نص النظرية
إن المفاهيم الطبيعية للإعلام تعتمد في الأساس على مهارات بشرية مثل البلاغة والارتجال والحفظ في بيئة توفر مقداراً من الندية والمباشرة بين المرسل والمستقبل, ولكن تطور نظم الاتصال لدى المرسل منحه فرصة للتعويل على مهارات فنية وتقانية ثم تسارعت وتيرة التطور في نظم الاتصال العكسي في المستقبل إلى المرسل والتداولي بين المستقبلين لتعيد الأولى حالة المباشرة والندية ولتعيد الثانية العقل الجماعي الذي سيدفع بالمرسل للإستناد على المرجعية الموازية وهي الدولة الوطنية أو دولة الضد أو أذرعتها المدنية كما سيتجه إلى توحيد تخصصاته في مؤسسة إعلامية جامعة, وستؤدي كثافة الارتباطات السابقة إلى عودة المفاهيم الطبيعية للإعلام فضرورة تلوين الحياد وتقسيمه إلى سلبي وإيجابي ونسبي تفضي إلى عودة البلاغة ، كما أن الالتزام بالبث المباشر والنشر السريع يفضي إلى عودة الارتجال أما حتمية مواجهة الذاكرة الجماعية للمستقبلين تفضي الي جودة الحفظ وجودة المحفوظ.
أنني عندما دونت هذه النظرية كنت مدركاً أن الثقافة العالمية الآن نريد آراء حرة طليقة أكثر من قواعد نظرية ...ولكن هذا سببه أن الإتجاه العالمي الغالب يريد التعامل مع نتائج أكثر من أسباب وقواعد منطقية ... وهذا لا يلغي أن هنالك قواعد ونظريات كامنة وراء كل الإنعطافات والتحولات
• قبل الدخول في شرح علمي أو أكاديمي للنظرية فلنأخذ مثالاً فلنتخيل حبلاً دائرياً يبتدئ من حيث ينتهي ولكن في جزء من سريانه الطبيعي توجد في (عقدة) .. فإذا حاول إنسان حل العقدة وتوسيع دائرتها بجذب الحبل من أطرافه فإن هذا أمراً سهلاً .. وسيجر الحبل لتكتمل العقدة السابقة في شكل دائرة واسعة وفي ذات الوقت تنكمش الدائرة السابقة الي عقدة محكمة ... وكلما حاول توسيع الدائرة لطلب مزيد من البراح فإنه يحكم (العقدة) الجديدة.
• منذ اليوم الذي إلتقط فيه ماركوني في العام 1901م أول رسالة إذاعية عبرت الأطلنطي من أمريكا الي إنجلترا ... والبشرية توسع في دائرة الإعلام لتنفجر ثورة إعلامية كبري..!
• الأمر أقدم من ذلك فمنذ أن إخترع يوحنا جوتنبرج أول مطبعة في القرن الخامس عشر تفتحت آفاق أمام المطبوعات لتصبح دورية وإسبوعية ويومية عبر ثلاثمائة عام إلي يومنا هذا.
• بالمقابل هناك ثورة مصاحبة للأولي وتسير معها كظلها وهي ثورة الإتصالات المعاكسة من المستقبل إلي المرسل .. ونلخصها في رجل يعيش في قمة جبل ولديه هاتف أقمار صناعية ويستطيع الإتصال بأي إذاعة في العالم ويستطيع الحديث معها وإرسال رسالة لها ..كما يستطيع الحديث أو إرسال رسالة للإذاعة المنافسة أو المعادية التي سترحب به جداً إذا أخبرها أنه قد تم رفضه في الإذاعة الأولي.
• في ذات الوقت نشط الإتصال التداولي بين المستقبلين فرسائل الجوال تستطيع أن تنشر شائعة مضادة لشائعة بثتها فضائية أو إذاعة أو صحيفة ولذلك عاد مفهوم العقل الجماعي للبروز بقوة ليعلن أن المرسل مهما كان فإنه محاصر بعقل من آلاف المستقبلين ويستطيعون التعليق علي رسالته جماعياً وقد يكلفونه حجب مادة أو نشر مادة وهي خارج خطته الإعلامية .. لأنه لا يريد فقدانهم إلي المرسل المنافس !
• وهكذا لوعدنا لنص النظرية نجدها قد إختصرت لنا هذا بوضوح .. وأما القضية التي لابد من الوقوف عليها كثيراً هي مسألة (الحياد الإعلامي) التي بدأت كفكرة قابلة للتطبيق ثم أفرغها التطبيق من مضمونها فقد صار هناك (حياد إيجابي) و (حياد سلبي) و (حياد نسبي) و (حياد جزئي) و (حياد مؤقت) .. إذن فقد إنقسم الحياد إلي ذات الأقسام السابقة للحياد نفسه.
• إن نظرية العقدة في تقديري هي ثلاث عقد متداخلة:
الأولي: تأثير الإتصال العكسي والتداولي علي المرسل وإنشاء علاقة جديدة بينه وبين المستقبل تقوم علي الشراكة والندية والمباشرة.
الثانية: أن التوازن في المقدرات التقانية بين المرسل والمستقبل يبرز دوراً أكبر للمهارات البشرية وقد ذكرنا أشهر أمثلتها في نص النظرية وهي البلاغة والإرتجال والحفظ.
الثالثة: أن المرسل الآن متعدد فقد توجد صحيفة لا علاقة لها بأي فضائية والعكس يحدث ولكن هذا سيتغير فالمصدر لديه رسائل لا تصلح إلا عبر الأثير ورسائل لا تصلح إلا كتب ومدونات وهكذا.
ولذلك سيكسب الرهان من يفاجئ المصدر بمقدرته ألي إستيعاب كل رسائله عبر جامعة إعلامية بها المطبعة وبها القمر الصناعي وبها إستديو إنتاج الأفلام .. ولأن دور المصدر البشري صار أغلي من تلك الوسائط فهذا يعني إجتماعها هي من أجله.
العقدة الشاملة
• ان العقدة الاعلامية لن تكون وحيدة في مجال الاعلام وذلك لان المجالات الثلاثة (السياسية) و(الاقتصادية) و(الاجتماعية) تتأثر بالاعلام وتؤثر فيه والاعلام يطرح الثقافات والافكار المتوافقة مع قوالبه فاذا اتجه الاعلام نحو العودة للمفاهيم الطبيعية في أساس تكوينه الجديد فإنه سيتجه نحو طرح المفاهيم الطبيعية في السياسة والاقتصاد والاجتماع.
• وبذلك تكون العقدة الشاملة هي نتاج للعقدة الاعلامية وهنا نعتبرها أشبه بترس صغير في ماكينة تم انتزاعه فتوقفت الماكينة ثم تم إعادته فدارت الماكينة. ولذلك عودة المفاهيم الطبيعية المرتكزة علي الملكات الانسانية الفطرية في الاعلام تعني توجها كاملاً جديداً.
*إن قضية الحرية بأقسامها الثلاث (حرية سياسية)،(حرية إجتماعية)،(حرية إقتصادية) .. صارت مثل قضية الحياد فهي الآن حرية إيجابية وسلبية ونسبية ونحو ذلك !
*إن الحرية الآن في مجالاتها الثلاث حرية موجهة ....حرية مقيدة بقيود ناعمة أو بقبضة حديدية في قفاز مخملي..!
*ويؤدي إنشقاق الحرية الي الإقسام السابقة الي تحدٍ خطير جداً أمام فكرة (الديمقراطية) .. فالذي كان يؤمن ظهر (الحرية المنقسمة) ويستر لها عوراتها إعلام ماقبل العقدة.
ولكن بعد العقدة الإعلام لن يستوعب هذا النشاز عن المفاهيم الطبيعية وسيكشف ظهرها خلال فترة وجيزة جداً..تماماً مثل مجموعة من الرجال والنساء العرايا أو بالملابس الداخلية في غرفة مظلمة ثم فجأة أو بتدرج أسرع من النقاط الثياب وستر الأجساد يعود التيار الكهربائي ويفرض أوضاعاً جديدة.وهناك تساؤل عريض وهو: ماهي المفاهيم الطبيعية التي ستعود في السيلسة والإقتصاد والإجتماع ؟!
هذا ما سنجيب عليه لاحقاً.