ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
إعـــادة إنتـــاج الإحـــباط بقلم:صلاح شكوكو
سودانيزاونلاين.كوم sudaneseonline.com 10/15/2005 12:01 م
( صلاح شكوكو ) ليس من التجني في شيء ولا من باب التحـــامل الجزافي اعتبــــار الإعـــلام العــربي ( المكتوب منه و المرئي والمسموع ) إعـــلام إحبــاط وإنهــــــــزام وذلك قياسا على ما هو مطلوب منــــه .. وخاصة بمــــا توافــرت له من ميزانيات وبنى ومــوارد وإمكــــــانات . والحقيقة أنه بصرف النظرعن بعض التجارب المحدودة ... فإن ذلك لا يعـــدو كونه إعلاما أفرزته النظـــم السياسية القائمــــة وفصلته على مقاسهـا ... تمرر للجماهير من خلاله صورتها وخطابها في الشكل و والمضمون والجـــوهر ... ولئن أضحى من المسلم به اليوم أن أداء الإعـلام العربي ( بكل مكوناته وتشكلاته ) لا يخرج إلا فيما ندر عن دوره كأداء للنظـم الحــاكمة ، وأن من المسلم به أيضا أن هذا الإحبـاط المترتب على أداء هــذه النظـــم دائماً ياتي مصحوباً بشعارات ودعوات خاوية وزائفة بل كــاذبة ، كخطاب عــام موجه بصورة مباشرة و غير مباشرة للجمـــاهير . والإعلام العربي هو السبب المباشر في حالة الإحباط العام الذي سيطر على نفسية المـــواطن العربي من المشرق للمغرب .. وهذا في حقيقة الأمر هو مراد النخب الحاكمة والقائمة عليه .. مستعينة في ذلك بتقاعسية الخطاب والمفردة والمنظور وكذلك في صور شتى أولها التصور والاحتضان والتزكية والحرمـــان ( مادة كانت أو اشخاصاً ) فقد يفرض الإعلام أحياناً على الجماهير شخصا معينا .. لا تتوفر فيه أدنى مقومات العمــل الإعلامي مثلما تفرض عليه مادة محلها صناديق القمامة والمزابل .. قوامها الرقص والمجون والسفه الإستفزازي .. يرفع بها حثالة المجتمع الى مصاف القمة وينصبهم نجوما للمجتمع ويحط بها قدر العلماء والمفكرين الى الدرك السحيق . وعلى الرغم مما حملته الطفرة التكنولوجيا لوسائط الإعلام والاتصال من مزايا جوهرية وأدوات وما استتبع ذلك من زخم في عدد المحطات الفضائية وتهافت العديد من المنابر على ولوج شبكة الإنترنت وما سواها .. فإن ذلك لم يكن من شأنه إفراز ممارسة إعلامية جــادة تؤكد جدارتنا على ولوج عصرالثورة الإعلامية والإنترنت بإعتبارنا أصحاب إرث حضاري بنيت عليه كل ثوابت الحضارة المعاصرة ... بل جاء دورنا فيها هشا وبلا تنسيق وبلا إستراتيجية واضحة . ومعنى هذا أنه في ظل الواقع القائم وهيمنة الصفوة ومحاولات إحتكار ذاكرة الشعوب ، فإن إمكانيات التحول وتجاوز حالة التطبيل والعويل أو القفز فوق حاجز الظروف لن يكتب لها النجاح إلا من خلال فهم حقيقي للرسالة الإعلامية والتعامل معها بإعتبارها أمانة علمية تستلزم التعامل معها بنوع من الشفافية والحيادية وبذا نتمكن من تجاوز هذه الحالة ولا مانع من تسوير هذه الرسالة بخصوصيات الدين والعادات والتقاليد حفاظا على القيم الإجتماعية من الإندثار .. بل لابد من وجود خطوط حمراء حتى لا تصبح الرسالة فوضى وحتى لا تكون مدخلا للشياطين والإباحيين الذين يريدون تحويل الحياة الى سوق كبير تباع فيه الفتنة في قارعة الطريق . والإعلام العربي ( قبل الطفرة الإعلامية ) لم يكن فقط صورة طبق الأصل للنظم الحاكمة ( بل ظل مندمجا فيها قلبا وقالبا ) بل أضحى وإلى حــد بعيد ( الناطق الرسمي ) باسمها والداعي لممارساتها وسلوكياتها والمبرر لتصرفاتها أيما يكن شكل التبرير ... حتى لو كانت بطرق تستفز مشاعر الجماهير وتصادر وعيها وعقلها .. وحتى لو كانت هناك بعض صور من الحرية وهامش من النقد فإنه يكون بإعاز من السلطة ذاتها و ربما كنوع من الديكور أو لتوصيل رسائل معينة . وعلى هذا الأساس .. فلو كان للإحباط الكامن في ذات الإعلام أن ينجلي فلن يتم له ذلك إلا حين يتم استجلاؤه عن عقلية الإدارة الحاكمة وفي الفضاء العام الذي تؤطره النظم وتقــــوم على تزكيته والإشراف عليه . والإحباط الذي نتحدث عنه هنا لا نخاله مقصورا على شريحة اجتماعية دون أخرى ولا حصرا على فئة عمرية دون أخرى بحيث أصبح ذو أثر سيكلوجي في حياة الجماهير التي ماعادت تدرك حقائق الأشياء وبالتالي ظهر جيل أجوف وفارغ المحتوي لا يجرؤ على قول كلمة واحدة في جمع من الناس فغابت الشجاعة الأدبية محمولة على نعش الحياء . ولما كان الجو كذلك فإن هذا الإحباط غالبا ما يتحدد بناء على مكامنه وانطلاقا من تجلياته وخصائصه بالتالي فلو كان لنا أن نحصر الخصائص إياها لحصرناها إجمالا في ثلاث إشارات كبرى هي :- 1. الخاصية الأولى - وتتمثل أساسا في الطابع التهريجي الذي ما فتئ يطبع سير الإعلام العربي ويؤسس لتوجهاته المستقبلية . فهو لا يطنب فقط في مدح الحاكم ويرفع من مرتبته لدرجة القداسة بل يختزل في شخصه الحاضر والمستقبل . بالتالي فهو من هنا لا يساهم فقط في " صناعة القائد " بل وأيضا في " تأليهه " ودرء الخطـــأ عن قراراته .. وبالتالي يصبح القائد في منأى عن النقد ولو من جانب المتخصصين !!! ناهيك عن تصــوير الإنتصارات الواهيــة وتحــويل الهزائم الى إنتصــارات ( حرب 67 - أم المعارك ) . وهو إعلام تهريجي أيضا لأنه لا يتطلع إلى الاقتراب من واقع الحال وعكسه ، في الشكل والمضمون ، بقدر ما يتجاهل ذات الواقع لدرجة المزايدة المجانية الصرفة ... ليصبح إعلاما يعكس أخبار السلطة للناس بدلاً من أن يعكس للسلطة أخبار الجماهير ... الى جانب إعتماده على الإثارة الرخيصة والمجون والعرى وإظهار مفاتن النساء والمذيعات ومقدمات البرامج وفساق المجتمعات . الى جانب إعتزازه بالمغنيين والمغنيات والممثلات بأعتبارهن صفوة المجتمع وواجهتة الثقافية والإجتماعية وإشاعة الفاحشة تحت دعاوي الحرية والإبداع . 2. الخاصية الثانية - تكمن في أن الإعلام العربي ( المبثوث منه والمنشور) هو بكل المقاييس إعلام غير تجنيدي .. والقياس على ذلك إنما يتمثل في قصور وسائل الإعلام المختلفة على ترويج قيــم الشورى والديموقراطية وحقــوق الإنسان والأخــلاق وغيرها ليس بين ظهراني المجتمع فحسب ، بل وأيضا في أروقة السلطة باعتبارها قــوة ضغط لا يستهان بها .. على الأقل كلغة يتحدث بها العالم المتحضر . كما يطال التقصير ايضا القضايا القومية الكبرى ( كالقضية الفلسطينية بالتحديد .. وقضية الهجمة على الإسلام ) أو ذات التداعيات المرتبطة بالكينونة والهوية من قبيل ذلك استهداف الإسلام والتحامل على العرب والمسلمين بالغرب وما إلى ذلك ... وهو ما يبرز التقصير في الإعلام العــربي بجلاء أكبر . إذا لم يكن الإشكال إشكال تقصير فما تفسير انحسارالإعلام العربي في جانب التأثيرالخارجي وعدم قدرته على بلوغ المواطن العربي بالمهجر ناهيك عن بلوغ المواطن الأجنبي بأمريكا كما بأوروبا وغيرها من البلدان ؟ و إذا لم يكن التقصير جماعيا فما تبرير تخلف العرب والمسلمين على خلق آليات تستوعب ما استجد من تكنولوجيات لمخاطبة الغرب واستدراجه إذا لم يكن للتعاطف معنا فعلى الأقل لفهمنا والتحاور معنا بنوع من الندية الفكرية والثقافية بأعتبارنا أصحاب إرث حضاري كبير ومؤثر ؟ 3. الخاصية الثالثة - للإعلام العربي وتتمثل ، في الطابع المتعالي الذي يطبع مكوناته ويطبع توجهه القائم على " الاستقلاليــة " التـامة عما سواه من فضاءيات . فهو لا ينطلق من مبدأ القرب لمخاطبة المواطن المتلقي بقدر ما ينظر إليه من مكان عالي تماما كما يفعل الحاكم أو يكاد . وعلى هذا الأساس ، فلا غرو إذا روج للرداءة وللميوعة وللرتابة ولغيرها تماما كما يبرر فعل الحاكم والرأي الواحد ولسواها ... بل لا يقبل أي وسيلة تحاسب السلطة أو تدافع عن حق المواطن . من هنا فإذا كان الحاكم يخاطب " كتلــة موحـــدة " ( بصرف النظر عن الأداة المستخدمة في ذات التوحــــد ) فإن الإعلام بدوره لا يعير أدنى اعتبار ( في تصميم شبكة برامجه وصياغة مادته المكتوبة ) لتباين الأذواق أواختلاف التطلعات . ولن تعدم الأمثلة في ذلك إذ نجد أن العديد من المنابر الإعلامية العربية دأبت منذ مدة على تصنيف عمليات الفلسطينيين الاستشهادية مثلا ضمن خانة الإرهاب وفي أخف الأحوال وصفها بـ ( العمليات الإنتحارية ) رغم إدراكهم لطبيعة الفعل الإنتحاري من الناحية الدينية وبصورة مطابقة تماما لما تردده الدول الغربية ... كيف لا وإعلامنا يأخذ أخباره من مصادر ووكالات غربية لها أجندة خاصة وأهداف معلنة ... بل أن بعض الدول تأخذ من مراسلين غربيين متواجدين داخل أراضيها لكنهم يتبعون وكالات غربية !! ولعلك تتعجب حينما تجـــد الإعلام العربي وقد ظل يتحدث عن ( ضرورة احترام العراق للشرعية الدولية و المطالبة بإزالة أسلحة الدمار الشامل ) بصرف النظر عن الوعي القائم لدى هذا الإنسان بأن الهدف في نهاية المطاف ، هو تدمير العراق في حالة امتلاكه للأسلحة المزعومة أو عدم امتلاكه لها ، وسواء ( احترم ) في ذلك " الشرعية الدولية " أم لـــم يحترمها ... لنظــل أبواقاً تنعق مع الناعقــــين ... وهاهي الأيام تثبت أن كل مزاعمهم كانت مجرد سيناريوهات وضعوها ونسجوا حولها الخطط لغزو العراق .. وهاهم الآن ينسجون حبالا جديدة حول بقعة أخرى من الوطن العربي . لن يستطيع المرء ، على الأقل قياسا إلى الخاصيات الثلاث السابقة ، المزايدة على أن الإعلام العربي إنما هو ، وإلى حد بعيد ، إعلام إحباط .. إعلام إحباط لأنه مرتبط لدرجة الاندماج بحاكم مستبد .. وهو إعلام إحباط لأنه لا يدفع بجهة تنوير الشعوب وتوعيتها والدفع بتطلعاتها نحو الشورى و الديموقراطية وحقوق الإنسان وغيرها .. وهو إعلام متعالي لا يخاطب المحكومين بمنطق آخر غير منطق الحاكم المهووس ببقائه وبقاء نظامه . كيف إذن لإعلام من هذا القبيل أن يبني ويؤسس لجيل واع وكيف له ، فضلا عن كل هذا وذاك ، مواجهة إعلام الأعداء كإسرائيل مثلا ( والإعلام الصهيوني واليهودي عموما ) ... وهي تمثل مكمن إحباطنا الأكبر في الحاضر والمستقبل ؟ لا نخاله قادرا على ذلك في المدى المنظور أو البعيد ، لأن ذلك لن يتم إلا في إطار إحلال واقــع عام جديد تحدد في ظله تطلعات الشعوب في التنمية والديموقراطية وتقنن في إطاره سبل إنتاج وتوزيع الثروة المــادية والرمزية . والمقصــــــود هنا في المحصلة النهائيــــــة هـــــــو أن القــــتول بأن تخــــلف واستــــبداد الواقـــع العــــــام ( والإعلام بصفة خاصة ) ليس حالة مزمنة تبتلى بها الشعوب إلى ما لا نهاية ... بل هو حالة نفسية يراد من تكريسها إعادة إنتاج الإحباط السائد بانتظام ... مما يعني إمكانية التغيير والتحول ، والخروج من هـــــذه الـــدائرة المغلقــــة الى رحاب الإنفتــــاح فيدخل الهــــواء النقي الى المخـــابي والأمـــاكن المظلمـــــة . ----------------- ملء السنابل تنحني بتواضع .... والفارغات رؤوسهن شوامخ ---------------------