محمد خير عوض الله
[email protected]
قبل أيام فقط مرّت الذكرى الرابعة لحادثة 11سبتمبر ـ أو غزوتا واشنطون ومنهاتن كما يسمِّيها أصحابها ـ ويتناسب مع مرورها كل عام تجديد التساؤل : هل يعكف التيّار الإسلامي على قراءة خياراته ؟ للأسف الشديد ، فإنّ التساؤل نفسه كان يُمكن أن يجد الإجابة الصائبة الحكيمة قبل 57 عاماً حينما نسبت عمليّة اغتيال القاضي أحمد الخازندار في مارس 1948م للتنظيم الخاص لجماعة الإخوان المسلمين المصريّة لأنّه أصدر أحكاماً قاسية بحق مجموعة منهُم كانت بحوزتِها متفجِّرات ! أو اغتيال رئيس وزراء مصر نفسه (محمد فهمي النقراشي) لأنه أمر بحل تنظيم الإخوان ..! كان يمكن للتساؤل أعلاه ـ عن خيارات التيار الإسلامي ـ أن يجد الإجابة الصائبة منذ تلك التواريخ البعيدة ، غير أنّه ـ للأسف الشديد ـ ظلّ يتخبّط ويسير بلا دراسات ناضجة ليكون حظّه من الفعل ـ دوماً ـ القتل والتفخيخ والتفجير ! إنّه لأمر محزن ومُخزٍ أن تتحدث كتب ومقالات الإسلاميين دوماً عن (مخططات وبروتوكولات بني صهيون) وهيمنتهم على المال والسلاح والإعلام ، ثمّ يكون نصيبهم من التخطيط والتنفيذ ـ أي الإسلاميين ـ البلطجة والتباكي وتحيُّن فرص الانفجار ! وإن كان مِن استثناء في هذا السياق ، فإنّ تاجاً كبيراً ينبغي أن يوضع على رأس الدكتور الترابي هنا في السودان ، ونجم الدين أربكان في تركيا ، وكان يمكن لراشد الغنوشي أن يكون معهما ، وبعيداً عن الخلاف السياسي أو الحزبي ، فإنّ شكر د.الترابي في هذا الخصوص ينبغي أن يأتي من الشعب السوداني كلّه لأنّ سوء مسلك الحركة الإسلاميّة السودانيّة (إباحة القتل ) كان سيأتي وبالاً على البلاد كلّها كما حدث ويحدث في الجزائر التي ظلّت تسبح في دمائها لأكثر من عقد كامل ! وليس من مبالغة في إرجاع معظم الفضل لدكتور الترابي فذلك حديث رموز الحركة كلّهم بلا استثناء ، فقد استطاع أن يقودها بحكمة ونظرة ثاقبة وبعد استراتيجي جبّار فرّخ مئات المتخصصين في الاقتصاد والإعلام والطب والهندسة والكيمياء والثقافة والشعر وغيرها ، وقصدت من هذه التوسعة أن نعطي الرجل حقّه مثلما رأينا تخبّطه في سياسة البلاد حينما كان المرجع والمسيطر، فتلك تفاصيل أُخرى بينّاها سابقاً ، أمّا مدحه في سياق ذكرى التفجيرات وأحداث سبتمبر فينبغي أن يكون من كل الطيف السياسي ، لأنّه كان بإمكانه أن يرفد المجتمع بحركة دمويّة كالجماعة الإسلاميّة المصريّة وجماعة الجهاد التي كان يقودها دكتور الظواهري والجماعة السلفيّة للدعوة والقتال في الجزائر وغيرها ، حتى التنظير والتأليف ، كان يمكنه أن يطرّز أجمل الكتيّبات التحفيزية كالتي ألّفها سيّد قطب (رحمه الله ) وهي من أنواع التأليف المحببة للشباب ، لا أن يوطِّن ثقافة (الجائز فقهيّاً ) و (التسامح الفقهي) التي تأخذ بالجائز وتتحرى الأيسر (الحجاب لا النقاب) (الفن في الإسلام) (لا إكراه في الدين) (تجديد الأصول) (الشعبويّة لا الصفويّة) (الانتصار للمرأة) ...الخ ، وهكذا في مثل هذا الاستعراض تتجلّى أفضال دكتور الترابي على الحركة الإسلاميّة وعلى المحيط الإسلامي وإن أعمت الاختلافات بصيرة منتقديه ورفضوا ذلك في حقّه . يقول الدكتور أيمن الظواهري في كتابه (فرسان تحت راية النبي) الذي سرّبه من أفغانستان بعد أحداث سبتمبر ونشرته الشرق الأوسط على حلقات وشن فيه حرباً شرسة على تنظيم الإخوان المسلمين : (أبرز نقاط الانتحار السياسي والعقائدي لجماعة الإخوان المسلمين هي مبايعة رئيس الجمهورية في سنة 1987م. الحركة أسقطت كل تاريخها في النضال بما يحتويه هذا التاريخ من دماء الشهداء وقروح المعذبين ووجل المطاردين، بل وبكل ما يتضمنه هذا التاريخ من تمسكها بمبادئها وعقيدتها ... إنها تسلخ نفسها من تاريخها لتخرج خلقـًا جديدًا منبت الصلة بأصله متهالكـًا على حاضره جانحـًا في مستقبله) تخيّلوا أنّ الحركة أصبحت خلقاً جديداً منبت الصلة بأصله فقط لأنّها (بايعت) رئيس الجمهوريّة ! هكذا يفكّر الظواهري ، وكان قد ألّف كتابه (الحصاد المر) كلّه نقداً للإخوان على مبايعتهم للرئيس عام 1987م لكنّه في كتابه الأخير ( فرسان تحت راية النبي) يقدّم مسحاً تاريخيّاً (لمنجزات) جماعته ، وهذه المنجزات بالطبع تقتيل وتفجير ليس إلا !! يقول في هذا الكتاب : (في مطلع التسعينات حدث تطور مهم وهو القبض على عدد كبير من إخواننا في جماعة الجهاد وتقديم ثمانمائة منهم إلى المحاكم العسكرية في ما عرف بقضايا طلائع الفتح وحكمت المحكمة على أربعة منهم بالإعدام فقررنا أن ندخل معركة المواجهة مع الحكومة بعد أن كان خطنا السابق هو الانتشار وتجنيد العناصر استعدادًا لمعركة التغيير ... كان ردنا هو الهجوم على موكب وزير الداخلية حسن الألفي بدراجة نارية ملغومة ونجا الوزير من الموت ولم يصب إلا بكسر مضاعف في ذراعه، وحالت بينه وبين الموت كومة من الملفات كان يضعها إلى جانبه استقرت بها الشظايا، وتلا ذلك هجوم على وزير الإعلام صفوت الشريف ونجا وزير الإعلام من الكمين، ونجا قائد المنطقة العسكرية المركزية من هجوم الجماعة لأن سيارته كانت مصفحة ... كما قام إخواننا في جماعة الجهاد بالهجوم على موكب رئيس الوزراء عاطف صدقي بسيارة ملغومة ولكن رئيس الوزراء نجا من الهجوم بخروج سيارته من دائرة الانفجار بأجزاء من الثانية وقد نتج عن الهجوم مقتل طفلة تدعى شيماء كانت تلميذة في مدرسة مجاورة ) وقال إنه مستعد لدفع ديتها...!! ولا أدري هل يحتاج هذا الأمر إلى تعليق ...؟ محاولة اغتيال وزير الداخلية حسن الألفي وقبله ـ لم يذكرها ـ وزير الداخليّة أيضاً زكي بدر في ديسمبر1989م ووزير الإعلام صفوت الشريف عام 1993م والقائد العسكري ورئيس الوزراء بل رئيس الجمهورية جرت محاولة اغتياله الشهيرة في يونيو 1995م بواسطة (أبو حازم) مصطفى حمزة الذي كان يقيم في السودان مع الظواهري قبل أن يطردوا حينما تنبّه النظام لخطورة مسلكهم ... هل هذا هو المنهج السليم ...؟ هل تقر الشريعة الإسلامية هذا النهج؟ هل كان نهج الرسل والأنبياء وهم يدعون قومهم ويقودون عمليات التغيير بهذه الطريقة ...؟ في المرة القادمة نواصل