النقابة على بينة مما يجري و يبدي رأيه فيه. و بالتالي فإن الآراء المختلفة قد تبلور توجها يحظى بأغلبية الحاضرين مما يفرض على التوجهات الأخرى التراجع إلى الوراء، و القبول به سعيا إلى الحفاظ على الوحدة النقابية التي تتحقق بها قوة النقابة، و قوة الشغيلة التعليمية في نفس الوقت.
ج- إعادة الهيكلة في وقتها المحدد في القانون تجنبا لتحويل النقابة إلى إطار بيروقراطي انطلاقا من لجنة المؤسسة، و انتهاء بالمكتب الوطني و مرورا بالأجهزة المحلية و الجهوية و الوطنية حتى تعكس تلك الأجهزة التحول النوعي و الكمي الذي تعرفه الشغيلة التعليمية باستمرار حتى تجدد الهياكل تبعا لتجدد الأجيال في قطاع التعليم حتى لا يبقى جيل معين مسيطرا على الأجهزة النقابية لصالحه ضدا على مصالح الأجيال اللاحقة لتكون النقابة إطارا يساعد على التحول، و يجسده باستمرار. و لذلك فإعادة الهيكلة داخل الأجل المنصوص عليه في القانون يعتبر ضروريا للحفاظ على تجدد دماء النقابة، و قدرتها على استيعاب الأجيال الجديدة.
د- عقد المؤتمر الوطني في الوقت المحدد تجنبا لشيخوخة التنظيم، لأن إطالة المدة بين مؤتمر و مؤتمر موالي تؤدي إلى جعل النقابة في شبه الجمود. و بالتالي فإن تفريخ الممارسات التحريفية سيبقى واردا، و الباعث على إطالة المدة بين مؤتمر و آخر لا حق برجع إلى حاجة القيادة إلى فرض ممارستها المتمثلة في إدامة السيطرة الحزبية على النقابة، و بقاء النقابة تابعة للحزب أو جزءا لا يتجزأ منه. و حتى لا تخضع ممارسة القيادة النقابية للنقد، فإن القيادة النقابية تلجأ إلى إنضاج الشروط الذاتية المؤدية إلى تأبيد سيطرتها على النقابة، و الظهور بمظهر الحريص على مصلحة الشغيلة التعليمية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية بينما نجد أن الواقع غير ذلك.
و لذلك فعقد المؤتمر في وقته المحدد يعتبر أمرا ضروريا و أساسيا يمكن الشغيلة من تتويج إعادة الهيكلة التي تتم على المستوى الوطني، من أجل إفراز قيادة جديدة في مستوى التطلعات المعقودة على إطار النقابة الوطنية للتعليم، و التخلص من الأمراض التي تؤدي إلى تحريف العمل النقابي عن مساره الصحيح و إلى تراجع الأداء النقابي.
ه-إعادة انظر في الأدبيات النقابية، من أجل جعلها تستجيب للتحولات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية حتى تبقى النقابة في مستوى تلك التحولات. و من العوامل المؤدية إلى جعلها في صالح الشغيلة التعليمية. فأدبيات النقابة الوطنية للتعليم تتسم بالآنية، و بالتالي : فإن فرض إعادة النظر فيها يؤدي إلى تحيينها، و إلا فإنها تفقد صلاحيتها للاعتماد في المرجعية الموجهة للممارسة النقابية اليومية.
و هكذا نجد أن احترام الضوابط التنظيمية يعتبر شرطا للأداء النقابي السليم، و وسيلة لجعل النقابة تحافظ على قوتها التنظيمية، و على فعلها في الساحة النقابية، و على دورها في جدة تنظيم الشغيلة التعليمية في إطارها، و من أجل جعل النقابة الوطنية للتعليم رائدة في العمل النقابي الصحيح، و مثالا للاقتداء، و منبرا لبث الوعي النقابي الصحيح في صفوف الشغيلة.
5) تحديد مدة تحمل المسؤولية في الجهاز النقابي القيادي سعيا إلى تجنب ربط النقابة بالأشخاص، بدل ربطها بالمبادئ، و بالضوابط، وبالمطالب، و بالبرامج. فمأساة العمل النقابي في المغرب تكمن في جعل القائد مؤبدا كما حصل في الاتحاد المغربي للشغل، و في ك.د.ش، و في الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، فالقائد النقابي هو هو، لا يتبدل ولا يتغير، و لا يتزحزح من مكانه، و لا تهمه إرادة الشغيلة في تغييره، فكأنه خلق ليكون قائدا نقابيا، و كأن النقابة نظمت ليكون قائدها. و هو أمر لا يمكن وصفه إلا بالعبث و لا علاقة له بإرادة الشغيلة. و هذه الظاهرة لا تخص المركزيات فقط، و إنما تمتد لتصبح قاعدة حتى في القطاعات النقابية بما فيها النقابة الوطنية للتعليم التي تجاوزت ولاية كاتبها العام السابق العقدين، لتشرف على انتهاء العقد الثالث و في الفروع و المكاتب الجهوية حيث نجد تجسد النقابة في أفراد معينين. لتصبح بذلك استدامة القيادة النقابية مرضا سرطانيا لا يمكن التخلص منه إلا بالبتر. و تؤدي القيادة الأبدية إلى إنتاج الأمراض التنظيمية الآتية :
أ – جعل النقابة متجسدة في شخص القائد الذي يتحول إلى بطل أسطوري، يستطيع قيادة النقابة في الاتجاه الذي يراه مناسبا. و ما سوى ذلك لا يمكن أن يعتمد أو يعتد به، إلا إذا تعلق الأمر بجعل الشغيلة تعتقد أن النقابة مبدئية. و في هذه الصيغة يمكن أن يمارس القائد النقابي المحلي، و الاقليمي، و الجهوي، والوطني، القطاعي و المركزي "الديمقراطية" التي يجسدها القائد في الدعوة إلى عقد اجتماعات الهيئات التقريرية، بما فيها عقد المؤتمر و في المكان الذي يحدده، و في الزمن الذي يراه مناسبا و بالسرعة الفائقة التي تتجاوز كل المسافات المحطة عالميا، لا لتقويم العمل النقابي، و لا للسعي إلى جعل النقابة رائدة في قيادة نضالات الشغيلة المطلبية، و لا لإعادة النظر في الأدبيات النقابية من اجل تحيينها و تطويرها، بل من أجل إعطاء الشرعية لتأبيد سيطرة القائد على النقابة ليتكرس بذلك تجسيد النقابة في شخص القائد النقابي المؤبد.
ب- جعل الممارسة البيروقراطية هي السائدة في الممارسة النقابية اليومية، نظرا لارتباطها بتأييد سيطرة القائد حتى لا تنفلت النقابة من بين سيطرته، و لا داعي هنا لأن نجعل البيروقراطية مقتصرة على الاتحاد المغربي للشغل فقط، بل جميع القيادات النقابية تلجأ إلى تكريس الممارسة البيروقراطية باعتبارها وسيلة لتحقيق أهداف القائد النقابي في النقابة، و بها و للتغطية على ممارساته التي قد تنكشف لو تم إفساح المجال أمام الممارسة الديمقراطية في أجهزة النقابة و على جميع المستويات. فالبيروقراطية تؤهل القائد للتفاوض بصفته الشخصية، و دون الرجوع إلى الأجهزة النقابية التقريرية، و التنفيذية سواء تعلق الأمر بالتفاوض مع الحكومة أو مع أجهزتها، أو مع الباطرونا أو منظمات نقابية أو حزبية، وطنية أو قومية أو عالمية. و هو ما يترتب عنه إمكانية استغلال النقابة للحسابات الشخصية الضيقة، و العمل على ممارسة الابتزاز على جميع الأطراف الأخرى سعيا إلى تحقيق الثروات الهائلة.
ج- جعل النقابة ذيلا لحزب معين، أو جزءا لا يتجزأ منه، و هذه الممارسة لا يمكن أن يقوم بها إلا قائد بيروقراطي يعتبر النقابة ملكا له، و النقابيين مجرد أتباع يتلقون الأوامر و ينفذونها. و بناء على هذا الأساس فالقائد النقابي ينقل التوجيه الحزبي إلى النقابة، و يستنسخ القرارات الحزبية لتتحول إلى قرارات نقابية، و يجعل النقابة مجالا للهرولة في اتجاه الحزب، أو مجالا لقيام الحزبيين بالاستقطاب الفج للحزب، و بالتالي، فإن ما تقوم به النقابة، فبإرادة الحزب المختزلة في إرادة القائد النقابي كما حصل و يحصل في تاريخ و ممارسة ك.د.ش اليومية، وفي تاريخ و ممارسة ن.و.ت اليومية أيضا.
د- توظيف النقابة لإكساب القائد مكانة أساسية داخل الحزب الذي ينتمي إليه، و دعم توجهه لتتحول النقابة كما حصل في التسعينيات من القرن العشرين إلى إطار للتعبير عن توجه القائد داخل حزبه، و الوقوف وراء فرض قرارات معينة داخل ذلك الحزب، و في مفاوضاته مع الجهات الرسمية و مع الأحزاب الحليفة من أجل احتلال الحزب مكانة مهمة تجعل الحزب مؤهلا لتحمل مسؤولية محددة كما حصل مع مجيء حكومة التناوب المخزني المتبخرة، و التي احتل فيها الحزب السابق لقائد ك.د.ش، و حزب قائد ن.و.ت المكانة المهمة و الأولى في تلك الحكومة.
ه- تحويلها إلى إطار للإعداد لتأسيس حزب معين كما حصل مؤخرا عندما تم توظيف ك.د.ش في تأسيس حزب الكاتب العام لك.د.ش. و هذه الممارسة تتنافى جملة و تفصيلا مع استقلالية النقابة، و تنسجم مع اعتقاد القائد النقابي أن النقابة في ملكه، يفعل بها ما يشاء، و يوظفها كما يشاء. و هو لذلك بجعل النقابة مجالا للاستقطاب الفج نحو الحزب الذي أسسه. و قد يقول قائل إن الحزب المؤسس يعتبر امتدادا للحزب الأصل. و قول كهذا يمكن القبول به لو كانت النقابة مستقلة، و لو لم يكن الصراع على الأجهزة من أجل توظيف النقابة لتقوية توجه معين ضد توجه آخر، أو من أجل تحويل ذلك التوجه إلى حزب قائم على أرض الواقع.
و انطلاقا من عرض هذه الأمراض التي أصبحت شائعة في إطار النقابة الوطنية للتعليم، و في قطاعات ك.د.ش الأخرى و في ك.د.ش نفسها، نصل إلى أن تصحيح المسار النقابي يتوقف على تحديد مسؤولية القيادة النقابية في مدة محددة لا تتجاوز بين ثلاث مؤتمرات ينعقد كل منها في المدة المنصوص عليها في إطار القوانين التنظيمية، و التي لا تتجاوز ثلاث أو أربع سنوات، كما هو معمول به في إطار نقابة هيئات المحامين بالمغرب، و في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، حيث لا مجال للحديث عن القائد الدائم، كما انه لا مجال للحديث عن تجميد تجديد هياكل التنظيم. و بذلك نتجنب ظهور الأمراض التنظيمية التي رصدناها انطلاقا من قيامها في واقع النقابة الوطنية للتعليم، و في ك.د.ش.
6) الاهتمام بالملف المطلبي لجميع شرائح قطاع التعليم هذا الاهتمام الذي قامت على أساسه النقابة الوطنية للتعليم منذ تأسيسها لتحقيق وحدة الشغيلة التعليمية من جهة و للدفع في اتجاه انخراط جميع الفئات التعليمية في النضال من أجل تحسين الأوضاع المادية و المعنوية. فقد كنا نجد حضورا مكثفا للمطالب المتعلقة بالفئات المصنفة في السلاليم الدنيا بل كنا نجد حتى المطالب المتعلقة بربات بيوت رجال التعليم اللواتي يلعبن دورا أساسيا في نجاح العملية التعليمية/التعلمية بطريقة غير مباشرة لتوفيرهن شروط الإعداد و الاستعداد لأزواجهن من رجال التعليم. غير أن التحول الذي عرفه المجتمع، و شيوع مرض التطلع في الواقع التعليمي، و ازدهار أحزاب البورجوازية الصغرى، و تأثير تلك البورجوازية في قطاع التعليم، و سيطرة المنتمين إلى أحزابها على الأجهزة النقابية، قد قاد إلى تقديم النقابة الوطنية للتعليم للمزيد من التنازلات المتمثلة في التخلي عن مجموعة من المطالب الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية تنفيذا للتوجهات الحزبية، و إرضاء للطبقة الحاكمة.
و ممارسة كهذه ليست غريبة عن المنتمين إلى أحزاب البورجوازية الصغرى الذين يتصفون بعدم الإخلاص حتى للشعارات التي ينتجونها، و ينساقون وراء مصالحهم الآنية التي تقتضيها العلاقة بين أحزابهم، و بين الطبقة الحاكمة، و المؤسسة المخزنية. فشعار الارتباط العضوي بالطبقة العاملة المغربية لم يعد واردا لأنه بدل أن يبقى شعارا استراتيجيا، تعامل معه المنتمون إلى أحزاب البورجوازية الصغرى على انه مجرد تاكتيك يهدف إلى الاستعانة بالطبقة العاملة للضغط على الطبقة الحاكمة، و المؤسسة المخزنية، لإرضاء أحزاب البورجوازية الصغرى، و هو ما حصل خلال السبعينيات و الثمانينيات من القرن العشرين. و في التسعينيات من نفس القرن بدأ التراجع عن هذا الشعار خاصة و أن أحزاب البورجوازية الصغرى التي ارتبطت عضويا مع الطبقة الحاكمة ، و مع المؤسسة المخزنية بسبب وحدة المصالح، لم يعد من مصلحتها طرح شعار الارتباط العضوي بالطبقة العاملة المغربية، لأنه استنفذ دوره بالنسبة لتلك الأحزاب، خاصة و أن الاتحاد السوفياتي قد انهار، و لم يعد هناك معسكر اشتراكي يرهب الطبقة الحاكمة و المؤسسة المخزنية، و الاستمرار في طرح الشعار معناه، دعم الاتجاه العمالي في النقابة الوطنية للتعليم، و هو ما لا ترغب فيه أحزاب البورجوازية الصغرى، و ستحاربه بلا هوادة، و قد تم طرح هذا الشعار من جديد بعد انتفاضة 12 يونيه 2002 من طرف المعارضين للقيادة النقابية في إطار النقابة الوطنية للتعليم، لا من أجل استعادة مجد الارتباط بالطبقة العاملة المغربية كما قد نعتقد، بل من اجل إعطاء الشرعية لعملية إلزام النقابة الوطنية للتعليم بالخضوع إلى القيادة الكونفيدرالية التي لعبت دورا كبيرا في تغييب ذلك الشعار، و التخلي عن الارتباط بالطبقة العاملة المغربية تنفيذا للتوجيه الحزبي، و خدمة للطبقة الحاكمة، و للمصلحة الطبقية للقيادة النقابية، و نخاف أن يكون طرحه مجرد تاكتيك لإعطاء الشرعية للممارسة البيروقراطية التي تكرسها القيادة الكونفيدرالية في جميع القطاعات المنضوية تحت لواء ك.د.ش حتى لا تنفلت من الانضباط في إطارها. بل حتى لا تنفلت من الخضوع للحزب الذي وقفت القيادة النقابية وراء تأسيسه بسبب ما حصل في الحزب الأصل.
و التعامل التاكتيكي الذي كان و لازال سائدا في النقابة الوطنية للتعليم حتى في صيغتها الجديدة هو الذي قاد إلى تكريس انتفاع الفئات المصنفة في السلاليم العليا الذين يشكلون قلة في قطاع التعليم، و المحافظة على الواقع المتردي للفئات التعليمية المصنفة في السلاليم الدنيا كنتيجة للاهتمام بتلبية مطالب المصنفين في السلاليم العليا، و إهمال المصنفين في السلاليم الدنيا في المفاوضات الاجتماعية، و خاصة في الصفقة الأخيرة التي قادت إلى قيام انتفاضة ضد قيادة النقابة الوطنية للتعليم.
فلماذا لا تحرص القيادة النقابية على الاهتمام بمطالب الفئات الدنيا من الشغيلة التعليمية ؟
إن الجواب على هذا السؤال سيوضح لنا أن الغاية من العمل النقابي لا تكمن في العمل من أجل تقوية النقابة، و إشعار الشغيلة التعليمية بمكانتها، و ضرورة الحرص على وحدتها، بقدر ما تمكن في جعل النقابة مجالا لاستقطاب المرضى بالتطلع البورجوازي إلى الحزب الذي يمتلأ أصلا بهذا النوع من البشر التعليمي الذي لا يعتبر النقابة إلا معبرا إلى الحزب الذي يوصل إلى عضوية المجالس المختلفة التي تؤدي إلى التسريع بالانتفاخ و الالتحاق بالبورجوازية الكبرى. و لذلك لا نستغرب إذا قام القياديون النقابيون المنتمون أصلا إلى المصنفين في السلاليم العليا بالدفاع عن مصالح الفئات التي ينتمون إليها، و إهمالها لمطالب الفئات المصنفة في السلاليم الدنيا الذين تتشابه وضعيتهم مع وضعية الطبقة العاملة، و بالتالي، و حسب هذه الممارسة. فإن النقابة الوطنية للتعليم تحولت إلى إطار لتكريس الطبقية في صفوف الشغيلة التعليمية. فهناك طبقة السلاليم العليا، و طبقة السلاليم الدنيا. و أحزاب البورجوازية الصغرى ليس من مصلحتها أن تتغذى من المصنفين في السلاليم الدنيا لكونهم لا يفيدون تلك الأحزاب في شيء. و لذلك فالاهتمام بهم غير وارد، و نتمنى أن تكون النقابة الوطنية للتعليم بعد المؤتمر الاستثنائي التنظيمي في مستوى مواجهة هذا التردي الذي عرفته الاهتمامات التنظيمية من قبل، حتى يجد المصنفون في السلاليم الدنيا مكانتهم في النقابة الوطنية للتعليم التي تعتبر جزءا لا يتجزأ من الك.د.ش، و بالتالي فإن إعادة الاعتبار لشعار الارتباط العضوي بالطبقة العاملة المغربية من خلال ذلك الاهتمام يبقى واردا لأنه بواسطته يتم وضع حد لاعتبار النقابة مجالا لاستقطاب الشرائح العليا من الشغيلة التعليمية إلى حزب القيادة النقابية، و بالتالي فإن الاهتمام بمطالب الكادحين يبقى من أولى الأولويات في إطار النقابة الوطنية للتعليم و في إطار ك.د.ش، و ما سوى ذلك ليس إلا ممارسة تحريفية يجب التصدي لها بكل الوسائل الممكنة حتى تحافظ على الهوية النضالية للنقابة الوطنية للتعليم.
7) إشراف القيادة النقابية المباشر على هيكلة الفروع المحلية و الإقليمية و الجهوية، عبر مؤتمرات تنظيمية يحضرها ممثلو المنخرطين، وفق مقاييس محددة لا يمكن تجاوزها في جميع المستويات بعيدا عن كل حسابات حزبية ضيقة. لأن ما يحضر لحد الآن هو الحسابات الحزبية الضيقة سواء تعلق الأمر بالهيكلة أو بغيرها من وضع الملفات المطلبية، و صياغة البرنامج التنظيمي… الخ مما يجعل العمل النقابي ممارسة حزبية كاملة، و هو ما يجب تجنبه لإعادة الاعتبار للعمل النقابي. لكن من هي القيادة التي تكون مخلصة للنقابة، و للعمل النقابي الصحيح ؟ هل هي القيادة التي كانت قائمة و التي أفرزها المؤتمر الوطني السابع ؟ أم هي القيادة التي أفرزها المؤتمر الاستثنائي التنظيمي ؟
إن القيادة التي أفرزها المؤتمر الوطني السابع قادت النقابة إلى التحزيب المهجن، و التحزيب المهجن لا نعني به إلا استغلال النقابة للوصول إلى عضوية حزب القائد النقابي الذي يمكن أن يصبح طريقا إلى الوصول إلى المؤسسات المزورة باعتبارها وسيلة لتحقيق التطلعات البورجوازية على حساب الشغيلة التعليمية.
أما القيادة التي أفرزها المؤتمر الاستثنائي التنظيمي فهي تدعي أنها قيادة تصحيحية. و نحن لا ننازعها كونها قيادة تصحيحية، إلا أننا نتمنى أن يكون شعار التصحيح ممارسا فعلا على أرض الواقع، و هو ما لا نراه بأم أعيننا. لأن الممارسة المنجزة أثناء المؤتمر الاستثنائي التنظيمي ليست تصحيحية جملة و تفصيلا، و تشكيلة القيادة الوطنية تكشف بوضوح أن التصحيح ليس إلا شعارا للاستهلاك. و لذلك فتفرغ النقابة الوطنية للتعليم بصيغة المؤتمر الاستثنائي التنظيمي لممارسة التوجيه الحزبي باعتبارها تابعة لحزب الكاتب العام لك.د.ش أو جزءا لا يتجزأ من ذلك الحزب سيبقى واردا على المدى المتوسط و البعيد، كما هو قائم في الواقع. و هو ما سيؤدي إلى المزيد من إضعاف النقابة، و جعلها غير قادرة على التوسع، و ساعية إلى جعل العمل الحزبي ممارسة نقابية يومية.
و لاشك أن المتضرر الأول من الممارسة النقابية في الصيغتين معا هو الشغيلة التعليمية، التي سوف تبقى بدون نقابة مبدئية و قوية، و قائدة للنضالات المطلبية في أفق تحسين أوضاعها المادية و المعنوية، و سوف يطرح عليها أن تناضل من أجل تصحيح المسار النقابي في جميع الإطارات النقابية و خاصة تلك التي تعتبر نفسها جزا لا يتجزأ من ك.د.ش باعتبارها نقابة جاءت لاستمرار تصحيح العمل النقابي. و نضال من هذا النوع يعتبر مسألة ضرورية في مثل هذه الشروط التي تعيشها النقابة الوطنية للتعليم بشقيها و تعيشها معها في نفس الوقت الك.د.ش إلا أنه سيدخل النقابة في متاهة صراع يصعب الخروج منه بسبب طبيعة الفئات المنظمة في إطار ك.د.ش بصفة عامة، و في إطار النقابة الوطنية للتعليم بصفة خاصة ، المنتمية إلى شرائح البورجوازية الصغرى المريضة بالتطلع، و حب الذات و التعصب إلى الرأي، و الحرص على توظيف النقابة في الأمور الحزبية الضيقة التي تعتبر وسيلة للوصول إلى المؤسسات التي تساعد على تحقيق التطلعات البورجوازية الصغرى التي لا تعني إلا الالتحاق بالبورجوازية الكبرى على مستوى الدخل الفردي، و لا على مستوى ملكية وسائل الإنتاج.
و حتى يكون خوض الصراع من أجل التصحيح ديمقراطيا يجب الحرص على مبدئية النقابة، و العمل النقابي، و على الخضوع إلى الضوابط التنظيمية، باعتبار ذلك مدخلا لسلامة السير العادي للتنظيم النقابي.
و لذلك فإشراف القيادة النقابية المباشر على هيكلة الفروع المحلية، و الإقليمية، و الجهوية عبر مؤتمرات تنظيمية سيجنب التنظيم المعاناة الناتجة عن ظاهرة اللاتنظيم التي أخذت تتفشى في العديد من المناطق تحقيقا لرغبة أشخاص معينين في تأبيد سيطرتهم على النقابة من خلال الاستفراد بالجهاز النقابي.
8) إخضاع الممارسة النقابية العامة و الخاصة للنقاش المستمر من خلال عروض و ندوات محلية و إقليمية و جهوية و وطنية. لأنه إذا كان هناك شيء ينقص النقابة و العمل النقابي هو إخضاع التجربة للتقويم الذي يعتبر وسيلة أساسية لتطهير الممارسة من الأمراض المختلفة الملازمة للممارسة النقابية في إطار ك.د.ش. و بالخصوص في إطار النقابة الوطنية للتعليم بشقيها و تقويم التجربة لا يتم إلا عبر بضع ساعات كما هو منصوص عليه في القوانين التنظيمية. بل لابد من :
أ – عقد ندوات تنظيمية مؤطرة محليا أو جهويا أو وطنيا من أجل إخضاع التجربة للمناقشة، و التشريح مع تجنب ذكر الأسماء، و تجسيد الأخطاء في الأشخاص. و الغاية من الندوة هو إشراك أكبر عدد من الأطر في عملية التقويم التي يجب أن تكون مواكبة للممارسة النقابية من أجل استثمار الإيجابي، و تجنب السلبي في الممارسة المقبلة. و إشراك الأطر المختلفة في الندوات المختلفة يسعى إلى وضع حد للنظرة الأحادية في العمل النقابي، و جعله قائما على النظرة الجماعية الساعية إلى جعل الممارسة النقابية قائمة على القيادة الجماعية.
ب- إنجاز عروض دراسية للوضعية النقابية على المستوى المحلي و الإقليمي و الجهوي و الوطني حتى تكون الشغيلة على بينة من الواقع النقابي سواء تعلق ذلك بالجانب التنظيمي، أو الجانب المطلبي ، او الجانب النضالي بهدف إشاعة أشكال الوعي النقابي التنظيمي و المطلبي و النضالي بين الشغيلة بصفة عامة، و الشغيلة التعليمية بصفة خاصة. و إشاعة ذلك الوعي يعتبر ثمرة للدراسة المتأنية للوضعية النقابية التي يجب أن تواكب العمل النقابي في مختلف مستوياته من أجل تحصينه من كل أشكال التحريف، و في نفس الوقت من أجل العمل على تطوره و تطويره.
ج- إنجاز عروض حول تطور النقابة و العمل النقابي منذ النشأة و إلى الآن سعيا إلى جعل الطبقة العاملة، و سائر الشغيلة و خاصة الشغيلة التعليمية على بينة من الشروط الموضوعية التي أدت إلى ظهور العمل النقابي في التاريخ البشري، و المراحل التي مر منها، و علاقة كل مرحلة بالتطور الاقتصادي، و الاجتماعي، و الثقافي، و السياسي، و دور النقابة في إذكاء الصراع بين الطبقات الاجتماعية في كل مرحلة تاريخية، و ما مدى مساهمتها في التحول الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي في كل مرحلة، و إلى أي حد تكون النقابة في كل مرحلة مخلصة لقضايا الشغيلة.
د- دراسة التجارب النقابية عبر العالم سواء تعلق الأمر بالشرق أو بالغرب، و سواء تعلق الأمر بالتجارب الناجحة و أسباب نجاحها أو بالتجارب الفاشلة و أسباب فشلها، و تقديم عروض عن كل ذلك من أجل جعل الشغيلة تستفيد منه في ممارستها اليومية التي يفترض فيها أن تكون غنية بالعطاءات و التضحيات.
و الغاية من دراسة التجارب النقابية هي تحقيق الشعور بوحدة المعاناة، و وحدة الهدف، و وحدة المصير بالنسبة للشغيلة حتى تتحقق وحدة النضال "يا عمال العالم اتحدوا".
ه- دراسة تفاعل الحركة النقابية مع الحركة السياسية عبر العالم سواء تعلق الأمر بالتجارب الاشتراكية، أو بالتجارب الرأسمالية، و تقديم عروض عن كل ذلك، إما بشكل مجمل أو بالوقوف على حالات محددة من اجل جعل الشغيلة تدرك نجاعة التفاعل الإيجابي بين الحركة النقابية و الحركة السياسية، و استثمار ذلك التفاعل لصالح استفادة الشغيلة المادية و المعنوية و جعلها تنخرط في العمل السياسي من بابه الواسع.
و- دراسة التجارب الاشتراكية التي عرفها التاريخ الحديث و التي لازالت قائمة لحد الآن باعتبارها تجارب حققتها الشغيلة عبر نضالاتها المريرة في البلدان المعنية بتلك التجارب لجعل الشغيلة تنتقل إلى مستوى الحلم حتى لا تبقى حبيسة الألم، و المعاناة، و تسعى بانخراطها في العمل السياسي إلى بناء أدواتها الثورية التي تقود صراعها نحو تحقيق تجربتها في الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية.
و بذلك تصبح الممارسة النقابية للشغيلة التعليمية غنية بالفكر النقدي الذي هو أساس كل تقويم يستهدفها، مما يساهم في تطويرها في علاقتها بالحركة السياسية المغربية التي يجب أن تتميز بنزوعها نحو الحرص على تحقيق نظام سياسي تكون فيه السيادة للشعب المغربي الكادح و طليعته الطبقة العاملة، و بدون ذلك تبقى الممارسة النقابية في إطار ك.د.ش، و في إطار ن.و.ت بالخصوص متمادية في إنتاج الأخطاء القاتلة التي لم تعد مجردة من الافتعال المقصود من قبل القياديين النقابيين لصالح إضعاف العمل النقابي، و تيئيس الشغيلة خدمة للطبقة الحاكمة التي لا تتوانى في إرضاء القياديين النقابيين عن طريق إدماجهم في النظام السياسي القائم، و جعلهم جزءا لا يتجزأ منه، في ظل الشروط المتردية.
9) تفعيل المحاسبة الفردية و الجماعية، و مبدأ النقد، و النقد الذاتي لتحويل النقابة إلى إطار تربوي، لأن التقويم بدون محاسبة، و بدون نقد لا يحقق الهدف منه، خاصة و أن مؤسسة النقابة هي مؤسسة تربوية بالدرجة الأولى. و الشغيلة عندما تنخرط في النقابة تخضع لمجموعة من التحولات الفكرية و الوجدانية و التربوية.
فمن التحولات الفكرية نجد أن التشغيل يدخل مباشرة في عملية النمو الفكري المستمر و المتعلق بقضايا القطاع الذي ينتمي له ذلك الشغيل، ثم بقضايا القطاعات المتجانسة ثم بقضايا الشغيلة بصفة عامة و معلوم أن الاهتمام بمختلف القضايا يؤدي إلى معرفة جذورها، و مكوناتها. و من أجل تطويرها، و آفاق ما قد تصبح عليه، و هو ما يترتب عنه توليد أفكار جديدة تعكس تصور الشغيل و رؤياه لمختلف القضايا، مما يساعده على المساهمة في تطوير النقابة و العمل النقابي، سواء تعلق الأمر بالقطاع الذي ينتمي إليه، أو بالمركزية.
و على المستوى الوجداني، نجد ان النقابة تعتبر إطارا لوجود شعور بوحدة القطاع، و وحدة المصير، و وحدة الهدف كنتيجة لوحدة التنظيم، و رعاية هذا الشعور و المحافظة عليه، وتطويره و إنضاج شروط تطوره يعتبر وسيلة أساسية بالنسبة للشغيلة التعليمية لتحقيق الارتباط العضوي بالطبقة العاملة، و باقي شرائح الشغيلة الأخرى في إطار المركزية النقابية الك.د.ش. و على المستوى المطلبي و النضالي الذي تفرضه وحدة الهدف و وحدة المصير. و هذا الشعور بضرورة الوحدة هو الذي يقود إلى التجسيد الفعلي لشعار " يا عمال العالم اتحدوا " الذي نترجمه إلى شعار " يا شغيلة العالم اتحدوا ".
و على المستوى التربوي، فالشغيل لا يبقى مكتوف الأيدي، بل لابد أن يخضع لتهذيب نفسه، و جعل سلوكه متطورا لأن التحول الفكري و الوجداني لابد أن يوازيه تحول في السلوك بسبب ما يحصل من احتكاك يومي بين أفراد الشغيلة في إطار النقابة التي يفترض فيها أن تملك منظومة تربوية اقتصادية و اجتماعية و ثقافية تمكنها من القدرة على توجيه ممارسة الشغيلة في الاتجاه الصحيح. و هذا التوجيه لا يمكن اعتباره إلا ممارسة تربوية تقوم بها النقابة لإيجاد شغيلة من نوع جديد.
و من خلال الممارسة النقابية العامة و القطاعية نجد ضرورة التتبع من اجل محاصرة الأمراض المختلفة التي قد تنتجها الممارسة النقابية الفردية و الجماعية.
و قد توصلت البشرية إلى ابتداع أدوات للحد من ممارسة و إنتاج الأمراض في مختلف الإطارات بما فيها إطار النقابة المركزية أو القطاعية. و من هذه الأدوات :
أ – المحاسبة الفردية التي تأتي نتيجة لتوزيع المهام و التي تؤدي إلى مساءلة الأفراد حول المهام التي أوكل إليهم القيام بها في إطار الجهاز الذي كلفهم بتلك المهام، و محاسبتهم على مستوى الإنجاز أو عدم الإنجاز. و ماذا يجب عمله لتجاوز تلك المعيقات.
ب- المحاسبة الجماعية الموجهة من طرف جهاز تقريري إلى جهاز تنفيذي من اجل الوقوف على ديناميته، أو جموده. و هل أنجز المهام التي أوكلت إليه أم لا؟ و ما هي شروط الإنجاز أو عدم الإنجاز ؟ و هل هي شروط موضوعية أو ذاتية ؟ و هل يقوم الجهاز التقريري بتتبع عمل الجهاز التنفيذي ؟ أم أنه لا يفعل ذلك ؟ و لماذا لم تشكل لجن وظيفية من طرف الجهاز التقريري لإنجاز مهام معينة تحت إشراف الجهاز التنفيذي ؟ و هل من المعقول اعتبار الجهاز التنفيذي مسؤولا عن العمل النقابي بعد تجاوز المدة المنصوص عليها في إطار القوانين التنظيمية ؟
ج- و في حالة ثبوت عدم قيام الأفراد و الأجهزة بالمهام الموكولة إليهم، فإن توجيه النقد يعتبر مسألة ضرورية من أجل جعل الأفراد و الأجهزة يتجاوزون وضعية عدم القيام بإنجاز المهام، و النقد الموجه يجب أن يكون مصحوبا بالحجج و البراهين التي تثبت عدم قيام الأفراد و الأجهزة بالمهام الموكولة إليهم حتى يقتنع المعنيون بضرورة ذلك النقد. كما يجب أن يستهدف تقوية التنظيم من خلال جعل الأفراد و الأجهزة ينجزون المهام التي يكلفون بها، و في شروط احسن. و النقد من هذا النوع لا يمكن أن يكون إلا بناء. أما النقد الهدام الذي يسعى إلى النيل من الأشخاص و من الأجهزة فلا داعي له. لأنه لا ينتج إلا تخريب العمل النقابي. أما إذا ثبتت عمالة الأفراد و الأجهزة، فلا داعي إلى ذلك النقد بل يجب اتخاذ إجراءات التطهير التي تساعد على سلامة بنية النقابة من عوامل التخريب.
د- و إذا ثبتت الممارسة بالحجة و البرهان في حق الأفراد أو الأجهزة فإن عليهم أن يقدموا نقدا ذاتيا باعتباره وسيلة للاعتراف المسؤول بالتقصير، و عدم القيام بالمهام الموكولة إليهم في الآجال، و في الأماكن المحددة، و اعتراف من هذا النوع هو ضمانة الاستمرار في تحمل المسؤولية، و في القيام بنفس المهام و في نفس الأجهزة. و إلا فإن عدم تقديم النقد الذاتي سيترتب عنه إلزام الأشخاص أو الأجهزة بتقديم استقالتهم. و إلا فإن إقالتهم ستصبح ضرورية لتجنب الممارسة البيروقراطية في إطار التنظيم. و لتجنب وقوع التنظيم ضحية الممارسات التحريفية.
و لذلك نجد أن سلامة التنظيم النقابي في إطار النقابة الوطنية للتعليم رهين بتفعيل المحاسبة الفردية و الجماعية، و بممارسة النقد و النقد الذاتي لحماية النقابة من تفاحش الأخطاء، و الأفعال المتعمدة المؤدية إلى تجميد العمل النقابي، و إلى تخريبه في نفس الوقت.
10) احترام قرارات الأجهزة التقريرية، و الالتزام بعدم تجاوزها من قبل الأجهزة التنفيذية خاصة و أن هذا الاحترام لم يعد واردا لا في إطار ك.د.ش، و لا في إطار ن.و.ت و لا في باقي الإطارات الكونفيدرالية لأن الأجهزة التنفيذية تتحول في معظم الأحيان إلى أجهزة تقريرية و تنفيذية في نفس الوقت، و على جميع المستويات المحلية، و الإقليمية، و الجهوية، و الوطنية بهدف السعي إلى :
أ – تحويل النقابة إلى جهاز بيروقراطي صرف، يرتبط بإرادة شخص معين، يسعى إلى جعل النقابة جهازا تابعا له يصرف من خلاله الرؤى و التصورات التي تظهر له في المجالات الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و السياسية. و في مجال علاقات العمل، و الأجور و مستوى المعيشة بعيدا عن إرادة النقابيين التي قد تحول دون تصريف الرؤى و التصورات إذا حضرت. فالبيروقراطية مرض يصيب معظم القياديين و مهما كان مستواهم. لأن منصب القيادة يمكن من كل شيء في معظم الأحيان إلا من الديمقراطية.
ب- جعلها إطارا لتصريف التوجيه الحزبي عن طريق التحكم في القيادة النقابية، لأنه بدون ذلك التحكم يصعب ذلك التصريف خاصة و أن الجهاز التقريري قد لا يكون معظم أعضائه قابلين بالتوجيه الحزبي، أو راضين عنه. لذلك فالتمكن من القاعدة و عدم الأخذ بقرارات الأجهزة التقريرية سيقود إلى تمكن القائد من تصريف التوجيه الحزبي كيفما شاء، و دون مقاومة تذكر. كما كان يحصل في الك.د.ش، و في النقابة الوطنية للتعليم بالخصوص، و كما لازال يصل في معظم الإطارات النقابية التابعة للك.د.ش أو المنضوية تحت لوائها أو التي تعتبر نفسها جزءا لا يتجزأ منها على الأقل.
ج- جعلها جزءا لا يتجزأ من الحزب الذي ينتمي إليه القائد، و هو ما جعل النقابة الوطنية للتعليم كذلك. فالقائد النقابي و من باب إخلاصه للحزب الذي ينتمي إليه، إن لم يتواجد في جهازه القيادي، يحرص على أن تكون النقابة مفرخة للحزبيين استعدادا للانتخابات، و لذلك فهو يلجأ إلى تعطيل جميع الأجهزة النقابية، بما فيها الجهاز التنفيذي الذي يتواجد على رأسه إذا تعارض عمل تلك الأجهزة مع جعل النقابة جزءا لا يتجزأ من الحزب. و كنتيجة لذلك التعطيل، فإن البرنامج النقابي يتم رسمه في إطار الأجهزة الحزبية، و حتى إذا تم استدعاء الأجهزة التقريرية فلأجل التمويه فقط و ليس لتقرير ما يجب أن يقوم به الجهاز التنفيذي.
د- جعلها تنسق مع النقابة أو النقابات التي يقودها أشخاص ينتمون إلى أحزاب سياسية تعتبر النقابات جزءا لا يتجزأ منها كما حصل مع الجامعة الحرة للتعليم، و مع الاتحاد العام للشغالين بالمغرب منذ أواخر الثمانينات من القرن العشرين و إلى الآن، حتى يترسخ في أذهان الشغيلة ربط النقابة بالحزب، و تحويل النقابة إلى مجرد إطار حزبي تتقرر ممارسته في الإطارات الحزبية، و لا عبرة فيه للإطارات التقريرية، و لا حتى للإطارات التنفيذية، و يكفي أن يكون القائد من ذلك الحزب حتى يشرف على ترسيم جعل النقابة جزءا لا يتجزأ منه.
و بهذه الممارسات التحريفية التي ترسخت في العمل النقابي، يصبح عدم احترام قرارات الأجهزة التقريرية هو القاعدة، و احترام تلك القرارات هو الاستثناء. و لذلك نجد أن تمركز العمل النقابي، و توجيه الممارسة النقابية في يد قلة قليلة من الأشخاص تتمثل فيهم القيادات المحلية و القيادة الوطنية، يجمعهم جميعا الانتماء إلى حزب معين أو مجموعة من الأحزاب تتفق على جعل البيروقراطية متحكمة في العمل النقابي، و على جعل النقابة جزءا لا يتجزأ من حزب معين. و معلوم أن ممارسة كهذه تقود إلى حصول المزيد من الكوارث التي عرفتها النقابة الوطنية للتعليم و عرفتها الك.د.ش، و ستعرفها في شقيها سواء كان أحد الشقين مستقلا عن ك.د.ش، أو كان الآخر يعتبر نفسه جزءا لا يتجزأ منها، مادامت القيادات لا تحترم قرارات الأجهزة التقريرية التي تعكس إرادة القواعد النقابية، و مادامت لا تلتزم بعدم تجاوزها احتراما لإرادة تلك القواعد.
فقوة النقابة الوطنية للتعليم و الك.د.ش رهينة بخضوع الأقلية لإرادة الأغلبية المتمثلة في الالتزام بقرارات الأجهزة التقريرية، و عدم تجاوزها، و عدم تحويل الجهاز التنفيذي إلى جهاز تقريري، و فرض اعتبار القائد واحدا من الجهاز التنفيذي، و ليس كل مسؤول في النقابة يفعل بها ما يشاء، و يعتبر نفسه هو المبتدأ و المنتهى. و هو السيد و القائد و الموجه و المدمج للنقابة في الحزب و لا راد لأمره. لأن النقابة الوطنية للتعليم عندما تأسست تأسست لتكون مبدئية، و على خلاف ما عليه الجامعة الوطنية للتعليم، و الجامعة الحرة للتعليم لقيام إحداهما على الممارسة البيروقراطية و الأخرى على كونها جزءا لا يتجزأ من الحزب. و تعتبر الممارسة الديمقراطية أساسا، و قوة لجعل القيادة النقابية تحترم قرارات الأجهزة التقريرية و تلتزم بتنفيذها و تحرص على عدم تجاوزها.
11) اتخاذ قرارات زجرية في حق الأجهزة التنفيذية التي تتجاوز المهام الموكولة إليها. و عمل كهذا يعتبر إجراءا تأديبيا، لا تقوم به الأجهزة التقريرية المحلية أو الإقليمية أو الوطنية في حق الأجهزة التنفيذية عندما تدعو الضرورة إلى ذلك حتى تحافظ الأجهزة التقريرية على سلامة النقابة من الممارسات التحريفية المترتبة عن الاستهتار بالقرارات الصادرة عن الأجهزة التقريرية.
لكن قبل اتخاذ الإجراءات الضرورية نرى أنه من اللازم أن يكون هناك جهاز تنظيمي خاص يقوم بتنظيم اجتماعات الجهاز التقريري في المدة المنصوص عليها في القوانين و الأجهزة التنظيمية حتى لا تبقى تلك الصلاحية بين الجهاز التنفيذي الذي قد يعتمد عدم استدعاء الجهاز التقريري لتجنب المحاسبة عن عدم الالتزام بالقرارات الصادرة عن هذا الجهاز كما كان يحصل في النقابة الوطنية للتعليم على جميع المستويات التنظيمية، و كما يحصل في الجهاز المستقل عن ك.د.ش، و في الجهاز التابع لها في نفس الوقت.
و نقترح أن يحمل الجهاز التنظيمي اسم "سكرتارية الجهاز التقريري"، و أن تكون مهمته الإشراف على تطبيق البنود المتعلقة باجتماعات الجهاز التقريري و أن يعد تقريرا مفصلا عن كل اجتماع يضعه رهن إشارة المنخرطين، و أن يبعث بنسخ منه إلى الأجهزة العليا، و أن يكون أعضاء الجهاز لامنتمين، أو متعددي الانتماءات، و أن يعملوا باستقلال تام عن الجهاز التنفيذي الذي لا شأن له به.
و الغاية من إنشاء سكرتارية الجهاز التقريري هي تفعيل هذا الجهاز، و جعله ينجز المهام الموكولة إليه، و خاصة تلك المتعلقة بالمحاسبة الفردية و الجماعية، و النقد و النقد الذاتي على جميع أعضاء المجلس و خاصة أولئك الذين يتحملون مسؤولية الإشراف على تنفيذ القرارات، و يراقب تطبيق القوانين على المستوى التنظيمي، و يفعل لجانه الوظيفية، و يحاسبها على إنجازها المهام الموكولة إليها، و اتخاذ الإجراءات الزجرية في حق المتقاعسين عن إنجاز المهام سواء كانوا أعضاء في المكتب التنفيذي أو في اللجن الوظيفية، أو حتى أعضاء في السكرتارية، و مراقبة مدى شرعية المجلس التقريري نفسه، و العمل على إعادة هيكلة لجان المؤسسات التي استنفذت مدتها حتى يتم وضع حد لظاهرة اللاتنظيم التي تفشت بشكل مفزع في التنظيمات النقابية، و على جميع المستويات مما جعلها مجرد تنظيمات صورية.
و اتخاذ الإجراءات الزجرية في حق المتقاعسين عن إنجاز المهام أو المتطاولين على مهام الأجهزة التقريرية يقتضي من الأجهزة التقريرية العمل على :
أ – القيام بالدراسة المعمقة لمفهوم التنظيم و دوره في تطور البشرية بصفة عامة، و في تطور الطبقات الاجتماعية بصفة خاصة، و في جعل الشغيلة تفرض نفسها كقوة اجتماعية على أرض الواقع بصفة أخص.
ب- الدراسة الجماعية للتنظيم النقابي، و للمراحل التاريخية التي مر منها، و علاقتها بالصراع الطبقي، و دوره في إذكاء ذك الصراع، و ضرورته لحماية مصالح الشغيلة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، و هل يمكن أن يكون بديلا للحزب السياسي، أو تابعا له، أو جزءا منه.
ج- الدراسة الجماعية للقوانين التنظيمية التي تعتمد في تنظيم العلاقة بين المنخرطين فيما بينهم، و بينهم و بين الأجهزة النقابية المختلفة، و بين الأجهزة التقريرية و التنفيذية، و بين الأجهزة المحلية و الوطنية حتى يكون أعضاء المجلس التقريري مستوعبين لكل ذلك، و حريصين على احترام تطبيقه تجنبا لكل ممارسة تحريفية يمكن أن تصدر عن أي جهاز و تقود التنظيم النقابي إلى الخراب.
د- الدراسة المعمقة للقوانين المنظمة للشغل، و طبيعة تلك القوانين، من أجل التصرف في إطارها حتى لا تسقط النقابة فيما يخالفها. و إذا كانت تلك القوانين متخلفة فإن على الجهاز التقريري أن يضع برنامجا للعمل على تغييرها سواء كانت تتعلق بالوظيفة العمومية. أو بالأنظمة الأساسية لمختلف القطاعات، أو قانون الشغل القائم، أو مدونة الشغل المقبلة، حتى يكون أعضاء الجهاز التقريري على بينة من مختلف القوانين التي يستدعى المختصون من اجل دراستها و الوقوف على جوانب النقص فيها.
ه- دراسة طبيعة الجهة المشغلة، سواء كانت دولة أو قطاعا خاصا، و هل هي مستقلة أو تابعة، و هل هي ديمقراطية أم لا ؟ و هل هي وطنية أم لا ؟ لأن تعميق الرؤيا في طبيعة الجهة المشغلة يساعد على تطور و تطوير العمل النقابي، و على جعل النقابة تقوم بدورها الكامل تجاه الشغيلة التي يهمها تحسين أوضاعها المادية و المعنوية بالدرجة الأولى.
و بذلك يتم إنضاج شروط الوعي بأهمية اتخاذ الإجراءات الزجرية في حق الأجهزة التي تتجاوز المهام الموكولة إليها لأن اتخاذ تلك الإجراءات بدون ذلك الوعي سيكون بمثابة إقصاء من الممارسة النقابية، و هو أمر غير وارد في نظرنا إلا من قبل الجهاز التنفيذي الممارس للبيروقراطية، أو لجعل النقابة تابعة للحزب أو جزء لا يتجزأ منه. فالأجهزة التنفيذية وحدها تمارس الإقصاء، أما الأجهزة التقريرية الحريصة على سلامة التنظيم و على تطوره، و تطويره فلا يمكن أن تكون وراء ممارسة الإقصاء. و إعطائها حق اتخاذ الإجراءات الزجرية لا يمكن أن يتم إلا في إطار الحرص على سلامة التنظيم النقابي من التحريف.
12) تنظيم دورات تكوينية مستمرة للأجهزة التنفيذية و التقريرية على المستوى المحلي بإشراف و تمويل الأجهزة الوطنية، و في جميع المناطق و على أساس المساواة فيما بينها من اجل امتلاك و إشاعة تصور موحد للعمل النقابي، و من اجل امتلاك و إشاعة وعي متقدم بالعمل النقابي الصحيح، و من أجل تجاوز وضعية التشرذم القائمة، و المحتمل استمرارها في الساحة النقابية، و التي تقف وراءها الممارسة النقابية المحرفة بالخصوص. و يمكن اعتماد المحاور الآتية في مختلف الدورات التكوينية التي تستهدف مجموع المنخرطين من أجل إفراز الأطر النقابية المحلية و الإقليمية و الجهوية و الوطنية، لا من أجل جعل النقابة مجالا للاستقطاب الحزبي بل من اجل أن تكون إطارا للنضال من أجل تحسين الأوضاع المادية و المعنوية للشغيلة المغربية:
أ – محور التسيير و الأرشفة الذي يعتبر شرطا لوجود عمل نقابي عادي و في الأحوال الخاصة.
فالتسيير يقتضي :
- تنظيم اجتماعات الأجهزة التنفيذية و التقريرية، و توثيق مداولاتها التي تصير مرجعا لممارسة النقابيين على المستوى العام، و على المستوى الخاص.
- ربط العلاقة بين الأجهزة المحلية و الإقليمية و الوطنية من جهة، و بين المنخرطين من جهة أخرى.
- تمثيل الأجهزة المحلية في الإطارات التقريرية الإقليمية و الجهوية و الوطنية.
أما الأرشفة فتقتضي :
- تنظيم الملفات المحلية و ترتيبها حسب الأجهزة و اللجن.
- تنظيم الملفات المطلبية العامة و الفئوية انطلاقا من مقترحات الأجهزة التقريرية، و الجموعات العامة للشغيلة التعليمية.
- تنظيم الواردات من الأجهزة المركزية، و الجهوية و الإقليمية من مختلف التنظيمات النقابية و الجمعوية و الحزبية.
- تنظيم الصادرات عن الأجهزة المحلية إلى الأجهزة الوطنية و إلى التنظيمات المختلفة.
و الغاية من ضبط التسيير و الأرشفة هو خلق تراكم يكون قابلا للتوظيف من اجل إشعاع نقابي متميز في المنطقة التي ينتمي إليها التنظيم النقابي في علاقتها بما هو إقليمي أو جهوي أو وطني، لأنه بدون ذلك التسيير المحكم و الأرشفة المضبوطة لا يمكن أن يحصل التراكم المؤدي إلى الإشعاع.
ب- كيفية تكوين الملف المطلبي الذي يعتبر محورا للعمل النقابي، سواء تعلق الأمر بالمطالب العامة أو الفئوية. و هذه الكيفية تقتضي الإجابة على الأسئلة الآتية :
- ما هي المطالب العامة التي تهم كل فصائل الشغيلة ؟
- ما هي المطالب العامة التي تجمع جميع فئات الشغيلة التعليمية ؟
- ما هي المطالب السياسية التي يجب أن تتصدر المطالب العامة ؟ و ما هي المطالب المادية ؟
- و ما هي الفئات المتقاربة من الشغيلة التعليمية ؟ و ما هي مطالب كل فئة على حدة ؟ و ما هي المطالب التي لها الأولوية في المفاوضات الاجتماعية ؟
- هل هي المطالب الاقتصادية ؟ هل هي المطالب الاجتماعية ؟ هل هي المطالب السياسية ؟
- ما هي المطالب ذات الطابع المحلي، و المطالب ذات الطابع الجهوي؟ و المطالب ذات الطابع الوطني ؟
- كيف نحول الأجهزة النقابية إلى خلايا عاملة من أجل تحقيق المطالب في مختلف مستوياتها ؟
- و من هي الجهة التي يحق لها تكوين الملف المطلبي ؟ هل هي الأجهزة التنفيذية ؟ هل هي الأجهزة التقريرية ؟ هل هي الجموعات العامة للمنخرطين ؟ هل هي الجموعات العامة للشغيلة التعليمية ؟ و هل هي الجموعات العامة لكل فئة على حدة ؟
و بالعمل على الإجابة على الأسئلة التي طرحنا بعضها فقط، للمناقشة و التداول، تملك الشغيلة التعليمية التصور الذي يمكن اتباعه في وضع الملف المطلبي الذي نقترح له :
- تنظيم ورشات متعددة و متنوعة لتكوين تصور أولي لمختلف المطالب العامة و الفئوية، المحلية و الجهوية و الوطنية.
- عرض ذلك التصور الأولي على الجموعات العامة و الفئوية لاغنائه بالإضافات.
- تشكيل لجان وظيفية للقيام بعملية التصنيف و الترتيب.
عرض نتائج تلك اللجن على الأجهزة التقريرية قصد المصادقة عليها حتى تصبح مطالب رسمية للنقابة الوطنية للتعليم، و تعبر فعلا عن حاجة جميع الفئات التعليمية التي ساهمت في بنائها بقطع النظر عن كونها منخرطة في النقابة أو غير منخرطة، و الانتقال إلى المرحلة الموالية.
ج- كيفية وضع البرنامج المطلبي الذي يبنى على أساس اكتمال الملف المطلبي من اجل فرض الاستجابة إلى بنوده أو إلى بعضها على الأقل، و وضع البرنامج يقتضي منا :
التفكير في مختلف الصيغ النضالية الممكنة :
- هل اللجوء إلى مراسلة الجهات المعنية بالملف المطلبي فقط ؟
- هل هي مجرد التهديد باللجوء إلى الإضراب فقط ؟
- هل هي الإعلان عن الإضراب المحدد في الزمان ؟
- هل هي الإعلان عن إضرابات متوالية خلال فترة محددة ؟
- هل هي الإعلان عن إضراب مفتوح ؟
- هل تتخذ هذه الإضرابات المعلن عنها طابعا محليا أو جهويا أو وطنيا ؟
- هل يتم اللجوء إلى الوقفات الاحتجاجية أمام الوزارة ؟ و أمام النيابات ؟
- هل بتم اللجوء إلى الاعتصام في المؤسسات ؟
- هل تقوم الشغيلة التعليمية بمسيرات محلية و جهوية و وطنية ؟
- من هي الجهات التي تنسق معها النقابة في هذا الأفق ؟
- هل هي النقابات ؟ هل هي الجمعيات ؟ و هل هي الأحزاب ؟
- ما هي الغاية من التنسيق ؟
- ما هي الشروط التي يجب توفرها في ذلك التنسيق المفترض لإعطاء الملف المطلبي بعدا أوسع؟
و هكذا يتبين دور الدورات التكوينية بإشراف وطني في إحداث حركة نقابية تهدف إلى بناء التنظيم، و تصور العمل في إطار ذلك التنظيم، و بمساهمة جميع الفئات التعليمية من أجل وضع حد للممارسات التحريفية التي تنشأ عادة في ظل الجمود النقابي الذي يعم معظم الأجهزة المحلية، و قد يشمل الأجهزة الوطنية. و بالإضافة إلى تلك الحركة، فالنقابة الوطنية للتعليم تتحول إلى مدرسة لتكوين الأطر النقابية التي تساهم في إحداث دينامية نقابية مستمرة على المستوى الأفقي و العمودي في نفس الوقت، و انطلاقا من مبادئ النقابة و ضوابطها التنظيمية.
13) إنجاز المؤتمرات الوطنية في وقتها، لأن عدم الإنجاز قد يؤدي إلى جمود التنظيم الذي يقود إلى تفشي الأمراض التحريفية. فعقد مؤتمر نقابي داخل الأجل المحدد يقتضي عملا متواصلا يبتدئ مباشرة بعد الإعلان عن نتائج عقد مؤتمر معين، لأن أجرأة المقررات لا تعني إلا إخضاعها لمحك العمل، و المناقشة المستمرة من أجل تقرير صلاحيتها أو عدم صلاحيتها للاجرأة، و هو ما يقتضي إعادة النظر في كل المقررات، و في الأجهزة التي يثبت عجزها عن تحمل مسؤولية تسيير النقابة في الاتجاه الصحيح.
و للدخول في عملية الإعداد و الاستعداد المستمر لابد من تكوين لجن التتبع الوطنية و المحلية لرصد مدى التزام الأجهزة بتنفيذ المقررات على المستوى التنظيمي و التكويني و البرنامجي، و إعداد التقارير عن كل ذلك، و رفعها إلى الأجهزة التقريرية المحلية و الجهوية و الوطنية و الوقوف على مدى استنفاذ أو استمرار تلك الصلاحية، و الوقوف على الجوانب التي تحتاج إلى إعادة النظر، و الدعوة إلى تكوين اللجنة التحضيرية التي تعمل على تكوين اللجن المختلفة لإعداد المشاريع التي تعرض من جديد على المنخرطين قصد إغنائها بالنقاش، و الإضافات، و المقترحات لترجع إلى اللجن المتفرعة عن اللجنة التحضيرية لإعادة صياغتها، و الدعوة إلى المؤتمر الوطني لاتخاذ القرارات اللازمة بناء على ما ورد في تلك المشاريع.
وإنجاز المؤتمرات في وقتها يستوجب حركة نقابية وطنية و جهوية و إقليمية و محلية، تستهدف إعادة النظر في الهياكل القائمة للوقوف على مدى مناسبتها لمقررات المؤتمر السابق، أو عدم مناسبتها، و ما هي الدواعي التي جعلت إعادة النظر غير حاصلة بعد المؤتمر مباشرة ؟ و لماذا قبل المنخرطون بوضعية الجمود ؟ و هل قامت تلك الأجهزة بتنفيذ البرنامج ؟ و لماذا لم تتخذ الأجهزة التقريرية إجراءات تأديبية في حق الأجهزة التنفيذية ؟ و هل هناك أجهزة تقريرية قائمة ؟ أم أنها تفبرك حسب الحاجة ؟ لأن إعادة النظر تلك تستهدف تصحيح مسار العمل النقابي على المستوى المحلي حتى يكون المؤتمر محطة تصحيحية فعلية لتجاوز النواقص، و مظاهر التحريف التي تنتجها.
و بالإضافة إلى ما ذكرنا فإن عقد المؤتمرات في وقتها يجنبنا الكثير من المزالق التي يمكن أن تعصف بالعمل النقابي و بالنقابة و ستؤدي إلى شرذمة العمل النقابي كما حصل في إطار النقابة الوطنية للتعليم التي خسرت الكثير بسبب تعطيل عقد مؤتمرها الثامن، و بقرار من قيادتها و بسبب المشاكل التي عرفها حزب القائد النقابي للنقابة الوطنية للتعليم، و القائد النقابي لك.د.ش قبل تحوله إلى مجموعة من الأحزاب.
و عقد المؤتمرات النقابية في وقتها المنصوص عليه في القانون لا يعني إلا احترام المبادئ و الضوابط التنظيمية و احترام القواعد التعليمية التي ترتبط بالنقابة، و تتقوى بقوتها، و تضعف بضعفها.
فاحترام المبادئ لا يتأتى إلا بالممارسة الديمقراطية الحقيقية في إطار النقابة التي تتخذ قرارات تربطها بالحركة التقدمية و جعلها جزءا لا يتجزأ منها. تلك القرارات المعبرة عن استقلال النقابة عن أجهزة الدولة، و عن الأحزاب المختلفة مما يجعلها منظمة جماهيرية قولا و عملا.
أما احترام الضوابط فيعني الالتزام الصارم بالقوانين التنظيمية التي تمت المصادقة عليها في إطار الأجهزة التقريرية حتى تتم المحافظة على السير العادي للنقابة، دون مشاكل تذكر، و التي تقوم النقابة بإنتاج عمل نقابي سليم من كل أشكال التحريف لتستطيع بذلك استقطاب الشغيلة التعليمية إليها.
أما احترام القواعد النقابية في صفوف الشغيلة التعليمية، فيعتبر أساس الممارسة البيروقراطية الحقيقية في الإطارات النقابية المختلفة، لأنها هي التي تقف وراء توحد العمل النقابي في مختلف المؤسسات التعليمية. و لذلك فاحترامها في التقرير و التنفيذ معا يعتبر شرطا لصحة العمل النقابي. فهي المرجع لاتخاذ القرارات النقابية من خلال استحضارها في النقاش الواسع قبل اتخاذ القرارات، و وضع إجراءات التنفيذ، و رسم البرنامج النضالي خلال مرحلة محددة يعتبر مسؤولية الجهاز التنفيذي المحلي أو الإقليمي أو الجهوي أو الوطني، على أن يكون ذلك البرنامج النضالي موضوع المحاسبة.
و بذلك نصل إلى أن عقد المؤتمرات في وقتها يحقق الكثير من المكاسب النقابية.
المكسب الأول : هو استمرار دينامية العمل النقابي.
و المكسب الثاني : تجدد الأطر النقابية مما يحول دون ظهور الأمراض التحريفية.
و المكسب الثالث : تطور و تطوير المطالب التي يجب أن تتلاءم مع التحول الاجتماعي و الاقتصادي و الثقافي و السياسي.
و المكسب الرابع : تطور و تطوير البرنامج النضالي الذي يجب ان يتلاءم مع مختلف التحولات التي يعرفها الواقع.
و المكسب الخامس : توثيق العلاقة مع القواعد النقابية التي تتحمل المسؤولية الجماعية في حماية النقابة و تقويتها و العمل على سلامة بناءها.
و المكسب السادس : اكتساب ثقة الشغيلة التعليمية التي تزداد ارتباطا بالنقابة ، و تزداد التحاما بها وتستعد باستمرار لتنفيذ قراراتها.
و هذه المكاسب مجتمعة إذا عملت النقابة الوطنية للتعليم على تحقيقها في وقتها، فإنها تتحول إلى إطار نقابي رائد في المجتمع، كما كانت بعد التأسيس مباشرة. غير أن العمل على تحقيقها يجب أن يكون مصحوبا بتجنب إدخال النقابة تحت طائلة عبادة القائد، و في متاهات الحزبية الضيقة تفاديا لكل ما يمكن أن يتحول إلى مرض عضال يعصف بالنقابة، و يدخل النقابيين في متاهات الخلافات القاتلة.
خاتمة/ خلاصة عامة :
و الخلاصة التي نصل إليها أن النقابة الوطنية للتعليم تحتاج إلى عملية جراحية تستأصل العقلية البورجوازية الصغرى التي تعتبر من أمراض القطاعات الخدماتية التي يمكن أن يعتبر منها قطاع التعليم الذي يتحول العديد من العاملين فيه إلى مجرد مستثمرين للعملية التعليمية لتحقيق التطلعات البورجوازية الصغرى. و هذه العقلية تبقى من جملة ما يحمله معظم العاملين في إطار النقابة الوطنية للتعليم، حيث نجد أن تلك العقلية تجعل النقابة الوطنية للتعليم مجالا لتحقيق التطلعات البورجوازية الصغرى، أو لتوسيع قاعدة الحزب الذي ينتمي إليه القائد النقابي، أو لممارسة المحسوبية و الزبونية تماما كما هو الشأن بالنسبة للإدارة التي يتفشى فيها الفساد الإداري. فكأن الإدارة النقابية بدورها أصيبت بذلك الفساد بعد أن تأسست النقابة الوطنية للتعليم من أجل وضع حد لذلك الفساد الذي تفشى من قبل في إطار الجامعة الوطنية للتعليم التابعة للاتحاد المغربي للشغل.
و قد أنجزنا هذه المعالجة المتأنية لواقع النقابة الوطنية للتعليم من أجل تشريح الممارسة النقابية، و الدفع في اتجاه إعادة بناء ن.و.ت بناء سليما من الأمراض التي تفشت بين نقابيي النقابة الوطنية للتعليم سواء كانوا من الذين يعتبرون ن.و.ت جزءا لا يتجزأ من ك.د.ش أو أنهم لا يعتبرونها كذلك . لأن ما عشته شخصيا في إطار المؤتمر الاستثنائي التنظيمي المنعقد في 17/16 يوليوز بين لي أن عقلية استثمار العمل النقابي لصالح القائد أو القادة النقابيين، أو لصالح الحزب الذي ينتمون إليه هي السائدة في الممارسة النقابية. و لذلك و جدنا أنفسنا مضطرين لإنجاز هذه المعالجة المتأنية التي تناولنا فيها ظروف تأسيس النقابة الوطنية للتعليم، و مبدئية العمل في إطارها و هدفية الارتباط العضوي بالطبقة العاملة المغربية، و جدلية العمل النقابي و العمل السياسي، و اعتبار النقابة منطلقا لبناء تصور نقابي جديد، واقفين على دوافع التصور و بنائه، و العمل على بناء التنظيمات القطاعية سواء كانت عمومية أو شبه عمومية أو خاصة، و على الصعوبات التي تعترض العمل في صفوف الشغيلة. و عوامل تلك الصعوبات و نتائجها . و دور النقابة الوطنية للتعليم في تأسيس ك.د.ش، و الأهداف المتوخاة من وراء ذلك التأسيس، و الربط بين النضال النقابي و النضال السياسي، و تحسين الأوضاع المادية و المعنوية للشغيلة التعليمية، و الدفع في اتجاه تأسيس نضال مطلبي نوعي في القطاعات العمومية و شبه العمومية. و المساهمة الفعالة في الإعداد لتأسيس المركزية النقابية ك.د.ش كنقابة مبدئية و قيادتها في اتجاه الإشراف على تقرير و توجيه النضالات القطاعية و المركزية. و قد عرجنا في هذه المعالجة على علاقة النقابة الوطنية للتعليم بالأحزاب السياسية مستعرضين حقيقة الواقع، و كون تقدمية النقابة تفرض المساندة المبدئية بينها و بين الأحزاب التقدمية، و دور تحريف العمل النقابي في ارتماء النقابة بين أحضان الحزب و ، و ترجمة التوجيه الحزبي إلى ممارسة نقابية، و تأثر النقابة بالوضع الداخلي للحزب في مختلف المحطات الانتخابية ، و دور الصراع الحزبي/الحزبي في تفجير النقابة من الداخل ثم تناولنا الواقع الراهن للنقابة الوطنية للتعليم المتميز بالتعارض بين النظرية و الممارسة اليومية، و التعارض بين حاجة الشغيلة التعليمية إلى حركة مطلبية رائدة، و بين الأجهزة النقابية على جميع المستويات، و التعارض بين الحاجة إلى وحدة الشغيلة التعليمية، و بين تمزيق جسد النقابة بفعل الصراعات الحزبية الحزبية. و التعارض بين استقلالية النقابة، و تبعيتها لحزب معين، أو السعي إلى تبعيتها لحزب آخر. ثم تناولنا آفاق تصحيح مسار النقابة الوطنية للتعليم بالتأكيد على ضرورة الفعل المطلق بين النقابي و السياسي، و الحفاظ على الصرامة في احترام المبادئ، و احترام الضوابط المنظمة للعمل النقابي و تحديد مدة تحمل المسؤولية في الجهاز المحلي و الإقليمي و الوطني في ولايتين متواليتين، و الاهتمام بالملف المطلبي لجميع فئات قطاع التعليم، و إشراف القيادة المباشر على هيكلة التنظيمات المحلية و الإقليمية و الجهوية عبر مؤتمرات تنظيمية، و إخضاع الممارسة النقابية العامة و الخاصة للنقاش المستمر من خلال عروض و ندوات محلية و إقليمية و جهوية و وطنية، و تفعيل مبدأ المحاسبة الفردية و الجماعية ، و النقد و النقد الذاتي لتحويل النقابة إلى إطار تربوي، و احترام قرارات الأجهزة التقريرية، و الالتزام بعدم تجاوزها من قبل الأجهزة التنفيذية التي تتجاوز المهام الموكولة إليها، و تنظيم دورات تكوينية مستمرة للأجهزة التنفيذية و التقريرية على المستوى المحلي بإشراف الأجهزة الوطنية، و إنجاز المؤتمرات الوطنية في وقتها.
و بذلك نكون قد قدمنا مساهمة تحليلية نقدية للممارسة النقابية في إطار النقابة الوطنية للتعليم بهدف تجاوز الوضعية القائمة بتصحيح الممارسات التحريفية باستعادة مبدئية النقابة التي تحول دون جعل النقابة مجالا لتصريف الممارسات التحريفية، و التحول إلى عامل قوة بالنسبة للنقابة الوطنية للتعليم التي تستطيع بتلك المبدئية، استقطاب الشغيلة التعليمية إلى صفوفها ، و قيادتها في نضالاتها المطلبية من أجل تحسين أوضاعها المادية و المعنوية. لتبقى النقابة الوطنية للتعليم بذلك موحدة للشغيلة التعليمية و مستقطبة لفئاتها المختلفة، و رافعة من مستوى وعيها في أفق تعميق ارتباطها العضوي بالطبقة العاملة المغربية، و سائر شرائح الشغيلة المغربية في ارتباطاتها القومية و الأممية، و باعتبارها طليعة المجتمعات البشرية.
محمد الحنفي
ابن جرير في 2002/10/15