محمد خير عوض الله
[email protected]
بدأت قصة الأفغان العرب ـ كما هو معروف ـ بعد اجتياح الروس لأفغانستان عام 1979م ، في ظل صراع النفوذ أو ( الحرب الباردة ) وكان المتطوعون من المسلمين في مناصرة الأفغان معظمهم من العرب بقيادة الداعية المعروف عبد الله عزام ـ رحمه الله ـ الذي قدم عام 1982م إلى أفغانستان منتدبـاً من رابطة العالم الإسلامي للجامعة الإسلامية العالمية في إسلام أباد ، وفي عام 1984م تفرغ تماماً لحشد المجاهدين لجهاد الروس ، ونجح بالفعل في مخاطبة (الضمير الحركي) في التيار الإسلامي ، وظلّ كذلك حتى اغتيل في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 1989م إثر انفجار لغم في سيّارته هو وابنه حينما كان في طريقه لإمامة صلاة الجمعة .. كانت الأمور شبه طبيعيّة ، حيث تشارك الدول والحكومات في مد يد العون والسلاح ل(لجهاد الأفغاني) كما كانت التسمية ، لكن الدّارس لهذا الشأن يعرف أنّه بدأت تظهر الكثير من الأفكار المتطرفة لدى هؤلاء (المهاجرين) ... فقد جاءت فكرة (الخلافة الإسلامية) من الفلسطيني الأصل (أبو عثمان) الذي يحمل الجنسيتين الأمريكية والباكستانية ولأنه ليس من (أهل البيت) كما تقول شروط الخلافة ، فقد وقع الاختيار على محمد الرفاعي (أبو همام( ، وكان ذلك عام 1992م وذهبوا بالفعل لبعض القبائل الباكستانية ليعلنوا من هناك مشروع (الخلافة) ، لكن حدثت اشتباكات أدت إلى مقتل 10 من أفراد الخلافة، ثم تشتتت الجماعة!! وغيرها كانت جماعة «العمائم السود» من الذين يدعون إلى لبس العمائم السوداء وركوب الخيل !! ثم ظهرت (جماعة الفطرة) من الذين يدعون إلى (الحياة البدائية) التي تتوفّر سماتها في ( المشي من دون نعال) و(تحريم ركوب السيارات) و(أن الملابس المصنوعة تؤدي إلى فساد القلوب)!! وكانت هناك جماعة (التكفير) التي تولاها الجزائري الدكتور أحمد الجزائري وأبو مصعب السوري ( الأخير مطارد وكان قد اشتبه في صلته بتفجيرات لندن الأخيرة ، وله كتاب يحكي فيه قصص الأفغان العرب) و كانت باكستان قد شنت في يوم 6 أبريل/نيسان 1993م حملة لرصدهم توصلت إلى أن المقيمين في بيشاور وحدها 2830 عربيـًا ، كانت هذه (البدايات الوسطى) لمسألة الأفغان العرب ، لأنّ (البدايات الأولى) ترجع للانتماءات المسبقة التي كانت تنضوي تحتها كل مجموعة ، فمثلاً مجموعة د. الظواهري الحاليّة تتكوّن من ائتلاف مجموعة (الجهاد) التي كان يتزعمها هو ، مع (الجماعة الإسلاميّة) التي كان يتزعمها الشيخ عمر عبد الرحمن
ففي العام 1979م ـ مثلاً ـ كان نشاط الجماعة في الصعيد يقتصر فقط على إحياء الخطاب الإسلامي «الدعوة» ثم تطوّر إلى تقديم الخدمات الاجتماعية وإنشاء الأسواق الخيرية... وبعد أن أتى الشيخ عمر عبد الرحمن (سجين الآن بأمريكا) من السعودية عام 1980م، التقى به شباب الجماعة الإسلامية وعرضوا عليه أن يكون مرشدها ويكون محمد عبد السلام فرج ( أعدم في قضية مقتل الرئيس السادات ) رئيسـًا لمجلس الشورى ... فوافق الشيخ عمر عبد الرحمن وتكون مجلس الشورى من كرم زهدي وناجح إبراهيم وطلعت فؤاد وحمدي عبد الرحمن ورفاعي أحمد طه وعبود الزمر وأخيه طارق الزمر(معظمهم في السجن وقد ألفوا كتيّبات المراجعات الشهيرة منذ ثلاثة أعوام ولا يزالون يكتبون في هذه المراجعات ) وهذا شكل تحالف ودمج (للجماعة) و (الجهاد) في عام 1980م في أجزاء فقط من مصر وليس كلها... وكانت فكرة الجهاد «الحالي» أقدم من ذلك ، فهي تعود إلى العام 1966م على إثر إيقاع أفكار سيد قطب التي بلورها كل ـ من وكيل النيابة وقتها ـ يحيى هاشم وإسماعيل طنطاوي وعصام القمري وأيمن الظواهري وجعلوا استراتيجيتهم تقوم على «السرية» وهؤلاء لم يكن لهم أية صلة بالأعمال المنسوبة إلى (صالح سرية) صاحب (كتاب الإيمان) وعملية الفنية العسكرية 1974م ... كما ليس لهم أية علاقة بتنظيم (محمد سالم رحال) الذي تم إخماده عام 1977م وإن عادت إليه معظم الأفكار التنظيمية لــ «الجهاد» الحالي الذي يقوده د.أيمن الظواهري ... ويمكن القول كذلك بأن تغلغل تنظيم الجهاد إلى المؤسسة العسكرية كان مبكرًا ... ولم يكتشف إلا في عام 1981م حينما تم القبض على 14 ضابطـًا وتمت محاكمتهم بغير إدانة ـ منهم الآن قادة في تنظيم القاعدة في أفغانستان «عبد العزيز الجمل ـ عوني عبد المجيد» ـ وفي عام 1987م تم القبض على 15 ضابطـًا وأقيلوا من الخدمة ... وهذا يعني أن أفكار وأعمال الدكتور أيمن الظواهري ليست جديدة ، ولد د.الظواهري في يوم 19 يونيو/حزيران 1951م ، ودرس الطب وتخرج عام 1974م بتقدير جيد جدًا وحصل على الماجستير في الجراحة من جامعة القاهرة عام 1978م ومارس عمله مداويـًا ، ثمّ تزوج في عام 1979م ليذهب بعد عام فقط إلى أفغانستان 1980م) ثمّ يعود ليقبض عليه في قضية مقتل السادات 1981م ويمضي في السجن ثلاث سنوات ثم يعود إلى أفغانستان منتصف عام 1985م ليداوي جرحى الحرب ويستغل الساحة الأفغانية لتدريب أعضاء (تنظيم الجهاد) ثم لينشئ مع ابن لادن( الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والأمريكان) في فبراير1998م . وإذا تنقلنا على تنظيمات (العنف الإسلامي) الأخرى ، نجدها تشابه هذا التكوين ، ففي الجزائر ـ مثلاً ـ ظهر التيار المتشدد مع الجماعات المسلحة في عام 1982م بقيادة الشيخ مصطفى بويعلى الذي قاد التمرد على الحكومة حتى عام 1987م ومن ضمن أنصاره علي وعبد القادر شبوطي ... ثم ظهر المنادون بالخروج عن التنظيم العالمي للإخوان ... ومن عرفوا بتيار «الجزأرة» ومنه رابح كبير وعبد القادر حشاني ومنصوري ملياني مؤسس «الجماعة الإسلامية المسلحة» وعلى الرغم من أن أحداث الجزائر المؤسفة عبارة عن شراكة بين التدخلات والمؤامرات الخارجية والجيش الجزائري نفسه إلا أن شريكـًا قويـًا كان في الساحة ، وللأسف الشديد هو «الجزائريون الأفغان» الذين عادوا وأسسوا في عام 1992م «الجماعة الجزائرية المسلحة» وأسندت قيادتها لــ جعفر الأفغاني وعدد من «المجاهدين» ونسبت إليهم: ( خطف أعضاء السفارة الفرنسية بالجزائر عام 1993م.( (محاولة اغتيال وزير الدفاع السابق الجنرال خالد نزار)) محاولة تفجير مطار هواري بومدين عام 1993م( (قتل 12 كرواتيـًا بالجزائر (وغير ذلك من أعمال القتل والخطف ، وليتبرأ الجيش الإسلامي للإنقاذ من أعمال القتل أعلن عن حل نفسه عام 1997م فخفت على إثر ذلك أعمال الجماعة المسلحة ثم حاولت إحياء النشاط بعد إسناد القيادة لــ قمر الدين خربان الحاصل على اللجوء السياسي من بريطانيا ـ وقد كان أحد قادة ابن لادن العسكريين في أفغانستان ومسؤولاً عن مراكز التدريب. أمّا في اليمن فإنّك ستجد الأعداد الأكبر من (الأفغان العرب) حيث كان لهم أيام ـ الحرب الأفغانية ـ معسكرات خاصة بهم وكان لهم دور مهم في الحرب اليمنية عام 1994م ... ثم ظهر (جيش عدن أبين) الذي أعلن تأييده لأسامة بن لادن وتنظيم القاعدة بعد تدمير السفارتين الأمريكيتين في نيروبي ودار السلام في أغسطس 1998م ثم كان تدمير المدمرة الأمريكية كول في عدن عام 2000م حيث أعلنت السلطات اليمنية أنهم أفغان عرب .. وهكذا سنجد البدايات متشابهة في بقيّة الأقطار العربيّة ، ولا شك أنّ الأفغان العرب عاشوا محنناً قاسية ، فقد راح الكثير منهم في (مذبحة سجن قلعة جانجي) في عام 2001م ... ومذبحة الأسرى في مزار الشريف وكثيرون في سجون كابول ... والبقية في جبال تورابور ... وأخيراً مأساة غوانتنامو التي لا تزال ، إنها بالفعل مأساة .. لكن المأساة الأكبر في الفهم المغلوط والمفاهيم المفخخة ، ماذا استفاد هؤلاء ؟ كم ربح الإسلام وكم خسر ؟ وهنا يكون المحك ..!