اندلعت أعمال عنف شديدة في باريس يوم 27 أكتوبر الماضي بعد مقتل شابين من أصول عربية وافريقية، وقد اعتقلت الشرطة أكثر من 1400 شاب ونشرت فوات الأمن في أنحاء باريس، ولكنها لم تتمكن من تهدئة الوضع بل امتد العنف إلى مدن خارج باريس، وأصبحت أوروبا قلقة من أن تمتد أعمال العنف إلى الدول المجاورة. وقد أصابت هذه الأحداث أوروبا بصدمة شديدة فهؤلاء الشباب الذين قاموا بهذه الأعمال هم من الجيل الثالث من المهاجرين، فهم أبناء أوروبا، إذ ولدوا ونشأوا في فرنسا وتعلموا في مدارس فرنسية.
وقد ألقت بعض الجهات اللوم على سياسات الحكومة الفرنسية كمسبب لهذه الاحداث، ولكن الغالبية العظمى في وسائل الإعلام انتقدت هؤلاء الشباب ولامت العرب والمسلمين لنكرانهم جميل فرنسا التي احتضنتهم ورعتهم. و كان أقوى هجوم من قبل وزير الداخلية الفرنسي نيكولا ساركوزي، وهو احد المرشحين لرئاسة فرنسا عام 2007، حيث وصف هؤلاء الشباب بالحثالة .
ويدور نقاش شديد في أوروبا حول هذا الشباب المسلم ، ففي بريطانيا عرضت القناة التلفزيونية الرابعة يوم 24/10 برنامجا بعنوان "الشباب المسلم الغاضب"، وصف فيه مذيع البرنامج المسلمين قائلاً: " إن الجالية الإسلامية هي من أفقر الجاليات في بريطانيا واقلها تعليما وتنتشر فيها البطالة بشدة" وعزى مقدم البرنامج كل ذلك إلى ضياع الهوية عند المسلمين، فهو يرى أن هذا الشباب اليائس لم يستطع الاندماج في المجتمع وثار عليه فأصبح فريسة سهلة تستغلها الجماعات "المتطرفة".
إن الواقع يدحض هذه الأكاذيب فعندما تتاح فرصة ما للمسلمين فإننا نجد أنهم ينجحون وبامتياز، وهاهي جامعات بريطانيا ممتلئة بالمسلمين. والجماعات الإسلامية التي يهاجمها الإعلام تتركز أكثر أنشطتها بين المثقفين والطلبة، وقد اعترفت وزيرة التعليم البريطانية بهذا قائلة إن هذه الجماعات "تنشط في ثلاثين جامعة بريطانية". وبدلا من محاورة هذه الجماعات ودحض فكرهم فقد دعت الوزيرة الجامعات إلى منعهم من تنظيم المحاضرات والمناظرات. وبدأت الجامعات بتطبيق هذا الأمر فعلا، ففي شهر سبتمبر الماضي منعت جامعة ميدلسيكس بلندن محاضرة لحزب التحرير، وقد دخلت إدارة الجامعة في صراع طويل مع اتحاد الطلبة الجامعي بسبب هذه المحاضرة. وهذا الاتحاد ليس مكونا من المسلمين، ورغم ذلك فقد أصرت إدارته على عقد تلك الندوة، ما تسبب بطرد الجامعة لرئيس الاتحاد الطلابي فيها (صحيفة الغارديان 29/9/2005).
أما بالنسبة للبطالة فقد نشرت صحيفة الاندبندنت البريطانية في 11/9 مقالة عن " تغلغل" المسلمين في الشركات الأوروبية والأمريكية بشكل كبير. والواقع يشير إلى أن شريحة لا بأس بها من المسلمين في أوروبا وأميركا قد نجحت أكاديميا واقتصاديا، وتبوأت مراكز مهمة وكبيرة. واما معاناة الشريحة الأوسع من المسلمين فإنما يرجع إلى التمييز العنصري الواضح ضد المسلمين، ففي فرنسا يواجه المسلمون صعوبة بالغة في الحصول على عمل بسبب أسمائهم وسحنتهم العربية حتى ولو كانوا من حملة الشهادات العليا، ولذلك يضطرون للقيام بأشغال هامشية ويعيشون في احياء فقيرة.
أما بالنسبة لقضية الهوية عند الشاب المسلم، فالهوية هي القيم التي يعتنقها الشباب ويعيش حياته على أساسها، وتتمثل هذه بالإسلام، والمسلم في أوروبا ليس بفاقدٍ الهوية كما يدعون، إنما هو يحارب بشكل لا هوادة فيه بسبب هويته، وهذا ما شاهدناه جليا في قضية الحجاب في فرنسا والمانيا والقوانين الجديدة في بريطانيا التي تجرم انتقاد "إسرائيل"، وتجرم تأييد مقاومة الاحتلال في العراق حتى ولو كان بمجرد الكلام . بل إن تشبث هؤلاء الشباب بهويتهم كمبدأ لهم، جعلهم ذلك يكتسبون أنصاراً لهم في المجتمعات الغربية وقد اعتنق العديد من الغربيين الإسلام على أيديهم.
إن أس المشكلة هي النظرة الاستعمارية والاستعبادية والدونية التي يحملها الغرب ويمارسها بحق المسلمين ومالم تتغير هذه النظرة فستبقى المشكلة قائمة بكل تأكيد بانتظار المزيد من الثورات كتلك التي نشاهدها في باريس.
المهندس طارق حمدي [email protected]
8/11/2005