تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

الخرطوم بين منصور خالد و عبد الرحيم حمدي بقلم:مريم عبد الرحمن تكس

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
10/14/2005 3:19 م

الورقة التي قدمها الأستاذ عبد الرحيم حمدي في مؤتمر القطاع الاقتصادي 11-12
سبتمبر 2005م بأمانة الشؤون الاقتصادية، يمكن اعتبارها اخطر وثيقة كتبتها جماعة
سودانية ضد وحدة تراب السودان طوال تاريخ الدولة الوطنية، الا ان الاكثر خطورة
من الورقة نفسها سكوت الخرطوم عليها!! صحيح الخرطوم سكتت طوال السنوات الماضية
على اهانات وتهديدات ومهددات مست سيادة السودان وامنه القومي، لكن سكوتها عن
ورقة عبد الرحمن حمدي ليس خذلانا للوطن فحسب، بل عاراً على ثقافتها وتنظيماتها
السياسية واحزابها كلها بلا استثناء.
إن سكوت التنظيمات السياسية والاحزاب على وجه الخصوص، يعتبر في ابسط تقدير
مجاراة لثقافة المؤتمر الوطني الذي يرى في تمكين جماعته غاية العمل الوطني، بل
ويتخذ كل السبل للوصول لهذه الغاية حتى لو ضحى بالوطن نفسه.
سكوت الأحزاب السياسية على الورقة، يعني أن الاحزاب ارتضت منهج المؤتمر الوطني،
وستجاريه في اسلوبه الذي يتبعه لكسب الانتخابات «ويلا كل يغني على ليلاه»
وليرحم الله الوطن، كما ان سكوت الاحزاب السياسية يعني خيانتها للاهداف التي
دبجت بها دساتيرها، والا كيف تعجز حتى عن اصدار بيان خجول تبدي فيه استنكارها
للورقة التي تهدد ووحدة البلاد، وتشعل نار العنصرية، وتنتهك حقوق المواطنة، الم
تقر جميع الاحزاب ان المواطنة هي اساس الحقوق والواجبات؟ ها هي الورقة تقدم
انحيازاً وامتيازاً باسم الدولة وامكانياتها لمحور حدده عبد الرحيم حمدي بلا
حياء.
ان المناطق التي استثناها حمدي «الجنوب، دارفور، الشرق» ومعظم الشعب السوداني،
يعيشون بلا ادنى شك لحظة تحول تاريخية حاسمة في «المفهومية السياسية» ان جاز لي
التعبير، تتمثل في الاصرار الكامل على التعايش في وطن تكون فيه الشراكة عادلة،
وعلى مثقفي الخرطوم ان يدركوا لحظة التحول هذه حتى يتمكنوا من تجديد الميثاق
الوطني القادر على اقامة الوحدة المعنوبة للشعب السوداني والنهوض بالمقدرات
والطاقات التي اتى عليها الاقصاء والاستعلاء طوال السنوات الماضية، ولكي تتمكن
الخرطوم من ذلك يجب أن تقوم بتصفية شاملة لثقافتها السياسية بما فيها من عوامل
هدامة. ويقع عبء هذه التصفية على المثقفين الاحرار والكتاب ذوي الجرأة
والاقلام، لا على اصحاب الترف العقلي من طبقة «الباشوات»، وألا يدعوا ورقة مثل
ورقة عبد الرحيم حمدي تبهتهم ولا ينطقون.
ان الافكار التي يبرر بها عبد الرحيم حمدي سياساته الاستثمارية متخذاً من
الاسلام والعروبة حجة وهدفاً، هي نفسها الافكار التي اخرجت الامة الاسلامية من
ثقافة المدينة المنورة المليئة بالعدالة الواعدة بالتقدم الى ثقافة دمشق، حيث
التكالب على المال وفتور الايمان.
إن لاهل الشرق والغرب والجنوب والمحور المزعوم كلهم جميعاً أجمعين «لا عاش من
يفرقهم»، آمالاً وتطلعات تتمثل في تكامل اقتصادي ستبنى أسسه على المواطنة الحقة
والمصالح المتبادلة والحماية السيادية المتفق عليها، وبما ان هذه الآمال
والتطلعات لا تنسجم مع قصور عبد الرحيم حمدي وانكماشه في محور يجني ريعه المادي
والسياسي لجماعته، لا يجوز بل لا يجب ولا ينبغي له ان يكتب حرفاً في سجل الشعب
السوداني. وبناءً عليه على التنظيمات السياسية والرأي العام والمثقفين الاحرار،
ان يحاصروا التنظيم الذي سمح لحمدي بكتابة ورقة، وان يطلبوا من المؤتمر الوطني
الاعتذار صراحة، وان يقوم المؤتمر الوطني بتجديد تحالفه مع الوطن كجزء يعمل من
اجل الاهداف العليا للوطن.
وعلى الخرطوم ان تراجع ثقافتها السياسية وازمتها «المفاهيمية» في سبعينيات
القرن الماضي وعندما كنا طلبة في الثانويات قرأنا كتاب منصور خالد «حوار مع
الصفوة» ولا زلنا نحفظ منذئذٍ كلمات اضاءت الوعي في دواخلنا، منها على سبيل
المثال استنكاره لاستيراد البسكويت بالعملة الصعبة وبمبالغ اضعاف ما يستورد به
الدواء، وفي مكان آخر يتساءل عن قيمة منح حرية التنقل والسفر بالطائرة لمن لا
يملك قيمة التذكرة، كانت هذه الافكار تطمئننا ان الخرطوم تفكر في دوائنا
ورفاهيتنا، وان مسير نضالنا الوطني ستوصلنا الى دولة العدالة الاجتماعية،
لنتفاجأ في مطلع الالفية الثالثة بأن هناك رجلاً سرق وعي الخرطوم وقلَّص
مسؤوليتها تجاه اطرافها المترامية، ليقول ببؤس شديد في ورقته التي قدمت على
«عينك يا تاجر» «إن القوة التصويتية التي ستحسم اية انتخابات قادمة هي في
الشمال الجغرافي ابتداءً من ولايات الشمالية حتى سنار، الجزيرة، النيل الابيض
وهي الاكثر تدرباً على الانتخابات والاكثر وعياً، وهي بموجب هذا التعليم والوعي
الاكثر طلباً للخدمات والانتاج وفرص العمل، ولهذا فإن التركيز لابد ان يكون هنا
بالضرورة» اكرر هنا ما قاله د. صديق أم بدة «تقدم خدمات الحزب والدولة للاكثر
طلباً وليس للاقاليم الاكثر تخلفاً ولا للمواطنين الاكثر احتياجاً، وهذا ادب
سياسي جديد لا شك بالاضافة الى المغالطات الواردة بالافتراض».
في فقرة اخرى يقول عبد الرحيم حمدي «إن الجسم الجيوسياسي في المنطقة الشمالية
المشار اليه اعلاه، يحمل فكرة السودان العربي الاسلامي بصورة عملية من الممالك
الاسلامية القديمة قبل مئات السنين، ولهذا يسهل تشكيل تحالف سياسي/عربي/اسلامي
يستوعبه، وهو ايضاً الجزء الذي حمل السودان منذ العهد التركي
الاستعماري/الاستقلال وظل يصرف عليه». هذه هضربة تثير الشفقة، اذ لا يوجد سودان
متجانس دون ان يكون لدارفور او الشرق او الجنوب فيه «يد»، أما التحالف فقد
جربته الانقاذ عندما راهنت بالسودان كله، لتصل بعد عقد ونيف الى مجرد محور، فهل
ستجازف بهذا المحور حتى يصبح مدينة ثم قرية هل ران على قلوبكم؟ ام على قلوب
اقفالها؟ ام مالكم كيف تحكمون؟!
إن الاسلام يربط ويوحد ويؤلف ويقوي الاواصر بين البشر، انظر جوهره واعجازه في
الآية «فألف بين قلوبهم، لو انفقت ما في الارض جميعاً ما آلفت بين قلوبهم ولكن
الله ألف بينهم انه عزيز حكيم» سورة الانفال «8» لقد قطعت الآية ان التحالفات
لا تتم بالاستثمارات ولا الاموال، ولن تستطيع قوة ان تفرق بين اهل السودان لو
الف الله بين قلوبهم. ان كلمة دين حتى في معناها اللاتيني Religion تعني «الربط
والجمع» فكيف تريدون اصلاحاً في الارض باسم الدين عن طريق التمحور والمجاور؟!!
ان ثقافة الخرطوم التي انحازت لحاجات انسان الريف ومتطلباته في افكار منصور
خالد في سبعينيات القرن الماضي، وثقافتها في مطلع الالفية الثالثة المتمثلة في
افكار عبد الرحمن حمدي، تعكس مدى الأزمة المفاهيمية التي يعيشها قلب السودان،
ان المفاهيم السياسية القادمة الى الخرطوم من الجنوب والشرق والغرب والتي تحمل
معاني العدالة والحقوق الكاملة للانسان السوداني، تتطلب من الخرطوم ان تكون
اكثر نضجاً ووعياً وجرأة لاستيعابها، بدلاً من أن تنكمش في محور.
وتصمت الخرطوم على ورقة لا يجوز أن يصمت عليها احد يريد كرامته الوطنية ناصعة.



للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved