تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

مشروع حمدي ونهايات الانقاذ بقلم:محمد علي جادين-امين عام حزب البعث السوداني

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
10/13/2005 9:47 ص

مشروع حمدي ونهايات الانقاذ

محمد علي جادين
امين عام حزب البعث السوداني

في منتصف سبتمر الماضي طرح عبد الرحيم حمدي وزير المالية والاقتصاد الاسبق في مؤتمر القطاع الاقتصادي لحزب المؤتمر الوطني الحاكم ورقة بعنوان " مستقبل الاستثمار في الفترة الانتقالية "نشرتها الايام في 4 اكتوبر الجاري وعقَّب عليها في اليوم الثاني الاكاديمي المعروف صديق امبدة. والورقة تطرح افكاراً جريئة وواضحة حول نظرة دوائر مؤثرة في الحزب الحاكم والنخبة الاسلاموية الحاكمة لقضايا التنمية الاقتصادية الاجتماعية في اطار اتفاقيات مشاكوس نيفاشا وخاصة بروتكول قسمة الثروة وبذل الجهد لجعل الوحدة
الوطنية جاذبة لشعب الجنوب في نهاية الفترة الانتقالية. والفكرة الرئيسية التي تطرحها الورقة تتلخص في توجيه الاستثمارات في الفترة الانتقالية لمصلحة المؤتمر الوطني وذلك بهدف تحقيق مكاسب تضمن استمراره في كراسي الحكم والاحتفاظ له بقسط وفير في السلطة السياسية. وبما ان القوة التصويتية التي ستحسم اي انتخابات قادمة تتركز في الشمال الجغرافي من ولايات الشمالية حتى سنار والجزيرة والنيل الابيض وكردفان وبما ان هذه المناطق هي الاكثر استجابة للمؤثرات الخارجية والاكثر وعياً وطلباً للخدمات والانتاج وفرص العمل بحكم انتشار التعليم في اوساطها، لكل ذلك فان تركيز الاستثمارات يجب ان يكون بالضرورة في هذه المناطق. ويضيف ان هذه المناطق قريبة وسهلة الوصول لانها مربوطة بشوارع مسفلتة ووسائل اتصال جوي ولذلك ستكون ادارة الحملات الانتخابية فيها اسهل واسرع واوفر. ويدعم وجهة نظره هذه بان الجسم الجيوسياسي في هذه المنطقة التي يطلق عليها محور دنقلا سنار كردفان اكثر تجانسا وتحمل فكرة السودان العربي المسلم منذ اكثر من خمسمائة عام ولذلك يسهل تشكيل تحالف عربي اسلامي، وحتى اذا انفصل عنه الاخرون فانه يملك امكانية الاستمرار كدولة فاعلة. ويقول ان وحدة الكيان السوداني الحالي قد لا تتم في نهاية الفترة الانتقالية ولذلك يجب ان لا نستسلم لفكرة ان الوحدة ستصبح جاذبة بقدرة قادر بل يجب ان نعمل للبديل بجدية منذ الان. ويرى حمدي ان تفكيك الدولة السودانية سيحدث لا محالة بحكم ما يجري في الجنوب ودارفور والشرق ولان القوى الاجنبية ذات التأثير الفاعل ستعمل على تأجيج نيران الانفصال اذا فشلت في تحويل الوحدة الى ميكانزم لتفكيك البلاد وحكمها على اساس شروط الاقليات غير العربية وغير المسلمة. وفي الجانب الآخر يرى ان التدفقات المالية المتوقعة حسب مؤتمر اوسلو ستتجة الى مناطق معينة حددتها اتفاقية السلام وهي الجنوب وجبال النوبة والنيل الازرق وبالتالي ستكون خارج يد الحزب الحاكم وذلك عكس التدفقات المالية من البلدان العربية والاسلامية ولذلك فان المصدر المستهدف في استثمارات المؤتمر الوطني هو هذه التدفقات لما لها من علاقات شخصية ورسمية مع هذه البلدان ومع مراكز التمويل المرتبطة بها الصناديق العربية، المستثمرون العرب والمسلمين، البنك الاسلامي للتنمية ومؤسساته الخ ويترتب علي ذلك ضرورة تطوير موارد السودان الشمالي بصورة دراماتيكية وضرورة إحداث تغييرات هيكلية وقانونية ومالية وان لا نعتبر تكوين حكومة الوحدة الوطنية هو نهاية المطاف .ويرى حمدي ان مثل هذه السياسة تحتاج الى طاقم مؤمن بها وقادرعلى تنفيذها في ارض الواقع. وانطلاقاً من هذه الافتراضات يحدد السياسات والاستثمارات المطلوبة باتجاه المناطق المستهدفة التي ستصب في مصلحة هذه المناطق ومصلحة المؤتمر الوطني.
هذه هي الافكار الرئيسية في ورقة حمدي التي طرحها في مؤتمر القطاع الاقتصادي للمؤتمر الوطني الحاكم في منتصف سبتمبر الماضي وهي افكار واضحة وجريئة إذ انها تدعو منذ الآن الى تفكيك وحدة الكيان السوداني على أسس دينية وعرقية بل انها تعمل على تكوين دولة عربية مسلمة في وسط وشمال السودان يستبعد منه الجنوب غير العربي وغير المسلم وبعض المناطق المسلمة في الشمال مثل دارفور والشرق وذلك بهدف محدد سلفاً هو ضمان بقاء النخبة الاسلاموية الحاكمة في كراسي الحكم في الفترات القادمة. وهكذا يتحول المشروع الحضاري الاسلاموي بعد اكثر من 15 عاماً الى مشروع دوله عربية مسلمة صغيرة في الوسط والشعارات الفضفاضة الى انكفاء قبلي وجهوي وديني محصور. كل ذلك بتناقض تماما مع اتفاقيات السلام الشامل الداعية للعمل علي تأكيد وحدة السودان على أسس جديده وعلى جعل هذه الوحدة جاذبة لشعب الجنوب في نهاية الفترة الانتقالية وذلك من خلال اجراءات وسياسات ملائمة حددتها اتفاقية السلام والدستور الانتقالي.
وقد يقال ان هذه الافكار تعبر فقط عن افكار عبد الرحيم حمدي ولا تعبر بالضرورة عن افكار ورؤى المؤتمر الوطني الحاكم او الشريك الاساسي في حكومة الفترة الانتقالية ولكن الواقع يقول ان الورقة قدمت في مؤتمر نظمه حزب المؤتمر الوطني وبتكليف منه حسب افادة مقدم الورقة واضافة لذلك ان المؤتمرين والحزب الحاكم قبلوا طرح الورقة في جدول اعمالهم وربما خضعت لمناقشات عامة وجانبية واسعة ومع ذلك لم يصدر من هؤلاء مايفيد رفضها او انها لا تعبر عن وجهة نظرهم كحزب وكمؤتمر اقتصادي وكل ذلك يشير الى انها تجد قبولاً عاماً. ويضاف الى ذلك ان الورقة تطرح بصورة واضحة ما ظل يدعو له منبر السلام العادل بقيادة الطيب مصطفى وآخرين من قيادات الحزب الحاكم طوال الفترة السابقة حول انفصال الشمال وهي ايضاً تطرح بصوت عال ماظل يدور في اوساط حركة الاسلام السياسي في السودان حول فصل الجنوب كشرط لاقامة دولة اسلامية في الشمال. وضح ذلك في ميثاق السودان الذي اصدرته الجبهة الاسلامية القومية عام 1987 وفي طرحها للنظام الفيدرالي من ذلك الوقت وايضاً في تحويل الحرب الاهلية الجارية في الجنوب الى حرب جهادية تقود حتماً للانفصال ولذلك طرحت نخبة الانقاذ في العام 1991 شعار تقرير المصير للجنوب لاول مرة في تاريخ السياسة السودانية في مفاوضاتها مع الفصائل المنشقة من الحركة الشعبية ولقاءات على الحاج ولام اكول في المانيا وحتى في اتفاق مشاكوس اصرت على اقامة دولة واحدة بنظامين مختلفين، بحجة المحافظة على خيار الشريعة الاسلامية في الشمال ورفضت باصرار عنيد خيار الدولة المدنية الديمقراطية المنصوص عليه في اعلان مباديء مبادرة الايقاد. والآن تتراجع اكثر واكثر بالعمل على تفكيك الشمال نفسه وذلك باستبعاد دارفور والشرق والانكماش في حدود الوسط والشمال العربي المسلم وهي بذلك تدخل الاسلام والعروبة السودانية في ورطة عدم القدرة على التعايش والتفاعل مع المجموعات الوطنية الاخري في الشمال والجنوب على السواء. وفي الوقت نفسه تعمل على تنفيذ مخطط تمزيق الكيان السوداني على أسس دينية وعرقية الذي تدعي انه مخطط صهيوني غربي. ويبدو انها لا تهتم كثيراً بوحدة البلاد وانما تهتم فقط ببقائها في كراسي الحكم باي ثمن. ولكل ذلك يبدو ان ورقة حمدي تعبر على الاقل عن وجهة نظر دوائر مؤثرة وسط النخبة الاسلامية الحاكمة. واختيار حمدي لطرح وجهة النظر هذه كان لانه الاكثر جرأة في طرح مثل هذه الافكار والاكثر تعبيراً عن مصالح وتطلعات الفئات البيروقراطية والطفيلية المسيطرة على السوق وجهاز الدولة. فهو قيادي بارز في حركة الاخوان المسلمين بمسمياتها المختلفة منذ فترة نشاطه الطلابي في الثانوي وجامعة الخرطوم. وفي ستينيات القرن الماضي كان رئيس تحرير جريدة الميثاق وفي منتصف السبعينيات كان من المؤسسين لبنك فيصل الاسلامي وبنك البركة. ومن خلال ذلك ارتبط منذ وقت مبكر بالفئات التجارية والطفيلية الاسلاموية التي نمت وتطورت تحت رعاية البنوك الاسلامية في ظروف الانفتاح والمجاعات وبدايات الازمة الوطنية الشاملة الجارية في البلاد منذ ذلك الوقت حتى الآن. وارتبط ايضاً بنادي الفئات الرأسمالية الاسلاموية في المنطقة. وبعد انتفاضة مارس ـ ابريل 1985 ضد نظام نميري تخلت الجبهة القومية الاسلامية عن شعارات العدالة الاجتماعية والاشتراكية الاسلامية، التي رفعها الاخوان المسلمين في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، واستبدلتها بشعارات الانفتاح والسوق الحر، كما وضح في برنامجها السياسي والاقتصادي خلال تلك الفترة وبعد انقلاب 30 يونيو 1989 عاد عبد الرحيم حمدي وزيراً للمالية والاقتصاد وذلك في منتصف 1990 وبدأ ولايته للوزارة بطرح برنامج الاصلاح الاقتصادي المرتبط بالبنك وصندوق النقد الدوليين. وشمل ذلك تصفية مؤسسات القطاع العام ومحاصرة الفئات الرأسمالية القديمة لمصلحة الفئات التجارية والطفيلية الاسلاموية. وفي بداية 1992 طرح سياسات الانفتاح وتحرير التجارة وتعويم الجنية السوداني، حيث ارتفع سعر الدولار من خمسين الى مائة جنيه سوداني، واستكمل سحب الدعم الحكومي على السلع والخدمات الاساسية. وتلك السياسات كانت تمثل انقلاباً راديكالياً في تطور الاقتصاد السوداني منذ عهد الاحتلال البريطاني. فقد ادت عملياً الى تصفية الطبقة الوسطى واشعال نيران التضخم وتوسيع النشاطات الطفيلية والتجارية على حساب النشاطات الانتاجية في الزراعة والصناعة والخدمات الاساسية. كانت ذبحاً من الوريد للوريد. ومثل هذه السياسات الراديكالية لا يقدم عليها سوى عبد الرحيم حمدي والفئات التجارية والطفيلية التي يمثلها. فهي الاكثر جرأة واقداماً وسط فئات الرأسمالية السودانية. ولهذا السبب بالتحديد قام عبد الرحيم حمدي بطرح ورقته المذكورة في مؤتمر القطاع الاقتصادي للمؤتمر الوطني. فهو الاقدر والاكثر جرأة واقداماً، تشهد على ذلك سياسات عام 1992 الجارية حتى الآن. ولذلك ترى هذه المقالة ان الورقة تعبر عن وجهة نظر دوائر مؤثرة وسط النخبة الحاكمة والفئات البيروقراطية والطفيلية المرتبطة بها، وهي تشكل اطاراً عاماً لتوجها نحو فرض سيطرتها السياسية والامنية والاقتصادية خلال الفترة الانتقالية الجارية حتى لو ادى ذلك الى تفكيك الكيان السوداني على اسس دينية وعرقية. وبذلك ينتهي انقاذ المشروع الحضاري الاسلاموي وتبدأ انقاذ الدويلات والكانتونات.

( عن جريدة الاضواء )

للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved