بالله عليكم , قولوا لي بتجرد وفي لحظة صدق ولو لمرة في حياتكم الفانية هذه, كم من انتفاضة او ثورة كان للمثقفين دور تحريكها والخروج فيها ميدانيا لمقابلة الرصاص والهراوات داخل المدن , او لتلقي ضربات الطائرات والمششي علي الالغام وافتراش الأرض والتحاف السماء في زمهرير البرد مع التضور جوعا وعطشا هناك في ميادين القتال والاحراش وسط الذباب والناموس وبين الاسود والثعابين ؟ومن من المثقفين ذاق مرارة حرمان المال والولد سنينا حسوما ؟حتي اذا ما نجحت الثورات والانتفاضات ظهروا وعلي اعناقهم اخر صيحات اربطة الاعناق, بدل حبال المشانق التي راح ضحيتها القليل جدا منهم وغالبية الغبش الذين هم وقود كل ثورة او ثورة مضادة من الجنود او الثوار الذين يساقون زمرا الي المقصلة والمشنقة او الي "الدروة"( وهو مكان اطلاق الرصاص علي الجنود والضباط ان لم يعرفه المثقف),ويبداون في تكالب مخزي علي المناصب والغنائم .
فمنذ بدء التاريخ كان المستضعفون دائما السباقين الي الثورة علي الظلم الذي دائما ما يمثله السلطان الطاغي ومن حوله من مترفي المدينة. فكان نوح وموسي ولوط في البدء ومعهم المستضعفون , ضد فرعون ومن معه , ثم جاء النبي الاعظم محمد عليه الصلاة والسلام فما ناصره الا امثال بلال وال ياسر ضد ابي جهل وابي لهب من السادة ومترفي قريش.وفي التاريخ الحديث كانت الثورة الفرنسية , المستضعفين ضد ماري انطوانيت وحاشيتها.
وفي السودان كانت اكتوبر وابريل التي بداها المستضعفون من "الشماسة" ثم تلقفها المثقفون عندما نضجت واستوت , وعندما نجحت الانتفاضة , الغي المثقفون في مجلس الوزراء الانتقالي كل القوانين ما عدا تلك التي تصب في مصلحتهم من استيراد سيارات لاعضاء المجلس بدون جمارك, وتم نسي ال"شماسة".
والان , ظل مثقفو دارفور وباقي السودان يشكون مر الشكوي من ظلم واذلال عصابة الانقاذ , وكله كلام في كلام, حتي اذا ما ضاقت عليهم الارض بما رحبت وضاقت عليهم انفسهم, هرعوا الي من؟ الي المستضعفين القابضين علي الزناد في احراش الجنوب, هرعوا الي جيش جون قرنق , ليس هناك في الاحراش, ولكن الي القاهرة ولندن فيما يسمي بالتجمع الوطني, حتي اذا ما تمت نيفاشا وذهب عنهم قرنق وجيشه , تقطعت بهم السبل ,. ولكن لان مقصدهم في الاصل المناصب والراحة والدعة التي الفوها , جاءوا مجرجرين اذيال الخيبة مطاطئي الرؤوس ليتنازعوا فتات المائدة وحتي هذه اللحظة لم يحسموا امرهم.
وعندما هب فتية لم يرتضوا الذل والقهر والتهميش من ابناء دارفور , واذاقوا عصابة الانقاذ الضربة الموجعة تلو الاخري, احس كثير من المثقفين داخل وخارج البلاد بشيئ من عودة الكرامة المسلوبة فهللوا فرحا وطربا وامتلات ساحات الانترنت والصحف بكثير الكلام ومختلف النظريات والتحليلات , وخرجت البيانات والمقالات بعضها مثبط للهمم وبعضها متوجس خيفة ومتشكك في نجاح هكذا ثورة ضد نظام باطش , حتي اذا ما تاكد لهم صلابة عود الثورة وقوة شكيمة الثوار , بدات اقلام المثقفين هؤلاء تستقطب قادة الثورة الي ان زينوا لرئيسها "المثقف" بانه قد انتهي دور البندقية وجاء دور "الثقافة والقيافة" فصار لا يلتفت الي جنوده الجوعي والقابعين في العراء تحت رحمة قنابل الحكومة , حتي انه لم يذعن الي طلبهم مقابلته في الميدان وحتي عندما اتوه في ليبيا.
والان وبعد ان يئس قادة الحركة من الصلاح ودعوا الي مؤتمر حاسم ومؤسسية فاعلة , انبري المثقفون يشقون الصفوف بكتاباتهم وبياناتهم, وبعد ان انفض المؤتمر, راينا من البيانات ما يدعو المرء ليظن بان معارك طاحنة سوف تبدا في الميدان, واصحاب البيانات والمقالات هذه كتبوها وايديهم اليمني قابضة علي البيبسي او الفودكا او مخروط من الايسكريم, واليسري علي سيجارة او سيجار ,هناك في كندا او لندن او بروكسل, ولا احد منهم ابدا قد سبق له ان قبض علي زناد كلاشينكوف او التحف السماء في زمهرير برد شمال دارفور الذي يحرق اوراق الشجر في الصباح الباكر. بل لا احد منهم فكر مة ان يرسل شيئ من دولاراته او استرلينه الي الابطال الاشاوس الصابرين في العراء. هم يذكون نار الفتنة ولا جيش لهم ولا بندقية او حتي سكينة في منازلهم يدافعوا بها عن انفسهم في بلاد الخواجات.
يا مثقف, يامن تفلح في الكلام المنمق والسفسطة الفارغة وانت داخل غرفتك المكيفة صيفا والمدفاة شتاءا, وثلاجتك ملاي بافخاذ الدجاج وزجاجات الببسي , وطاولة طعامك مفروشة بالخبز الطري وسلال الفاكهة, كف عن هذه البيانات والمقالات التي تهدد فيها بحروب ومعارك لست قادرا علي ادارتها او المشاركة فيها ان هي فعلا حدثت. وان كنت لا زلت مصرا , فاجمع امثالك من المثقفين الذين يكتبون مثل كتاباتك ويدبجون مثل بياناتك , واظنهم كثر, وغادروا كندا واوربا واستراليا والخليج او حيثما كنتم , واذهبوا الي الميدان واحملوا السلاح وكونوا "حركة" اخري اقوي من التي في الميدان , سواء ان كانت عدل ومساواة اوتحرير السودان, وقاتلوا الحكومة حتي تقنعونا وتقنعوا العالم بانكم اهل للجلوس علي طاولة المفاوضات, وعندها فقط سيكون لبياناتكم وقع ولمقالاتكم معني ولكم قيمة.
محمد احمد معاذ
البحرين