تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

عبر من ذكرى شهر عظيم ورحيل شيخ ورع كريم بقلم محمد يوسف حسن

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
11/4/2005 8:33 م

محمد يوسف حسن
[email protected]

عبر من ذكرى شهر عظيم
ورحيل شيخ ورع كريم
حل علينا شهر القرآن برهة ثم رحل مسرعا، وفى غشيته السريعة هذه جاءنا محملا بالبشرى بأن أوله رحمة ووسطه مغفرة وآخره عتق من النار. فكم عاقل فى هذه الدنيا لا يمتد عنقه ويطمع فى هذه الهدية الربانية التى تصل إلى باب مسجده أو داره وهو يتلقاها بالذكر والقرآن والصوم الخالى من الرفث والعصيان؟ يجيئنا رمضان خفيفا ويمضى مسرعا، وإن إشتكى البعض من شدة الحر وجفاف الحلق وعضة الجوع وظل ينظر إلى ساعته عند كل رأس دقيقة. فرمضان إشتق إسمه من الرمض والرمضاء أى حر الشمس ومن ثم الشعور بالظمأ وهو حال من نشاطرهم من المساكين المعدمين الذين لا يجدون من قوت يومهم ما يسد الرمق فيبيتون وأطفالهم على بطون ضاوية. ورمضان يمضى مسرعا، وإن تمنى البعض أن تثبت رؤية هلال شوال قبل إكمال رمضان يومه الثلاثين، لأن شهر رمضان يمثل قسما من إثنى عشر قسما من العام الهجرى وبذلك يصبح مثل النسمة التى تهب علينا لدقائق فى فجر صيف غائظ وما أن تشرق شمسه حتى ترمى بلهيبها الحارق. وهو محطة للتزود بالوقود عند عبور كل إحدى عشرة مدينة (شهرا) فإن أضعت فرصة التزود عرضت نفسك لتهلكة قبل أن تصل محطتك القادمة ولذلك كان دعاء المصطفى الذى غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر :( اللهم بلغنا رمضان ) وهكذا حرص الصحابة والتابعين على الدعاء ببلوغ رمضان لأنه شهر تزود وشهر تجديد وتجدد. فمن بلغه ولم يجدد نفسه ويرمم ما تهدم من عمله ويخرج بعده أكثر صدقا وأوفر عطاء فهو خاسر وكأنه لم يشهده. ورمضان قصير وإن طال نهاره لأنه موسم زراعة لمن أحسن زرعه بالذكر والإستغفار وإظهار الإنقياد والإنكسار لإرضاء الخالق الجبار وشهر حصاد فأجر النفل فيه يعدل أجر الفرض والحسنة فيه تبلغ سبعمائة درجة أو تزيد. كم من صائم لم يفعل فى يومه غير حبس نفسه عن الأكل والشرب ولكنه مفرط فى بقية عباداته فمثله مثل الذى أدركه موسم الخريف فاستأجر مزرعة ولم يفلحها فماذا يرجو أن يحصد منها؟! كم من غافل يمر عليه رمضان وهو غارق فى غفلته بالتلهى بما يشغله عن العبادة بنوم نهاره وسهر ليله بالإستغراق فى المزيد من الملاهى فى فضائيات تعرض الكثير من المبتذل وتسهر به إلى وجه الفجر دون أن يلهج لسانه بالإستغفار أو يتقرب بركعتين للواحد القهار سائلا قضاء حاجته أو تفريج كربه أو غفران ذنبه أو أن يوسع له فى داره أو يبارك له فى رزقه.
طوبى لراع أدرك رمضان فتحسس أحوال رعيته، وطوبى لحاكم أكمل رمضان فأحسن إختيار بطانته ومعيته، وأفلح حاكم شهد رمضان فبسط العدل بين العباد وقطع الطريق على الفسّاق والفساد.

إلهى أقـــل عــثرتى وتولـنى بعـفــو *** فــإن النائبات لهــا عــنفُ
خلعت عذارى ثم جئتك عامدا *** بعذرى فإن لم تعف عنى فمن يعفُ

وا حسرتاه على من شهد رمضان ولم يصوم نهاره ويقوم ليله.. ووا أسفاه على من شهد مكرمة ربه بليلة قدر تعدل ألف شهر من العبادة بل تزيد ولم يقترب منها بدعاء سحر أو تهجد ثلث ليل سائلا عطف ربه وتفريج كربته والبركة فى زوجه وذريته وسلامة وجمع شمل أسرته وإخوته فى الدين ورجاء الخالق فى أن يؤمن له وطنه وأمته ويصلح ولاة أمره!!

عســــى مـن خفى اللــطف ســبحانه لطف *** بعطفـــةَ برّ فالكريم له عطــفُ
عسى من لطيف الصنع نظرة رحمة *** إلى من جفاه الأهل والصحب والإلفُ
عسـى فـــرج يأتى به اللـه عــاجلا *** يســـر به الملهــوف إذا غمه اللهـــفُ
عســى لغـــريب الدار تدبير رأفــــة *** وبر مــن البارى إذا العيش لم يصـفُ
عسـى نفحــة فــردية صــمدية *** بهـا تنقضــى الحــاجـات والشمـــل يلـــتفُ
فـــإنى والشكــوى إلى الـلـه، كالـذى *** رمى نفســه فى لجـةًَ موجهـا يطفــو

رحل شهر الخير والبركات وحمل معه صحائف الناس لينظر ربّ العزة بذاته العلية فى حصادهم فى رمضان وقد تعهدهم بالجزاء الأوفى حيث قال :( الصوم لى وأنا أجز به ). وبإنتهاء شهر الصوم تطوى صحائف الأعمال خلاله حيث ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر. البعض سجل فى صحيفته إسمه فقط وآخرين لم تسجل من أعمالهم إلا القليل الذى لم يتجاوز صفحتها الأولى ومنهم من وفقه المولى لصيام رمضان وقيامه والإنفاق فيه فامتلأت صحيفته بالأعمال الصالحات. جاء فى معنى الحديث النبوى الشريف :" رغم أنف إمرء أدرك رمضان ولم يغفر له"

ولم أبن حسن الظن فى سيدى *** على شفا جرف هار فينهار بى الجرفُ
ولكـن دعــوت الـلـه يكشــف كــربتى *** فمـا كـربة إلا ومــنه لهـا كشــفُ
فكــم بســطـت كـــف بســـؤ تريدنى *** فقـال لهـا الكـافى الأغلــب الكـفُ
وكم همّ صرف الدهر يصرف نابه *** علىّ فجاء الغوث وانصرف الصرفُ
ولـم أعتصـــم بالـلـه إلا ومــد لى *** مــن البرّ ظــلاً فى رضــاه له وكـــفُّ
وإنى لمســتغن بفقــرى وفاقــتى *** إليه ومســـتقو وإن كـــان بى ضــعفُ
وفى الـغـيب للعـبد الضعيف لطـائفٌ *** بها جفـت الأقلام وانطوت الصحفُ

وكما إنقضى شهر الصوم سريعا وترك لنا دروسا وعبر فقد إفتقدت البلاد عالمها الجليل العارف بالله الشيخ الورع صاحب المدرسة الدعوية الشاملة الشيخ عبدالرحيم محمد وقيع الله الملقب بالبرعى الذى رحل عنّا إلى دار الخلود مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا إن شاء الله. وقد إفتقده السودان مثلما إفتقده مريدوه ومحبوه لأنه أسس مدرسة دعوية قامت على التعايش وجمعت أهل السودان من أطرافه المختلفة فى تلك البقعة المباركة المسماة الزريبة فى كردفان. والشيخ البرعى لم يعلو المنابر لكى يحدث الناس حديثا سرعان ما يتركونه ورائهم فى زحمة الحياة ولكنه قاد الناس فى شعاب الحياة المختلفة بمنهج عملى. فقد إهتم بتعليمهم وتطبيبهم وكسوتهم وتزويجهم وإسكانهم وسلامة أبدانهم وكذلك لم يغفل تزكية وجدانهم. وكما قال عنه صاحب ألوان أنه رجل صنع (خلق) خصيصا لأهل السودان. قام بتأسيس منهج متفرد فى مجال الدعوة يتمثل فى إنتاجه الأدبى الثر الذى فاق المليون قصيدة ومنها هذه القصيدة التى أوردنا بعضا منها فى أعلى مقالنا والتى نظمها فى السبعينات من القرن الماضى وأطلق عليها إسم (غريب الدار)،وعالج من خلال قصائده المختلفة هذه، بصورة مبسطة وسهلة فى شكل مدائح يترنم بها المتعلم وغير المتعلم،بتقديم جرعات فى الهدى النبوى الذى يحض الناس على الاحسان ومحاربة هوى النفس والشيطان والصبر على رهق الآخرين وبر الوالدين وأمور كثيرة تتراوح بين الحض على أداء العبادات والتقرب بالنوافل والطاعات إلى التحلى بالأخلاق الفاضلة إلى الإهتمام بلغة القرآن. وفى قصيدته (بوريك طبك) يقول:
بوريك طبك أحسن فيمن عاداك أو من يحبك
أذكر إلهك يوت
لا تنس ربك أكثر لذكر الموت تلقاه طبك

أما قصيدة ( الوضؤ) فيقول فيها:
جدد وضوك خالف هوى نفسك إبليس عدوك
واظب صلاة الليل
طريق أبوك أمسك تمام، والغير لا يعجبوك
عاشر بحسن أخلاق للأصحبوك وأكرم جميع الناس حتى الأبوك
عاون أخوك بر والديك ولو تفدى المهوك
أحذر من الفساق لا يوسخوك *** والأشقياء الضالين لا يمسخوك
واصل صلاة الليل
لا يفتنوك، الاغنياء يضلوك برصيد بنوك مُر أهلك بالصلاة خدمك بَنُوك
ثم اصطبر علّي هل يرزقوك

ألا رحم الله الشيخ البرعى وبارك فى ذريته ونفع بعلمه الذى تركه صدقة جارية ينتفع بها الناس من بعده. وكل عام وأهل السودان وأمة الإسلام بألف خير،،،

للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved