الانتحار ليس فعلا جسورا‚ انه اقصى درجات الضعف أمام مواجهة الواقع‚
أي ضعف- اذن- كان يعاني منه اللواء غازي كنعان حتى يختتم حياته بطلقة في الفم وهو الذي كان قد أكد في آخر تصريح له في هذه الدنيا انه (خدم مصلحة لبنان بشرف وأمانة)؟
أي سبب إذن دفعه إلى الانتحار؟
ثم‚‚ لماذا اختار كنعان هذا التوقيت السيئ جدا‚ ليصمت إلى الأبد برصاصة في الفم‚‚ وليس هنالك من توقيت اسوأ من هذا التوقيت الذي استبق فيه كنعان تقرير الألماني ميليس بأيام‚‚ استبقه بهذه النهاية التراجيدية؟
شك معقول‚ تركه كنعان بهذه النهاية‚‚ يحوم حول تورطه في عملية الاغتيال أو تورط من يعرف في سوريا‚‚ حتى ولو لم يتضمن تقرير ميليس الإشارة من قريب له‚ أو لغيره‚ في تقريره لعنان بعد أيام!
لماذا أراد كنعان ـ إذن ـ أن يترك وراءه‚ هذا الشك المعقول؟
ذلك سؤال‚
وحتى‚ إذا لم تكن عملية انتحاره مرتبطة من بعيد أو من قريب بعملية التحقيق في اغتيال الحريري‚ فإن السؤال لايزال قائما: لماذا اختار كنعان هذا التوقيت السيىء جدا‚ الذي يمكن أن ينسج جبلا من الشكوك حول سوريا‚ تلك التي خدمها كما أتصور (بشرف وأمانة)؟
النهاية تراجيدية‚
وتتبع فصولها‚ خاصة الأخيرة‚ يمكن أن يرسم سيناريو لفيلم‚ يمكن أن يكون عنوانه «رصاصة في الفم»‚
في الفصل الأخير‚ يخرج كنعان في كامل أبهته العسكرية‚ من مكتبه في وزارة الداخلية إلى منزله‚‚ يعود بعد ثلث الساعة تقريبا‚ ثم تصرُّ الرصاصة في الفم!
ترى‚ ماذا فعل كنعان في ثلث الساعة‚ هذه الفاصلة جدا‚ بين الموت والحياة؟ هل ودع زوجته واطفاله‚ ولو بنظرة تضج بطلب الغفران‚ ام انه ذهب ليكتب شيئا: وصيته‚ او سبب اختياره لهذه النهاية المؤلمة‚
ثم‚‚ ما الذي كان يدور في ذهنه‚ في اللحظة الفاصلة: اللحظة التي امسك فيها المسدس‚ وفتح فمه‚ و‚‚‚‚ ضغط على الزناد‚ لتخترق الرصاصة الفضية لهاته العليا الى‚‚ الى حيث كتبت النهاية؟
بالطبع‚ لم اكن في مكتب كنعان‚ في لحظة ان ادخل المسدس في فمه‚ لاقرأ ما في عينيه‚لكني من جملته (لقد خدمت مصلحة لبنان بشرف وامانة) استطيع ان اتخيل شريطا طويلا من صور قادة لبنانيين‚ يمر كالبرق امام عينيه‚ حتى اذا ما جاءت صورة الحريري‚ توقفت هنيهة‚ استطيع ان اتخيل صور آخرين تمر‚ استطيع ان اتخيل اصواتا‚ وجملا مبهمة‚‚ واستطيع أن اسمع «طاخ»‚‚ واستطيع ان ارى مدير مكتبه يهرع‚‚ يفتح الباب على عجل و‚‚ يفتح عينيه على الرجل في كامل ابهته العسكرية‚ وهو في اقصى حالات ضعفه الانساني !
الانتحار ليس فعلا جسورا‚
وهو‚ ان كان لا يليق بأي مدني‚ فانه لا يليق اطلاقا بأصحاب الشكيمة القوية‚ اولئك الذين تلتمع اكتافهم بالنجوم والمقصات‚ وتتحلى صدورهم بالنياشين‚ و‚‚ كنعان كان واحدا منهم !