من يقل‚ ان يوم الاستفتاء هذا الذي تحرسه مروحيات من فوق وتحرسه 70 ألف خوذة على الارض سيمر دون عنف‚ يصبح من الواهمين‚ ومن يقل ان القتل يمكن ان يدمر العملية الاستفتائية على الدستور‚ لم يقرأ في كتاب العنف مع انتخابات يناير‚ الفائت‚
العراقيون‚ سيتدفقون بنسبة كبيرة على مراكز التصويت اليوم برغم ان هذه المراكز يمكن أن تصبح نعوشا‚ وفقا لتحذيرات الزرقاويين‚
كل الشواهد تقول بذلك‚‚ وليس ذلك سبب أن الموت أصبح عاديا جدا في العراق‚ مثل النفس الطالع والنازل‚ وانما بسبب أن العراقيين: شيعة وسنة وأكرادا وتركمانا وأشوريين‚ يريدون حقا ان يرسموا ملامح العراق الجديد والذي هو ليس بأية حال من الاحوال هو عراق صدام حسين‚
صحيح‚ ان الدستور‚ المستفتى عليه اليوم مختلف عليه ولكن أوليس الاختلاف هو من سنة هذا الوجود‚‚ ثم اوليس الاختلاف في معناه المنضبط والمسؤول فيه رحمة‚ وهو علامة مميزة من علامات الديمقراطية‚
أكاد أتخيلهم‚‚ العراقيين‚ وقد تدفقوا يخضبون اصابعهم بالحبر «الديمقراطي» العجيب‚ تأخذهم نشوة الانتصار على تاريخ طويل من تسكير الأفواه وتغييب الارادة‚ ومحق المشاركة في صنع الحياة في العراق‚
الذي يصوت بـ «لا» اليوم يشعر بهذه النشوة العجيبة‚‚ وكذا الذي سيصوت بـ «نعم» وحدهم الذين هم مختبئون خوفا أو الذين هم واقفون على رصيف الفرجة‚ أو أولئك الذين يحاولون أن يمنعوا الآخرين من المشاركة‚‚ وحدهم هم الذين بلا نشوى ووحدهم هم الذين بلا جسارة!
استوقفتني الصور‚ كان الاطباء والمرضى والمعتقلون قد استبقوا بقية العراقيين في الاحساس بالجسارة ونشوة الانتصار على التاريخ المزيف‚
هذه مريضة‚ صوتت ورفعت في جسارة اصبعا مخضبا بالحبر الجميل‚ أقسم انني لو سألتها لأجابت مثل هذا الشعور بهذا الخضاب لم يستبد بي منذ اول خضاب لي في هذه الدنيا بالحناء!
وهذا مقعد مسن في غمرة الاحساس الجميل بالنشوة والجسارة انه بلا ساقين‚ فهرع حثيثا الى حيث الصندوق الذي هو رمز المشي الى الامام بلا ساقين‚
وهذا معتقل‚‚ لكأنما أحس بضوء الشمس ونسمة الحرية اذ هو يرمي بارادته لتتكثر بارادة الآخرين في المعتقلات أو في وراء الاسوار‚
لا اعرف‚ ما اذا كان صدام صوّت ام لا‚ غير أني أعرف أنه لو فعل لكان قد أحس بإرادة فيه ظلت غائبة من طول ما غيب من ارادة في الآخرين‚ ولكان قد أحس بجسارة‚ لو كانت فيه لما كان أصلا قد انتهى به المطاف الى جحر ضب خرب!
هذا يوم الجسارة ونشوة الانتصار في العراق‚‚ وطوبى للذين صوتوا بنعم‚‚ وللذين صوتوا بلا!