![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
بقلم دكتور/ محمد زين العابدين عثمان
المفاجأة الوحيدة التى صاحبت ولادة حكومة الفترة الانتقالية المتعسرة هى عودة اللواء عبد الرحيم محمد حسين وزير الداخلية السبق المستقيل لتحمله للخطأ الفادح الذى ارتكبه فى حق اموال الشعب السودانى دافع الضرائب وذلك بانهيار مبنى أو عمارة جامعة الرباط. رجع اللواء عبد الرحيم محمد حسين للحكم مترقياً لرتبة الفريق ووزيراً للدفاع جزاءً له على عمائله وأخطائه كوزير للداخلية. وهذا الرجوع لوزير قد ترك السلطة بخطأ يتحمل مسئوليته هو كاملة لم يحدث فى كل دول العالم المتقدم منها والمتخلفن، النامى منها والمتطور اللهم الا فى ظل حكم الانقاذ هذا والذى ابتدع بدعة له أجرها وأجر من عمل بها من دول العالم الأول والثالث الى يوم القيامة. هذا اذا أضفنا أن تقرير لجنة التحقيق فى مبنى جامعة اللاباط والتى كونها النائب العم لم تبرئ ساحة الوزير المستقيل من الجرم أو الخطأ كما أن القضية لم يحكم فيها القضاء السودانى بعد وما زالت اجراءات المحاكمة مستمرة فكيف تسنى لحكام الانقاذ أن يأتوا بوزير مستقيل وما زالت القضية التى أدت الى استقالته لم يفصل فيها القضاء بعد وكأن حواء السودانية لم تلد غير اللواء عبد الرحيم أو كأن الانقاذ قد نضب معينها من الرجال والكوادر؟ ومهما يكن دور اللواء عبد الرحيم محمد حسين فى المشاركة فى انقلاب يونيو 1989 أو تدعيم أركان حكم هذا الانقلاب فليس هذا مبرراً بأن تعاد الكرة مرة أخرى. وهل عدمت الانقاذ من بنيها وفلذات أكبادها من يمكن أن يحل محل اللواء عبد الرحيم؟ أم هذه موازنات صراعات السلطة الداخلية؟ ومهما كانت علاقة اللواء عبد الرحيم الشخصية أو العامة بالسيد رئيس الجمهورية المشير عمر حسن احمد البشير فهذا أيضاً ليس بالمبرر الذى يعيد هذا الرجل لموقع السلطة مرة أخرى، اللهم الا أنيكون اللواء عبد الرحيم يعرف كل البئر وغطاها فى أضابير حكم الانقاذ وله اليد الطولى على الجميع ويعرف من الاسرار ما يجعل استرضائه أمراً واجباً وبذلك يكون قد فرض نفسه وقبل برغم كل علاته. واذا كان اللواء عبد الرحيم باراً فعلاً بالانقاذ لأعتذر عن هذا التكليف نهيك عن السعى له ولجنب اخوته ورفاق دربه فى حكومة الانقاذ كثيراً من القيل والقال وكثيراً من الحرج أمام جماهير الشعب السودانى. وقد ذهبت مجالس الخرطوم وكل مدن وقرى السودان على امتداده تطرح السؤال الذى لا يجدون له اجابة لماذا عاد اللواء عبد الرحيم للسلطة بعد أن اعتذر واستقال؟ وذهبت فى هذا المضمار تأويلات شتى لأن ولى أمر البلاد لم يقل للناس لماذا فعل هذا؟ واذا كان لا يريد أن يتخلى عنه لماذا قبل استقالته منذ البداية؟ وهل كان يعتقد السيد الرئيس أن قبول الاستقالة هى انحناءة قليلة للعاصفة وتعود حليمة لعادتها القديمة وأن ذاكرة الشعب السودانى خربة كالغربال لا تذكر ما يحدث البارحة ناهيك عن حدث مرت عليه أكثر من أربعة شهور حتى اعادة تعيين اللواء وفى منصب ارفع وخطير وحساس هو وزارة الدفاع المربوط بها أمن الوطن كله وتحتاج للقوى الأمين.
نعود بعد هذه المقدمة لعنوان المقال وهو بتولى اللواء عبد الرحيم لوزارة الدفاع هل سيقوم بتحويلها الى مجموعة وزارات كما فعل مع وزارة الداخلية والتى تحولت فى عهده بقدرة قادر من وزارة المنط بها حفظ أمن المواطن وتنظيم سلوكه العام حسب ما تحدده القوانين الى وزارة تجارة تجبى التاوات فى المرور وفى الجوازات وفى التأشيرات وفى الكشات وتحويل الجزء الأكبر من هذه الجبايات لهذه الانشاءات التى انهارت والذى يورد لوزارة المالية الجزء القليل وهو اختلال فى النظام المحاسبى فى السودان والذى من المفترض أن تصل فيه كل الايرادات لوزارة المالية المركزية ومن بعد ذلك يتم توزيعها فى الموازنة العامة على الوزارات والمصالح الحكومية المختلفة لبنود الصرف الثلاثة فى الفصول الأول والثانى والثالث.
بوصول كل هذا المال من الايرادات خارج وزارة المالية جعل السيد وزير الداخلية عبد الرحيم محمد حسين لتحويل وزارة الداخلية الى وزارة صحة وذلك بانشاء المستشفيات من ساهرون وغيرها وهو عمل من صميم وزارة الصحة الاتحادية حتى ولو أرادت أن تنشئ مستشفى خاصة بالشرطة كان يجب أن يكون انشاؤها بواسطة وزارة الصحة وبتصديق مجلس الوزراء وعلى أن تقوم تقوم بالانشاءات وزارة التشييد والاشغال العامة ( التى أصبحت فى خبر كان فى عهد الانقاذ) بكل مهندسيها وفنييها وعلى أن تقوم بالصرف على كل ذلك وزارة المالية الاتحادية. وأيضاً فقد حول اللواء عبد الرحيم وزارة الداخلية الى وزارة تعليم عالى وذلك بانشاء الجامعات فقام بانشاء جامعة الرباط صاحبة الكارثة. وهذا عمل من صميم عمل وزارة التعليم العالى حتى ولو ارادت أن تنشئ جامعة متخصصة فى مجال العلوم الشرطية وليس الأطباء الذين يمكن أن يتخرجوا من الجامعات المختلفة ويعملوا بمستشفى للشرطة كما هو حادث فى المستشفى العسكرى التابع للقوات المسلحة. ولو استمر اللواء عبد الرحيم طويلاً فى وزارة الداخلية ذات مال الجبايات الكثير والسائب لتغول على كل الوزارات وهصبحت وزارة الداخلية مجلس وزراء بحاله ولابتلع وزارة الزراعة بانشاء المشاريع الزراعية وانتاج الخضر والفاكهو واللحوم والألبان والبض بحجة راحة ضباط الشرطة والعاملين بالشرطة وكأن العاملين بالشرطة ليسوا قطاع من قطاعات الشعب التى تعانى ضنك العيش. وبذلك لصار معظم ضباط الشرطة وأفرادها يعملون فى مؤسسات انتاجية أو تجارية بعيدة كل البعد عن العمل المفروض أن يناط به الشرطى السودانى هو حفظ أمن المواطن السودانى والذى فشلوا فيه كثيراً فى أحداث الأثنين التى أعقبت اعلان وفاة الدكتور جون قرنق. ومهما يقال فان الانحراف عن مهام وزارة الداخلية هو عامل أساسى أدى الى هذا الاخفاق الكبير والذى ستترتب عليه آثار مستقبلية مدمرة فى حق هذا الوطن ووحدته ونسيجه الاجتماعى الذى من المفترض أن تنسجه وزارة الداخلية ووزارة الشئون الاجتماعية بدلاً عن أن تكون سبباً فى نقض غزله.
والآن وقد تبوأ اللواء عبد الرحيم أخطر منصب دستورى وسيادى فى البلاد وهو منصب وزير الدفاع على قمة قواتنا المسلحة وهى المناط بها الحفاظ على وحدة البلاد وحماية الدستور وحماية البلاد من أى تدخل أجنبى هل سيتعامل اللواء غبد الرحيم مع وزارة الدفاع بنفس العقلية والذهنية التى تعامل بها مع وزارة الداخلية أم أن العترة بتصلح المشى؟ هل سيكون ما حدث له فى وزارة الداخلية الدرس البليغ الذى يجعله أن يتعامل مع هذه الوزارة الحساسة بكل المسئولية الوطنية أم سيتعامل معها بعقلية الاتقاذ والانتماء الحزبى والغقائدى الضيق والذى اذا كان جائزاً فى وزارة الداخلية لأنها شأن داخلى فهى غير جائزة فى وزارة الدفاع وقمة قواتنا المسلحة والتى يفترض فيها الا تكون منتمياً حزبياً ولا عقائدياً ولا عنصرياً ولا جهوياً ولا عرقياً، بل يجب أن يتمثل فيها الانتماء الوطنى الكامل خاصة والبلاد تمر بمنعطف خطير ودقيق معتم بكل ظلال الشك والريبة وعدم التفاؤل فى المستقبل خاصة وان هذه الحكومة لم تمثل الاجماع الوطنى والوحدولكاملة ز
نتمنى أن ينجح الفريق عبد الرحيم محمد حسين فى مسئوليته الجديدة وأن يكون فيها قومياص ختى تطلع قواتنا المسلحة بمسئولياتها التاريخية والوطنية وأن تكون قدر التحدى الماثل امامها فى مستقبل السودان. ونتمنى الا يؤثر بموقعه الجديد ونفوذه المتزايد على مجريات قضية انهيار عمارة جامعة الرباط حتى ولو كانت الحثيات تشير الى أنه شريك أساسى فى الخطا أو له ضلع فيه اذ أن جماهير الشعب السودانى لم ترى حتى الآن تفاصيل لجنة التحقيق التى كونها النائب العام وعدم نشر هذا التقرير كاملاً فى الصحف قد القى بظلال الشك والريبة أن الخطا قد شارك فيه متنفذون كبار.
نختم ونقول أننا قصدنا من طرح هذا الموضوع فى بداية مسار الحكومة الجديدة والتى قال عنها رئيس الجمهورية أنها ستعمل بكل الوضوح والشفافية وستحارب الفساد اين ما كان وليس هنالك كبير فوق القانون، لئلا تنحرف وزارة الدفاع عن مهمها الأساسية الى أعمال جانبية لها مؤسساتها ووزاراتها ومصالحها الحكومية الأخرى التى يمكن أن تقوم بها وألا يتغول السيد وزير الدفاع على الوزارات الأخرى باستخدام دمغة الجريح والتى ما زالت سارية رغم وقوف الحرب والجروح فى الجنوب وتبقى جروح دارفور والتى علاجها ليس بمزيد من الجروح ولا دمغة الجريح ولكن بالحلول السياسية الشجاعة التى تضع مصلحة الوطن ووحدته فوق المصالح الشخصية والحزبية الضيقة.