اسامة خلف الله مصطفى – نيويورك
[email protected]
هذه بعض من مفرادات الحصلية اللغوية التى نشأت بها وكما هو الحال لكثير لغالبية السودنيين. وتتسع هذه الحصيله لمفرادتٍ اُخرى:-ديّل شوايقة، ديّل فلاته، ديّل رُوباطاب،ديّل حلب. وإننى هنا لست فى مقام نقد الموروث ولكن أبتلع المرارة وأنا أسمعها تتردد فى أوساط بعض الشباب من أبناء جٍيّلى. ويغتنم بعضهم الفُرصه فى أثناء حوار عادى، وبعد أن يتلفت يميناُ ويساراُ ثم يصيح بعباراتٍ وكأنها ربانية مطلقة"أنا ما قلت ليك ديّل عبيّد أولاد كلب ما يستاهلو إلا كده" " أنا ما قلت ليك ديّل غرابه غداريين" " بالله فلان عرس من الحلب ديّك بتاعيين أمدرمان" " إتخيل سيد أحمد ما وقع ليه فى فلاتية" .....الخ المفردات الناشزه.
وأشعر فى بعض الاحيان أننى خائنٌ للامانه بتمريرى لهذه السموم اللغوية وهنالك من يشارك فى الجريمة سواء بالضحك المعبر عن الرِضاء، وهنالك من يفصح بعبارة"والله الكلام القلته عن الجماعة ديل كله طلع صاح" . وأرجو أن تتنبهو الى الزج باسم الجلالة،فإن إستعماله فى تلك المواضع لهو دليل على أن الحديث قد صادف شىءً فى هوى السامع.
ولا أدرى كم من الإرتباطات العاطفية والتصاهرية التى إرتطمت بحائط المبكى السودانى ووصلت إلى طريقٍ مسدود بمفاهيم خطيرة وموروثة. فروايات رفض التزاوج بسبب الموروثات تحتاج لمجلدات. وهنالك من الأباء والأمهات من أطلق لخياله العنان ورسم الصورة المأساوية لمستقبل التصاهر لكى يقيم الحٌجة على كل إبنه أوإبنته المتيميين بالهوى والغافليين عن المستقبل. وهنالك من رفض النقاش فى الموضوع من أصله ورضى بقناعاته الموروثة. وهنالك من الأباء والامهات من قام بإتخاذ إجرات عقابية رادعة على كل من تسول له نفسه بفتح هذا الملف. وتزداد المأسأة عٌمقا إذا كانت البنت هى التى تطالب بحق المصاهرة، فتوصف بأنها جالبةُ للعار وبإنها ماشه "على حل شَعْرَها". وهذه القوقعه العرقية ليست خاصة بقبيلة معينة وإنما هى خاصية فى كل مِن القبائل فبعض الحلفاوييّين لا يرضون مصاهرة العرقيات الاخرى وكثير من الدناقلة ينظرون بعين الدونية لكلِّ من صاهر خارج إنظومة القبيلة، وجدىّ كان ينظر للنسَب من أهالى مايرنو (بالقرب من سنار) بأنه تدنيس للقبيلة....والأمثال لايسعها هذا المقال. فالنظرة الإستعلائية من جِنسٍ معين على الآخر كانت ولا زالت سمة واضحة فى مجتمعنا الحبيب.
وأنا لا أرغب فى صب الزيت على النيران الملتهبة فى الوطن الحبيب ولا أحسب أن يكون الحديث عن هذه الظاهرة هو بمثابه تأطير لافكار بعض الحركات القبلية المسلحة. فلعمرىْ لم أرى أى ظاهرة إجتماعية سلبية ناتجة عن أفكار موروثة كان حَمْل السلاح هو الوسيلة الانسب لإستصالها. فحركة إنتزاع الحقوق المدنية للسود فى أمريكا فى مطلع الستينات حققت إنجازات ضخمة فى الاطار القانونى لإنصاف الملونيين فى أمريكا بالطرق السلمية والمظاهرات.أما على الصعيد الإجتماعى فكان للتعليم والامتزاج فى مواقع العمل والدراسة دورٌ أكبر فى تصحيح المقاهيم. كما لا أحسب أن سوء الفهم القبلى المتبادل المتوارث هو مدعاةٌ لحربٍ قبلية.
إن النظرتين الدُونية والإستعلاعية لهما من مظاهر المرض النفسى الذى يؤدى للإنقراض . فالشعوب والقبائل التى تنظر بنظرة إستعلائية للاخرين تتبنى شعار عدم الانفتاح غلى الاخرين. ولكٌم فى القرية التى أنحدر منها خير مثال، فاللإنغلاقية أدت بنا الى كثرة التزاوج الداخلى حتى أنك لا تكد تفرق بين أطفال القرية من حيث الشبه. وكثير من الزيجات فى الوطن الحبيب وبكلٍ أسف إنحصرت فى إطار قبلى ضيق إما لإعتقاد إستعلائى أو إحساس بالدونية بالنسبة للقبائل الاخرى.
وأشعر بالأسى حينما أرى أبناء الوطن الواحد يتجمعون فى تجمعات على أٌسس قبلية عقب الخروج من دور العبادة. وأهمس فى نفسى هل هذا ما يريده الخالق؟ الم نقراء قبل دقائق فى الكتاب المقدس أن الله ينظر الى قلوبنا وليس لالواننا؟. وُيحِزُ فى نفسى وأنا أحضر ندوات للحركة الشعبية فى واشنطن وأرى إخوتى من جنوب الوطن وهم يجلسون بمعزلٍ عن الجميع ويخرجون من الندوة بنفس التشكيلة. ولا أٌريد أن أتناسى العامل السياسى فى تفسير الظاهرة ولكن لا ولم ولن أقبل من أحد أن يعاملنى كمتهمٌ نسبة للون بشرتى أو إنتمائى لقبيلتى. لان التعميم من صفات الجهلاء وأنصاف المثقفين. ولاننى أشعر بالضيق حينما أسمع من أحد عبارة "انا ما قلت ليك ديل (ثم يسمى إسم القبيلة أو الإقليم) ما منهم أمان وما يستاهلوا إلا ( ثم يسترسل فى انواع الجزاء)".
وأنا أعلم تماماً بأنَ أحداث الاثنين الماسأوية عقب مصرع العقيد قرنق قد صادفت هوى فى أنفس دعاة عدم التعايش السلمى بين أبناء الوطن الواحد. وكم كانت هذه الاحداث وحشية وبها نزعات إنتقامية ولكن هذا الشحن الانتقامى لا يمكن تفسيره بأنه كراهية أزلية من الجنوبين للشماليين كما يريد هذا النظام والجهلاء أن نفهمه. بل هو صراع سياسى دموى منذ الخمسينات إذداد شراسة فى ظل هذا النظام. صراع دموى طويل الاجل شٌرٍدت فيه العوائل ويٌتِمت من الجانبين. وجٌند فيه القُصّر من الجانبيين وأُنتزعوا من أحضان أُمهاتهم والحافلات لكى يقتتلوا من أجل الجنرلات فى قطبىّ الصراع. فالجروح النفسية لابناء الوطن الواحد لاتزال ملتهبة ؛ ومع عدم وجود وضع سياسى ديمقراطى يضع خطة لإلتأم الجروح والسلام الاجتماعى يصبح الوضع قابل للانفجار. ففهم ماسأة الاثنين مطلوب لكى لا نصبح ضحية التعامل بردود الافعال وضحية الخوف لا الآمال، ضحية مرددى أفكار "حسن بشير"، فلا تٌهدم الاوطان إلا بالجهل والتطرف. وختاماً أهديكم كلمات للمناضل د.مارتن لوثر كنج "أحلم باليوم الذى يُقيم فيه الإنسان بمعيار شخصيته لا بلون بشرته".