ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
إلغاء الجنسيّة وعلاقة الرحم في فكر سيِّد قطب !! (2ـ2) بقلم محمد خير عوض الله
سودانيزاونلاين.كوم sudaneseonline.com 10/1/2005 10:58 ص
محمد خير عوض الله [email protected] من المؤكّد أنّ سيِّداً أنتج أفكاره في المفاصلة من واقع ما يُمكن أن نسمّيه (بفقه الأزمة) أزمته الخاصة ( التعذيب في سجون عبد الناصر) أو أزمة الأمة وهي ترزح تحت الاحتلال وتتسرّب من بين يديها رابطة الخلافة ، ذلك فضلاً عن أعراض الأزمة الأخرى مِن جهل ومرض وفقر ، وضعف وهوان .. أزمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ، ولذلك انشغل بترتيبات المفاصلة أكثر من انشغالِه باستنطاق (الحل الشامل) ، أو التأطير لفكر (المشترك الإنساني) الذي يُلامِسه دكتور الترابي في كثير من إنتاجه .. نواصل اليوم ما ذكرناه في المرّة الماضية عن إلغاء (الجنسيّة) في فكر سيِّد ، من خلال قراءة لمقطع واحد داخل كتيّبه (معالم في الطريق) وموجز العرض الماضي يتلخّص في الآتي : ـ 1/ جاء الإسلام ليرد الإنسان إلى ربه ، وليجعل هذه السلطة هي السلطة الوحيدة التي يتلقى منها موازينه وقيمه ، كما تلقى منها وجوده وحياته 2/ جاء ليقرر أن هناك وشيجة واحدة تربط الناس في الله فإذا انبتَّت هذه الوشيجة فلا صلة ولا مودة 3/ وأن هناك حزباً واحداً لله لا يتعدد ، وأحزاباً أخرى كلها للشيطان وللطاغوت 4/ وأن هناك طريقاً واحداً يصل إلى الله وكل طريق آخر لا يؤدي إليه 5/ وأن هناك نظاماً واحداً هو النظام الإسلامي وما عداه من النظم فهو جاهلية 6/ وأن هناك شريعة واحدة هي شريعة الله وما عداها فهو هوى 7/ وأن هناك حقاً واحداً لا يتعدد ، وما عداه فهو الضلال 8/ وأن هناك داراً واحدة هي دار الإسلام ، وما عداها فهو دار حرب 9/ جاء الإسلام ليرفع الإنسان ويخلصه من وشائج الأرض والطين ، ومن وشائج اللحم والدم - وهي من وشائج الأرض والطين 10/ فلا وطن للمسلم إلا الذي تقام فيه شريعة الله ، فتقوم الروابط بينه وبين سكانه على أساس الارتباط في الله 11/ ولا جنسية للمسلم إلا عقيدته التي تجعله عضواً في " الأمة المسلمة " في " دار الإسلام " 12/ ولا قرابة للمسلم إلا تلك التي تنبثق من العقيدة في الله... ليست قرابة المسلم أباه وأمه وأخاه وزوجه وعشيرته ، ما لم تنعقد الآصرة الأولى في الخالق ، فتتصل من ثم بالرحم في تقديري ، ومع احترامنا غير المحدود لشخص سيِّد ، فإنّ كثيراً من هذه (المسلّمات) صاغها ووضعها بطريقة مفخّخة ، وكثير مِنها انفجر فعلاً في السنوات الماضية (الشباب وفقاً لهذه النظريّة لا يعترفون بالحدود السياسيّة وسلطات الجوازات والتأشيرات ...الخ ، فيذهبون إلى أفغانستان أو غيرها ثمّ يجدون أنفسهم في ورطة حقيقيّة لم يتحسّبوا لها ، فيصبحون كالذراذير منتوفة الريش ، ولا يهم مادامت النوايا صادقة !!) هناك فرق بين الأمنية (وحدة المسلمين) وبين الواقع ( تقسيم المسلمين على دول وأنظمة) ولا يمكن أن نتغافل الواقع بامتطاء الأماني !! .. والأمثلة على التفخيخ كثيرة ، مثلاً الفقرة (2) أعلاه يقول فيها (هناك وشيجة واحدة تربط الناس في الله فإذا انبتَّت هذه الوشيجة فلا صلة ولا مودة) وسيّد يدري أنّ الوشائج بين (النّاس) لم يشترط الإسلام فيها اشتراطات (إيمانيّة) كالتي يسوقها ، تجوز معهم التجارة والمصاهرة وغيرها، دون أن تكون هذه الوشيجة (إيمانيّة) والأخطر حين يقول (فلا صلة ولا مودة) وكثيرون يمتلئون بهذا الزعم ، فكيف يبيح لي الإسلام أن أتزوّج مِن المسيحي ثمّ اضطّره لأضيق الطريق ؟ هذا سؤال يحتاج لجهد العلماء ليزيلوا التعارض بين الحديث المشار إليه وبين صريح القرآن في جواز الزواج من أهل الكتاب ، وإذا كان الزواج مِن أكبر روابط الصلة والمودة فكيف لسيِّد ـ رحمه الله ـ يقرر (فلا صلة ولا مودة)؟ ويقول في الفقرة (3) : (وأن هناك حزباً واحداً لله لا يتعدد ، وأحزاباً أخرى كلها للشيطان وللطاغوت) وهذا تفخيخ واضح ، النّاس في سياسة الدنيا متروكٌ لهُم التكيُّف بحسب سياقات الزمان والمكان وهو ما يكرره الجميع عن مرونة الدين وصلاحيّته لكل زمان ومكان ، فالقرآن الذي فصّل ساعات طرق الباب للزيارة في الظهيرة وغيرها ، ترك لنا تفاصيل أكبر باب وهو الحكم والسياسة ، ومن هنا جاءت الأحزاب في عصرنا الحالي كواحدة مِن أدوات التعاطي السياسي ، ودخول سيّد عليها من المعنى الآخر يجعلها كلّها (للشيطان والطاغوت) ! وليس من فكرٍ مُفخخ أوضح من هذا ، ولنا أن نسأل أيضاً : هل يجوز تسمية حزب (بحزب الله) ؟ هل يجوز أن نقول فوز حزب الله وسقوط حزب الله ؟ هذا أيضاً يدخل في الفكر المفخخ !! هكذا تتحدّث كل الفقرات (4،5،6،7) أعلاه ! أمّا في الفقرة (8) فهو يشعلها حرباً ولا يُبالي .. ذلك حين يقول بأنّ هناك داراً واحدة هي دار الإسلام وما عداها فهي دار حرب .. كيف نتعامل مع ما يُقرّه سيّد هُنا وما يُقرّره القرآن في الآية الثامنة من سورة الممتحنة ؟ (لَايَنْهَاكُم اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) وهذا عين ما يقوله ابن لادن حين قسم النّاس إلى فسطاطين .. وما هو الأفضل : الجلوس تحت لافتة سيّد رحمه الله في أنّ (ماعداه فهو دار حرب) أم الدخول في كل الديار ونشر الإسلام فيها على غرار ماتفعل الجاليات المسلمة اليوم في كل أنحاء المعمورة ؟ إنّ الحال اليوم وصل لدرجة أنّ إلغاء (حجاب) الفتيات في المدارس وموظفات الدولة في فرنسا حدثاً تشتغل عليه الدنيا كُلها لأكثر من عام كامل .. فهل كان يمكن أن يصل الإسلام إلى هذا الحد لو أنّ الفكر المهيمن هو فكر سيّد ؟ الإجابة مهما يكن النطق بها قاسياً عند البعض ، إلا أنها واضحة .. وسيّد نفسه يقول مواصلاً في السياق : (فلا وطن للمسلم إلا الذي تقام فيه شريعة الله ، فتقوم الروابط بينه وبين سكانه على أساس الارتباط في الله ، ولا جنسية للمسلم إلا عقيدته التي تجعله عضواً في " الأمة المسلمة " في " دار الإسلام ") طبعاً هذا كلام غريب جداً ! نقوله مهما كانت شخصيّة سيّد محببة بعاطفتها الصادقة الفيّاضة .. وتبقى الغرابة أكثر في الفقرة الأخيرة : (ولا قرابة للمسلم إلا تلك التي تنبثق من العقيدة في الله... ليست قرابة المسلم أباه وأمه وأخاه وزوجه وعشيرته ، ما لم تنعقد الآصرة الأولى في الخالق ، فتتصل من ثم بالرحم) !! طبعاً هو استند إلى الحديث الذي رواه ابن جرير عن طرد عبد الله بن أُبي بن سلول من بيتِه بواسطة ابنه إلى أن أتاه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يسمح لأبيه بدخول بيته ، لكن كيف نستشهِد بهذا الحديث في أنّ الإسلام جاء لتقطيع الصلات الرحميّة إلا وفقاً للعقيدة ؟ واستشهد سيّد كذلك بآيات عديدة وظّفها لمنطِقِه مثل قول الله تعالى :( إنّما المؤمنون إخوة) : (وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) وقصة ابن نوح : (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) وهكذا وظّف هذه الاستشهادات العديدة ليثبت تقطيع الإسلام للأرحام إلا إذا اتصلت بالعقيدة !! وقد دارت نقاشات عديدة حول هذه القضايا على أيّام حياتِه (رحمه الله) وقد ذكر هو نفسه في كتابِه (لماذا أعدموني) الذي أصدره (هشام ومحمد علي حافظ) الذين أسسا صحيفة الشرق الأوسط عام 1978م ، وفي ذلك الكتيِّب سرد سيِّد النقاشات التي دارت بينه وبين أعضاء في مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان حينما كانوا جميعاً في السجون وقالوا له أأنت قلت نحن في جاهليّة تشبه الجاهليّة التي سبقت الإسلام ؟ وكل عضو ملتزم عليه أن يبدأ بوالديه في البيت أولاً ؟ إلى آخر ما جاء ، وقد أجلى هو بنفسِه حقيقة ما يريد ، فهو يرى الجاهليّة لكن لا يدعوا لبداية الدعوة بالوالدين على أساس أنّهما في جاهليّة !! وهذه ملابسات يطول استعراضها بطبيعة الحال لكن المساحة لا تجوِّز ذلك .
